هذه بعض أقوال علماء الغرب المنصفين في حديثهم عن أخلاق محمد ..
فماذا كانت أقوال من عاصروا النبي وكانوا معه كظله ؟ :
يقول علي بن أبي طالب:
"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يخزن لسانه إلا مما يعنيهم ويؤلفهم ، ولا يفرقهم ، يكرم كريم كل قوم ، ويوليه عليهم ، ويحذر الناس ويحترس عنهم ، من غير أن يطوي عن أحد بشره وخلقه ، ويتفقد أصحابه ، ويسأل الناس عما في الناس ، ويحسن الحسن ويصوبه ، ويقبح القبيح ويوهنه ، معتدل الأمر غير مختلف ، لا يغفل مخافة أن يغفلوا ، أو يملوا ، لكل حال عنده عتاد ، لا يقصر عن الحق ، ولا يجاوزه إلى غيره ، الذين يلونه من الناس خيارهم ، وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة وأعظمهم عنده منزلة : أحسنهم مواساة ومؤازرة ." () .
"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دائم البشر ، سهل الخلق، لين الجانب ، ليس بفظ() ، ولا غليظ ولا صخاب() في الأسواق ، ولا فاحش ولا عياب ، ولا مداح يتغافل عما لا يشتهي ، ويؤيس منه ، ولا يجيب فيه، قد ترك نفسه من ثلاث : المراء()، والإكثار ، ومالا يعنيه وترك الناس من ثلاث : كان لا يذم أحدا ، ولا يعيره ، ولا يطلب عوراته، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه، إذا تكلم أطرق() جلساؤه ، كأنما على رءوسهم الطير، وإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعون عنده الحديث من تكلم أنصتوا له ، حتى يفرغ حديثهم عنده حديث أولهم ، يضحك مما يضحكون ، ويتعجب مما يتعجبون ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه"() .
"كان سكوت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على أربع : على الحلم ، والحذر ، والتقدير ، والتفكير ، فأما تقديره ففي تسوية النظر ، والاستماع من الناس ، وأما تفكيره ففيما يبقى ، ولا يفنى وجمع له الحلم في الصبر ، فكان لا يغضبه شيء ، ولا يستفزه وجمع له الحذر في أربع : أخذه بالحسن ليقتدى به ، وتركه القبيح لينتهى عنه ، واجتهاده الرأي فيما أصلح أمته ، والقيام فيما هو خير لهم ، جمع لهم خير الدنيا والآخرة"().
كان " دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مشاح، يتغافل عما لا يشتهي ولا يؤيس منه راجيه ولا يخيب فيه"()..
ثانيًا : صفاته :
1- كلام أنس في وصف النبي r
قال أنس بن مالك – خادم النبي r- :
"كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليس بالطويل الْبَائِنِ وَلا بِالْقَصِير، ِوَلَيْسَ بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ، وَلَيْسَ بِالْآدَمِ، وَلَيْسَ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ()، وَلَا بِالسَّبْطِ()، بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَتَوَفَّاهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً، وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ"()
" كان النبي – صلى الله عليه وسلم – ضَخْمَ الْيَدَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، حَسَنَ الْوَجْهِ، لَمْ أَرَ بَعْدَهُ وَلَا قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَكَانَ بَسِطَ الْكَفَّيْنِ"()
"كَانَ يَضْرِبُ شَعَرُ النبي – صلى الله عليه وسلم – مَنْكِبَيْهِ"().
2- كلام ابن عباس في وصف النبي r
" كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ، وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ أَشْعَارَهُمْ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ، فَسَدَلَ النبي – صلى الله عليه وسلم – نَاصِيَتَهُ ثُمَّ فَرَقَ بَعْدُ"() .
3- كلام البراء في وصف النبي r
" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً مربوعًا() ، بعيد ما بين المنكبين() عظيم الجمة إلى شحمة أذنيه، عليه حلة حمراء ، ما رأيت شيئا قط أحسن منه"().
4- كلام جابر بن سمرة في وصف النبي r
" رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم -في ليلة إضحيان [ أي مضيئة مقمرة ] وعليه حلة حمراء فجعلت أنظر إليه وإلى القمر فلهو عندي أحسن من القمر "() .
" كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ضليع الفم أشكل العين منهوس العقب " . قال شعبة : قلت لسماك : ما ( ضليع الفم ) ؟ قال : عظيم الفم . قلت : ما ( أشكل العين ) ؟ قال : طويل شق العين . قلت : ما ( منهوس العقب ) ؟ قال : قليل لحم العقب() .
5- كلام علي بن أبي طالب في وصف النبي r
" لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم -بالطويل ولا بالقصير، شثن الكفين والقدمين، ضخم الرأس، ضخم الكراديس()، طويل المسربة()، إذا مشى تكفأ تكفؤًا كأنما ينحط من صبب()، لم أر قبله ولا بعده مثله - صلى الله عليه وسلم – "() .
6- كلام أبي الطفيل في وصف النبي r
"رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وما بقي على وجه الأرض أحد رآه غيري "
قيل له : صفه لي . قال : " كان أبيض مليحًا مقصدًا "() .
7- كلام أبي هريرة في وصف النبي r
"كان أحسن الناس ( صفة و أجملها كان ) ربعة() إلى الطول ما هو، بعيد ما بين المنكبين، أسيل الخدين، شديد سواد الشعر، أكحل العينين، أهدب الأشفار، إذا وطئ() بقدمه وطئ بكلها، ليس له أخمص إذا وضع رداءه عن منكبيه فكأنه سبيكة فضة ( و إذا ضحك يتلألأ)() .
8- كلام أُمّ مَعْبَدٍ في وصف النبي r
قالت أُمَّ مَعْبَدٍ تصف رسول الله لزوجها، لما مر بها في رحلة الهجرة :
"رَأَيْتُ رَجُلا ظَاهَرَ الْوَضَاءَةِ .. أَبْلَجَ الْوَجْهِ() .. حَسَنَ الْخَلْقِ ..لَمْ تَعِبْهُ ثُحْلَةٌ..وَلَمْ تُزْرِ بِهِ صَعْلَةٌ ، وَسِيمٌ ، فِي عَيْنَيْهِ دَعَجٌ() ، وَفِي أَشْفَارِهِ وَطَفٌ() ، وَفِي صَوْتِهِ صَهَلٌ() ،وَفِي عُنُقِهِ سَطَعٌ() ، وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَاثَةٌ() ، أَزَجُّ() أَقْرَنُ ..
إِنْ صَمَتَ فَعَلَيْهِ الْوَقَارُ ، وَإِنْ تَكَلَّمَ سَمَاهُ وَعَلاهُ الْبَهَاءُ ..
أَجْمَلُ النَّاسِ وَأَبَهَاهُ مِنْ بَعِيدٍ ،وأَحْلاهُ وَأَحْسَنُهُ مِنْ قَرِيبٍ ..
حُلْوُ الْمِنْطَقِ ، فَصْلٌ لا هَذِرٌ وَلا تَزِرٌ ()، كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتٌ() نَظْمٌ يَتَحَدَّرْنَ ..
رَبْعٌ لا يَأْسَ مِنْ طُولٍ ، وَلا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ ..
غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ فَهُوَ أَنْضَرُ الثَّلاثَةِ مَنْظَرًا ، وَأَحْسَنُهُمْ قَدْرًا ، لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ ،
إِنْ قَالَ أَنْصَتُوا لِقَوْلِهِ ، وَإِنْ أَمَرَ تَبَادَرُوا إِلَى أَمْرِهِ ..
مَحْفُودٌ() مَحْشُودٌ() لا عَابِسٌ وَلا مُفَنَّدٌ() "() .
المطلب الثالث : حال العالم عشية البعثة :
"بينما كان العالم الشرقي والعالم الغربي بفلسفاتهما العقيمة يعيش في دياجير ظلام الفكر وفساد العبادة، بزغ من مكة المكرمة في شخص محمد رسول الله [r] نور وضاء؛ أضاء على العالم فهداه إلى الإسلام" () .
