الجمعة، 1 فبراير 2013

الصحابة


أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نصيب وافر، فيشهد المفضل الغلابي لاثنين من شباب الصحابة بأنهما من أزهد الأنصار، وهما عمير بن سعد وشداد بن أوس -رضي الله عنهما- فيقول:«زهاد الأنصار ثلاثة: أبو الدرداء، وشداد بن أوس، وعمير بن سعد».
ويشهد عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- لابن عمر -رضي الله عنهما -بالورع والتقوى فيقول :«لقد رأيتنا ونحن متوافرون وما فينا شاب هو أملك لنفسه من ابن عمر».
ويشهد له بالزهد والبعد عن الدنيا إذ يقول:«إن من أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا عبدالله بن عمر»
ويثنِّي على هذه الشهادة صحابي آخر هو جابر -رضي الله عنه- فيقول:«ما منا أحد أدرك الدنيا إلا وقد مالت به إلا ابن عمر». وهاهو طاووس رحمه الله يقول :«ما رأيت أورع من ابن عمر، ولا أعلم من ابن عباس». وقال :«ما رأيت أحداً أشد تعظيماً لحرمات الله من ابن عباس». وقال ابن سعد عن قثم بن عباس -رضي الله عنه- :«وكان قثم ورعاً فاضلاً». إن الزهد أمارة على حقارة الدنيا في قلب صاحبها؛ الدنيا التي لا تعني المال وحده، بل هي كل متاع عاجل لا يعدو المال أن يكون واحداً من أصنافه وألوانه. والورع حاجز يحول بين المرء وبين كثير مما تدفعه له نفسه خشية الوقوع في المحظور وارتكاب الحرام، وما أهون الامتناع عن المعصية عند أولئك الذين يتورعون عما يشتبهون فيه ويلتبس أمره عليهم. والنفس أبية عصية تحتاج إلى مجاهدة وترويض، فهذه المراتب لا تكتسب بالتمني ولا تدرك بين يوم وليلة، بل هي نتاج تربية للنفس وأطر لها على الحق، وأخذ بزمامها عن الباطل.
الخوف من الله والبكاء من خشيته:
لقد أثنى الله تبارك وتعالى على الذين يبكون من خشيته ووصف عباده الصالحين الذين أوتوا العلم بأنهم ((يخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً))( (الإسراء:109) ووصفهم بأنهم ((إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً)) (مريم: 58).
وجاءت السنة النبوية بفضله فمن ذلك: حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله».
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم».
وحيث كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخشى الأمة لله بعد نبيها صلى الله عليه وسلم فقد كانوا من أرق الناس أفئدة، وأكثرهم دمعة، فمن ذلك ماذكره أهل السير عن عبدالله ابن حنظلة -رضي الله عنه- أن سمع قارئاً يقرأ ((ومن فوقهم غواش))(الأعراف: 41) فبكى حتى ظنوا أن نفسه ستخرج، ثم قام، فقيل: يا أبا عبدالرحمن، اقعد، فقال: منع من ذكر جهنم القعود، ولا أدري لعلي أحدهم.
ولم يكن أولئك -رضي الله عنهم- يقتصرون على الخوف وحده، فقد كانوا يجمعون بين الخوف والرجاء، فعن أنس -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت فقال:«كيف تجدك؟» قال:والله يا رسول الله أني أرجو الله وإني أخاف ذنوبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف». استعظام الذنوب: إن المؤمن التقي الذي يخاف ربه ويخشاه يستعظم معصيته، وتشق عليه وإن استهان بها الناس، وقد كان هذا الجيل المبارك يعيش هذا الشعور الذي يحدثنا عنه أحد الشباب وهو أنس بن مالك -رضي الله عنه- فيقول:« إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر إن كنا لنعدها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الموبقات». ويؤكد هذا المعنى شاب آخر هو أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- فيقول:«إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات». ويقف المسلم أمام هذا الأثر مشدوهاً متسائلاً. يقول ذلك أنس وأبو سعيد -رضي الله عنهما-للتابعين مصورين النسبة بين رؤية أولئك لذنوبهم ورؤية أصحاب النبي.،، ويتساءل في نفسه ماذا عسى أن تكون ذنوب أولئك التابعين؟ وكيف تكون النسبة بين رؤيتنا لذنوبنا وتقصيرنا وبين ذاك الجيل؟ وماذا عسى أنساً وأبا سعيد -رضي الله عنهما- أن يقولا لو رأيا ما نحن عليه؟ . ويصور آخر وهو عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- نفس المؤمن حين يواقع الخطأ هذا التصوير فيقول:«لنفس المؤمن أشد ارتكاضاً من الخطيئة من العصفور حين يقذف به». ولعلك تشاركني الفهم أن هناك فرقاً بين ما يراه عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- خطيئة وبين ما نراه نحن كذلك. إن استعظام الذنب يتولد منه لدى صاحبه استغفار وتوبة، وبكاء وندم، وإلحاح على الله عز وجل بالدعاء وسؤاله تخليصه من شؤمه ووباله، وما يلبث أن يولد دافعاً قوياً يمكِّن صاحبه من الانتصار على شهوته والسيطرة على هواه. أما أولئك الذين يحتقرون الذنب فيشعر أحدهم بالندم ويعزم على التوبة، لكنها عزيمة ضعيفة سرعان ما تنهار

طرق الشيطان

طرق الشيطان في اغواء الانسان
الطريقة الأولى
يقول لك اكفر فلو فعلتها ارتاح باله و لم يحمل لك هم
الطريقة الثانية
فإذا سلمت من الأولى فإنه يزين لك بدعة من عمل أو قول فتظن أنك على حق و تنسى أن كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار
الطريقة الثالثة
فإذا سلمت من الأولى و الثانية انتقل إلى الثالثة و هي عمل كبيرة من الكبائر حتى يجعلك تذنب و لكن مع التوبة والإستغفار يغفر لك الله كما قال اهل العلم لا صغيرة من الإصرار و لا كبيرة مع الإستغفار
الطريقة الرابعة
فإذا سلمت من الطرق السابقة جاء لك بصغيرة تكون معك كل الوقت و معظمه حتى تنقص من حسناتك و علو درجاتك في الجنة مع الصديقين و الشهداء. و إن شاء الله بالتوبة تُغفر تلك الصغائر
الطريقة الخامسة
فإذا تبت من كل ذلك فأنت تعتبر الآن في المراتب العالية عند إبليس. فيأتي لك بطريقة خامسة و هي أن يشغلك بالأقل أجراً من الأعلى. فيجعل همك مثلاً على إماطة الأذى و بالرغم من أنها من الإيمان إلا أنها ليست الأعلى أجراً و هكذا
الطريقة السادسة و الأخيرة
فإذا سلمت من كل ذلك ، استخدم أصعب و أقوى أساليبه التي لم يسلم منها الأنبياء عليهم الصلاة السلام. و هي تسليط الأهل و الأقربون و من حولك من الناس لشتمك و إهانتك و إيذائك
فهل عرفـت مرتبتـك عند ابليـس ؟؟

اسلام الاجانب


بلغ عدد الرعايا الأجانب الذين اعتنقوا الاسلام في الجزائر 531 شخصا منذ بداية العام الحالي، وهو رقم قياسي مقارنة بالسنوات الماضية، بينما ويمثل هؤلاء 25 جنسية، غالبيتهم من فرنسا وإيطاليا وسويسرا والمكسيك وإسبانيا وألمانيا وبولونيا والنرويج والصين.

واللافت إنّ المسلمين الجدد يقطنون الجزائر منذ سنوات عديدة، ويتمتعون بمستوى تعليمي ووظيفي عال، فمنهم المهندسين، والدبلوماسيين والسفراء، على غرار السفير الدانماركي بالجزائر، وبينهم إطارات بمؤسسات أجنبية خاصة تعمل بالجزائر، ويعترف كل معتنقي الإسلام في الجزائر بالترحاب الكبير الذي يلاقونه خاصة في المساجد.
والملاحظ في السنوات السابقة أن الغلبة كانت للنساء الأوروبيات في اعتناق الإسلام من اللائي قدمن مع أزواجهن الجزائريين ودخلن في دين الله أفواجا، لكن التفوق الرجالي الأوروبي هذا العام أصبح طاغيا، بل انتهت معظم إعلانات الشهادة بعقد قران المسلم الجديد مع شابة جزائرية كان قد ارتضاها قبل إعلانه الزواج.

قصة إسلام خالد

فهذا الإيطالي مانياشي كونو روبيرتو -41 سنة- أشهر إسلامه وصار اسمه خالد تيمنا كما قال بسيف الله المسلول خالد بن الوليد، ولم يمض على إسلامه وقت كبير حتى عقد قرانه على شابة جزائرية، ويعلّق خالد الذي أطلق لحيته، أنّ علاقته بالإسلام العظيم، بدأت عندما قرأ حكايات المشاهير الذين دخلوا الدين الحنيف خلال القرن الماضي، على غرار الملاكمين محمد علي كلاي ومايك تايسون، ونجم كرة السلة الأمريكية كريم عبد الجبار، والفيلسوف ميشال فوكو، والمفكر روجي جارودي، والمطرب الإنجليزي الشهير يوسف إسلام (كات ستيفنس).
يقول خالد، الذي التقيناه بمسجد صلاح الدين الأيوبي وسط العاصمة الجزائرية،"تعرفت على عدد من المسلمين بمسقط رأسي بمدينة باليرمو(جنوب إيطاليا)، وهناك أهداني أحدهم مصحفا مترجما إلى الإيطالية، وأذكر أني حين لمسته أول مرة سرت قشعريرة في جسدي وبقيت لدقائق وأنا أرتعد، وأحسست بصوت يناديني من السماء أن أغتسل وتطهّر قبل أن تمسك بتلابيب القرآن، وهو ما فعلته على الفور..
وبعد أيام جلت فيها بين المعاني القرآنية السمحة، شعرت بدفء غريب افتقدته من ذي قبل، ثم كان التحاقي بالجزائر للعمل بالملحقية الثقافية للسفارة الإيطالية، فكانت فرصة لمعايشة الإسلام في دياره، وجالست في الشتاء المنصرم إماما جزائريا يدعى أبو أسامة، حدثني مطولا عن سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فأعلنت إسلامي على يديه في جمعة مشهودة لن أنساها ما حييت".

خالد الذي نجح في تعلم اللغة العربية وصار ينطقها بمهارة، تزوج بجزائرية وهو الآن منكب على دراسة التاريخ الإسلامي، وهو يرجو أن يتمكن من تأليف كتاب عن الإسلام يوزعه في إيطاليا والعالم، حتى يسهم في نشر هذا الدين.

إسلام صالح

"جون غرين" بريطاني الجنسية دخل الإسلام وتحولّ اسمه إلى صالح‮، ردّ الفضل في ‬إسلامه إلى مواطنه الداعية يوسف إسلام، وكذا عمرو خالد، مضيفا أنّهما شكّلا محطة فارقة لديه، لذا لم يتوان في النطق بالشهادتين ‬بالمسجد‮ ‬الكبير‮ ‬بمدينة‮ ‬جيجل (600 كلم شرق الجزائر) مع الإشارة أنّ صالح ‬مهندس‮ ‬ضمن‮ ‬شركة‮ ‬بريطانية ‬تعمل ‬في‮ ‬الجزائر،‮ ‬وأكمل‮ ‬نصف‮ ‬دينه‮ ‬مع‮ ‬شابة‮ ‬جزائرية‮ ‬بعد‮ ‬إسلامه‮.

أما الفرنسي "ديدي مزغام" فأشهر إسلامه في اليوم الثاني من رمضان المنقضي واختار اسم سفيان، وهو مراقب تقني يعمل في شركة بالجزائر، يعترف بأنّ السبب المباشر الذي قاده لاعتناق الإسلام يرجع إلى زوجته الجزائرية، التي تعرّف بها قبل نحو عام وأراد الزواج بها، لكنها اشترطت عليه الإسلام، ويشرح في مقابلته معنا، أنّه فضّل عدم الاستعجال ودخول الإسلام ارضاءا لـ"حبيبته"، بل فضل الاطلاع على هذه الديانة والتعمّق فيها، ويشيد مطوّلا بصديقه الجزائري يوسف الذي مدّه بتراجم عديدة لكتب عن العقيدة والفقه في الإسلام، كما يوضح سفيان أنّ استضافته من طرف عوائل جزائرية واندماجه في النسيج الإجتماعي للجزائر، أفحمه بحتمية الإسلام ورسّخ قيمه في أعماقه، ليعلن إسلامه بمسجد سيدي علي الذيب، وأهداه الإمام وقتها مصحفا مترجما باللغة الفرنسية.

عادل وخديجة

الشاب‮ ‬الصيني "هوانج هي" يشتغل في مؤسسة صينية للبناء بالجزائر، صار إسمه عادل، يتحدث العربية بصعوبة، ويحكي أنّ علاقته بالإسلام تعود إلى سنوات إقامته بمدينة شنجهاي الصينية، عندما تعرّف هناك على داعية مصري يكنّى أبو عمر، هذا الأخير عرّفه بالدين الإسلامي، لكنّه ظلّ مترددا حيال اعتناق الإسلام، وساعده رحيله إلى الجزائر التي يعمل بها منذ العام 2003، على إدراك جواهر الإسلام على حد تعبيره، حتى اقتنع مؤخرا ولفظ الشهادتين في أحدى الجمعات بمسجد في شرق الجزائر. ‮‮ ‬

أما كاترين وهي إمرأة فرنسية من مواليد 1966، أعلنت إسلامها وصار اسمها خديجة، أكدت أنّها تدين بالفضل في إسلامها إلى زوجها الجزائري عبد المجيد الذي تعرف بها في جنوب فرنسا وأقنعها بالسفر إلى الجزائر، وهناك لان قلبها للدين الحنيف وأصبحت مسلمة بعد سنوات من انتمائها إلى الطائفة الكاثوليكية.

إجراءات‮ ‬صارمة‮

مثل كل الدول الإسلامية، قامت السلطات الجزائرية بتحرير شهادات أو بطاقات إسلام بالنسبة للأجانب، بلغ عددها 1280 شهادة تثبت إسلام الذين نطقوا بالشهادتين خلال الأعوام الأخيرة، وهو إجراء إداري مهم بالنسبة لمعتنقي الإسلام وللدولة المستقبلة، إذ يستطيع المسلم الجديد ممارسة حياته الاجتماعية والإدارية بكل حرية، وخاصة الزواج بجانبيه الشرعي والإداري، حيث لا يصحّ لإمام المسجد قراءة فاتحة القران ما بين جزائرية وأوروبي أو آسيوي من دون شهادة الإسلام، كما لا يمكن للبلدية تحرير عقود القران، والدفاتر العائلية في غياب ذات الشهادة.
كما يحتاج الوافد الجديد على الإسلام الشهادة إذا أراد أداء مناسك العمرة والحج وفي قضايا الميراث وغيرها من الأمور الإسلامية التي تلزمه واجبات وتمنحه الحقوق مثل نفقات الطلاق، وتحفظ ملفات كل معتنقي الإسلام، وعددهم بالمئات في مختلف ولايات الوطن، لدى نظارات الشؤون الدينية في مقر الولاية التي أعلن فيها الشهادتين بعد أن يكون (المسلم) قد مرّ عبر جلسة اعتناق الإسلام مليئة بالبيانات الخاصة بالمسلم وإجابات لأسئلة يطرحها عليه رئيس الجلسة مثل درجة قناعته بالإسلام وأسباب اختياره للدين الحنيف وهذا بحضور شهود.
ويكون الملف ممضى ومبصما عليه من طرف المعني، ويتم إخطار مصالح الأمن، وهو إجراء ضروري خاصة أن مصر سبق لها وأن ضبطت جواسيس متورطين كانوا قد أعلنوا إسلامهم دون محاضر جلسات، ويمنع حاليا منعا باتا أن يتم إعلان إسلام أي شخص داخل مسجد في الجزائر من دون محضر جلسة اعتناق الإسلام والملف الخاص، في الوقت الذي انتقد البعض هذا الإجراء ووصفوه بالبيروقراطي والمعقد بالنسبة لدين السماحة والبساطة، وراحوا يقارنوه بردة بعض الجزائريين عن الإسلام إلى المسيحية وكيف يتم استقبالهم من بعض الكنائس بالورود.

ظاهرة ولها أسبابها

بحسب دراسة أطلعنا عليها الأستاذ "حسين بوعافية" وهو إمام مكلف بمكتب الشعائر حول معتنقي الإسلام في الجزائر، خلص فيها إلى أن مختاري دين الله الحنيف هم في غالبيتهم من الكاثوليك، والملاحظ إنّ البوذيين من أهل الصين باتوا ينافسون الكاثوليك، فيما لم يتم تسجيل إلا‮ ‬حالتين‮ ‬ليهوديين ‬اعتنقا‮ ‬الإسلام‮ ‬حديثا في‮ ‬الجزائر‮ ‬العاصمة‮، علما إنّهما‮ ‬من‮ ‬مواليد‮ ‬الجزائر‮‮.
كما تعزو الباحثة الجزائرية "زهية جوران" ازدهار ظاهرة اعتناق الإسلام في بلادها إلى غزو مئات المؤسسات الأجنبية للجزائر، وعودة الأوروبيين بقوة، بجانب ما تدرّه حركة السياحة، ما ضاعف من فرص إطلاع الأجانب على التراث الإسلامي والاحتكاك بأهله، مركّزة على أنّ العدد الحقيقي لمعتنقي الإسلام في الجزائر، يفوق المعلن، بحكم لجوء عديد الأشخاص للدخول في دين الله من دون الجهر بإسلامهم، تجنبا للمضايقات في زمن الخوف من الحملة الغربية إزاء ما تسميه "إرهابا" وارتباط الأخير في المخيال الغربي بالإسلام.
 

