الخميس، 25 سبتمبر 2014

التكيف مع شدائد الحياة

التكيف مع شدائد الحياة وصدماتها:
لا بد أنك شهدت إحدى قصص التكيف, فـ(عبد الرحمن) أحد زملاء الجامعة توفي والده ونحن في سنواتنا الأولى في كلية الطب. كانت صدمة شديدة لوالدته التي كانت تعيش في قمة السعادة والطمأنينة مع زوجها الحبيب. ولكنها -بما آتاها الله من مهارة عالية في التكيف مع ضغوط الحياة وشدائدها- لم تستسلم, ولم تطل النحيب. شمرت عن ساعد الجد، وأخرجت شهاداتها القديمة، واستقبلت الحياة بكل ثقة وعزيمة. كان في إمكانها أن تجلس في بيتها, تبكي وتنتحب وتشقق الجيوب: (لماذا أنا؟ هل هذا عدل..!) لكنها لم تفعل ذلك. لقد صنعت أجمل قصص النجاح في الكفاح لتأمين لقمة العيش لأولادها, وقامت بهذا الدور خير قيام. لقد تميزت والدة صديقي بمرونةإن القدرة على تحمل مثل هذه الصدمة والقيام بعدها لمواصلة مسيرة الحياة أمر يحتاج إلى مرونة نفسية عالية.. أقول هذا وأنا أعرف الكثير من القصص لأشخاص (كسرتهم) شدائد الحياة وحوّلتهم إلى أشخاص عاطلين على هامش الحياة.
هائلة أعتقد أنها من أكثر سمات الذكاء العاطفي أهمية. إنها الجاهزية للانتقال من أعلى قمة هرم الراحة والسعة والرخاء إلى أعلى قمة هرم البذل والتضحية. 
المَرِنون لديهم القدرة الشعورية على تحمّل إعادة التفكير في مواقفهم, وقراراتهم, ونمط حياتهم, واختياراتهم, وسلوكياتهم, وإثارة الشك بما كانوا يعدونه حقائق قطعية ونهائية في حياتهم. إنها القدرة على الانسلاخ من النفس والنظر إليها من بعيد لتصحيح مسارها. لقد كان هذا النمط من الناس على مدار التاريخ هم الأكثر انتفاعاً من الدعوات الإصلاحية والتصحيحية التي جاء بها المصلحون وعلى رأسهم الأنبياء والرسل –عليهم السلام- في حين لم يمتلك غيرهم القدرة الشعورية لتحمل الألم المصاحب للحظات المراجعة والتصحيح؛ فأبوا وعاندوا تمسكاً بـ(الآبائية), والنظام الاجتماعي القائم. ومع الأسف نحن نفعل ذلك أيضاً, إذ نحمل الكثير من المعتقدات عن أنفسنا, وعن الناس من حولنا, وعن بعض التقاليد الاجتماعية المتوارثة, كما أننا نمارس الكثير من السلوكيات التي تحولت إلى طقوس روتينية ليس لها أي سند سوى أننا نفعلها, أو نؤمن بها منذ زمن بعيد, أو توارثناها عن آبائنا أو عن رموز السلطة غير الرسمية في مجتمعاتنا. أرجو أن تتأمل معي هذه القصة الرمزية التي تحمل الكثير من المعاني الهامة.. اقرأها مرةً بعد أخرى لتكتشف خفايا ما تشير إليه:
رابعاً: عين على الداخل (النفس):
يُحكى أن زوجاً لاحظ أن زوجته عندما تطهو سمكة تقوم بقطع ذيلها ورأسها, فسألها:
- لماذا تقومين بقطع رأس السمكة وذيلها قبل طهيها؟
فصمتت الزوجة لحظات ثم تمتمت: 
- هكذا يتم طبخ السمك.. هذه هي الطريقة.. همم.. لا أدري بالضبط.. ربما لأني تعلمت ذلك من والدتي! 
فذهب الزوج إلى والدة زوجته ولاحظ أنها تقوم هي أيضاً بقطع رأس السمكة وذيلها قبل طهيها. فسألها في ذلك. فصمتت أيضاً لحظات وقالت: 
- هذه هي الطريقة التي أعرفها وأستخدمها منذ سنوات.. همم.. لا أدري.. ربما لأني تعلمت هذا من والدتي!
كان الفضول لدى الزوج كبيراً, فأصرّ على سؤال الجدة حتى يتبين الأمر. وبالفعل وجد فرصة ذات يوم وسألها: 
- لاحظت يا جدتي أن ابنتك وحفيدتها تقومان بقطع رأس السمكة وذيلها قبل طبخها.. وهما يقولان إنهما ربما تعلما ذلك منك. فهل هذا صحيح؟
فردت عليه باسمة: 
- نعم.. الأمر بسيط, لقد كانت مقلاتي صغيرة, فلم أجد حيلة سوى أن أفعل ذلك!! 