فقد وُلد النبي [r] والبشرية تُعاني صنوف الجهل والتخلف والانحطاط الخلقي والحضاري.. العرب في الجزيرة العربية كانوا يعبدون الأصنام ويقتلون البنات ويتكسبون من وراء الزنى والدعارة .. أما الشعب الفارسي فقد أدمن عبادة النار كما أدمن عبادة الطاغية كسرى، الذي كرث الطبقية والكراهية بين صفوف الشعب الفارسي .. وهذا هرقل أجج الخلاف الطائفي بين الرومان فأخذ يذّبح من يخالفه في المذهب، فضلاً عن فساد السلطة الرومانية الحاكمة مالياً وإدارياً وسياسياً .. حتى وصل بهم الحد أن فرضوا ضريبة على الشعوب تسمى " ضريبة الرأس" .. وهي ضريبة يدفعها المواطن نظير ترك رأسه دون ذبح !
ومن ثم " فإننا نجد استعدادات عامة للانتحار الاجتماعي العام . لم يكن النوع البشري في ذلك الزمان راضيًا بالانتحار فحسب، بل كان يتساقط عليه، ويتهالك فيه !! "()
وهكذا كان العالم يموج بالظلم والتخلف .. إلى أن أرسل الله ـ تبارك ـ هذا الصادق الأمين r.
ويبين هنري ماسيه () :
أن "بفضل إصلاحات محمد [r] الدينية والسياسية، وهي إصلاحات موحدة بشكل أساسي، فإن العرب وعوا أنفسهم وخرجوا من ظلمات الجهل والفوضى، ليعدّوا دخلوهم النهائي إلى تاريخ المدنية"()..
المطلب الرابع :النبوة والوحي :
أولاً : شهادة الكتب السماوية السابقة
لقد أخبرت التوراة والإنجيل عن بعثة محمد r بشكل صريح تارة وبشكل فيه تلميح تارة أخرى :
ففي بشارة سفر العدد: ورد في قصة بلعام بن باعوراء أنه قال: "انظروا كوكباً قد ظهر من آل إسماعيل، وعضده سبط من العرب، ولظهوره تزلزلت الأرض ومن عليها". . قال المهتدي الإسكندراني معلقاً: "ولم يظهر من نسل إسماعيل إلا محمد r، وما تزلزلت الأرض إلا لظهوره r. حقًا إنه كوكب آل إسماعيل، وهو الذي تغير الكون لمبعثه r؛فقد حرست السماء من استراق السمع، وانطفأت نيران فارس، وسقطت أصنام بابل، ودكت عروش الظلم على أيدي أتباعه."().
وقد حُرف هذا النص في الطبعات المحدثة إلى: "يبرز كوكب من يعقوب، ويقوم قضيب من إسرائيل، فيحطم موآب، ويهلك من الوغى"().
وفي سفر التثنية لما هُزمت جيوش بني إسرائيل أمام العمالقة، توسل موسى إلى الله سبحانه وتعالى مستشفعاً بمحمد rقائلاً: "اذكر عهد إبراهيم الذي وعدته به من نسل إسماعيل أن تنصر جيوش المؤمنين، فأجاب الله دعاءه ونصر بني إسرائيل على العمالقة ببركات محمد r" وقد استبدل هذا النص بالعبارات التالية: "اذكر عبيدك إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ولا تلتفت إلى غلاظة هذا الشعب وإثمه وخطيئته" ولا يمكن أن يكون هذا الدعاء قد صدر من موسى عليه السلام، لأنه ينافي كمال التوحيد().
وقال يوحنا في الفصل الخامس عشر من إنجيله : إن المسيح ـ عليه السلام ـ قال: "إن الفارقليط الذي يرسله أبي باسمي يعلمكم كل شيء" وقال – أيضا – في الفصل السادس عشر: "إن الفارقليط لن يجيئكم مالم أذهب، فإذا جاء وبخ العالم على الخطيئة، ولا يقول من تلقاء نفسه شيئاً، لكنه يسوسكم بالحق كله، ويخبركم بالحوادث والغيوب"()
ويقول عيسى ـ عليه السلام ـ في إنجيل برنابا : "لأن الله سيصعِّدني من الأرض وسيغير منظر الخائن حتى يظنه كل أحد إيّاي. ومع ذلك فإنه حين يموت شر ميتة أمكث أنا في ذلك العار زمنًا طويلاً في العالم ولكن متى جاء محمد رسول الله المقدس تزال عني هذه الوصمة"() .
هذا، وقد شهد بنبوة محمد r رجالات اليهودية، كأمثال الحبر عبد الله بن سلام، ورجلات النصرانية كورقة بن نوفل ..
