تساؤل
وبعد أن تبين لك أيها القارىء الكريم من خلال الصفحات الماضية عظمة دين الإسلام ، وشموله ، وعدله ، ومدى حاجة البشرية إليه - قد يخطر ببالك تساؤل فتقول:
إذا كان الإسلام بهذه العظمة والشمول ، والعدل - فلماذا لا نرى أهله في مقدمة الأمم في هذا العصر ؟ ولماذا نرى كثيراً منهم بعيدا عن الاتصاف بما يأمر به الدين ؟ وما مدى صحة ما يقال بأن الإسلام دين تطرف ، وإرهاب؟
والجواب عن ذلك يسير بحمد الله ، وذلك من عدة وجوه:
1- أن حال المسلمين في عصورهم المتأخرة لا تمثل حقيقة الإسلام : فمن الظلم وقصور النظر أن تُجْعَلَ حال المسلمين في هذه العصور المتأخرة - هي الصورة التي تمثل الإسلام ، فيُظن أن الإسلام لم يرفع عنهم الذلة ، ولا التفرق ، ولا الفقر.
فعلى من يريد الحقيقة بعدل وإنصاف أن ينظر إلى دين الإسلام من خلال مصادره الصحيحة من كتاب الله ، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وما كان عليه سلف الأمة الصالح ، وأن ينظر إلى الإسلام من خلال الكتب التي تتحدث عنه بعدل وعلم ، فسيتبين له أن الإسلام يدعو إلى كل صلاح ديني ودنيوي ، وأنه يحث على الاستعداد لتعلم العلوم النافعة ، وأنه يدعو إلى تقوية العزائم ، وجمع الكلمة.
ثم إن انحرافات بعض المنتسبين إلى الإسلام - قلت أو كثرت - لا يجوز بحال من الأحوال أن تحسب على الدين أو أن يعاب بها ، بل هو براء منها ، وتبعة الانحراف تعود على المنحرفين أنفسهم ؛ لأن الإسلام لم يأمرهم بذلك ؛ بل نهاهم وزجرهم عن الانحراف عما جاء به.
ثم إن العدل يقتضي بأن يُنظر في حال القائمين بالدين حق القيام ، والمنفذين لأوامره وأحكامه في أنفسهم وفي غيرهم؛ فإن ذلك يملأ القلوب إجلالا ووقارا لهذا الدين وأهله ؛ فالإسلام لم يغادر صغيرة ولا كبيرة من الإرشاد والتهذيب إلا حث عليها ، ولا رذيلة أو مفسدة إلا صد عن سبيلها ، وبذلك كان المعظمون لشأنه ، المقيمون لشعائره في أعلى طبقة من أدب النفس ، وتربيتها على محاسن الشيم ، ومكارم الأخلاق ، يشهد لهم بذلك القريب والبعيد ، والموافق ، والمخالف.
أما مجرد النظر إلى حال المسلمين المفرطين في دينهم ، الناكبين عن صراطه المستقيم - فليس من العدل في شيء ، بل هو الظلم بعينه.
2- أن تأخر المسلمين سببه البعد عن الدين : فلم يتأخر المسلمون عن ركب الحضارة ، ولم يتفرقوا ويستذلوا إلا عندما فرطوا في دينهم ، ونسوا حظا مما ذكروا به.
فالإسلام دين الرقي ، والتقدم ، والزكاء ، وعندما كان المسلمون متمسكين بدينهم حق التمسك دانت لهم أمم الأرض قروناً متطاولة ، فنشروا فيها لواء الحكمة ، والعدل ، والعلم.
وهل ترقت أمم الأرض ، وبزَّت غيرها في الصناعات والاختراعات المذهلة إلا بعد أن استنارت عقول أهليها بعلوم المسلمين بعد الحروب الصليبية ؟
ألم تكن تلك الأمم في القرون التي يسمونها القرون المظلمة في غاية الجهل ، والهمجية ؟
ألم يكن المسلمون هم سادة الخلق آنذاك؟
ألم تكن مدينة الإسلام هي المدنية الزاهرة الحقيقية ؛ حيث كان روحها الدين والعدل ، والرحمة ، حتى لقد شملت بظلها الظليل ، وإحسانها المتدفق جميع الناس حتى المخالفين والأعداء؟
فهل أخر المسلمين دينهم الحق ؟ وهل منعهم من الرقي الحقيقي ؟ وهل نفع الآخرين كفرهم بالله في تلك القرون الطويلة إذ كانوا هم الأذلين المخذولين؟
ثم لما قصر المسلمون في التمسك بدينهم ، وقصروا في ترك الأخذ بالأسباب الموصلة إلى خيري الدنيا والآخرة - حل بهم التفكك والدمار.
ثم إن التقدم المادي لا يكفي وحده ، بل لا بد معه من الدين الحق الذي يزكي النفوس ، ويرتقي بالأخلاق ، فها هي أمم الكفر لما ارتقت في علوم المادة وأغفلت جانب الروح - ها هي تتخبط في تيهها وضلالها ؛ فهل أغنت عنها تلك المدنية المادية فتيلا؟
ألم تكن حضارتها قائمة على الظلم ، والجشع ، والاستبداد ، والاستعباد ، والتسلط على الأمم الضعيفة ؟
ألم ينتشر فيهم الخيانة ، والسرقة ، والانتحار ، والقتل ، والأمراض النفسية ، والجنسية وغيرها؟
فهذا أكبر برهان على أن الرقي المادي ينقلب ضرراً على أهله إذا خلا من الدين الحق الذي تستنير به العقول ، وتزكو به النفوس
3- أن القول بأن الإسلام دين تطرف وإرهاب مردود على من قاله : فهو محض افتراء ، ومحاولة للصد عنه ؛ فالإسلام دين الرحمة ، والرفق ، والتسامح ، و ما السيف الذي يأمر الإسلام بانتضائه للجهاد في سبيل الله إلا كمبضع طبيب ناصح يشرط به جسم العليل ؛ لينزف دمه الفاسد ، حرصاً على سلامته ؛ فليس الغرض من الجهاد في الإسلام سفك الدماء ، وإزهاق الأرواح ، وإنما الغرض منه إعلاء كلمة الله ، وتخليص البشر من عبادة البشر ، ودلالتهم على عبادة رب البشر ، كي يعيشوا حياة كريمة.
وأمة الإسلام خير أمة أخرجت للناس ، وخير أمة جاهدت في سبيل الله فانتصرت ، وغلبت فرحمت ، وحكمت فعدلت ، وساست فأطلقت الحرية من عقالها ، وفجرت ينابيع الحكمة بعد نضوبها.
واسأل التاريخ ؛ فإنها قد استودعته من مآثرها الغُرِّ ما بَصُرَ بضوئه الأعمى ، وازدهر في الأرض ازدهار الكواكب في كبد السماء.
فماذا فعل المسلمون حين انتصروا على خصومهم ؟ هل تكبروا ، وتسلطوا ، واستبدوا؟ وهل انتهكوا الأعراض ، وقتلوا الشيوخ ، والنساء ، والأطفال ؟
ماذا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما انتصر على خصومه الذين كانوا يؤذونه أشد الأذى ؟ ألم يكن يصفح عنهم ؟ ويمن عليهم بالسبي والأموال؟
وماذ فعل المسلمون عندما انتصروا على كسرى وقيصر؟ هل خانوا وغدروا ؟ هل تعرضوا للنساء ؟ وهل أساءوا للرهبان في الأديرة ؟ وهل عاثوا في الأرض فسادا ؟ وهل هدموا المنازل ، وقطعوا الأشجار ؟
وماذا فعل صلاح الدين لما انتصر على الصليبيين الذين فعلوا بالمسلمين الأفاعيل ، ونكلوا بهم أيما تنكيل ؟ فماذا فعل بهم صلاح الدين لما انتصر عليهم ؟ ألم يصفح عن قائدهم ؟ ويعالجه ؟ ويطلق سراحه؟
فهذه المواقف النبيلة وأمثالها كثير في تاريخ المسلمين ، مما كان له أبلغ الأثر في محبة الناس للإسلام ، والدخول فيه عن قناعة ويقين.