الزوج والشات


لزوجي الحرية في البيت كي لا يمارسها خارجه زوجة تسمح لزوجها بمعاكسة الفتيات بجوارها وأخرى توافق على مشاهدة زوجها الأفلام الإباحية (سأمنح لزوجي الحرية في البيت كي لا يمارسها خارجه) شعار تمسكت به الكثير من الزوجات وبموجبه سمحن لأزواجهن بممارسة هوايات وتصرفات خاطئة وسلبية ورغم اعتراضهن عليها وتضايقهن منها، إلا أنهن وافقن على ممارسة أزواجهن لهذه الهوايات في البيت من منطلق.. (تخطئ أمامي خير من أن تخطئ خلفي). ورغم تأكيد هؤلاء الزوجات بأن هدفهن هو تحاشي الوقوع في خطأ أكبر واحتواء الموقف وأخطاء الزوج للحد منها ومعالجتها في ما بعد، إلا أن زوجات أخريات يرين في ذلك تشجيعاً للزوج لممارسة الخطأ الذي يعود بالضرر عليه وعلى زوجته وأولاده، وأنه من الأجدر أن يكون على قدر من الوعي والنضوج والصلاح لتحمل مسؤولياته كرب أسرة. يعاكس الفتيات بجوار زوجته قد يكون من المعقول أن تسمح أي زوجة لزوجها بممارسة أية هواية أو تصرفات خاطئة داخل بيته ضمن إطار الحرية الشخصية له، إلا أنه من غير المعقول أن تسمح أية زوجة لزوجها بالتحدث مع الفتيات ومعاكستهن وهو جالس بجوارها داخل البيت. إلا أن هذا التصرف الغريب حدث للزوجة (أم راكان) التي تؤكد أنها سمحت لزوجها بالتحدث مع الفتيات ومعاكستهن من خلال مواقع المحادثة في الإنترنت بعدما اكتشفت انه كان يمارس هذه الهواية من ورائها وتقول: أنا أريد أن أؤكد في البداية أنني أحب زوجي وأغار عليه، والحكاية بدأت عندما اشترى زوجي جهاز كومبيوتر، ولولعه بالإنترنت وحبه الشديد له فقد أشترك مباشرة في خدمة الإنترنت وقد بدأ يجلس عليه لساعات طويلة، وبعد فترة لاحظت أنني كلما دخلت عليه الغرفة قام مباشرة بتغيير الموقع الذي كان داخلاً فيه أو إغلاق الصفحة التي كان يتصفحها مما أثار شكوكي ولم أظهر له شيئاً وبعدما راقبته جيداً اكتشفت أنه يدخل مواقع المحادثة ويتحدث مع فتيات النت، وزوجي من النوع العاطفي ويحب الشعر والخواطر العاطفية وغيرها، وقد سبق أن ذكر لي أنه يحب الحديث العاطفي مع الفتيات إلا أنه أكد لي بأن ذلك قبل زواجه. وتضيف: وبعد ذلك فكرت في الموضوع وفي أنني إذا كشفت الأمر أمامه وطالبته بعدم التحدث مع الفتيات في مواقع الإنترنت فسيتظاهر بالاستجابه لي، إلا أن زياراته لأحد أصدقائه العزاب الذي دائماً ما يذهب إليه ستكثر وسيمارس هذه الهواية معه في بيته وعندئذ ستكون نتائجها وخيمة، لذلك فضلت أن أصارحه بعلمي بما يفعله وبأنني لا أمانع شريطة أن يمارس تلك الهواية في البيت فقط وأن يتحدث مع الفتيات بالكتابة دون صوت أو صورة وأن أطلع على ما يكتبه من باب التسلية المشتركة، وبالفعل صارحته بذلك ووافق على الشرط، فأنا أرى بأنه من الأفضل أن يمارس هذه الهواية بجواري وتحت نظري من أن يمارسها خلفي، كذلك ليقيني التام بأنه سيمارسها لا محالة إن لم يكن أمامي فمن وراء ظهري وبذلك سأفقد السيطرة على الوضع ومنعه من أن يتجاوز حد التسلية المنزلية، وقد سعد زوجي بذلك وقال: إنني زوجة ذكية وواقعية، وصار يدخل لكل مواقع المحادثة ويتحدث مع الفتيات وأنا بجانبه، وحتى إذا ذهبت لأي مكان ثم عدت إليه فهو لم يعد يتضايق لمجيئي إليه أو يخفي عني شيئاً، بل إنه يتمتع بالحديث أمامي عن قصصه الوهمية مع الفتيات من أصدقاء النت. والآن وبعد مضي حوالي ثمانية أشهر بدأ زوجي بالملل والإقلال من هذه المحادثات بعد أن شعر بالتشبع منها، ليس هذا وحسب بل بدأ ينقطع عنها مؤخراً لفترات طويلة، وأنا متأكدة انني لو كنت منعته عنها لاستمر متمسكاً بها لأن كل ممنوع مرغوب كما يقولون. وترى أم راكان أن من الضروري منح الزوجة زوجها قدراً من الحرية في البيت لممارسة هواياته الخاصة حتى لو كانت خاطئة وتقول: إن الرجل يتضايق كثيراً من الزوجة التي تجعل نفسها شرطياً عليه، لذلك لا بد أن تمنحه قدراً من الحرية بأن يفعل ما يشاء من هواياته الخاصة إلا إذا تعلق الأمر بشيء يمس كرامة المرأة أو راحتها فعندئذ لا بد أن تمنع عنه ذلك لأن لها حقاً عليه كما للزوج حق على زوجته. رأي الدين: مسموح بشرط نية الزوجة تقويم زوجها. على الزوجة أن تضع في اعتبارها إنقاذ زوجها من الخطأ، حيث يؤكد الشيخ عبد الله المصلح عميد كلية الشريعة وأصول الدين في أبها سابقاً أنه لا بأس من أن تسمح الزوجة لزوجها بفعل الخطأ في البيت على أن تضع في اعتبارها إنقاذه من هذا الخطأ، مشدداً على أن الزوجة إذا عالجت منكر زوجها بمنكر أشد منه كانت عوناً له على مواصلة هذا المنكر ويقولزوجة تسمح لزوجها بمعاكسة الفتيات بجوارها وأخرى توافق على مشاهدة زوجها الأفلام الإباحية الصفحة السابقة المنكر هو المنكر ولكن كيف نعالجه، فإذا عالجت المرأة المنكر بمنكر أشد منه كانت عوناً لزوجها على أن يتواصل في الخطأ ويستمر في اعوجاجه عن المنهج السوي، لكن إذا هي عالجت هذا المنكر بطريقة حكيمة متدرجة فذلك دليل على حنكتها وحكمتها، وعلى سبيل المثال لو أن الزوج يشرب معسلاً ويخرج مع أصحاب فاسدين ربما يجرونه لما هو أكبر من ذلك، أما بقاؤه في البيت لكي يفعل هذه الفعلة فإن في هذا منكراً أقل، ولكن على أن تضع في اعتبارها خطة دعوية وتوعية ونفسية في سبيل إنقاذه من هذا المنكر في أقرب فرصة ممكنة. ويشير الداعية والشيخ محمد الماجد إلى أن ترك الصلاة هو المحك الأساسي في تقييم الزوجة لوضع زوجها واستمرار حياتها معه ومن ثمة الأمل في تغيير أوضاعه بقوله: يفترض أن يكون الرجل سليم العقل والدين ولا يمارس العادات المحرمة أو الأفعال المنكرة وإذا كان كذلك فلا يجوز للمرأة أن توفر له المكان لممارستها، لأن الراضي كالفاعل ولا بد أن يكون الإنسان متفهماً لأمور دينه ويستنكر المنكرات ويحاول تغييرها بقدر ما يستطيع، لأنه سوف يسأل الإنسان عن عمله يوم القيامة بمفرده، لذلك يجب على المرأة مفارقة زوجها إن كان لا يصلي بجانب تلك المنكرات، فترك الصلاة أمر عظيم ومن تركها فقد كفر وإن كان يصلي فإنه لم يخرج من دائرة الإسلام، ولكن قيامه بفعل تلك المنكرات من كبائر الذنوب التي سوف يحاسب عليها وللمرأة الخيار في أن تبقى معه وتدعو له بالهداية والتوبة وتحاول إصلاحه، أما إذا رغبت العيش في بيت طاهر فلها خيار أن تفارق ذلك الزوج. هواية ضارة بالصحة أما (أم أحمد) فهي منحت زوجها الحرية في ممارسة هوايته الضارة واستطاعت بذلك أن تحد من خروجه اليومي للاستراحة مع أصدقائه. تقول أم أحمد: ما يفعله زوجي لا أستطيع أن أسميه هواية كما أنه شيء بسيط جداً ومحبب للكثيرين إلا أنني اكرهه وقد يرى البعض أنني معقدة حين منعت زوجي من ممارسته في البيت وهذا الشيء هو تدخين المعسل وبعد أشهر من زواجي بدأ في تدخين ذلك المعسل في البيت ولأنني لا أطيق رائحته ولا أتقبل تدخينه فقد طلبت منه الامتناع عن تدخينه في البيت، وتقديراً لهذه الرغبة فقد أمتنع زوجي فعلاً عن تدخين المعسل في البيت إلا أنه بدأ يذهب للاستراحة مع أصدقائه لتدخينه فيها وكان يطيل السهر هناك. في البداية لم يكن لي أي تحفظ على ذهابه للاستراحة، إلا أن إدمانه الذهاب للاستراحة وبقاءه الطويل فيها يومياً لدرجة أنه صار يبقى فيها في حدود الخمس ساعات ولما أسمعه عما يحدث في الاستراحات من تصرفات خاطئة، فقد فكرت ملياً في الموضوع وعندما ناقشته في الأمر قال لي بأنه لا يستطيع ترك المعسل، حينها شعرت بأنني لا بد أن أختار أحد حلين أحلاهما مر. فإما الاستمرار على وضعه في الاستراحة مع ما يسبب لنا من مشاكل وأضرار نتيجة غيابه المستمر عن البيت بالإضافة إلى قلقي الدائم من وقوعه في ما هو أكبر ضرراً من المعسل، وإما السماح له بتدخين المعسل في البيت رغم كرهي له ونتائجه السلبية عليه وعلى البيت والأولاد، خاصة بعدما فشلت كل محاولاتي لإقناعه بترك المعسل، وبعد تفكير اخترت الحل الثاني وأخبرته بموافقتي على أن يدخن المعسل في البيت، بل وصرت أحضر له المعسل ورغم كرهي له ولرائحته إلا أنني على الأقل أرتاح لوجوده الدائم في البيت. يشاهد الأفلام الإباحية وغير بعيد عن الحالات السابقة حالة الزوجة (أم رائد) التي أيضاً سمحت لزوجها بممارسة تصرف خاطئ في البيت بعدما اكتشفت أنه يمارسه مع أصدقائه خارج البيت، فأم رائد اكتشفت بطريق المصادفة أن زوجها يشاهد الأفلام الإباحية في شقة أحد أصدقائه ورأت أن تسمح له بمشاهدتها في البيت وأن تجعله يشعر بالحرية في بيته كي لا يمارسها خارجه، إلا أن لها هدفاً آخر يتمثل في سعيها إلى كسب ود زوجها وثقتها به على أمل أن تقنعه مستقبلاً بترك تلك العادة السيئة. وفي هذا تقول: لم أكن أعلم في البداية عن حب زوجي لمشاهدة هذه الأفلام خاصة أنه لم يسبق أن تحدث عنها، بل إنه كان يدعي كره الأفلام التي تحوي مشاهد مخلة بالآداب، إلا أنني في أحد الأيام كنت قد ذهبت لزيارة إحدى الجارات وقد خرجت من البيت وهو ما زال فيه وعندما لم أجدها عدت مباشرة إلى البيت ودخلت الغرفة فجأة فرأيت ما هالني وصدمني، فقد وجدته يشاهد فيلماً إباحياً وشعرت بالقرف والتقزز مما رأيت ولم أتمالك أعصابي وصرت أشتمه وهو ساكت لم يرد وبعد ان هدأت أعصابي عدت إليه واعتذرت له من شدة حديثي معه وبدأت أسأله عن سبب مشاهدته لهذه الأفلام التي يعلم حرمتها وموقف المجتمع منها، خاصة أنني لم أقصر معه بشيء، بل إنني أسعى أن أكون في أجمل صورة عندما يكون في البيت فقال لي: إنه أدمن مشاهدة هذه الأفلام قبل الزواج ولم يتمكن من تركها وان حبه لهذه الأفلام لا يعني أنني مقصرة معه واعتذر مني ووعدني بعدم مشاهدتها.سمح لزوجها بمعاكسة الفتيات بجوارها وأخرى توافق على مشاهدة زوجها الأفلام الإباحية الصفحة السابقة وتضيف: وقد سارت الأمور بشكل جيد بعد ذلك إلا أنني لاحظت أنه صار يكثر من الذهاب لشقة أحد أصدقائه، وبعد ذلك شككت في الأمر ثم جلست معه جلسة مصارحة وقلت له: أريد منك جواباً صريحاً لأن الصراحة ضرورية بين الزوجين، هل تشاهد الأفلام الإباحية عند صديقك؟ فأجابني بنعم وعندئذ فكرت بالموضوع ورأيت أن من الأنسب أن أسمح له بمشاهدة الأفلام في البيت أملاً في أن أستطيع كسب ثقته وأن أؤثر عليه مستقبلاً بحيث يترك مشاهدة هذه الأفلام وسمحت له بالفعل بذلك وصار يشاهدها في البيت، أما أنا فلم أشاهدها معه، بل أشعره بتقززي منها ثم إنني صرت أناقشه شيئاً فشيئاً في مضمون وضرر هذه الأفلام النفسية والاجتماعية وأعمل على تزهيده فيها وقد بدأ في التقليل من عدد مرات مشاهدتها في الفترة الأخيرة وأعتقد أن المنع لمجرد المنع في السابق كان عاملاً هاماً في جذبه لهذه الأفلام. بين التأييد والرفض تعليقاً على الحالات السابقة ترى أم أيمن أن الزوجة يجب أن تتعامل مع زوجها بعقلانية فلا تتشدد معه في البيت بل تعطيه الحرية في ممارسة هواياته الخاصة الخاطئة إذا كان الخطأ غير مؤثر أما إذا كان الخطأ مؤثراً على الزوجة أو الأولاد فلا بد أن تكون قوية في منعه من ممارسة هذه الهواية لأن مصلحة الأسرة بشكل عام أهم من مصلحة الزوج، كما أن الزوج لا بد أن يقدر وضعه كزوج وأب وعلى هذا الأساس لا بد أن يمتنع عن أية هواية خاطئة أو تصرف لا يرضي زوجته. أما السيدة منيرة فترى أن من الخطأ السماح للزوج بممارسة هواياته الخاطئة في البيت كي لا يتمادى أكثر فيفلت زمام الأمور إذ تقول: تقوم الحياة الزوجية على مفاهيم وأسس أخلاقية صحيحة والزوج مثل الزوجة أو الابن أو أي فرد في الأسرة، والخطأ هو الخطأ أياً كان صاحب الخطأ لذلك على الزوجة ان تمنع زوجها من ممارسة هذا الخطأ مثلما أن على الزوج أيضاً منع زوجته من الوقوع في الأخطاء أو ممارستها فكل واحد منهما مرآة للآخر، وهذا لا يعني بأن تقوم الزوجة بمنع هذا الخطأ بالقوة لما لذلك من نتائج سلبية وعكسية على الطرفين، ولكن لا بد أن تظهر الزوجة عدم موافقتها على هذا الخطأ، خاصة التي تتعلق بالنواحي الدينية والأخلاقية كشرب المسكرات أو لعب القمار ولكن بشكل عقلاني يتناسب مع شخصية زوجها لأن موافقتها تعني تشجيع الزوج على ممارسة الخطأ ولا توجد أية مبررات لسماح الزوجة لزوجها بذلك ولا يضيرها أن تستشير والديها أو أهل العلم لتقويم حياتها وحماية حياة أولادها وزوجها من المفاهيم الساقطة. الحرية في البيت ضرورية لكن بشروط يرى محمد أبو نزار أستاذ الاجتماع في الكلية المتوسطة في الرياض أن من الضروري توفير جو الحرية في البيت وبما يكسب الزوج الراحة النفسية في بيته والاقتناع بنهج المصارحة والوضوح مع زوجته إلا أنه لا بد أن تكون هناك ضوابط معينة لهذه الحرية ويقول: من المعلوم مدى ما يحققه التفاهم والصراحة والوضوح من آثار ايجابية كبيرة على العلاقة بين الزوجين، لذلك فلا بد من مصارحة الزوج لزوجته بأية هوايات يمارسها بعيداً عنها وقبل ذلك لا بد أن يقتنع الزوج بخطأ ما يفعله وأن تكون لديه الرغبة في الإقلاع عن هذا الخطأ وممارسة الخطأ أمام الزوجة أفضل من ممارسته خارج البيت لان الزوج والإنسان بشكل عام ينجذب للممنوع من منطلق مقولة: (كل ممنوع مرغوب) ولا بد أن يكون هناك تفاهم بين الزوجين للتعاون فيما بينهما للمساعدة في منع ممارسة هذا الخطأ مع الوقت، فإذا كان خطأ ناتجاً عن التعود في الممارسة فيكون على الزوجة مسؤولية مساعدة زوجها في ملء فراغه وإيجاد البديل المناسب عن هذه الهواية أو العادة الخاطئة، ولا بد للزوج أن يتقبل ما تفعله زوجته في سبيل ذلك. ويضيف: الحرية في البيت ضرورية حتى يشعر الزوج بالراحة النفسية في بيته، ولا يدفعه عدم وجود هذه الحرية إلى ممارستها خارج البيت، حيث تكون الأضرار أكبر وأشد، إلا أن هذه الحرية لا بد أن تكون تحت ضوابط محددة، فما يخالف ديننا الحنيف لا يمكن أن نتقبله في البيت من منطلق ممارسة الحرية الشخصية، كذلك ما يكون ضرره واضحاً على مصلحة الأسرة وتربية الأطفال لا يسمح به، والزوج هو المسؤول عن بيته وأسرته ولا بد أن يتحمل مسؤوليته تجاههما ومثلما أنه لا يسمح لأولاده بالوقوع في الخطأ فمن باب أولى هو، خاصة أنه القدوة التي يتأثر بها الأبناء، وإذا رأى الطفل أباه يفعل تصرفاً خاطئاً ويكرره فإنه حتماً سيفعله مهما سمع أو قرأ عن خطأ هذا التصرف وأضراره، ولذا فالزوجان هما أعلم بمصلحة أسرتهما 

مشروع قومى



إن غياب مشروع وطني‏,‏ يقتنع الناس بأنه يسعي لتحقيق مصالح وأهداف مشتركة يسهم في انقسام المصريين وتباعدهم بحثا عن مصالح خاصة
سؤال العصر في 2006 من نحن بالفعل؟ ماذا نفعل؟ ما الذي حلّ بنا ؟ كيف ولماذا؟! … رغم كل محاولاتنا للرصد و الكشف و التحليل و الغوص وسبر الغور، تظلّ المُبْهمات ويظل الغموض ؟! لكن لنا شرف محاولة الاقتراب من هذا الشأن العصيّ على الفهم حتى لو بدا واضحاً كالشمس ….
نعيد السؤال بصيغة أخرى: هل هناك ـ بالفعل ـ خصوصية لنفسية الإنسان المصري؟؟

هذا موضوع خاص جداً، خاص بكل المقاييس لأنه يتناول أدق وأصعب مكونات الإنسـان، نفسه، المرآة التي تعكس كيـمياءه، روحه، انفعالاته، وحياته بشكل عام.

نعم هناك خصوصية لنفسية الإنسان المصري؟ ببساطة لأن المصري يتكون من عجين تتمازج فيها مكونات كثيرة متنافرة ومتناغمة متقاربة ومتباينة، تاريخ وحضارة، سياسة وعلاقات داخلية وعربية، طريقة خاصة في التعبير، لغة الجسد، التلويح بالأيدي، طريقة الكلام، الصياح، الصراخ، البكاء، الضحك، إلقاء النكت، النواح، البوح، إمساك الكلام، الوجوم، الحزن الشفيف وذلك الدفين، الألم الذي يعتصر القلب، والذي يشدّ الرقبة والرأس، الإبداع بكل صوره، العنف بكل أشكاله، الطيبة والسماحة، الغلظة والفظاظة، التوتر اليومي الذي كاد أو بالفعل أن يصبح عادة، فقدان الأمن والأمان، التشتت والضياع، الأصول والثوابت، القِيَم والمحبة، التواجد والهجرة، الجنون والمجون، الشروخ التي بانت في ظهر البلد، والتجاعيد التي ظهرت على وجه الشباب، الفرحة والبهجة، التدني في الذوق ومحاولة التمسك بالرقي في المعاملة والفن، الفلوس وما جلبته من مصائب ومن غنائم، انعكاسات التغيرات في مظاهر الشوارع والنجوع والقرى، الأطباق الهوائية اللاقطة (الدِشَّات) وهوائيات التلفزيون، ماء الترعة وماء النهر ماء البحر. كل هذا وأكثر مما لا يتسع له المجال يشكل القاعدة الرئيسية لخارطة النفس في مصر.

بالنسبة للمرض العقلي فلا دليل أن مصر تخرج عن الإطار العالمي الذي يحددها بــ 1 إلى 2.5 في المائة من عدد السكان. في الاضطراب النفسي، هناك ظواهر تشير إلى ازدياده أو على الأقل عدم الاستحياء في طلب المعونة والإرشاد والعلاج. مما قد يفسر ظاهرة الازدياد ، لكن يكاد الكل يجمع أن ثمة تغيراً ما، تغير ملموس محسوس ظاهر وباين للعيان ، في العيون في الخلجـات، حول العينين وعلى الجبهة، تغير في السلوك الحياتي المعاش يدركه الذي يأتي ويمضي، الذي يقترب ويبتعد.

إن النفس المصرية قد تغيرت، ربما ليست الصورة قاتمة وربما إنها إحدى إفرازات عصر العولمة في العالم ككل، لكن ولأن مصر والمصريين لهم سمات تسهل قراءتها فمن ثم تكون عملية التعرف على خطوطها المتعرجة وعلاماتها الإيجابية والسلبية سهلة.

هل بلدنا على الترعة تغسل شعرها، هل جاءها اكتئاب يستلزم حبة مبهجة أو صدمة مؤثرة، أم أنها (مش ناقصة)، أم جاءها نهار لم يستطع دفع مهرها. هل الحلم أمرٌ مشروع البوح به، هل الرومانسية عيب خطير، أم أن النفس المصرية قد أصبحت عجينة ياسمين مخلوطة بزيت كيماوي، سببته مخصبات التربة وحَرّ الصيف الذي فاق الحدود.

ليس هناك مجال للشك أن لعجينة الياسمين تلك عبقها، لكنه ليس نفس العبق الأول الأخضر الفوَاح، فما هي الأسباب يا ترى؟؟ . هذه هي محاولتنا هنا لرصد توتر الزهر وحزن الورد ونقاء التربة، ربما بشيئ من التفاؤل الحذر والضروري.

السمات النفسية للشخصية المصرية ـ محاولة دراسية نفسية :

هي محاولة فعلاً ولن تكون غير ذلك.

ربما تكون تلك المحاولة محاورة وقراءة للشخصية المصرية. هل هناك حقاً سمات نفسية محددة للشخصية المصرية أم أن الأمر محض مستحيل !؟

مما لاشك فيه أن هناك خصائص وسمات يختص بها الإنسان المصري دون سواه، وهذا ينطبق على الإنجليزي والمغربي مثلاً، كما في كل شعوب الأرض. هل التعميم واجب وهل هناك ضرورة للتحديد؟!

التعميم بشكل مطلق غير علمي، ولكن تحديد السمات والصفات الغالبة ضرورة لابد منها.

لكن قبل كل ذلك يجب التركيز على أن الشخصية المصرية تحديداً ـ متغيرة ـ وبسرعة، عبر العصور والأزمان، عبر المكان وفي مختلف الأحوال ومن ثم فإن محاولة رصدها وتأطيرها (هنا والآن) محاولة شاقة، تكاد تكون مثل محاولة الإمساك بالزئبق.

إذن ما هي الشخصية ؟! إنها ذلك النظام الدقيق المتماسك، المتفرد الديناميكي لمجموعة الصفات الثابتة نسبياً ـ والتي يمكن التكهن بها أيضاً ـ للسلوك الإنساني وللتفكير البشري، تلك المكونة للإنسان الفرد في تفاعله مع الآخرين، والمؤسِسَة لاستجاباته المختلفة لشتى المؤثرات الاجتماعية المحيطة به.

وبصرف النظر عن الخصائص الشخصية لكل فرد، فإن أمر تحديد "الشخصية" يحوي فيما يحوي خصائص المزاج الذكاء والطبع.

سنقوم هنا بهذه المحاولة على أساس بعض النظريات المعروفة في طب النفس وعلومه، واضعين في الحسبان أمور التاريخ، الثقافة، السياسة، الاقتصاد، الدين، الاهتمامات، وكذلك القدرة على التكيف والبعد الجغرافي.

المصري انبساطي بطبعه وهو أيضاً انطوائي، بمعنى آخر أن الظرف يخلق جوّه النفسي العام من فرح ومرح وابتهاج (ليست كل الشعوب كذلك، والإنجليزي مثلاً خير مثال على ذلك) ، كذلك فإن الظرف يجعله يحزن ويكتئب وقد ينبسط وينطوي في فترة زمنية قصيرة، وقد يكون انبساطه هذا متصلاً مرضياً بمعنى أنه نوع من الحيل الدفاعية (الإنكار ـ Denial )، فقد يضحك على المُحزن ولا يبالي بالذي يدعو للترقب والحذر (تكوين عكسي). كل تلك الأمور تعتمد إلى حد كبير على الاتجاهات الداخلية والخارجية : الداخلية بمعنى عالمه الخاص، رؤاه، أحلامه، خيالاته (فانتازياه)، العوامل الوراثية التي تجري في دمه وتشكل طبعه، والخارجية بمعنى درجات تفاعله وردود فعله تجاه الحدث صغيراً كان أم كبيراً، ومدى توحده بما يستمتع به داخل بيته، في عمله، في الشارع وفي الوطن عموماً.

غير أن هناك أنواعاً من الشخصية تمثل أبعاداً عميقة للغاية. ومن ثم يمكن فحص مسألة "الانبساطية" كطبع في الشخصية لا "كحالة فرح"، وذلك من خلال رؤيتها كمنظومة نفسية على درجة عالية من الدقة لسمات ليست لها أبعاد محددة مثل الاختلاط بالآخرين، النشاط الاجتماعي، الحيوية، الاندفاع، والسيطرة الوجدانية على المحيطين: يبدو من تلك الملاحظات العامة أن الإنسان المصري بدأ، أو علَّه فعلاً فَقَد تلك الانبساطية التلقائية، أو علَّه بالفعل فقد منظومتها الداخلية الدقيقة فترك نفسه نهباً لما يحدث حوله، يستسلم له، ينهش فيه؛ فيضحك إما سخرية من الآخرين، أو من نفسه، وقد يضحك في أسى أسود، وقد ينبسط ويضحك عالياً لكن لفترات محدودة، في محاولة للشفاء من أمراض المجتمع وتوحش العلاقات الإنسانية حوله، وكذلك التشبث الشديد بالماضي أو الحلم الغريب بالمستقبل المزدهر الذي ـ يمكن ـ أن تستمر فيه الانبساطية أطول، وتكون فيه الانطوائية مجرد انعطافة.

المصري عاطفي، رومانسي في آماله وأحلامه، رومانسي جداً في حبه لمصر (وكأن مصر هي الكون كله)، ورغم المنغصات يتمسك، أو يحاول التمسك بهذه الرومانسية، لكنه تدريجياً يفقد الثقة في أحلامه وفي عاطفته، فنجده يُصفع من أصدقائه، يُهزم ، ويحزن ، وتدريجياً لسلْب عاطفته حتى يصبح خشناً وفظاً، يائساً وفاقداً للحلم .

المصري صبور وكأنه الجَمَل، يحب اجترار أحزانه وأفراحه ، يحزن، وينفجر فجأة، يتحمل حتى لو كان رقيقاً، يخاف المستقبل ويخشاه ويعمل له ألف حساب، يتألم بشدة ويخشى الزمن وتقلباته، في داخله إحساس دفين بعدم الأمن والأمان، ولا يثق في الآخرين بسهولة على الرغم من أنه ـ أحياناً ـ قد يصدق، رغبة في التصديق، أو رغبة في الهروب.

المصري طموح، يسعى ويجتهد ويبتكر وينفعل، لكنه ـ أحياناً ـ ما يصاب بالبلادة نتيجة الإحباط المستمر والفشل المتكرر، رغبته في تحقيق ذاته عالية، وإذا ما اصطدمت بالظروف والعقبات تألم ونعى نفسه وقعد في ركن ينزوي ويمضغ أحزانه.

المصري يتفاعل مع البيئة المحيطة ويشارك فيها، يغني مع المغني، يرقص مع الراقص، يضحك مع المُضحك، يقف احتراماً للوحة تشكيلية، وقد ينحني لمن يعلمه فناً وذوقاً، يحتضن الآخر ـ غير المصري ـ خاصة في مجالات الفنون والآداب، يقدره ويحترمه لكنه لا يتمكن من أن يغفر له الخطأ الجسيم تحديداً إذا كان في حق مصر ومكانتها، هناك من يتصور مصر المنشأ فقط وقد تكون، وهناك من يتصور أن كرامة مصر هي نوع من الشوفينية وأن المصريين حساسين للغاية. في الحقيقة أن كل الشعوب تعتز بأوطانها، لكن المصري بشكل عام له خصوصية أنه يحمل الشمس بين ضلوعه والنيل في عينيه، وهو يفخر بذلك دون مبالغة، يعلن للدنيا في حب أنه (مصري.. كريم العنصرين)، قادر على التعامل مع الجماد بخصوصية شديدة تثرى داخله؛ فإذا ما تأملنا بناءه للسد العالي والأهرامات، للأوبرا والآثار، حفره للقناة، لمجرى العيون وتشييده للقلعة، بناءه لمدن عربية كاملة والنهوض بكل مؤسساتها. لو تأملنا أعمال الصبية من فلاحي الحرانية، ولو تأملنا حولنا للاحظنا أن المصري يمزج عرقه ونفسه بالجماد ويظهر فيه جلياً، على الرغم من أن أعمال المقاولات السريعة والمشبوهة قدً طغت على جمال العمارة، فبدت بعض البنايات الجديدة صمّاء دون روح، ينطبق الأمر كذلك على الذوق الفني في مجال الأغنية، الطرب والمسرح، وهي انعكاسات لنفسية هذا الشعب.

نلحظ في المصري ارتباطاً عميقاً بأغنيات محمد منير ابن النوبة ذات الأصل الحضاري كمصر الفرعونية، ونجده يتعشق مع أداء لطفي بوشناق التونسي للتواشيح والطرب الأصيل . المصري يتذوق دائماً، وأحياناً لا يحسن التذوق، حسب مزاجه، يتذوق الأكل والعلاقات الحميمة، الألوان، الطبيعة، الموسيقى، النكتة والحب بكافة أشكاله. المصري لا يتمرد لكنه قد يضحي بكل شئ ـ فجأة ـ إذا مُسّت كرامته، ولا يفوتنا هنا التنويه بأن الفترة الأخيرة تحديداً شهدت بعض التنازلات خارج الوطن وربما داخله لآخرين يملكون القوة والمال.

تهون على المصري نفسه جداً حينما يهون الوطن في المكان الذي يعمل به، المصري ممتد ورحب كالصحراء، وصحراءه ليست فظّة ولا تنجب أجلافاً بل فيها رقة السماء التي تظللها بندف القطن المتناثرة على صفحتها الزرقاء، وهو معطاء كأرضه السمراء أخضر كزرعها. يقدس الأسرة وتماسكها، يحترم القيم، لكن مما لاشك فيه أن ثمة تحولات قد حدثت في الفترة الأخيرة أثرت على درجة هذا التماسك، فحدث نوع من الاغتراب العائلي، وأصبحت لزوجة العلاقات وتمحورها حول المادة معوقاً للاقتراب، تناثرت ثلة الأصدقاء، اختفت نقرات الأصابع من على الأبواب، غنت الأجراس الإلكترونية، توارت الطيبة والمحبة لمصلحة التوجهات العملية من الحصول على فائدة أو فوائد ما، يلتم الشمل وينفرط بسرعة، أصبح يلتهم طعامه بسرعة، يشرب مشروبه وماءه بسرعة، يجري بسرعة، يقود سيارته وموتورسيكله ودراجته بسرعة، ييأس بسرعة، يملَّ بسرعة، يفقد صبره بسرعة، يتألم بسرعة، ينزعج بسرعة، يفرح بسرعة وتنطفئ الفرحة لديه بسرعة، كل هذه التوترات السريعة الناتجة عن توتر العصر وتعقدات الحياة، تشابكها ماديتها وفقدانها للروحانية والرومانسية، أدت الى تغيرات شتى في السمات الشخصية لنفسية الإنسان المصري، وهو بحسه القديم وتاريخه المتأصل، بالجينات المختلطة والمركبة، بحضاراته المتعاقبة، بفرعونيته، إسلامه، قبطيته، عروبته، هذه التشكيلة ليست ترفاً ولا مجرد فسيفساء كثيرة الألوان وإنما هي قاعدة ثرية غنية توحي بضرورة أن هذه السمات ستظل تتأرجح وتتماوج على أرضية سخية، وإن كان عطاؤها مختلفاً ومتبدلاً وفق ما يقتضيه الحال.

هل نحن بحاجةـ فعلاًـ لأن يكون لدينا فهم لبناء الشخصية المصرية وتحديدها !! إذا كان في الأساس موضوع الشخصية ـ عمومًا ـ مازال عصيًا على الفهم مثيرًا للجدل. ويعود السؤال المُلّح : هل لتلك الشخصية كينونة ثابتة؟ أم أنها صَيرورة متغيرة؟ ولماذا يتلهف الناس وراء هذا الفهم أو ذاك؟!! إن مفاهيم الشخصية المختلفة ما هي إلاّ لتيسير لفهم عام لتجارب الحياة التي نمر بها وسلوكنا الذي نسلكه حيال أمور شتى، لا يمكن لنا عامة، وتحديدًا في مصر أن نراها، الأمر لا يحتاج إلى نظرة واحدة، ولا إلى تعريف ثابت أو جامد، لكنه يحتاج وبالفعل إلى تصور ديناميكي متطور يستوعب داخله كيانات وتطورات وأحداث ومتغيرات تمر بها مصر كمصر، ومصر كجزء من العالم العربي، ومصر كجزء من الكون ككلّ، وهذا في حَدّ ذاته كثير، فاعل ومتفاعل، إيجابي وسلبي في آن واحد، ولكي نكون أكثر تحديدًا.

لنا أن نحدد تعريف الشخصية عامة إذا ما أردنا تطبيقه على المصري؟! نعني الشخصية من منظورنا، تلك العوامل الذاتية الداخلية المركبة التي تجعل سلوك الإنسان ثابتًا متصقًا مع ثقافته العامة والمباشرة مع محيطه الفردي والجماعي، مرنًا دون مبالغة، محافظًا على مكنوناته وقابلاً للتغيير وفق الظرف الزماني والمكاني، وإذا طبقنا ذلك على (شخصية المصري) لوجب القول أنه ولا بد أن يكون مختلفًا عما عداه، أي عن (غير المصري)، وهذا ما يدعونا إلى تأمل بعض النماذج داخل الوطن المصري وخارجه، تلك التي لا تقلد الغربي فقط وإنما تذوب فيه ذوبانًا بحيث تضيع هويتها الأصلية أو تكاد، لنا أن نتأمل شخصية المصري: من (1) المنظور النظري، أو (2) بمعنى خصائصها المتميزة أو غير الطيبة.

من المنظور العام البسيط الذي يعني الاشتراك في منظومة من المعتقدات والعادات والتقاليد والسمات التي تظهر جلية في تفاعلات الحياة اليومية: هذا التطور يكمن في لُحمة اللغة ومفرادتها تلك العامية المنطوقة، أو تلك التي تستخدمها أجهزة الإعلام المختلفة، أو تلك يكتب بها الأدب، وهي أيضًا تلك اللغة التي تنظم وتبسط العالم الاجتماعي، فتظهر نسق القيم وسلوكيات الناس في عملهم وزواجهم، أفراحهم وأتراحهم.

في مصر الآن أكثر من أي وقت مضى مشكلة نفسية لفظية، قبح لفظي، عنف حواري، كلمات صدئة و مفردات مفزعة تنبع من قلب البيئة التي تلوث هواءها كما تلوث وجدانها.

شخصية المصري تغيرت وفقاً واستجابة لتغيرات بيئته المحيطة، تلك البيئة التي تشكل في مجملها ذلك الجوّ المحيط الذي يترعرع فيه الطفل وينشأ: البيت، الأسرة، الجيران، الحي، الأقارب، المدرسة، الشارع، المجتمع، الوطن …

يكبر محيط تلك البيئة مع الإنسان في نموه وتطوره من الطفولة إلى المراهقة، ومنها إلى الشباب والكهولة. يتأثر فيما يتأثر به بعفة الألفاظ ونظافة اللسان (فمن يستخدمون السلالم والمصاعد للطلوع والنزول، يعلو صوتهم وسبابهم إلى داخل الغرف المغلقة، ومن يتعاركون في الشارع أو يصرخون في سياراتهم يؤذون المسامع ويخدشون الحياء، دون إحساس ودون إدراك بأن ما يفعلونه تلوث أخلاقي لفظي في منتهي القسوة). ناهيك عما يدور من حوارات يكون فيها الشتم نوعاً من الاستمتاع دون اعتبار لصفته النابية، يمتزج بالضحك والمزاح على المقاهي وفي الـ Coffee Shops ، وكذلك في النوادي، على نواصي الشوارع، وأمام محلات التيك أواي.

يدخل في إطار كل هذا الصخب، على نحو مقنن غزو داخلي من أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، يتأجج بانتشار الفضائيات وغزوها لخصوصياتنا، فنجد مسوخاً تؤذي البصر بأشكالها، تعكرت بالماكياج الثقيل، وحوارات في برامج عشوائية ومسلسلات هزيلة، تُضعف النفس وتكسر صفاءها، كما نسمع أغنيات ثقيلة الدم، فَجّة المعني، تائهة لاهثة، فنرى فيما نرى من تتلوي وتتأوه وتتعرى على الأرض وفي الفراش وأحياناً في الفضاء.

من خلال كل ذلك قد نري الولد الصغير وهو يحب رؤية خاله (على سبيل المثال لا الحصر) وتقليده، أو محاكاة أبيه بالتلفظ بالأسوأ ليثبت أنه رجل، نجده يشب متعلماً اللغة حديثاً وطوله لم يتعد الشبرين، طويل اللسان، بذيء يؤذي من حوله، وهم بدورهم يؤنبونه ويعنفونه، غير مدركين أنهم قد شكلوا نواة وعيه وخلقوا له بيئة ملوثة اللفظ والحركة والمعني لينشأ كما يروه وأنه ابنهم وليس لغيرهم، وقد أصبح ملحاحاً عنيداً ومخجلاً.

في الثلاثين سنة الأخيرة، حدث نوع من الإغتراب اللغوي لصالح اللغات الأجنبية خاصة الإنجليزية الأمريكية، وظهر ذلك بينًا على المحلات وفي إعلانات الكباري والشوارع والميادين وكذلك صفحات الصحف، كما حدث خلق مفردات جديدة غريبة مثل (أَبَرْوِِْنْ) في قول لشاب بالجامعة الأمريكية بمعنى المعاناة من حالة بارانويا Paranoid State ) أي (الإحساس بالاضطهاد وبالخوف وبالإنزعاج وبالجزع من أصدقائي ومن الغرباء)، وهي حالة نفسية معروفة لدى بعض المرضى النفسيين، لكن تعقدات الحياة اليومية، الصوت العالي، العراك، الشجار، الازدحام المروري، الشك في الآخر والارتياب في مقاصده، أدّى إلى ظهورها، بل إلى تزايد حدوثها، الازدحام، الاحتكاك، الاكتظاظ، الاعتداء على مساحات الآخرين، (فإذا كان الشارع الواسع مختنقًا بالسيارات والمسئول يمر مع الضباط بأجهزتهم اللاسلكية يمنعون المرور، يلوّح أحدهم من نافذة سيارته في الهواء تعبيرًا عن الغضب؛ فإذا بالآخر الذي على يساره يتصوّر أنه يتوعده؛ فيجزع ويصاب بحالة من الهلع قد تؤدي إلى أعراض جسمانية شديدة)، إذا تكررت تلك التجربة وذلك المشهد عدة مرات مع أشخاص حساســين؛ فإن الأمر قد يتطور إلى حدّ تكويــن ما يصطــلح عليــه بالشــخصية الاضطــهادية أو البارانويــة Paranoid Personality ؛ فإن اضطرابه يعني الكثير، بمعنى أن المشكلات السلوكية والاجتماعية التي تحيط باضطراب الشخصية غالبًا ما تكون معقدة، مركبة وتختلف عن (سمات الشخصية) وخصائص الفرد المصري، ومن هنا فإن اضطراب الشخصية نتيجة ضغوط الحياة المادية، النفسية، الحسية، الانسانية، والعيش وسط كل التناقضات الممكن تخيلها من إباحية شديدة إلى التعصب الديني الأقوى إلى حالة التربص والإستنفار والتحفز لكل ما هو آت مما فد يحدث أعراضًا قد تكون في منتهى الإثارة وأيضًا في منتهى الإحباط، لمن يتعامل معها سواء كان في البيت أو العمل، الشارع، أو حتى في إطار العلاج مما يخلق حالة مشحونة بالارتباك والترقب والإنتظار.

عودة إلى الشخصية البارانوية التي نجدها تُحيل الأمور إلى ذاتها مع حساسية مفرطة تجاه الآخرين ودرجة من الشك العالي في أغراضهم ومقاصدهم. إن لُبّ التفسير هنا هو عملية (الإسقاط)، فبعض الناس تكون ردود فعلهم لمجريات الحياة اليومية، مبالغ فيها بدرجات متفاوتة من الإذلال والإهمال، بل والاضطهاد إلى حَدّ السحق تحت الأقدام، البعض يعاني من أفكار ثابتة مبالغ فيها، فيها لوم للآخرين هشاشة زائدة ورغبة جامحة في الدفاع عن تلك المعتقدات ذات الأصل الضعيف والجذر اللين والتربة الخصبة، وكثيرًا ما يحدث لدى (المصري) (ردود فعل بارانوية Paranoid Reactions ) نتيجة حالة الإجهاد والتوتر، القلق، الضغط النفسي الدائم والمستمر، الجمعيات، الديون، عدم القدرة على الوفاء بالإلتزامات، إلى آخر تلك القائمة الاجتماعية، بجانب تولد ردود الفعل تلك في إطار المرض العضوي، بمعنى الإصابة بأمراض القلب، الصدر، ارتفاع ضغط الدم، الفشل الكلوي، الإصابة الكبدية بفيروس c ، وما يحيط ذلك من مشكلات وتحليلات وزيارات وتكاليف مرهقة للغاية، في بلد تئن فيه الخدمات الصحية، وترتفع فيه أسعار الأدوية لدرجة مفزعة مع تهاوي خدمات التأمين الصحي بسقفها الواطئ أصلاً.

الشخصية المصرية من المنظور الشخصي للإنسان الفرد، تتفاعل مع ما يحيط بها من متغيرات وأحداث خاصة تلك المؤلمة (حوادث وكوارث إنهيار العمارات ـ العنف الطائفي ـ الموت غرقاً في العبارة ـ الموت حرقاً في قصر ثقافة بني سويف وفي قطار الصعيد ـ نزيف الأسفلت ومسلسل حوادث الطرق الذي لا ينتهي ـ فزع وهلع أنفلونزا الطيور ـ أزمة القضاةـ توترات الشارع) … هنا وجب التدقيق في المثلث: تفسير الشخصية وتأويلها ومحاولة فهمها: 1. نظرياً. 2. عامياً (الشائع). 3. شخصياً (فردياً).

من أجل لفهم الشخصية (الطبيعية) وتلك (المضطربة)، وكيفية تحول هذه من تلك وهكذا، وأيضًا لفهم ما يتبع ذلك من سلوكيات وأفكار ومعتقدات، كذلك يجب فصل القول تحديدًا بين تلك الشخصية المضطربة في خضم الحياة اليومية للمصريين، أي هؤلاء الذين بيننا وحولنا، وهم بالفعل مضطربوا الشخصية دون أن يلجأوا إلى (حقل العلاج النفسي)، وبين هؤلاء الذين تسوء أفعالهم فتضر بمحيطهم البيئي والاجتماعي بشكل حادّ يدفع إلى طلب العون علاجًا وكيفية للتعامل معهم، وفي أقل الحالات لتفادي شرورهم.

مما لا شك فيه أن المجتمع المصري في حراكه الحي وتفاعله الشديد، يتحرك بلا حدود تجاه محاور مجهولة يرى ظاهرها في صورة (العشوائيات: بكل ما تحويه من تكوين شخصية للمصري مختلفة فيها فظاظة، نزع حساسية، عدم احترام، دعك، هدر، دوس بالأقدام، فقر مدقع، حرب من أجل العيش مغموسًا بالعرق والدم والصبر وممزوجًا بالتراب)، وكذلك في صورة النقيض (المجتمع المخملي: الرائق، المختل توازنه، الضائع في بحور الجنس المحرم، الترحال، المخدرات، الخمر، اللهو، العبث، صخب العيش، الأمراض النفسية المستفحلة، ضياع الهوية والتشتت واللهاث وراء الاستغفار باستخدام موفور المال للزكاة وعمل الخير، ثم معاودة المجون بشكل أو بآخر)، حسب قول حازم صاغيه(بين الثقافة والتعريف بالهوية مشكلة دائمة) * ،

ثقافة المصريين على اختلاف مشاربهم مرتبطة بهويتهم وبشخصيتهم وهي بدورها متناقضة مع بعضها البعض ومع نفسها بل وللأسف لايربط بينيها رابط،في المثال السابق بين النقضين الميسور المنفتح المفتوح،

فيلاّت وقصور وتلك تحدث في أكواخ وأعشاش (المخدرات، زنا المحارم، اللغة القاسية، استباحة أعراض الآخرين، القسوة البالغة، من إهدار كرامة الآخر وعدم احترامه بل دهسه والتنكيل به، العنف المعنوي والمادي، الجريمة … فإذا نظرنا إلى صفحة الحوادث في أي صحيفة يومية لوجدنا أن جرائم القتل وهتك الأعراض والمخدرات تنال من الفئتين نيلاً ساحقًا وتنشر عبئها على الفئة (ولا نقول الطبقة) التي في المنتصف: تلك الفئة المحافظة الهادئة نسبيًا، التي تقبض على الجمر في محاولة لتجنيب أفرادها وأولادها ويلات الفئتين الشاردتين، لكنها لا تنجو من الشظايا والخطايا واللعب بالنار، يمتد في صورة غزو تدميري للشخصية ولكينونة الأسرة وهي تكافح للحفاظ على بنائها وتماسكها، لكنها عبر الشَرَه الاستهلاكي، الإغراء المتعمد، ثقافة الرغي: موبايل وانترنت ودردشة إلكترونية Chatting زهو ألوان الملابس في فاترينات المولات والأسواق التجارية المُقْتَطَعَة من الخليج وأوروبا، ثقافة بورنو الجنس و العنف، تقع الفئة الوسطى في جحيم الشد والجذب، عَضّْ النواجذ، السقوط والتضحية، تهرب من الصراع أحيانًا بالمرض (الجسدنة ( SOMATISATION )… حيث يتخفى المريض وراء أعراض جسدية بحتة، ذلك يعني ببساطة تلك الأمراض العضوية ذات المنشأ النفسي أو تلك الاضطرابات التي تظهر في صورة جسدية في حالة تكون فيها أعضاء الجسد سليمة لكن لا تعمل بصورة،وهي كذلك محددة ومفسّرة بنظرية الأعضاء الضعيفة مثلما الأسطورة اليونانية التي كان فيها (كعب أخيل) هو نقطة ضعفه الوحيدة إذا ما رماه رام بسهم قتله. هذه النظرية قريبة إلى الصحة في حياتنا اليومية المعاصرة بشكل كبير؛ فإذا تعرض شخص ما إلى ضغط شديد؛ وإذا تزايد هذا الضغط واستمر لن يُصيب إلاّ العضو الضعيف الذي قد يكون (أسفل ظهره ـ جلده ـ شعر راسه) …إلى آخر تلك القائمة التي قد تنال الجنس فيصاب الإنسان بالعُطل والاضطراب، في حين أنه سليم تماماً من الناحية العُضوية، لكن أداءه يكون ضعيفاً مضطرباً ومرتبكاً، ومن ثم تتأثر العملية الجنسية فتخفت رغبته. وهو أيضاً غضبًا مكتومًا مكظومًا مرتدًا.

أما اضطراب الشخصية الهستيري ويُعدّ الأكثر شيوعًا لدى المصري (أو الشرقي عامةً). نرى مايصطلح عليه بـ (زملة الأعراض الهستيرية Hysterical Syndromes ) ،وهي ما تجمع بين (1) اضطراب الشخصية الهستيري (2) الحالات الانشقاقية (3) الهستيريا التحويلية (4) الرغبة في المرض وإدمان معاودة الأطباء، (5) تعاطي المرض بل وإجراء العمليات St. Louis Hysteria (6) الهستيريا الوبائية التوتر والقلق الهستيري (7) الهستيريا العامة.

(نجد في الحالة(3) (الهستيريا التحولية)، منتشر ةلدى المصريين، نضرب لذلك مثالاً لحالة لامرأة متزوجة عندها بنت واحدة تعيش في حيّ شعبي، لزوجها محل شركة مع آخر؛ يضربها، يتعاطى الحشيش بكثرة، له علاقات نسائية خارج إطار الزواج، لا يشاركها شئون البيت المادية، عصبي المزاج دوماً. تحملت المرأة ذات الأربعة والعشرين ربيعًا العبء سنة بعد الأخرى، حتى فاض بها الكيل في السنة الرابعة، وإثر خناقة بَشِعة ضربها فيها زوجها ضربًا مبرحًا وسبّ أهلها ودينها، أصيبت بــ (شلل هستيري) نال النصف الأيسر من جسدها، ولما ذهبت إلى المستشفى الحكومي (شَرَّطَها) الدكتور المتدرب بالمشرط لتنزف، لكي يثبت أنها لا تحس، ونقل لأهلها جهله الطبي قائلاً أن الأمر ممكن يكون (اشتباه جلطة)، مما أدخل الروع في قلوبهم، تم فحصها جيدًا وخضعت للتحليل النفسي العميق، بدأ العقل الباطن يتخلى عن الأعراض رويدًا رويدًا حتى استطاعت المشي ثم استخدام يدها بشكل طبيعي.

ولكن هل من الممكن أن تشترك زملة الأعراض السبعة التي ذكرناها سابقًا في قاسم مشترك أعظم، نعم، لعل الإنشقاق أو التصدع Dissociation بحيله النفسية الدفاعية (ميكانزماته) هو الأقرب إلى تلك الصفة، فهو كما يقول العامة في لغتهم اليومية (بيِفْصِل) أي يهرب من واقعه الجحيمي إلى عالم آخر من صنعه وفي قلب خياله، فمن يهيم على وجهه في الشارع بلا هدى، أو تلك التي تهذي بكلمات غير مفهومة، وما شابه ذلك من سلوكيات مرََّّدُها إلى كيفية التعامل مع الواقع المعاش، بكل لوعته وميوعته، بل ومرارته، ومع صراع كل الأضداد يحدث انشقاق الوعي، وبالتالي فإن نواح معينة من الفكر والسلوك تُلغى، وتتأصل القدرة على (الفَصْل). وهي خاصة موجودة لدى الناس جميعًا لكنها تكون بمثابة (نزعة طبيعية) بل وعلامة مسجلة لدى كل حالات الهيستيريا … بجانب حالات (جسدنة)، ربما لا يوجد لها مثيل في كافة بقاع الأرض. أعراض غريبة لا تمت للمرض الحقيقي بصلة، دوار ودوخة عجيبة دون أي سبب، إلى حالات متعارف عليها يشترك فيها الوسواس القهري والخوف المرضي (الفوبيا)، وكذلك التوتر والقلق الشديد من الإصابة بفيروس c توحدًا مع الأب الذي أصيب به، إلى الإيدز خوفًا على الحياة وارتباطًا (بعلاقة جنسية غير مشروعة)، إلى الإكتئاب وتمني الموت، الخوف من السقوط، الخوف من العمى (المرتبط بمفاهيم مُضَللِّة عن ارتباط ممارسة العادة السرية به) .. إلى آخر تلك القائمة الطويلة ذات الأساس الكامن في الأمور الاجتماعية، الشخصية، والنفسية.

عودة إلى الطبقات بشكلها الحالي المتداخل مع بعضها لدرجة تدعو أحيانًا إلى وصفها بالشرائح أو الفئات، بمعنى رؤيتها وتحليلها في الحالة المصرية من منظور الثقافة العامة والثقافة المباشرة، فالثقافة المباشرة اختلاط الناس ببعضهم (أحدهم كان موظفًا كبيرًا في شركة عملاقة، وكان شيخه وملهمه His Mentor ميكانيكي سيارته، ونحن هنا إذ لا نحقر من شأن الميكانيكي أو قَدْره الإنساني، لكننا نتساءل عن إمكانياته الثقافية التي أهّلَّته لإرشاد هذا الموظف فيما يخص بيته وماله، تربيته لأولاده وعلاقته بزوجته؟! حتمًا فإن ذلك الميكانيكي ببعض (الكاريزما، وكثير مما تلقاه من أفكار عبر شرائط الكاسيت وفي خطب ودروس الزوايا، وعبر الفضاء التلفيزيوني والاجتماعي، تَخَطَّى حدود الطبقة، والجغرافيا، فانتقل بعلاقته مع الآلة (موتور السيارة) إلى عقل الرجل).

من هنا يحدث الخلل في الشخصية المصرية، نتيجة الخلل في وظيفة الضبط الاجتماعي [1]، وكمــا يقول النقيب فالوظيفة الأولى للثقافة هي التمكين ( أي التوسع والانتشار والمزج والتركيب) في الحالة المصرية كان (الدين الأصولي) و(الغربنة Westernization ) هما السائدين، أما دور مجلات مثل (أحوال مصرية) والديموقراطية) وجرائد مثل (المصري اليوم) ومسارح مثل (الهناجر ـ السلام ـ القومي) يظل محدودًا للغاية وهو ما يفسر انفصال النخبة (القضاة، الصحفيون، كفاية، المدونون)عن باقي الشعب، وهو ما قد يفسر أيضًا أنك لو طلبت من متظاهرين ضد اجراءات الدولة في معالجتها لإنفلونزا الطيور أن ينضموا لمظاهرة للمثقفين في ميدان طلعت حرب (حركة أدباء من أجل التغيير ـ مثلاً) لانفضوا من حولك ولا سار واحد منهم وراءك.

إذن هي الشخصية المصرية التي تتشابه مع ذاتها حسب مصالحها، مستوى طبقتها الاجتماعية، نطاقها الثقافي العام، وثقافتها الفرعية، وارتباطًا بالمصالح كما في حالة (العاملون بالبنوك، الشركات المتعددة الجنسيات التي ملأت مصر بعمال النظافة المعروفين بالـ Care Service والذين ما يأتون غالبًا من الريف، كذلك تلك الأسر التي يرتبط وجودها بمن يعولونها في دولة معينة (الكويت) مثلاً أو في السعودية، واختلافهم عمن يكون أهليهم في أوروبا أو أميركا.

إن الأزمة تتلخص بالضبط في حقيقة أن القديم يموت،

والجديد لا يستطيع أن يولد. في هذه الفترة الفاصلة،

تظهر الكثير من الأعراض المرضية [2].

· ننتقل في محاولاتنا الشاقة تلك للبحث داخل الشخصية المصرية لنقرأ سويًا ما كتبه شاب تعرف إلى خدمة الإرشاد النفسي تحت عنوان (من أنا) بعدما طُلب منه ذلك.

· ( أنا شخص بسيط متغير يحلم ويحاول في إيجاد معنى لحياته، يحب الناس ويخاف منهم ويأخذ فترة ليقتنع بحبهم دون خوف، أحاول دائماً الخروج من الأزمات، حياتي ليست مستقرة كلما انتظمت في فترة سرعان ما تسقط مرة أخرى، أحب الموسيقي والغناء والرسم، أغني في أصعب أزماتي النفسية وفي الحب أيضاً، أرسم ولا أرسم أو لا أقتنع بما أرسمه ، أحاول التغيير والتغير طوال الوقت لما أرسم الحياة أفضل، أحتاج للتقرب إلي الناس وأخاف منهم ولكني أحاول، أحب الصراحة ولو كانت جارحة لأنها تضع المرء أمام نفسه وأمام الآخرين، أكره الخيانة بحجم معناها وتوابعها، أحب الأطفال وبراءتهم لأنهم في اعتقادي لم يكتسبوا في أعمارهم الصغيرة سلوكيات البشر الشريرة، أكره السلطة بكل أشكالها لأنها تفقد الإنسان إنسانية وكرامته وحريته، أحب النور والشعب والبحار والصحراء وكل شيء ليس له نهاية، أحب التأمل لأنها ينقي النفس ويجعل الإنسان يري ما وراء الأشياء من معاني، أكره القسوة والدم والزحام والضوضاء فكلها أشياء تؤدي إلى الجنون، أحب الصداقة الصريحة الخالية من أي مصالح سواء مادية أو معنوية والتي تُبني علي العطاء المتبادل والحب، أحب المجتمع وأكره بعض سلوكياته والتي تحمل في طياتها التناقض والفوضى واللا مبالاة والتبعية، أتعاطف مع الفقراء لما يقع عليهم بين قهر واستغلال دون وعي، أحب أبي وأمي وأخواتي وأبناء أختي و أخاف عليهم جداً برغم ما تسبب فيه أبي وأمي من أزمات، إلا أنني أحترمهما وأحبهما وألتمس لهما الأعذار لعدم وعيهما، أكره الصمت والعجز والضعف، أخاف من المستقبل طول الوقت، متكاسل دائماً أمام نفسي، أهمل في حق نفسي وصحتي ومظهري، لا أثق في نفسي بقدر يجعلنـي أندفع به مع الناس في محاولة لحلذ الأمور، عندما أقترب من الناس أجرحهم دون قصد!! لا أثق في الناس بسرعة وأتعمق في رصد تصرفاتهم ومدي طبيعتها والتحقق من زيفها، أكره من لا يتعامل بطبيعته ولا أحب التعامل معه)

هذه المدوّنة المركبة المتشابكة، ربما كان خير ما نختم به هذه الدراسة فهي تعكس نواح من شخصية المصري الآن في الألفية الثالثة (الخوف من الأخر ـ عدم الاستقرار ـ الصرامة ـ كره السلطة ـ كره الخيانة…).

ومنها ننطلق إلى محاولة تطبيق الأسس الخمسة لقياس الشخصية كما هو متعارف عليها عالميًا فهي:

(1) الإنبساطية: الثرثرة، الطاقة، توكيد، الذات.

(2) التوافق: الحنان، التعاطف، الحب.

(3) الضمير: مراعاته، التنظيم، الدقة، الحق.

(4) العُصاب: الثبات الإنفعالي، التوتر، المزاجية، اعتلال المزاج.

(5) الانفتاح على التجارب الجديدة: الذكاء، الثقافة، الاهتمامات، الاستبصار، القدرة على الرؤية والابداع.

من خلال كل ذلك نجد أن أمورًا قد تراجعت بشكل كبير، وأخرى تقدمت دون تشاؤم لكن يبدو أن المزاجية والضمير هما أساس الشدّ والجذب في أبعاد الشخصية المضطربة هنا والآن.

وانتماءات يمكن أن تكون فردية فقط‏..‏ ولعل عكس هذا صحيح تماما وفي حرب أكتوبر مثال تاريخي علي هذا‏.‏
لم يكن سعي دراسات وبحوث‏’‏ الشخصية الوطنية‏’‏ هو الفخر بخصائصها ومواقفها واختياراتها‏,‏ وهجاء الآخر لمجرد أنه آخر‏,‏ والبكاء علي أطلال ماضيها‏,‏ كما هو الحال في منهجية القصيدة الجاهلية‏,‏ التي لا تزال مؤثرة في بنية العقل العربي والمصري‏.‏ إن من أهم الأهداف الواعية بحركة تاريخ الشخصية الوطنية هو الكشف عن‏:‏ متي تتحدي وتعبئ وتهب وكيف من أجل مواجهة التحديات والمخاطر والأهداف الوطنية ومتي وكيف تكون لا مبالية‏,‏ ساكنة راضية عن واقعها‏,‏ مستسلمة لتحدياتها‏,‏ فتغلق مفرداتها علي أنواتها الذاتية ومصالحها الآنية الضيقة‏,‏ الفردية والجماعية وربما القبلية فكرا وسلوكا فتصل إلي حال من التفكيك والتجزئ‏.‏

ومن خلال متابعة متأنية ومدققة لأهم أدبيات دراسة الشخصية الوطنية‏,‏ عالميا ووطنيا‏,‏ خاصة في فترة ما بين الحربين الكونيتين وإلي الآن‏,‏ يمكن استخلاص أن مفردات الشخصيات الوطنية تكاد تتشابه من حيث البنود أو الأبعاد الأساسية وإن تباينت تلك الأبعاد في أولوياتها وتشكلها‏,‏ ومن ثم تفاعلاتها التي تنتج أنماطا متباينة من الشخصيات الوطنية‏.‏ ويمكن حصر الأبعاد الحاكمة لمستويات بنية الشخصية الوطنية فيما يلي‏:‏

‏1-‏ استيعاب الموروث الحضاري أنماط التفاعل معه وفي القلب منه‏’‏ التدين‏’‏ أو الوعي الديني‏.‏

‏2-‏ أدوات التعبير المباشر وغير المباشر‏,‏ الملموس والرمزي وفي القلب منها اللغة‏,‏ لا كمجرد مفردات لغوية‏,‏ وإنما طريقة في التفكير والتصرف وصياغة خطابات الحياة اليومية‏,‏ الرسمية وغير الرسمية‏,‏ العامة والخاصة‏.‏

‏3-‏ فلسفة التعامل مع الإمكانيات المتاحة‏,‏ بشرية ومادية وفنية والتي تتجسد من خلال رؤي العالم المحيط بالشخصية عالميا وإقليميا ووطنيا‏,‏ طبيعيا أو اجتماعيا أو سياسية‏,‏ وحتي ما وراء الطبيعة منه‏.‏

‏4-‏ أسس التعامل مع مقولة الزمان‏,‏ خاصة إدراك الماضي والحاضر وتفسيرهما‏,‏ وتصورات المستقبل المرغوب فيه‏.‏ ومقولة المكان من حيث تجديده وإثرائه والاستمتاع به‏,‏ أو هدره ونفيه‏.‏

‏5-‏ التعامل مع التناقضات والفجوات‏,‏ خاصة بين الرجال والنساء والكبار والصغار‏,‏ والحواضر والأرياف‏,‏ والأغنياء والفقراء‏.‏

إن هذه المفردات‏,‏ تتباين في أولويات تأثيراتها‏,‏ بين شخصية وطنية وأخري‏,‏ كما تتغير مواقعها في التأثير حسب خصائص الإطار المجتمعي التاريخي المتغير‏,‏ ففي مرحلة أو حقبة تاريخية يعتلي الوعي الديني أيا كان مضمونه وتوجهه قمة التأثير‏,‏ فيكون الأهم وإن لم يكن الوحيد في التأثير‏.‏ وغالبا ما يحدث هذا في لحظات الانكسارات والهزائم الوطنية من ناحية‏,‏ وفقدان القدرة علي السيطرة علي المحيط المعاصر‏,‏ ويصاحب هذا الوعي غالبا‏,‏ استدعاء الماضي أيا كانت مسافة البعد الزمني عنه ليكون النموذج الملاذ لإعادة التوازن الوجداني‏.‏
إن ما نقصده من هذا هو التأكيد علي أن ليس ثمة شخصية وطنية جامدة ثابتة‏,‏ علي نحو مطلق‏,‏ نتيجة لنسبية السياقات المحيطة بها‏,‏ لأنها لو كانت هكذا مطلقة أو حتي ساد التعامل معها بالمطلق‏,‏ فإن هذا يعني حكما بنوم الشخصية عميقا في قبور التاريخ‏.‏
ويرتبط بهذا أنه ما دامت السياقات التاريخية والمعاصرة كلية التأثير في أوضاع وترتيب مفردات بنية الشخصية الوطنية‏,‏ فإنه كلما تعددت التناقضات الأساسية في هذه السياقات وتراكمت نسبيا عبر الحقب والأزمان‏,‏ وتركت بلا حل أو حتي أرجئ حل الأساسي منها علي الأقل‏,‏ فإن هذه التناقضات تسهم في تفكيك الشخصية وتكون مفرداتها متناقضة‏,‏ فيصاب تفاعلها بالوهن‏,‏ ويبرز التشتت والتمركز حول الانتماء الأكثر ضيقا ومحدودية‏,‏ فرديا كان أو شبه جماعي‏.‏

‏’‏تتألق وحدة الشخصية المصرية وتتجاوز تناقضاتها عندما يواجه المجتمع المصري خطرا أو تحديا أو وجود مشروع مجتمعي‏,‏ يدرك الناس أنه يحقق مصالح الغالبية منهم‏’.‏

أولا‏:‏ تبادلات السياق المجتمعي المؤثر في بنية الشخصية‏:‏
حدثت في المجتمع المصري منذ ثلاثة عقود من الزمان‏,‏ تبدلات مهمة‏,‏ أنتجت تناقضات وأعادت إنتاج ما كان قائما منها منذ عقود‏,‏ قد تمتد إلي النصف الأول من القرن العشرين‏,‏ فأفضت متفردة ومتفاعلة في تفكيك بنية الشخصية المصرية‏,‏ وانتقل جل مفرداتها من وضع التفاعل الرأسي‏,‏ إلي التجاور الأفقي‏,‏ فبدت تلك المفردات كما لو كانت‏’‏ مرايا متجاورة‏’‏ يعكس كل منها ما يمكن عكسه قدر نقائه وربما شفافيته من قيم وأفكار وتصورات وأدوات للتعبير‏,‏ وآليات لتحقيق الأهداف والمصالح‏.‏

‏(‏أ‏)‏ حدث تبدل هائل في التوجهات الاقتصادية والسياسية لسلطة الدولة‏,‏ خاصة المضمون الطبقي لهذه السلطة‏,‏ وعلاقاته بالقوي الاجتماعية‏,‏ الطبقية والسياسية‏.‏ ويدلل علي هذا‏:‏
‏-‏ تغير أطراف الهيمنة علي الفائض الاقتصادي‏,‏ لصالح القطاع الخاص الوطني والعربي والأجنبي‏.‏

-‏ تزايد أعداد السكان دون خط الفقر المحلي ما بين عامي‏1995-2000(22.5%‏ حضر‏-23.3%‏ ريف بإجمالي‏22.9%‏ وشارفت نسبة السكان أقل من دولارين في اليوم علي أقل من نصفهم بقليل‏43.9%‏ حسب بيانات تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام‏2004‏ وزاد الفرق في الاستهلاك بين أغني‏10%‏ إلي أفقر‏10%‏ بنسبة إلي‏8%.‏

-‏ ارتفعت البطالة بين النشطين اقتصاديا وتجاوزت‏10%‏ حسب التقديرات الرسمية وهي غير مقبولة علميا وواقعيا وبلغ نصيب الشباب من البطالة الكلية ما بين الربع والثلث‏,‏ وانتشرت بينهم فشملت حوالي ثلثيهم‏.‏

-‏ رغم كل الجهود المبذولة والشعارات المطروحة حول تمكين المرأة‏,‏ ففجوة النوع الاجتماعي لا تزال عريضة ولغير صالح المرأة‏.‏
فالأمية في مصر لاتزال مرتفعة‏(15‏ سنة‏+)44.4%‏ وتزداد ارتفاعا بين النساء لتصل إلي‏56.4%(‏ عام‏2002)‏ ونسبة قيدهن في جميع مراحل التعليم‏72%‏ مقابل‏80%‏ للذكور ويصل دخل الذكور إلي نحو أربعة أضعاف دخل النساء ونسبتهن من الإداريين والمديرين‏16%‏ ومن المقاعد البرلمانية أقل من‏3%.‏