هل عرفت المغزى الخفي لهذه القصة؟ لقد تعلمنا الكثير من المعتقدات والأفكار التي نحملها في عقولنا, ونمارس الكثير من السلوكيات دون أن يكون عليها دليل حقيقي, ودون أن نراجع مدى صحتها, ربما كانت ذات معنى في القديم لكنها تخلو من أي سند أو منطق في الوقت الحالي. 

خامساً: التمييز بين الأشياء التي يمكن تغييرها والتي لا يمكن:
اللهم..
... امنحني القوة لأغيّر الأشياء التي أستطيع أن أغيّرها..
... والقبول بالأشياء التي لا أستطيع..
... والحكمة لكي أفرق بينهما..
هذه المناجاة تحمل فكرة عميقة ومزية هامة من مزايا المرونة النفسية, فعندما نبدأ بالتعامل مع المحيط الذي نعيش فيه, فسنواجه في الحال عدداً كبيراً من الصعوبات والعقبات التي ستعترض مسيرتنا، وهنا تظهر أهمية القدرة على قراءة الواقع, وفهم الإشارات التي يحملها من أجل تحديد الأمور التي لا يمكن تغييرها, والأمور التي يمكن تغييرها بمساعدة الآخرين أو بدونهم. تأمل معي هذا الجدول:

الأمور التي لا أستطيع تغييرها : سوء الأحوال الجوية -الاقتصاد -ضعف البنية التحتية (تكسر الشوارع, انقطاع الكهرباء,..)-
الأنظمة والقوانين 
الأمور التي يمكن تغييرها بمساعدة الآخرين: طريقة تحدث زوجي معي - أولويات إدارة الشركة - أسلوب تربية الأطفال والتعامل معهم - 
جدول عملي في المنزل 
الأمور التي يمكن تغييرها بنفسي : طريقة تخطيطي لجدولي اليومي - موقفي النفسي - ميزانيتي ومصاريفي الشخصية 
طريقة تواصلي مع الآخرين 


إن من المرونة النفسية أن تمتلك القدرة الشعورية على تقبل الواقع كما هو, وقبول الأشياء من حولنا كما هي, لا كما يجب أن تكون, أن تتقبل ما يحدث من طيب وسيئ.. من خير وشر.. ومن ثم التعامل معه بالطريقة المناسبة (تغييره, قبوله, التحايل عليه,..إلخ) للخروج بأفضل النتائج. تأمل هذه المقولة: (عندما تقلق وتتذمر من أشياء لا يمكن تغييرها.. فسيكون لديك طاقة أقل لبذلها في الأشياء التي يمكن تغييرها).
في لحظة من اللحظات لا بد أن نقبل هذا العالم الذي نعيش فيه, وأن نكيف أنفسنا للعيش فيه: (لم يكن هذا العالم هو الذي أريده أن يكون.. لكني لن أنتظره حتى يتغير). لاحظ أن هذا لا يعني الاستسلام.. بل يعني القدرة على تفحص الواقع وفهمه بشكل صحيح. ومن ثم امتلاك المرونة لقبوله, والسعي إلى تحقيق الأحلام في اتجاه آخر أو باستخدام وسائل أخرى. إنها القدرة على الجمع بين مجاراة الواقع, واستلهام الهمة من الخيال عبر الأحلام والطموح لتحقيق ما نريد. 

ليست هناك تعليقات:

ظلم

سرعة الانفعال تشير إلى استجابة الأفراد بشكل سريع وعاطفي لمواقف معينة، مما قد يؤدي إلى ردود فعل غير محسوبة. إليك بعض النقاط المتع...