أفغير المسلمن يقوم بهذا ؟ آلغرب يقدم مثل هذه النماذج ؟
الجواب ما تراه ، وتسمعه ؛ فمن أين خرج هتلر ، وموسيليني ، ولينين ، وستالين ، ومجرمو الصرب ؟ أليست أوربا هي التي أخرجت هؤلاء وأمثالهم من الشياطين الذين قتلوا الملايين من البشر ، ولاقت منهم البشرية الويلات إثر الويلات ؟
ألا يعد أولئك هم طلائع حضارة أوربا ؟ فمن الهمج القساة العتاة إذا ؟ ومن المتطرفون الإرهابيون حقيقة ؟
ثم من الذين صنعوا القنابل النووية ، والعنقودية ، والذرية ، والجرثومية ، وأسلحة الدمار الشامل ؟
ومن الذين لوثوا الهواء بالعوادم ، والأنهار بالمبيدات ؟
ومن الذين يسلكون الطرق القذرة التي لا تمت إلى العدل ، ولا إلى شرف الخصومة بشيء ؟
من الذين يعقمون النساء ؟ ويسرقون أموال الشعوب وحرياتهم ، ومن الذين ينشرون الإيدز ؟
أليس الغرب ، ومن يسير في ركابهم ؟
ومن الذي يدعم اليهود وهم في قمة التسلط والإرهاب ؟
هذه هي الحقيقة الواضحة ، وهذا هو الإرهاب والتسلط .
أما جهاد المسلمين لإحقاق الحق ، وقمع الباطل ، و دفاعهم عن أنفسهم وبلادهم فليس إرهاباً ، وإنما هو العدل بعينه .
وما يحصل من بعض المسلمين من الخطأ في سلوك سبيل الحكمة فقليل لا يكاد يذكر بجانب وحشية الغرب ، وتبعته تعود على من أخطأ السبيل ولا تعود على الدين ، ولا على المسلمين.
وقد يكون لهذا مسوغاته في بعض الأحيان ؛ فظلم الكفار عليهم قد يوجد مثل هذه التصرفات.
وهكذا ينبغي للعاقل المنصف ؛ أن ينظر إلى الأمور كما هي بعيداً عن الظلم والتزوير والنظرة القاصرة.
وبعد هذا فإن كان للإنسان عجب من شيء فإن عجبه من الأوربيين ، والأمريكان ؛ حيث لم يكتشفوا حقيقة الدين الإسلامي فيما اكتشفوه ، وهي أجلُّ من كل ما اكتشفوه ، وأضمن للسعادة الحقيقية من كل ما وصلوا إليه ؛ فهل هم جاهلون بحقيقة الإسلام حقاً ؟!
أم أنهم يتعامون ويصدون عنه؟!
الدخول في دين الإسلام
وبعد أن تبين لك عظمة دين الإسلام ، وأنه الطريق الوحيد للنجاة عند الله ـ عز وجل ـ وأن الدخول فيه واجب على كل إأحد ، لك أن تسأل عن كيفية الدخول فيه ، والجواب عن ذلك أن الإنسان يدخل في الإسلام بفطرته ، وأصل خلقته ؛ فكل مولود على وجه الأرض يولد على الفطرة ، وهي دين الإسلام ؛ فالمولود يولد مقراً بخالقه ، محباً له ، متوجها إليه.
فإذا بقي على هذه الفطرة فهو مسلم على الأصل ، ولا يحتاج إلى تجديد الدخول في الإسلام إذا بلغ وعقل.
أما إذا نشأ بين أبوين غير مسلمين ، واعتنق دينهما الباطل ، أو كان معتنقاً أي دين غير الإسلام كان واجبا عليه أن يتخلى عن دينه السابق ، ويدخل في دين الإسلام ؛ فيشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ثم يبدأ بتعلم ما يقيم به شعائر دينه من إقامة الصلاة ونحو ذلك ما سيأتي بيانه في الصفحات التالية - إن شاء الله- .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق