الجمعة، 11 سبتمبر 2020

بين صفات الله تعالى وصفات الخلق:

            صفات الله تعالى (2)

بين صفات الله تعالى وصفات الخلق:
   يجب أن يفطن المؤمن إلى أن المعنى الذي يقصد باللفظ في صفات الله تعالى يختلف اختلافاً كلياً عن المعنى الذي يقصد بهذا اللفظ عينه في صفات المخلوقين. فأنت تقول: الله عالم والعلم صفة لله تعالى, وتقول: فلان عالم والعلم صفة لفلان من الناس, فهل ما يقصد بلفظة العلم في التركيبين واحد؟ حاشا أن يكون كذلك؛ وإنما علم الله تبارك وتعالى علم لا يتناهى كماله ولا يعد علم المخلوقين شيئا إلى جانبه. وكذلك الحياة, وكذلك باقي الصفات من السمع والبصر والكلام والإرادة والقدرة. فهذه كلها مدلولات الألفاظ فيها تختلف عن مدلولاتها في حق الخلق من حيث الكمال والكيفية اختلافاً كلياً, لأنه تبارك وتعالى لا يشبه أحداً من خلقه, ولسنا مطالبين بمعرفة كنهها وإنما حسبنا أن نعرف آثارها في الكون ولوازمها في عبوديتنا لله وحده.
الأدلة العقلية والمنطقية على إثبات صفات الله تعالى:
وجود الخالق وإثبات صفات الكمال المطلق له صار من البدهيات التي لا يحتاج إلى دليل أو برهان لإثباتها, ولا يطالب بالدليل عليها إلا كل مكابر مريض القلب, ومع ذلك فتتميماً للفائدة نذكر بعض الأدلة المنطقية ومنها:
أولاً: هذا الوجود الذي يدل بعظمته وإحكامه على وجود خالقه وعظمته وكماله.
ثانياً: فاقد الشيء لا يعطيه, فإذا لم يكن موجد هذا الكون متصفاً بصفات الكمال فكيف تكون آثار هذه الصفات في مخلوقاته.
ثالثاً: هذا الخالق واحد لا يتعدد, إذ أن التعدد مدعاة للفساد والخلاف والعلو, ولا سيما أن شأن الألوهية الكبرياء والعظمة, وأيضاً لو استقل أحد المتعددين بالتصرف تعطلت صفات الآخرين, ولو اشتركوا لتعطلت صفات بعض منهم, فلا بد أن يكون الإله واحداً متصرفاً في الكون وفي الخلق دون شريك, قال تعالى:(ما اتَّخَذَ الله ُمِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إلهٍ,إذاً لَذَهَبَ كُلُّ إلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ, سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفون).
سؤال يقف أمامه كثير من الناس:
   ورد في حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ( لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا: خلق الله الخلق, فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل: آمنت بالله). وهذا السؤال وإن كان خطأً من أساسه -لأننا أمرنا ألا نبحث في ذات الله تبارك وتعالى, لأن عقولنا القاصرة التي تعجز عن إدراك حقيقة نفسها تعجز من باب أولى عن إدراك حقيقة الله- إلا أنه يختلج في نفوس بعض الناس, وهذا المثال يوضح لهم:
   إذا وضعت كتاباً على مكتبك ثم خرجت من الحجرة وعدت إليها بعد قليل فرأيت الكتاب الذي تركته على المكتب موضوعاً في الدرج, فإنك تعتقد تماماً أن أحداً لا بد أن يكون قد وضعه في الدرج لأنك تعلم أن من صفات الكتاب أنه لا ينتقل بنفسه. بينما لو كان معك في حجرة مكتبك شخص جالس على الكرسي ثم خرجت وعدت فرأيته جالساً على البساط مثلاً فإنك لا تعتقد أن أحداً نقله من موضعه, لأنك تعلم أن من صفات هذا الشخص أنه ينتقل بنفسه ولا يحتاج إلى من ينقله.
   ولما كانت المخلوقات محدثة ونحن نعلم أن من صفاتها وطبائعها أنها لا توجد بذاتها بل لا بد لها من موجد, عرفنا أن موجدها هو الله سبحانه, بينما كمال الألوهية يقتضي عدم احتياج الإله لغيره, بل إن من صفاته قيامه بنفسه, عرفنا أن الله تبارك وتعالى موجود بذاته غير محتاج إلى من يوجده.
كلام بعض العلماء الغربيين في إثبات وجود الله وصفاته:
   قال ديكارت:( إني مع شعوري بنقص ذاتي أحس بوجوب وجود ذات كاملة, وأعتقد أن هذا الشعور غرسته في ذاتي الذات الكاملة المتحلية بجميع صفات الكمال وهي الله).
   وقال إسحاق نيوتن:( لا تشكوا في الخالق فإنه مما لا يعقل أن تكون المصادفات وحدها هي قائدة هذا الوجود ).
   وقال لينيه :( إن المنافع التي نستمدها من هذه الكائنات تشهد بعظمة رحمة الله الذي سخرها لنا, كما أن كمالها وتناسقها ينبئ بكامل حكمته, وكذلك حفظها عن التلاشي وتجددها يقر بجلاله وعظمته).

ليست هناك تعليقات:

ظلم

سرعة الانفعال تشير إلى استجابة الأفراد بشكل سريع وعاطفي لمواقف معينة، مما قد يؤدي إلى ردود فعل غير محسوبة. إليك بعض النقاط المتع...