المسؤولية في الإسلام فردية وتضامنية، ففي قوله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" الحديث عم ثم خص: "والأمير راع، والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده"، ثم عم: "وكلكم مسؤول عن رعيته".
لهذا فقد وصى الله الآباء بالأبناء قائلا: "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة".
وأوجب على الأمة الأمر، والنهي، والمناصحة، وجعلها صمام الأمان لها، وجعل خيريتها مرتبطة بذلك: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله"، وأمر بالذكرى، ونهى عن الغفلة.
لهذا كان السلف الصالح يعنون أول ما يعنون بتنشئة أبنائهم وتقويم سلوكهم، فإذا أدرك الطفل ألحق بالكتاتيب ليلقن القرآن الكريم، ثم الحديث، ويقدم له من المتون في فنون الشريعة واللغة، ثم بعد ذلك يلتحق بحلقات العلماء في المساجد.
كان هذا هو الحال إلى أن تسلط الكفار على ديار الإسلام، وعملوا على استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير،حيث أنشئت المدارس والجامعات على غرار ما عند الكفار، حيث العناية بالعلوم المدنية، وأغفلت العلوم الشرعية والعربية.
وعندما انتبه البعض لخطورة ذلك، وأنشأوا مدارس ومعاهد أهلية وخاصة، ليعوضوا بها هذا النقص، ويسدوا بها هذا الخلل، ما فتئ أعداء الإسلام يضغطون على الحكام حتى أغلقت جميع مما بقي من هذه المدارس والمعاهد في كل من باكستان والسعودية، بحجة أنها كانت محاضن لتفريغ الإرهابيين كما يزعمون.
وليت الكفار وقفوا عند هذا الحد، بل تعدوه إلى حذف وشطب كل الآيات والأحاديث والآثار التي لها تعلق من قريب أوبعيد بعقيدة الولاء والبراء، أوالتي تبين كفر اليهود والنصارى، أوالتي تنهى عن تقليدهم والتشبه بهم.
محاضن التغريب هذه والمسخ أتت أكلها، وقامت بدورها، حيث خرجت أجيالا ممسوخين لا يعرفون من القرآن إلا رسمه، ولامن الإسلام إلا اسمه، هم الذين أسند الكفار الأمر إليهم عند خروجهم، ومنحهم تلك البلاد الاستقلال الاسمي، حيث عادوا وواصلوا استعمارها عن طريق وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة، التي توجت بالمرئية متمثلة في التلفاز والفضائيات "الاستعمار الإلكتروني".
لقد صدق الكاتب فهمي هويدي حين قال: (خرج الاستعمار الفرنسي من شوارع تونس عام 1956م، ولكنه رجع إليها عام 1989م، لم يرجع إلى الأسواق ولكنه رجع ليشاركنا السكن في بيوتنا، والخلوة في غرفنا، والمبيت في أسرة نومنا، رجع ليقضي على الدين، واللغة، والأخلاق، كان يقيم بيننا بالكره، ولكنه رجع لنستقبله بالحب والترحاب، كنا ننظر إليه فنمقته، أما الآن فنتلذذ بمشاهدته والجلوس معه، إنه الاستعمار الجديد، لا كاستعمار الأرض، وإنما استعمار القلوب، إن الخطر يهدد الشباب، والشابات، والكهول، والعفيفات، والآباء، والأمهات.
إلى أن قال: إن الفرنسيين غادروا تونس عام 1956م وعادوا عام 1989م ليقتحموا كل بيت، وقرروا أن يقضوا داخله 20 ساعة كل يوم، يمارسون تأثيرهم على اللغة، والأخلاق، والفكر، والوعي عند الصغار، والكبار، والنساء، والرجال، والشباب، والفتيات، وإن كان الخطر الأكبر يهدد الجيل كله).
من العجيب الغريب أن يشعر الكفار في فرنسا، واليونان، وكندا، وغيرها من الدول الكافرة بخطورة الغزو الثقافي الأمريكي عليهم، المتمثل في البث المباشر على دولهم، ولا يشعر المسلمون بذلك على الرغم من أنهم هم المستهدفون؟!
إن خطر هذه الفضائيات على الإسلام عقيدة وسلوكا وأخلاقا، وعلى المسلمين ذكورا وإناثا، صغارا وكبارا، لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم.
فالخطر عام ولكنه يشتد على الناشئة والصغار، ويظهر ذلك جليا في الآتي:
1. الفساد العقدي، بالتشكيك في كثير من المسلمات والثوابت.
2. الفساد الأخلاقي، بتزيين الرذيلة وإشاعتها في الذين آمنوا، وإشانة الفضيلة، وقتل الحياء، والعفة، والغيرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق