الاثنين، 4 فبراير 2019

البشارة

كان بعض الصحابة -رضوان الله عليهم- إذا بُشِّر أحدهم ببشارة وسرور أعطى المبشر عطية إكراماً له، وسروراً بما أنعم الله عليه من السرور؛ كما فعل كعب بن مالك -رضي الله عنه- حين أعطى من بشَّره بتوبة الله عليه ما كان يلبس من ثياب، واستعار ثياباً غيرها. هذا حال المسلم مع أخبار السرور والفرح، أما في الحال سماها النبي -صلى الله عليه وسلم- "حال الضراء"، وهي التي فصلها الله -تعالى- في قوله: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)[البقرة: 155].قال ابن كثير: "أخبر تعالى أنه يبتلي عباده -المؤمنين- أي: يختبرهم ويمتحنهم، فتارة بالسراء، وتارة بالضراء من خوف وجوع: (وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ) أي: ذهاب بعضها: (وَالأنفُسِ) كموت الأصحاب والأقارب والأحباب: (وَالثَّمَرَاتِ).كل هذه الابتلاءات يقف المسلم معها متزنا في مشاعره وتصرفاته: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)[البقرة: 157- 155].الصبر عند المصيبة، وقول: "إنا لله وإنا إليه راجعون" دليل على تسليم المسلم لقضاء الله وقدره، ورضاه رغم حزنه بما كتبه الله عليه.في صحيح مسلم، عنها: أنها قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من عبد تصيبه مصيبة، فيقول: "إنا لله وإنا إليه راجعون" اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرا منها، إلا آجره الله من مصيبته، وأخلف له خيرا منها" قالت: فلما توفي أبو سلمة، قلت كما أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأخلف الله لي خيرا منه؛ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. الحزن جبلة بشرية، حزن النبي -صلى الله عليه وسلم- على وفاة زوجته خديجة وعلى وفاة أبنائه وبناته ممن توفوا قبل وفاته، ودمعت عينه الشريفة صلى الله عليه وسلم؛ فعَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "دَخَلْنَا على رسول الله وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ -رضي الله عنه-: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: يَا ابنَ عَوفٍ إِنَّهَا رَحمَةٌ، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ العَينَ تَدْمَعُ، وَالقَلبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ"[رواه البخاري].لكنه لم يجزع ولم يسخط بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم. أيها المسلمون: ومن الأمور جاء الإسلام في ضبط المشاعر فيها ما يتعلق بالغضب. فالخير في ترويض النفس، وتدريبها على التحلّي بفضائل الأخلاق، وتربيتها على الحلم والصبر، وعدم الاندفاع، أو التسرع في الحكم، وحثّها على التأني؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"[متفق عليه].وقدوتنا في هذا الأدب الرفيع رسول الله -عليه الصلاة السلام-، الذي كان يسبق حلمه غضبه، وعفوه عقابه، عن أنس -رضي الله عنه- قال: "كنت أمشي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعليه بُرد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي -صلى الله عليه وسلم- "ما بين العنق والكتف" وقد أثرت بها حاشية البرد، ثم قال: يا محمد مُر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم فضحك، ثم أمر له بعطاء"[متفق عليه]. إن كظم الغيظ والتعامل مع الغضب التعامل المشروع يخفف كثيراً من المشاعر السلبية الناتجة عن الغضب، فكم أفسد بين زوجين وبين صديقين، وكم أدى الغضب لأمور لا تحمد عاقبتها، روى البخاري ومسلم أنه استب رجلان عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأحدهما يسب صاحبه مغضباً، قد أحمر وجهه، فقال صلى الله عليه وسلم: "إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".ولنمتثل إخوة الإسلام صفات المتقين، المحسنين الذين قال الله عنهم: (الْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران: 134].اللهم اغفر وارحم وأنت خير الراحمين. 

ليست هناك تعليقات:

نفسى

 فلنغير نظرة التشاؤم في أعيننا لما حل بنا من محن إلى نظرة حب وتفاؤل لما عاد علينا من فائدة وخير بعد مرورنا بهذه المحن. ما أحوجنا لمثل هذا ال...