‏(‏ ب‏)‏ تزامن مع هذه التبادلات وما أفرزته من تناقضات‏,‏ حدثان خارجيان هامان أثر كل منهما متفردا ومتفاعلا مع الآخر‏,‏ ومع التبدلات الداخلية في غير قليل من مفردات أو ركائز الشخصية المصرية‏:‏
حدثت هجرة خارجية واسعة للمصريين خلال العقود الثلاثة الماضية‏,‏ كان تيارها الغالب نحو بلدان الخليج العربية‏,‏ التي سطع نجمها في القرار السياسي والاقتصادي الإقليمي خلال هذه الفترة‏.‏ شملت الهجرة جماعات وشرائح متنوعة‏,‏ ماهرة وشبه ماهرة‏,‏ غير أن المهم من منظور الأداء التنموي والعلمي والثقافي‏,‏ هو هجرة المعلمين والأطباء وأساتذة الجامعات ورجال إعلام ومثقفين وغيرهم من مفردات الطبقة الوسطي المصرية‏,‏ ذوات الخبرة المتراكمة‏,‏ مهنيا وسياسيا‏.‏

وتتبدي أهمية الهجرة الخارجية ودلالاتها بالنسبة للشخصية الوطنية في كثافة تيارها الأساسي علي مدي عقدين تقريبا‏(1975-1995)‏ وإن خفت حدته نسبيا الآن‏.‏ غير أن مصاحباته وتداعياته برزت وتراكمت‏,‏ ولاتزال متواصلة إلي الآن‏:‏
‏-‏ خضوع بعض مفردات الثقافات الفرعية للمهاجرين المصريين لبعض مفردات الثقافة البدوية‏/‏النفطية‏,‏ إما مسايرة أو تحسبا لمواصلة العمل‏.‏ وكما بين كتاب خليجيون‏,‏ فإن الثقافة البدوية‏/‏النفطية‏,‏ بدت حداثية من حيث المظهر والأدوات المادية‏,‏ وسلفية في أعماق رؤاها للعالم بما فيه رؤية الآخر حتي العربي‏.‏ لقد أفضي هذا الخضوع إلي تمثل أعداد غير قليلة من المهاجرين المصريين‏,‏ للتدين السائد هناك‏,‏ ولأنماط من الاستهلاك في الملبس وربما المأكل والتصرف اليومي‏,‏ وبدا هذا التأثير أكثر تجذرا لدي من ولد هناك وعاش حتي نهاية المرحلة الثانوية‏.‏

-‏ كان لخروج رموز كانت فاعلة محليا‏,‏ من الطبقة الوسطي المصرية‏,‏ تأثيراته علي وجودها الاجتماعي‏,‏ ووعيها الطبقي والمجتمعي‏.‏ فبعض من عاد تحول إلي صاحب مشروع استثماري‏,‏ تجاري أو خدمي أو عقاري غالبا‏.‏ وبعض منهم غير توجهاته الأيديولوجية والسياسية فسارع إلي تجسير علاقته بالسلطة‏,‏ أو مع جماعة الإخوان المسلمين‏.‏ وأسهم بعض منهم علي نحو ملحوظ فيما يسمي بأسلمة العلوم‏,‏ وتكريس بعض مفردات الوعي الديني في بلدان الهجرة‏.‏ كما أن هجرة المصريين إجمالا إلي الخارج‏,‏ سواء إلي الخليج أو الأردن أو العراق أو غيرها من البلدان جعلتنا جميعا نعيد النظر في مقولة أن المصري مرتبط بأرضه‏,‏ لا يهوي الترحال‏,‏ ولا يعشق الفراق‏,‏ نتيجة لاستقراره وارتباطه بالمجتمع الزراعي النهري‏:‏ وتلك أحد أهم تغيرات الشخصية المصرية المعاصرة‏.‏

‏(‏ج‏)‏ تركت العولمة تداعياتها علي مفردات الشخصية المصرية‏,‏ في الآتي‏:‏
‏-‏ نشر ثقافة العولمة‏CultureofGolobalization‏ وقيمها المستندة إلي العلم والمعرفة وإتقان العمل وزيادة الإنتاجية‏-‏ وهو أمر إيجابي عامة‏-‏ والمستندة أيضا علي التنافسية الفردية والحل الفردي للتحديات والمشكلات‏.‏

-‏ عولمة الثقافات الوطنية‏GolobalzationofNationalCultures‏ علي إيقاعات وقيم وأهداف ثقافة العولمة الرأسمالية‏.‏ ورغم كل ما يطلق من شعارات حول الحاجة إلي التنوع الثقافي‏,‏ فقد همشت العولمة الثقافات الوطنية‏,‏ وستوالي تفكيكها‏,‏ كلما كان ذلك مرغوبا من قبل الآخر‏.‏ وسوف توالي بعض مفردات الثقافة الوطنية خضوعها واستسلامها للاندماج‏-‏ رويدا رويدا‏-‏ في ثقافة العولمة‏,‏ باعتبارها الثقافة الأكثر إنجازا وجذبا وإبهارا من وجهة نظر كثير من المتلقين لها والمتفاعلين معها‏,‏ خاصة الشباب‏,‏ ومن المهم هنا الإشارة إلي أنه بقدر ما أتاحت تكنولوجيا الاتصال والمعلومات‏,‏ من فرص لانفتاح أعداد من الشباب المصري علي ثقافات أخري‏,‏ ومن فرص في التواصل والحوار وعرض الإنتاج الفكري والأدبي والعلمي لهم علي الإنترنت‏,‏ وأيضا اللهو والتعرف علي كثير مما تحرمه نسبيا الثقافات الوطنية‏(‏ قضايا الدين والجنس‏)‏ بقدر ما توالي تأثيراتها فتغير فيها‏,‏ خاصة القيم واللغة ومفردات الهوية الوطنية‏.‏

وثمة بعد هام ارتبط بتفاعلات التبدلات الداخلية والمتغيرات الخارجية‏,‏ وبصرف النظر عن حضوره الكمي‏,‏ فإن حضوره في التفكير ومنظومة القيم أضحي أكثر تزايدا من حيث تأثيره في بعض مفردات‏-‏ علي الأقل‏-‏ بنية الشخصية المصرية‏.‏ يتمثل هذا البعد في سطوة النشاط والفكر والقيم التجارية‏.‏ لقد بين‏’‏ ابن خلدون‏’‏ في مقدمته‏:‏ أن أخلاق الناس وقيمهم وطرائقهم في التفكير تختلف باختلاف فرصهم من المعاش‏-‏ نشاطهم الاقتصادي‏-‏ ولقد رتب النشاطات الاقتصادية وما يرتبط بها من قيم‏,‏ فجعل الصناعة في أعلي سلم الترتيب‏,‏ فهي تخلق قيما مضافة إلي الإنتاج‏.‏ وتعتمد علي الإبداع‏,‏ وتتمحور قيمها حول الدقة والإتقان والالتزام بالوقت والعقلانية في السلوك‏.‏ وأتي بالزراعة تالية‏,‏ فهي تضيف إلي الإنتاج‏,‏ وتكرس القيم الدينية والتواكل والإيمان بالقضاء والقدر‏,‏ أما النشاط التجاري فقد أتي به في أدني السلم الإنتاجي والقيمي‏.‏ فهي لا تضيف إلي الإنتاج الفعلي‏.‏ فالتجار وسطاء بين المنتجين وتجار التجزئة والمستهلكين‏,‏ ينقلون السلع من مكان إلي مكان‏,‏ يتربحون لأنهم يغالون في الأسعار وخطابهم اليومي حافل بالكذب والنفاق‏,‏ وهم من أكثر الناس إفسادا للسلطة والسلطان‏.‏

ثانيا‏:‏ المشترك بين أنماط الشخصية المصرية‏:‏
رغم إقرارنا باتجاه بنية الشخصية المصرية إلي التفكيك كالمرايا المتجاورة لأنماط فرعية لها‏,‏ فثمة خصائص تطفو علي سطحها وتتقاطع معها‏:‏

‏1-‏ رغم أن المصريين متدينون ويدلل علي هذا تاريخهم الممتد‏,‏ إلا أن تدينهم أو وعيهم الديني تباين بتباين خصائص مراحل التطور الاجتماعي الاقتصادي ومما يبدو متقاطعا مع أنماط الشخصية المصرية بشأن هذا التدين في الحقبة المعاصرة الآتي‏:‏

أ‏-‏ شكلانية التدين‏,‏ حيث الاهتمام بالمظهر الديني أكثر من السلوك‏,‏ فالحجاب والجلباب واللحية وارتداء ساعة اليد في اليد اليمني بدلا من اليسري وموائد الرحمن وبناء الزوايا والمساجد الصغيرة أسفل العمارات الكبيرة‏,‏ وتحجب الفنانات واعتزالهن الفن‏,‏ كلها مظاهر تدلل علي غلبة الشكل علي المضمون‏,‏ وهو شكل لا يخلو من إشباع رغبات مادية أو تحقيق مصالح مادية مواربة أو تسويغا لمصادر دخل مشروعة أو غير مشروعة‏.‏

ب‏-‏ تنامي بروز أنماط من الدعاة‏,‏ بعضهم رسمي حكومي والآخر غير رسمي ونخص منهم من يسمون بالدعاة الجدد‏,‏ المختلفي الملبس ومفردات الخطاب وقضاياه‏,‏ عن الدعاة التقليديين ولهم نوعية مختلفة من المتلقين الذين يكاد يكون جلهم من الشرائح العليا من الطبقة الوسطي‏,‏ ومن رجال الأعمال‏..‏ وبروز ظاهرة الدعاة الجدد وإن أكدت في جانب منها‏,‏ حاجة من في السلطة أو المتطلع إليها‏,‏ لتأسيس مشروعيته علي البعد الديني السياسي أكثر من المدني السياسي‏,‏ فإنها تكاد تكون ملازمة لأنماط من رجال الأعمال وأصحاب المشروع الخاص الذين يوظفون الدين في الأعمال التجارية‏,‏ إما برفع شعارات دينية داخل المحلات التجارية‏,‏ أو اختيار أسماء ذات صلة بالدين لتلك المحلات‏.‏ وما يدلل علي هذا‏,‏ ويدعو إلي الاستغراب والتأمل أن شركة بسكو مصر مثلا‏,‏ تنتج نوعا من البسكويت المصنع من التمر‏(‏ تكتب علي الغلاف‏’‏ حلال‏’‏ باللون الأصفر‏)‏ شاهرة إسلام هذا النوع من البسكويت‏.‏ إن الداعية الجديد يركز في جوهر مضمون خطابه علي المبادرة والحل الفرديين‏,‏ ويتعامل مع المتلقين كأفراد‏,‏ وهو نمط من الفكر والقيم يلتقي مع اهتمامات ومصالح القطاع الخاص‏,‏ الذي كثيرا ما يعنيه المبادرة الفردية والنشاط الفردي‏,‏ باعتباره أقرب لتحقيق مصالح المجتمع من النشاط الجماعي‏.‏ وهو فكر مناهض لبعض خصائص الشخصية المصرية‏,‏ التي كانت جماعية الطابع‏,‏ في التعامل مع فيضان النهر أو انحسار مياهه أيام التحاريق ومع المزاملة في الأعمال الزراعية ومع الجماعية في الأفراح والأتراح‏.‏ ويتشابك مع هذا ويدلل عليه بروز التعصب وحدته‏,‏ لأنماط بعينها من التدين حتي بين أبناء الدين الواحد ورجاله‏,‏ سلفيين‏,‏ ومكفرين للآخر‏,‏ بعنف الخطاب وزجر السلوك‏,‏ وأحيانا الاعتداء علي النفوس والممتلكات‏.‏ لقد كان التدين المصري تاريخيا يقوم علي التآخي والتسامح‏,‏ وكانت لحظات التعصب والفرقة استثناء للقاعدة العامة‏.‏ وكان التدين في أغلب طقوسه‏-‏ الأعياد الدينية‏-‏ فرحا ومرحا عكس ما يسود من تحريم وجهامة وتسويد للدنيا وتفضيل الآخرة عليها‏.‏

ج‏-‏ مع أن لغة أي مجتمع من ركائز بنية شخصيته الوطنية‏,‏ لأنها جوهرية في التخاطب والتعبير والتفاعل‏,‏ ومع التسليم أيضا بأن اللغة كائن اجتماعي‏,‏ يتأثر نضجا وذبولا وتشوها بحصاد السياق المجتمعي‏,‏ فالملاحظ أن المصريين بدوا كما لو كانوا يتحدثون عدة لغات فرعية‏,‏ يتزايد التمسك‏,‏ والسعي إلي نشرها مع الوقت يمكن رصدها في الآتي‏:‏
‏-‏ لقد أنتج الشباب لغة ومفردات خطاب حافل بالمعاني والدلالات التي من بينها حرص الشباب علي الابتعاد عن الأجيال الأكبر في داخل الأسرة الواحدة‏,‏ وربما أيضا إعلان القطيعة معهم‏,‏ لعدم جدوي الحوار معهم أو فاعليته‏,‏ فظهرت تعبيرات هي خليط من كلمات عامية وأجنبية‏,‏ ورموز وإشارات بالعينين والأيدي‏,‏ وعبارات علي الملابس هي محاكاة لمفردات من ثقافات أخري‏.‏ وفي الوقت الذي ينحسر فيه الحوار والتواصل بين الشباب والآباء والمعلمين والرؤساء في العمل‏,‏ لجأ الشباب إلي ما أتاحته التكنولوجيا المتنوعة من فرص‏,‏ للتحاور والتواصل وغيرها‏,‏ مع آخرين من ثقافات متباينة‏.‏ وأضحي غير قليل من الصحفيين خاصة في الصحف الفنية والرياضية لا يحترمون اللغة العربية‏,‏ يغفلون قواعدها ويدخلون عليها تعبيرات عامة منتشرة في أوساط الفنانين والرياضيين‏.‏

-‏ كانت النكتة المصرية ولا تزال من علامات التعبير الصحي نفسيا علي الأقل‏,‏ عن هموم الشخصية المصرية وإحباطاتها‏,‏ وكانت تتركز في الغالب حول السياسي والديني والجنسي‏,‏ مع بروز وتزايد نصيب كل منها وفق السياق المجتمعي المحيط‏,‏ غير أن الملاحظ الآن هو انحسار النكتة الدينية لشيوع تدين لا يخلو من قهر وإرهاب‏,‏ وأيضا انحسار النكتة الجنسية‏,‏ لأن الأغاني والفيديو كليب والأفلام الجنسية أضحت متاحة عن ذي قبل عبر الفضائيات والإنترنت وبالتالي تزايدت كثافة وإيقاع النكتة السياسية‏,‏ الموجهة إلي رموز السلطة في الأسرة والمدرسة والعمل وفي الحزب السياسي وإلي الوزراء وغيرهم‏.‏

-‏ يعرف عن الشخصية المصرية تاريخيا أنها مسالمة إلا فيما يتعلق بالأرض والعرض‏(‏ الثأر‏),‏ غير أن الملاحظ الآن بروز أنماط جديدة متكاثرة من العنف المادي والرمزي‏,‏ بين أعضاء الأسرة‏,‏ من الآباء للأبناء والعكس‏,‏ ومن الأزواج للزوجات والعكس‏,‏ وبين الزملاء في المدارس‏,‏ والجامعات‏,‏ وفي العمل‏,‏ وعلي رموز السلطة والممتلكات العامة‏,‏ بدءا من الأرصفة ومرورا بالمنشآت وحتي بعض الشخصيات العامة‏(‏ اغتيال رفعت المحجوب وفرج فوده مثالان فقط‏).‏

-‏ ومن الأمور التي باتت شبه متقاطعة مع الأنماط الفرعية للشخصية المصرية‏,‏ هو التحايل علي القانون‏,‏ لقد هانت قدسية القانون علي كثيرين نتيجة لتعدي رموز مختلفة عليه‏:‏ رجال أعمال وكبار موظفين وفنانين ولاعبي كرة ورؤساء تحرير صحف وغيرهم‏,‏ وبرز ذلك جليا من خلال ما تناقلته وسائل الإعلام من أحداث فساد مالي وإداري وسياسي ذات تأثير بليغ‏.‏ وبالتالي ليس بمستغرب أن تمتد تلك الاعتداءات علي كل من يستطيع بمفرده أو باستخدام آخر‏.‏ لقد أكد أحد المحامين أن المحاماة هي فن التحايل علي القانون لصالح المتهم‏.‏ وجسد هذه المقولة ممارسات أخري كثيرة في الأعمال السينمائية والدرامية‏.‏ ورغم عدم وجود دراسات كثيرة حول أنماط الاقتصاد الأسود السري والمعلن فإن الملاحظ تزايد الإتجار بالممنوعات‏,‏ والغش في السلع والخدمات والتكالب علي الهبش والاسترزاق‏.‏

-‏ لقد بين‏’‏ حامد عمار‏’‏ شيخ التربويين شيبا وشبانا في عمله الفذ‏’‏ في بناء البشر‏’‏ غلبة ما أسماه بالنمط الفهلوي للشخصية‏,‏ بين المصريين وهي شخصية تتمتع بالذكاء والمرح وسرعة البديهة والتحايل علي الآخرين وما إلي ذلك‏..‏ غير أننا نلحظ في الفترة الأخيرة بروز نمط آخر هو‏’‏ الشخصية الهباشة‏’‏ التي تحلل لنفسها كل شئ وأي شئ‏,‏ غايتها تبرر وسيلتها‏.‏ ولا يهم الاعتداء علي حقوق الآخر أيا كانت‏,‏ بما في ذلك‏’‏ أسراره‏’‏ وحياته الشخصية‏..‏ وتكاد تتقاطع شخصية الهباش مع كثير من الشرائح والجماعات الاجتماعية‏,‏ شغالة المنزل‏,‏ المقاول أيا كان حجمه والداعية الديني والمدرس الخصوصي‏,‏ الطبيب الاستثماري‏,‏ المحامي الذي يهبش من موكله‏,‏ المرشح في الانتخابات‏,‏ مسئول في وزارة أو إدارة أو هيئة أو مؤسسة‏..‏إلخ‏.‏