ليكونا حجة على كل يهودي أو نصراني إلى قيام الساعة !
ثانيًا: شهادات علماء الغرب:
كما شهد بنبوة محمد rكبار المفكرين والباحثين الغربيين في العصر الحديث ، ونذكر من هذه الشهادات :
1- شهادة واشنجتون إيرفنج
يقول الكاتب الأمريكي واشنجتون إيرفنج ( 1783-1859 م):
"كان محمد [r] خاتم النبيين وأعظم الرسل الذين بعثهم الله ؛ ليدعوا الناس إلى عبادة الله"()..
2- شهادة مارسيل بوازار
ويثبت "مارسيل بوازار" نبوة محمد r بإسلوب عقلاني وعلمي بكلمات بليغة فيقول :
"منذ استقر النبي محمد [r] في المدينة، غدت حياته جزءًا لا ينفصل من التاريخ الإسلامي. فقد نُقلت إلينا أفعاله وتصرفاته في أدق تفاصيلها.. ولما كان مُنظمًا شديد الحيوية، فقد أثبت نضالية في الدفاع عن المجتمع الإسلامي الجنيني، وفي بث الدعوة.. وبالرغم من قتاليته ومنافحته، فقد كان يعفو عند المقدرة، لكنه لم يكن يلين أو يتسامح مع أعداء الدين. ويبدو أن مزايا النبي الثلاث، الورع والقتالية والعفو عند المقدرة قد طبعت المجتمع الإسلامي في إبان قيامه وجسّدت المناخ الروحي للإسلام.." ().
ويضيف قائلاً :
" وكما يظهر التاريخ محمدًا [r] قائدًا عظيمًا ملء قلبه الرأفة، يصوره كذلك رجل دولة صريحًا قوي الشكيمة له سياسته الحكيمة التي تتعامل مع الجميع على قدم المساواة وتعطي كل صاحب حق حقه. ولقد استطاع بدبلوماسيته ونزاهته أن ينتزع الاعتراف بالجماعة الإسلامية عن طريق المعاهدات في الوقت الذي كان النصر العسكري قد بدأ يحالفه. وإذا تذكرنا أخيرًا على الصعيد النفساني هشاشة السلطان الذي كان يتمتع به زعيم من زعماء العرب، والفضائل التي كان أفراد المجتمع يطالبونه بالتحلي بها، استطعنا أن نستخلص أنه لابدّ أن يكون محمد [r] الذي عرف كيف ينتزع رضا أوسع الجماهير به إنسانًا فوق مستوى البشر حقًا، وأنه لابد أن يكون نبيًا حقيقيًا من أنبياء الله ! ! "() .
3-شهادة إميل درمنغم:
أما إميل درمنغم() فيدلل على نبوة محمد r، من خلال حادث وفاة ابراهيم ابن رسول الله، فيقول :
".. ولد لمحمد [r]،[من مارية القبطية] ابنه إبراهيم فمات طفلاً، فحزن عليه [r]كثيرًا ولحّده بيده وبكاه، ووافق موته كسوف الشمس، فقال المسلمون: إنها انكسفت لموته، ولكن محمدًا [r]كان من سموّ النفس ما رأى به ردّ ذلك فقال: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد..". فقول مثل هذا مما لا يصدر عن كاذب دجال.."().
4- شهادة لايتنر :
يقول لايتنر() :
" بقدر ما أعرف من دينيْ اليهود والنصارى أقول بأن ما علمه محمد[r]ليس اقتباسًا بل قد أوحي إليه به ولا ريب بذلك طالما نؤمن بأنه قد جاءنا وحي من لدن عزيز عليم. وإني بكل احترام وخشوع أقول: إذا كان تضحية الصالح الذاتي، وأمانة المقصد، وإيمان القلب الثابت، والنظر الصادق الثاقب بدقائق وخفايا الخطيئة والضلال، واستعمال أحسن الوسائط لإزالتها، فذلك من العلامات الظاهرة الدالة على نبوة محمد [r] وأنه قد أوحي إليه"() .
5- شهادة لورافيشيا فاغليري :
أما الكاتبة الإيطالية لورافيشيا فاغليري() فتقول :
"حاول أقوى أعداء الإسلام، وقد أعماهم الحقد، أن يرموا نبي الله [r] ببعض التهم المفتراة. لقد نسوا أن محمدًا [r] كان قبل أن يستهل رسالته، موضع الإجلال العظيم من مواطنيه بسبب أمانته وطهارة حياته. ومن العجب أن هؤلاء الناس لا يجشمون أنفسهم عناء التساؤل؛ كيف جاز أن يقوى محمد [r] على تهديد الكاذبين والمرائين، في بعض آيات القرآن اللاسعة بنار الجحيم الأبدية، لو كان هو قبل ذلك رجلاً كاذبًا ؟ كيف جرؤ على التبشير، على الرغم من إهانات مواطنيه، إذا لم يكن ثمة قوى داخلية تحثه- وهو الرجل ذو الفطرة البسيطة -حثًا موصولاً ؟ كيف استطاع أن يستهل صراعًا كان يبدو يائسًا ؟ كيف وفق إلى أن يواصل هذا الصراع أكثر من عشر سنوات، في مكة، في نجاح قليل جدًا ، وفي أحزان لا تحصى، إذا لم يكن مؤمنًا إيمانًا عميقًا بصدق رسالته ؟ كيف جاز أن يؤمن به هذا العدد الكبير من المسلمين النبلاء والأذكياء، وأن يؤازروه، ويدخلوا في الدين الجديد ويشدوا أنفسهم بالتالي إلى مجتمع مؤلف في كثرته من الأرقاء، والعتقاء، والفقراء المعدمين إذا لم يلمسوا في كلمته حرارة الصدق ؟ ولسنا في حاجة إلى أن نقول أكثر من ذلك، فحتى بين الغربيين يكاد ينعقد الإجماع على أن صدق محمد[r]كان عميقًا وأكيدًا"()..
6- شهادة روم لاندو :
ويكشف المفكر البريطاني روم لاندو زيف المكذبين لنبوة محمد r بقوله :
"كانت مهمة محمد [r] هائلة ! كانت مهمة ليس في ميسور دجال تحدوه دوافع أنانية، وهو الوصف الذي رمى به بعض الكتاب الغربيين المبكرين محمد العربي[r] ... إن الإخلاص الذي تكَّشف عنه محمد[r]في أداء رسالته، وما كان لأتباعه من إيمان كامل في ما أُنزل عليه من وحي، واختبار الأجيال والقرون، كل أولئك يجعل من غير المعقول اتهام محمد [r] بأيّ ضرب من الخداع المتعمد. ولم يعرف التاريخ قط أي تلفيق (ديني) متعمد استطاع أن يعمر طويلاً. والإسلام لم يعمر حتى الآن ما ينوف على ألف وثلاثمائة سنة وحسب، بل إنه لا يزال يكتسب، في كل عام أتباعًا جددًا. وصفحات التاريخ لا تقدم إلينا مثلاً واحدًا على محتال كان لرسالته الفضل في خلق إمبراطورية من إمبراطوريات العالم وحضارة من أكثر الحضارات نبلاً !"().
المطلب الخامس : لمحة مختصرة عن سيرة محمد r:
أولاً : أول ما نزل عليه r:
كان أول ما بُدئ به رسول الله r من أمر النبوة الرؤيا الصادقة واستمر ذلك ستة أشهر، ثم أكرمه الله تعالى بالنبوة، فجاءه الملك جبريل – عله السلام - وهو في خلوته بغار حراء، وقرأ عليه النصف الأول من سور العلق :
ﭽ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﭼ [العلق: ١ – ٥].
يقول المفكر البلجيكي جورج سارتون: و" صدع محمد [r] بالدعوة نحو عام 610م وعمره يوم ذاك أربعون سنة... مثل إخوانه الأنبياء السابقين [عليهم السلام].."().
ثانيًا: إسلام العالم والكاتب النصراني ورقة بن نوفل :
فبعدما استمع للنصف الأول من سورة اقرأ من فم رسول الله r :
قال ورقة فوراً : "هذا الناموس الذي نزل الله به على موسى، يا ليتني فيها جذع، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك" ، فقال النبي r: "أومخرجي هم؟". قال:" نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا()، وأسلم ورقة، ليسجِّل التاريخ أن أول رجل يصدِّقُ محمداً ويعتنق دينه هو عالمٌ نصراني."