إن من أهم ما يمكن استخلاصه بشأن التغيرات التي طرأت علي الشخصية المصرية‏:‏
‏1-‏ وهن العلاقة بالمكان‏(‏ الهجرة الواسعة‏).‏

‏2-‏ الاعتداء علي اللغة العربية وحتي علي العامية المصرية‏.‏

‏3-‏ هيمنة تدين متعصب عدواني متجهم لا يخلو من كآبة‏,‏ مظهري الطابع‏,‏ يكشف عن تناقض أقواله مع ممارساته‏.‏

‏4-‏ تزايد كثافة التحايل علي القانون والاستهانة به‏.‏

‏5-‏ سطوة اللاعقلانية والخرافة والفردية والأهداف المادية‏.‏

‏6-‏ انقسام الشخصية المصرية وتفكيكها‏,‏ وتفكيك أنماطها الفرعية‏:‏ فمن منظور مفردات الشخصية يبرز أمامنا ما يلي‏:‏

أ‏-‏ متدينون متعصبون عدوانيون‏,‏ وآخرون أكثر ميلا إلي التسامح‏.‏ دعاة جدد وقدامي‏.‏ خطاب ديني تلفيقي وآخر استقطابي‏,‏ وثالث لا علاقة له بالزمان والمكان‏.‏ خطاب رسمي وآخر غير رسمي‏.‏

ب‏-‏ رجال ملتحون وملثمون وآخرون بملابس بلدية وجماعة ثالثة بملابس أجنبية متنوعة‏.‏ نساء محجبات وأخريات غير محجبات‏,‏ منهم طالبات وعاملات وفنانات‏..‏إلخ‏.‏

ج‏-‏ شباب يتحدثون العامية وآخرون الأجنبية‏,‏ ونمط ثالث يأتي بلغة مزيج من هذا وذاك‏.‏

د‏-‏ شباب مندمجون مشبعون‏,‏ وآخرون مهمشون اقتصاديا واجتماعيا‏.‏

هـ‏-‏ خريجو جامعات مصرية‏,‏ وجامعات خاصة‏,‏ وجامعات أجنبية وكليات أزهرية‏.‏

الزوجة الصالحة

أولاً: إنّ زواج الرسول (ص) من السيدة عائشة رضي الله عنها كان أصلاً باقتراح من خولة بنت حكيم على الرسول (ص) لتوكيد الصلة مع أحبّ الناس إليه سيدنا أبي بكر الصدّيق ، لتربطهما أيضاً برباط المصاهرة الوثيق.
ثانياً: أنّ السيدة عائشة رضي الله عنها كانت قبل ذلك مخطوبة لجبير بن المطعم بن عدي، فهي ناضجة من حيث الأنوثة مكتملة بدليل خطبتها قبل حديث خولة.
ثالثاً: أنّ قريش التي كانت تتربّص بالرسول (ص) الدوائر لتأليب الناس عليه من فجوة أو هفوة أو زلّة، لم تُدهش حين أُعلن نبأ المصاهرة بين أعزّ صاحبين وأوفى صديقين، بل استقبلته كما تستقبل أيّ أمر طبيعي.
رابعاً: أنّ السيدة عائشة رضي الله عنها لم تكن أول صبيّة تُزفّ في تلك البيئة إلى رجل في سنّ أبيها، ولن تكون كذلك أُخراهنّ. لقد تزوّج عبد المطلب الشيخ من هالة بنت عمّ آمنة في اليوم الذي تزوّج فيه عبد الله أصغر أبنائه من صبيّة هي في سنّ هالة وهي آمنة بنت وهب. ثمّ لقد تزوّج سيدنا عمر بن الخطّاب من بنت سيدنا علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه وهو في سنّ جدّها، كما أنّ سيدنا عمر بن الخطّاب يعرض بنته الشابة حفصة على سيدنا أبي بكر الصدّيق وبينهما من فارق السنّ مثل الذي بين الرسول (ص) وعائشة رضي الله عنها. ولكنّ نفراً من المستشرقين يأتون بعد أكثر من ألف وأربعمئة عام من ذلك الزواج فيهدرون فروق العصر والإقليم، ويطيلون القول فيما وصفوه بأنّه الجمع الغريب بين الكهل والطفولة ويقيسون بعين الهوى زواجاً عُقد في مكّة قبل الهجرة بما يحدث اليوم في بلاد الغرب حيث لا تتزوّج الفتاة عادة قبل سنّ الخامسة والعشرين. ويجب الانتباه إلى أنّ نضوج الفتاة في المناطق الحارّة مبكّر جداً وهو في سنّ الثامنة عادة، وتتأخّر الفتاة في المناطق الباردة إلى سنّ الواحد والعشرين كما يحدث ذلك في بعض البلاد الباردة. وأياً ما يكون الأمر فإنّه عليه الصلاة والسلام لم يتزوّج السيدة عائشة رضي الله عنها من أجل المتعة، وهو الذي بلغ الخامسة والخمسين من عمره، وإنّما كان ذلك لتوكيد الصلة مع أحبّ الرجال إليه عن طريق المصاهرة، خاصّة بعد أن تحمّل أعباء الرسالة وأصبحت حملاً ثقيلاً على كاهله، فليس هناك مجال للتفكير بهذا الشأن، ولو كان عليه الصلاة والسلام همّه النساء والاستمتاع بهنّ لكان فعل ذلك أيّام كان شاباً حيث لا أعباء رسالة ولا أثقالها ولا شيخوخة، بل عنفوان الشباب وشهوته الكامنة. غير أنّنا عندما ننظر في حياته في سنّ الشباب نجد أنّه كان عازفاً عن هذا كلّه، حتّى إنّه رضي بالزواج من السيدة خديجة رضي الله عنها الطاعنة في سنّ الأربعين وهو ابن الخامسة والعشرين. ثمّ لو كان عنده هوس بالنساء لما رضي بهذا عمراً طويلاً حتّى تُوفّيت زوجته خديجة رضي الله عنها دون أن يتزوّج عليها. ولو كان زواجه منها فلتة فهذه خديجة رضي الله عنها توفّاها الله، فبمن تزوّج بعدها؟ لقد تزوّج بعدها بسودة بنت زمعة العامرية جبراً لخاطرها وأنساً لوحشتها بعد وفاة زوجها وهي في سنّ كبير، وليس بها ما يرغّب الرجال والخطّاب. هذا يدلّ على أنّ الرسول (ص) كان عنده أهداف من الزواج إنسانية وتشريعية وإسلامية ونحو ذلك. ومنها أنّه عندما عرضت عليه خولة بنت حكيم الزواج من عائشة فكّر الرسول (ص) أيرفض بنت أبي بكر وتأبى عليه ذلك صحبة طويلة مخلصة ومكانة أبي بكر عند الرسول e التي لم يظفر بمثلها سواه. ولمّا جاءت عائشة رضي الله عنها إلى دار الرسول (ص) فسحت لها سودة المكان الأول في البيت وسهرت على راحتها إلى أن توفّاها الله وهي على طاعة الله وعبادته، وبقيت السيدة عائشة رضي الله عنها بعدها زوجة وفيّة للرسول (ص) تفقّهت عليه حتّى أصبحت من أهل العلم والمعرفة بالأحكام الشرعية. وما كان حبّ الرسول (ص) للسيدة عائشة رضي الله عنها إلاّ امتداداً طبيعياً لحبّه لأبيها رضي الله عنهما. ولقد سُئل عليه الصلاة والسلام: من أحبّ الناس إليك؟ قال: (عائشة) قيل: فمن الرجال؟ قال: (أبوها). هذه هي السيدة عائشة رضي الله عنها الزوجة الأثيرة عند الرسول (ص) وأحبّ الناس إليه. لم يكن زواجه منها لمجرّد الشهوة ولم تكن دوافع الزواج بها المتعة الزوجية بقدر ما كانت غاية ذلك تكريم أبي بكر وإيثاره وإدناؤه إليه وإنزال إبنته أكرم المنازل في بيت النبوّة .. والحمد لله ربّ العالمين.
سيرة السيدة عائشة رضي الله عنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم
لفضيلة الأستاذ محمد راتب النابلسي .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة الكرام … مع الدرس الحادي عشر من دروس سير الصحابيِّات الجليلات رضوان الله تعالى عليهن أجمعين ، ومع أمهات المؤمنين ، زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، ومع الزوجة الثالثة السيدة عائشة بنت أبي بكرٍ رضي الله عنهما.
أيها الإخوة الكرام … قد يسأل أحدكم : هذا الفارق الكبير في السن بين السيدة عائشة وبين رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ؟ كيف تزوَّج النبي امرأةً في سن أمه ؟ ثم كيف تزوج امرأةً في سن ابنته ؟ الأمور التي لا يدلي الشرع فيها بحكمٍ ترجع إلى الأعراف .
فأنت إذا قلت : أنا أكلت اللحم . ماذا تقصد ؟ لحم الضأن أو لحم البقر ، لأنك إذا أكلت سمكاً تقول : أكلت سمكاً . فإذا إنسان حلف بالطلاق ألّا يأكل لحماً ، فهل بإمكانه أن يأكمل سمكاً؟ نعم بإمكانه ، مع أن السمك لحم ، لكن العرف هو أن اللحم هو لحم الضأن أو البقر والسمك شيءٌ آخر ، ففي الموضوعات التي لم يكن هناك حكمٌ شرعي يعود الأمر إلى العرف.
وهذا موضوع طويل في أصول الفقه ، بابٌ كبير ، فأحد المصادر التشريعية العرف فهو الذي يحكم القضايا التي ليس فيها حكمٌ شرعي .
لو أن في زواج الرسول صلى الله عليه وسلَّم من السيدة عائشة ، أيُّ مأخذٍ في أعراف العرب وقتها لأُخِذ على النبي صلى الله عليه وسلَّم هذا الزواج ، بل إن البيئة وقتها تسمح بأن تأخذ امرأةً في سن أمك ، وتسمح بأن تأخذ امرأةً في سن ابنتك ؛ ولكن السيدة عائشة لها دور كبير جداً في موضوع الفقه ..
فقال بعض العلماء : " إن ربع الأحكام الشرعيَّة عُلِم منها " . إن ربع الأحكام الشرعية التي عرفناها من رسول الله صلى الله عليه وسلَّم إنما عُرِفَت من أحاديث روتها السيدة عائشة رضي الله عنها ، فامرأة النبي ، زوجة النبي ، أم المؤمنين لها دورٌ خطيرٌ جداً في الدعوة ؛ لأنها يمكن أن تختص بالنساء ، تعلمون أن النساء يسألن النبي عليه الصلاة والسلام عن موضوعاتٍ تخصُّ حالَهن ، وأفضل إنسانة تعبِّر عن الأحكام الشرعية المتعلِّقة بالمرأة زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، إذاً لها دورٌ في الدعوة .
ويقول العلماء أيضاً : " ما رأوا أحداً أعلم بمعاني القرآن وأحكام الحلال والحرام من السيدة عائشة ، وما رأى العلماء أحداً أعلم بالفرائض والطب والشعر والنسب من السيدة عائشة " . مع أنها صغيرة إلا أنها كانت شيئاً نادراً في الذكاء ، وشيئاً نادراً في الحفظ ، وشيئاً نادراً في الوفاء للنبي عليه الصلاة والسلام .
إذاً فليعلم القارئ حقاً ويطمئن أن زوجات النبي صلى الله عليه وسلَّم قد اختارهنّ الله جلَّ جلاله له ، لما سيكون لهن من دورٍ في الدعوة مستقبلاً .
فهذا الذي يفكر أن النبي تزوج زوجةً في سن ابنته ، أو امرأةً في سن أمه ، هذا لا يعرف من هو النبي ، فالنبي عليه الصلاة والسلام بقي مع السيدة خديجة وهي في سن أمه ربع قرنٍ ، وكان بإمكانه أن يتزوَّج أجمل فتيات مكة ، فهو بعيدٌ جداً عن هذا الذي يفكِّر فيه أعداء الإسلام .
* * *
أيها الإخوة الكرام … هذه السيدة الجليلة ـ السيدة عائشة ـ روت عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ألفي حديث ومئتين وعشرة أحاديث ، وحفظت القرآن الكريم كلَّه في حياة النبي .
إذاً من يقول : إن هناك فارقاً في السن . هذا الفارق في السن كان مألوفاً في عصر النبي ، ولو كان هناك مطعنٌ في هذا الموضوع لما سكت أعداء النبي ، ولجعلوا من هذه القضية قضيةً كبيرةً جداً .
من صفات هذه الزوجة الطاهرة ، على صغر سنها ، أنّها كانت ناميةً ذلك النمو السريع ، العوام الآن يعبرون عن هذه الظاهرة بقولهم : قطعتها كبيرة . فالعبرة بالمرأة في قطعتها لا في عمرها ، كانت على صغر سنِّها ناميةً ذلك النمو السريع الذي تنموه نساء العرب ، وكانت متوقِّدة الذهن ، نيِّرة الفكر ، شديدة الملاحظة ، وهي وإن كانت صغيرة السن لكنّها كبيرة العقل .
نحن تعلَّمنا في الجامعة أن للإنسان عمرين ؛ عمر زمني ، وعمر عقلي ، وقد يبتعدان عن بعضهما ، قد تجد إنساناً عمره الزمني عشر سنوات ، أما عمره العقلي فخمسة عشر عاماً ، وقد تجد إنساناً عمره الزمني عشرون عاماً ؛ وعمره العقلي خمسة عشر عاماً ، فالعقل لا ينمو مع نمو الجسم بل له نموّه الخاص ، فالسيدة عائشة رضي الله عنها على صغر سنها نمت نمواً سريعاً وعلى صغر سنها كانت متوقِّدة الذهن ، نيرة الفكر ، شديدة الملاحظة ، فهي وإن كانت صغيرة السن لكنها كبيرة العقل ، أي لها دور في الدعوة الاًسلامية .
تروي كتب السيرة أن النبي عليه الصلاة والسلام تزوج امرأةً فيما بعد ، قال لها ضرَّاتها : " إذا التقيت بالنبي فقولي له : أعوذ بالله منك " . فلما دخل عليها النبي قالت : " أعوذ بالله منك ". فماذا قال لها ؟ :
" الْحَقِي بِأَهْلِكِ" *
( من صحيح البخاري : عن " السيدة عائشة " )
رفضها ، هل يعقل أن تكون زوجة رسول الله بهذا الإدراك ؟ فهي مبلِّغة عن رسول الله ، تبلِّغ عنه الشرع ، شيءٌ خطيرٌ جداً أن تكون زوجة النبي عليه الصلاة والسلام محدودة التفكير ، لأنها تنقل عنه ، وربما نقلت عنه الشيء الذي ما أراده النبي عليه الصلاة والسلام .
إذاً هناك حكمةٌ إلهيةٌ بالغة من أن الله سبحانه وتعالى هيَّأ لرسوله الكريم هذه الزوجة العاقلة، المتقدة في الذهن والذكاء والفطنة ، كثيرة الملاحظة ، ذات النفسيَّة الطيِّبة .
يقولون : " ولو لم تكن السيدة عائشة رضي الله عنها في تلك السن التي صحبت بها رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، وهي السن التي يكون فيه الإنسان أفرغ بالاً ، وأشد استعداداً لتلقي العلم ، لما تهيَّأ لها ذلك " .
فالعلم شيءٌ أساسيٌ في حياة المؤمن ، والنبي عليه الصلاة والسلام كل شيءٍ يقوله ينبغي أن ينقل عنه ، وأفضل امرأةٍ تنقل عنه زوجته ، إذاً فلنطمئن أنّ الله سبحانه وتعالى اختارها على علمٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
قال الإمام الزُهري : " لو جُمع علم عائشة إلى علم جميع أمهات المؤمنين ، وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل " .
والحقيقة أن الشيء الذي يدهش العقول ، أو الشيء الذي يلفت النظر أن تكون المرأة على درجة عالية جداً من الفهم والعلم والفقه ، فالمرأة عند الناس امرأة ، لكن المرأة التي تتمتَّع بعقلٍ راجح ، وإدراكٍ عميق ، وفهمٍ دقيق ، وحفظٍ شديد ؛ هذه امرأةٌ نادرةٌ جداً ، وامرأةٌ مؤهَّلةٌ لأن تكون زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم .
عطاء بن أبي رباح يقول : " كانت عائشة أفقه الناس ، وأعلم الناس ، وأحسن الناس رأياً في العامة " .
والحقيقة مِن مُتَع الحياة أن تعيش مع الذكي ، ومن البلاء الشديد أن تعيش مع المحدود ـ محدود التفكير ـ تكاد تخرج من جلدك ، سمعتم مرةً مني أن الإمام أبا حنيفة رضي الله عنه بينما كان يلقي درساً على إخوانه حول صلاة الفجر ، وفيما قرأت كانت رجله تؤلمه ، وبينه وبين تلاميذه مُباسطة، ليس هناك كلفة ، ولعذرٍ فيه كان يمد رجله ، وتعلمون أن النبي عليه الصلاة والسلام ما رؤي ماداً رجليه قط بين أصحابه ـ أما إذا وجد عذر فموضوع ثانٍ ـ دخل رجل طويل القامة ، عريض المنكبين ، حسن الهيئة ، يرتدي عمامةً وجُبةً ، وجلس في مجلس هذا الإمام العظيم .
فأبو حنيفة رضي الله عنه ظنَّه عالماً كبيراً ، فاستحيا منه ورفع رجله ، أي أن بينه وبين إخوانه ليس هناك تكليف ، أما هذا فضيف غريب لعلَّه ينتقده ، فلما انتهى الدرس سأله هذا الرجل: يا إمام كيف نصلي الصبح إذا طلعت الشمس قبل الفجر ؟ فقال له : " عندئذٍ يمد أبو حنيفة رجله ".
فأن يعيش الإنسان مع شخص محدود التفكير يخرج من جلده أحياناً ، والحقيقة من سعادة الإنسان أن يكون الذين حوله في مستواه ، يفهمون عليه.
لذلك فأنا أرى أن من إكرام الله لرسول الله أنه قيَّض له أصحاباًعلى مستوى عالٍ من الفطنة، والوفاء ، والذكاء ، والحُب ، والتضحية ، والإخلاص ، وكلَّما ارتقى مقامك عند الله هيَّأ الله لك أُناساً قريبين منك ، كلَّما ارتقى مقامك عند الله هيَّأ الله لك أُناساً يفهمون عليك ، يفهمون عليك بالإشارة ، يقدِّرون ما أنت فيه ، يعرفون قدرك حق المعرفة ، يعرفون أهدافك النبيلة .
وإذا غضب الله على عبدٍ جعل مَن حوله لا يعرفون قيمته ولا فضله، لذلك ورد في الأثر :
" أكرموا عزيز قومٍ زل ، وغنياً افتقر ، وعالماً ضاع بين الجُهال " .
كانت عائشة أفقه الناس ، وأعلم الناس ، وأحسن الناس رأياً ، وقال أبو موسى الأشعري : "ما أشكل علينا أمرٌ فسألنا عنه عائشة ، إلا وجدنا عندها فيه علماً " .
وقال مسروق : " رأيت مشيخة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلَّم الأكابر يسألونها عن الفرائض " .
وقال عروة : " ما رأيت أحداً أعلم بفقهٍ ولا طبٍ ولا بشعرٍ من عائشة " .
وقال أبو الزناد : " ما كان ينزل بها شيءٌ إلا أنشدت فيه شعراً " .
شاعرة ، ذات حافظة عالية جداً ، ذكية ، فطنة ، تنقل عن رسول الله أكثر من ألفي حديث.
* * *
أيها الإخوة … أردت من هذه المقدمة أن تعلموا أن عائشة أم المؤمنين ، اختارها الله عزَّ وجل لنبيِّه الكريم ، لتكون زوجته وأمينة سرِّه وراويةً عنه .
كلكم يعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام عقد عليها وهو في مكة قبل الهجرة ، ثم هاجر عليه الصلاة والسلام إلى المدينة ، واستقبله الأنصار ، وهم محيطون به ، متقلِّدي سيوفهم ، وهنا حدِّث ولا حرج عن سرور أهل المدينة ، فكان يوم تحوِّله إليهم يوماً سعيداً ، لم ُيرَوْا فرحين فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلَّم .
فكلكم تحضرون عقود قران ، وموالد بمناسبة ذكرى مولد الرسول عليه الصلاة والسلام ، ونشيد طلع البدر علينا يمكن ألا يكون واحد من الإخوة الحاضرين إلّا سمعه مئات المرَّات إن لم نقل أكثر .
والعبد الفقير لما كنت في المدينة المنورة في إحدى العُمرات ، وقفت قبالة مسجد قِباء ، فهناك ميدان في وسطه نُصب تذكاري ، مكتوب عليه بكرة جميلة طلع البدر علينا ، أيْ في هذا المكان ـ في مكان مسجد قباء ، وقباء في ظاهر المدينة ـ خرج الأنصار من المدينة ، ليستقبلوا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، وفي هذا المكان بالذات أنشدوا : طلع البدر علينا . والله أيها الإخوة كأنني أسمع هذا النشيد لأول مرة ، وله وقعٌ في هذا المكان لا يوصف ، في المكان الذي وقف فيه الأنصار ينتظرون النبي عليه الصلاة والسلام ، وحينما أطل عليهم قالوا :
طلع البدر علينا من ثنيِّات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المُطاع
* * *
وفي الصحيحين عن أبي بكرٍ رضي الله عنه في حديث الهجرة ، قال : " وخرج الناس حين قدمنا المدينة في الطرق وعلى البيوت ، والغِلمان والخدم يقولون : الله أكبر جاء رسول الله، الله أكبر جاء محمد ، الله أكبر جاء رسول الله ، وكان الأنصار قد اجتمعوا فمشوا حول ناقته صلى الله عليه وسلَّم ، لا يزال أحدهم ينازع صاحبه زمام الناقة شُحَّاً على كرامة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتعظيماً له ، وكلَّما مرَّ بدارٍ من دور الأنصار دعوه إلى المنزل ، فيقول عليه الصلاة والسلام :
" دعوها فإنها مأمورة فإنما أنزل حيث أنزلني الله " .
( من كشف الخفاء : عن " ابن الزبير " )
إخواننا الكرام … كان عليه الصلاة والسلام حكيماً إلى درجةٍ كبيرة جداً ، لأنه لو اختـار البيت بنفسه لكان ، كل إنسان لم يختر بيته ليكون نُزلاً لرسول الله يتألَّم ، لذلك ترك الأمر لله عزَّ وجل ، قال : " دعوها فإنها مأمورة ". حتى يطيِّب قلب أصحابه جميعاً فما اختار هو البيت ، بل قال "دعوها فإنها مأمورة " ، ونزلت في بيت أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه .
ولقد كنت في تركيا قبل سنة تقريباً ، وصلَّيت الجمعة في مسجد أبي أيوب الأنصاري في مدينة استنبول ، هذا الصحابي الجليل أين مات ؟ مات في أقصى الشمال ، وله مسجدٌ والله منوَّر تشعر فيه بروحانية عجيبة، فلما انتهت الصلاة زرت مقام هذا الصحابي الجليل وقرأت الفاتحة ، وتأثرت تأثراً كبيراً ، ولكن الذي أدهشني أن كل زوَّار المقام حينما يخرجون من هذا المقام لا يديرون ظهورهم إليه ، يرجعون القهقرى تأدُّباً معه ، فهذا الصحابي الجليل الذي أكرمه الله بأن يكون مُضيف النبي عليه الصلاة والسلام ، له قصصٌ رائعةٌ جداً .
فهو لم يستطع أن ينام في الدور الذي فوق رسول الله ، فبيته طابقان، والنبي عليه الصلاة والسلام رأى في الطابق الأرضي أسهل لزوَّاره ومن يأتيه ، وسمح لأبي أيوب أن ينام في الطابق العلوي ، من شدة أدب هذا الصحابي الجليل لم يستطع أن ينام في الطابق الذي فوق رسول الله ، وكان في حرجٍ شديد ، ومرةً قدر الماء انكسر ، فخاف أن ينزل على النبي قطرةُ ماء ، فجاء باللحاف الذي لا يملك غيره في الشتاء ، فوضعه فوق الماء ، كي يمنع نزول الماء على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هذا هو الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصاري الذي حظي بضيافة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم .
ولما استقر عليه الصلاة والسلام في المدينة ، أين كانت عائشة ؟ كانت في مكة ، ولما يدخل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
يجب أن نعلم أيها الإخوة علماً دقيقاً ، أن العقد على عائشة سبق الدخول بسنوات ، فإذا قلنا صغيرة ، وبينها وبين النبي فرقٌ كبير ، فإن العقد شيء والدخول شيءٌ آخر ، عقد عليها بمكة ، ولم يدخل بها إلا في المدينة ، ولما استقر عليه الصلاة والسلام بالمدينة ، أرسل زيد بن حارثة وأبا رافع إلى مكة ليأتيا بمن خلَّف من أهله ، وأرسل معهما عبد الله بن أريقط يدلهما على الطريق ، فقدما بفاطمة وأم كلثوم ابنتيه ، وسودة زوجِه، وأم أيمن حاضنته في صغره ، وابنها أسامة بن زيد ، وأما زينب فمنعها زوجها أبو العاص بن الربيع ، وخرج مع الجميع عبد الله بن أبي بكر بأم عائشة زوج أبيه ، وأختيه عائشة وأسماء زوج الزبير بن العوام ، وكانت حاملاً بابنها عبد الله بن الزبير ، وهو أول مولود للمهاجرين في المدينة ، وصحبهم من مكة طلحة بن عُبيد الله .
وبعد أن استقر النبي بالمدينة ، وانتهى ضجيج الهجرة ، وانتهت المطاردة ، أرسل هؤلاء الصحابة ليأتوا بأهله ؛ أتوا بفاطمة ، وأم كلثوم ، وسودة ، وأم أيمن ، وابنها أسامة بن زيد ، أما زينب فمنعها زوجها من الهجرة .
والنبي عليه الصلاة والسلام يهيِّئ الدور لزوجته سودة ولزوجته عائشة ليستقبل فيها أهله .
وفي أيامنا هذه تجد شخصاً عادياً جداً يسألك عن مكان سكنى ابنته المخطوبة ، أين ستسكنها ؟ . غرفةٌ صغيرةٌ جداً ملحقةٌ بالمسجد هذه الغرفة بيت عائشة ، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وكانت هذه الغرفة الصغيرة التي لا تتسع لصلاته ونوم زوجته معاً ، إما أن يصلي فتنزاح جانباً ، وإما أن يناما معاً ، أما أن يصلي هو وتنام هي فالغرفة لا تتسع لهما ، هذا بيت رسول الله .
طبعاً حينما حضر أهل النبي عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة ؛ ابنته فاطمة ، وأم كلثوم ، وزوجته عائشة وأمها ، ومن يصبحهنّ فهذا الشيء يبعث في النفس السرور طبعاً ، لأن ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام :
" المرء حيث أهله والمرء حيث رحله " .
وصلت هذه السيدة الجليلة إلى المدينة مع أمها أم رومان ، وأختها أسماء ، وأخيها عبد الله، واستقروا في دار الوالد الصديق رضي الله عنه، ولم تمضِ أشهر معدودات ـ بعد أشهر معدودة ـ حتى تكلَّم الصديق رضي الله عنه إلى النبي عليه الصلاة والسلام في إتمام الزواج الذي عقده بمكة .
فالنبي عقد بمكة قبل سنوات من الهجرة ، وبعد الهجرة بأمد طويل استقدم أهله ، وبعد هذا الاستقدام بقيت في بيت أبيها ، فلما كلَّم الصديق رسول الله في شأن إتمام الزواج ، سارع النبي عليه الصلاة والسلام ، وسارعت نساء الأنصار إلى منزل الصديق لتهيئة هذه العروس الشابَّة لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم .
أجمل موقف وقفته أم السيدة عائشة رضي الله عنها ، حينما دخلت على النبي صلى الله عليه وسلَّم ، ومعها ابنتها العروس السيدة عائشة بعد أن هُيئت له ، دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في دار أبي بكر وقالت : " يا رسول الله هؤلاء أهلك ، بارك الله لك فيهن وبارك لهن فيك " . وهذا أجمل دعاءٍ يُلقى في عقود القِران : " بارك الله لك فيها وبارك لها فيك " .
والزواج المبارك هو الذي يكون مبنياً على طاعة الله ، وعلى تطبيق منهج رسول الله ، والله عزَّ وجل يلقي الحب بين الزوجين ، والألفة والمودَّة ، وينجب من هذين الزوجين الذرِّية الطيبة الصالحة ، فالزواج شيء جميل جداً ، والزواج له ثمرة ؛ وثمرته أولاد أبرار ، والإنسان حينما يموت ينقطع عمله ، أما إن كان له ولد صالح ، فهذا الولد الصالح ينفع الناس من بعده ، وكل أعماله في صحيفة أبيه .
البارحة زارني صديقان ، أحد الصديقين له ابنٌ طالبُ علمٍ شرعي ، متفتِّح ، يدعو إلى الله عزَّ وجل ، فقلت له : إن هذا الابن أثمن شيءٍ في الدنيا بالنسبة لأبيه .
* * *
أيها الإخوة … وتنقضي ليلة الزفاف المباركة في دار أبي بكرٍ رضي الله عنه ، ثم يتحوَّل النبي عليه الصلاة والسلام بأهله إلى البيت الجديد ، ما كان هذا البيت سوى حجرةٍ من الحُجرات التي شُيِّدت حول مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، من اللبن وسعف النخيل ، وقد فُرش بحصير ، ووضع فيه فراشٌ ، وبعض ملحقاته ، وأوانٍ بسيطة للشراب والطعام ، وهذا كلُّ بيت رسول الله .
غرفة سقفها من سعف النخيل ، جدرانها من اللبن ، فيها فراش ، وفيها بعض الأدوات البسيطة جداً ، وفي هذا البيت المتواضع بدأت حياة العروس الكريمة عائشة رضي الله عنها ، وبدأت الحياة الزوجية الحافلة بالمكرُمات والخيرات ، مكرُمات النبوة وخيرات الرسالة .
وأنا أعلم أن هناك بيوتاً فخمةً جداً لكن لا سعادة فيها ، وهناك بيوت متواضعة جداً فيها سعادة زوجية تامة ، السعادة الزوجية أساسها طاعة الله ، والشقاء الزوجي أساسه معصية الله عزَّ وجل .
هذه العروس الصغيرة على صغر سنها إلا أنها احتلَّت مكانها المرموق في بيت النبوة ، وحياة رسول الله ، وتاريخ الدعوة ، والتاريخ الإسلامي .
الحقيقة التي لا ريب فيها أنه يُشهد لهذه الزوجة أنها كانت في أعلى مستوى من العلـم ، والمعرفة في شؤون الدين ، وعلى جانبٍ عظيم من الدراية لأسرار الأحكام الشرعية ، ولها منزلة رفيعة من التقوى والورع ، بالإضافة إلى معرفتها بالأمور الاجتماعيَّة والسياسية ، لذلك فاعلم أخي الكريم :
" الدنيا كلها متاع ، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة " .
( من الجامع الصغير : عن " ابن عمرو " )
التي ..
" إذا نظرت إليها سرتك ، وإذا غبت عنها حفظتك ، وإذا أمرتها أطاعتك".
( من الجامع الصغير : عن " عبد الله بن سلام " )
وحينما قال الله عز وجل :
(( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )) ( سورة البقرة )
قال العلماء : " حسنة الدنيا هي المرأة الصالحة " .
وأنا أرجو الله سبحانه وتعالى لكل إخوتنا الشباب ، الذين لم يقدموا على الزواج بعد ، فماذا يمنعهم أن يكون دعاؤهم لله عزَّ وجل : اللهمَّ ارزقنا زوجة صالحة . الزوجة الصالحة أحد أسباب النجاح في الحياة ، فحينما تطلب امرأة صالحة ، تتوافر فيها الشروط ، تكون قد حققت أحد جوانب السعادة في حياتك الدنيا .
في درسٍ آخر إن شاء الله ننتقل إلى هذه الزوجة الطاهرة مع ضرَّاتها ـ نساء النبي ـ عليهن جميعاً رضوان الله عزَّ وجل ، وكيف أن الحياة الزوجية جزءٌ من حياة الإنسان الطيبة ..
(( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ))
( سورة النحل : من آية " 97 " )
والمرأة الصالحة جزءٌ من الحياة الطيبة .

منقبة عظيمة .. ومزية كريمة

منقبة عظيمة .. ومزية كريمة .. يا احبابي الكرام من ضحك الله اليه .. فلا عذاب عليه
هل تعلمون .. من هو


صاحب .. الحظ الكبير الذي يضحك الله له ؟؟؟
انهم اصحاب الهمم .. الذين قاموا جميع الدجى على قدم الاعتذار .. ثم تساندوا الى رواحل

البكاء
والاستغفار .. رفعوا رسائل الخضوع والانكسار .. فعاد جواب الابرار .. من اللطيف القهار …
وقد اخبرنا الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام .. ان

المولى تعالى يضحك لقائم الليل .. ويستبشر به
رضا وفرحا .. بقيامه له في الظلام .. والناس نيام .. فطوبى لك يا قائم الليل .. بهذا الثواب العظيم

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : " الا ان الله يضحك لرجلين : رجل قام في ليلة باردة من فراشه

ولحافه ودثاره.. قتوضأ ثم قام الى الصلاة .. فيقول الله عزوجل لملائكته : ما حمل عبدي هذا على ما صنع ؟
فيقولون : ربنا رجاء ما عندك .. وشفقة مما عندك .. فيقول : فاني قد اعطيته ما رجا ..
وامنته مما يخاف "
اخي الحبيب : عسى الله ان يجعلنا جميعا من قوم قال عنهم الشاعر :

لله قوم شروا لله انفسهم . . . فاتعبوها بزجر الله
ازمانا
اما النهار فقد وافوا صيامهم . . . وفي الظلام تراهم فيه رهبانا
ابدانهم اتعبت في الله انفسهم . . . وانفس اتعبت في الله ابدانا
ذابت لحومهم خوف الحساب غدا . . . وقطعوا الليل تسبيحا وقرانا
اخواني احباب في الله .. نعم الرجل عبدالله .. لو كان يصلي من الليل ؟؟؟
وخير خلق
الله من سار على سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ………

نفسى

 فلنغير نظرة التشاؤم في أعيننا لما حل بنا من محن إلى نظرة حب وتفاؤل لما عاد علينا من فائدة وخير بعد مرورنا بهذه المحن. ما أحوجنا لمثل هذا ال...