الجمعة، 27 سبتمبر 2013

المسيح عبد الله

س3: قال تعالى: (وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الّتِيَ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رّوحِنَا وَصَدّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ)_ [التحريم: 12]

الشبهة: إن قول القران" فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رّوحِنَا", وفي آية أخرى " وَرُوحٌ مّنْه ُ"[ النساء: 171], يعني أن المسيح هو ( روح من الله), كما ورد في الأحاديث انه " روح الله وكلمته", فالقران وصف المسيح بأنه ( روح الله ), وبأنه ( كلمة الله ). و روح الله ليس مخلوقا, وكلمة الله ليست مخلوقة, فهو ليس مخلوقا, بل هو صفة من صفات الله. وصفات الله غير مخلوقة. وهذااللقبلايصحأنيسمىبهأيمخلوق.


الجواب و التوضيح

أولا : لفظ " روح منه" أو "من روحنا " فسر بشكل خاطئ , لان حرف الجر (من) لا يعني " جزء من الله" , بل يعني " جاء من عند الله" , أي أن حرف الجر (من) مصدرية , وليست للتبعيض . بمعنى أن هذه الكلمة و الأمر جاء وصدر من قبل الله_سبحانه وتعالى_ . 
ثانيا: يصف الله خلق آدم _عليه السلام_ مثلما يصف خلق المسيح, قال تعالى:"(فَإِذَا سَوّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ) [الحجر: 29], فهل يعني ذلك أن آدم ( جزء من الله_تعالى_)؟؟. بالطبع " لا". فالله_سبحانه_ نفخ في جسد من الطين ( آدم ) فدبت فيه الحياة , ونفخ في رحم مريم ( البويضة ) فدبت الحياة فيها . فهل يعني أن المخلوق الناتج عن ذلك جزء من الله ؟ أم هو مخلوق من مخلوقات الله_سبحانه_ التي لا تعد و لا تحصى. فلو كان النفخ في رحم مريم جعل ما يخرج منها ( الإبن ) إلها , لكان النفخ في آدم جعل ما يخرج منه (الأبناء) آلهة بالمثل . 
ثالثا : أن لفظ ( كلمة الله ) يشير إلى تلك الكلمة " كن " التي صدرت من الله_سبحانه_ بخلق المسيح_عليه السلام_ قال تعالى: (إِنّ مَثَلَ عِيسَىَ عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) [آل عمران: 59]. 
ولذلك وصف خلق عيسى في آية أخرى بأنه (أمر من الله), قال تعالى: (قَالَتْ رَبّ أَنّىَ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ إِذَا قَضَىَ أَمْراً فَإِنّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران: 47] . و معنى ذلك أن الله قال " كن " فكان عيسى بدون الحاجة لسبب مادي. وهذا ما قاله كتاب النصارى المقدس نفسه: (9لأَنَّهُ قَالَ فَكَانَ. هُوَ أَمَرَ فَصَارَ.) مزامير8:33_9, ويؤكد مرة أخرى : (وَقَالَ اللهُ: «لِيَكُنْ نُورٌ» فَكَانَ نُورٌ.)_تكوين3:1 . ثم انظر معي إلى قوله_تعالى_ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىَ مَرْيَمَ)[النساء: 171], فإذا كان المسيح هو الكلمة نفسها كما يدّعون فهذا يعني أن الله_تعالى_ ألقى بالمسيح نفسه على مريم .وهذا لا يصح. بل المعنى أن الله_سبحانه_ ألقى كلمته وأمره " كن" على مريم فكانت النتيجة أنها حملت بالمسيح . فالمسيح كان نتيجة لكلمة الله " كن " , وليس الكلمة نفسها.
رابعا: أن معنى ( الكلمة) في لغة العرب يعني " لفظ أو جملة " ويقصد بها " الأمر و القانون و الوعد ", و لا تعني على الإطلاق ( شخص) أو ( كائن مادي) واليك أمثلة من استخدام القرآن الكريم للفظ ( الكلمة ) وجمعها (كلمات) :
1-الوعد بالنصر : "وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ.إِنّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ.وَإِنّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ"_ [الصافات:171_ 173]
2- رأي واحد ملزم للجميع ومتفق عليه ( قانون=إيمان ): (قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىَ كَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) [آل عمران: 64].
3- أمر من الله : (أَفَمَنْ حَقّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النّارِ) [الزمر: 19] .
4- اللفظ أو الجملة :(مّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلاَ لاَبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاّ كَذِباً) [الكهف: 5].
خامسا : أن نسبة شيء إلى الله_ سبحانه_ بالقول " كلمة الله " أو " روح الله " إنما هو إضافة للتشريف , وليس إضافة حقيقية , مثل قولنا " بيت الله " وهو مكة , و لا يعني ذلك أن لله بيت يسكن فيه , ومثل قولنا " ناقة الله " عن ناقة النبي صالح , فلا يعني ذلك أن لله_سبحانه_ ناقة يركب عليها. ومثل وصف إبراهيم _ عليه السلام_ انه " خليل الله ", فلا يعني ذلك أن الله_تعالى_ له صديق يتجاذب معه أطراف الحديث. فهي إضافة تشريف فقط لا غير. لذلك وصف الله_سبحانه_ جبريل عليه السلام بأنه " روح الله " فقال: (فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا فَتَمَثّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً) [مريم: 17] . 
سادسا :هذه الأوصاف أصبحت مع الوقت تدل على شخص واحد فقط , فإذا قلنا " كلمة الله "عرفنا أن المقصود هو عيسى_عليه السلام_ وإذا قلنا " خليل الله "عرفنا أن المقصود هو إبراهيم_عليه السلام_, وإذا قلنا " رسول الله "عرفنا أن المقصود هو محمد_عليه الصلاة و السلام_ . ولا يعني لفظ " كلمة الله " أن المسيح وحده هو " كلمة الله", بل كل المخلوقات هي " كلمة الله " لأنها جميعا خلقت بنفس الكلمة " كن " فكانت بإذن الله_تعالى_. و لا يعني أن إبراهيم _عليه السلام_ هو وحده "خليل الله" , بل كل الأنبياء هم " أخلاء لله " تعالى, و لا يعني أن محمد_عليه الصلاة و السلام_ هو " رسول الله " فقط , بل كل الرسل هم رسل لله _سبحانه. 
================================================== =======================

س4:قال تعالى: (قَالَ إِنّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبّكِ لاَِهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً) [مريم - الآية: 19].

الشبهة: بشر الملاك مريم بولادة المسيح, واخبرها بأنه سيكون " غلاما زكيا " أي طاهر من الذنوب .والإسلام لا يذكر أي ذنب للمسيح و في حديث الشفاعة الشهير , أن محمد ذكر لكل نبي ذنب , ما عدى المسيح لم يذكر له أي ذنب ( راجع السؤال رقم "21") ,ولا يوجد أحد قدوس وخالي من الذنوب إلا الله .

الجواب و التوضيح

أولا : أن ما ورد في وصف المسيح _عليه السلام_ بالغلام " الزكي " كان في مرحلة عدم التكليف الشرعي عندما كان غلام , ومعلوم أن الإسلام ينظر إلى الأطفال وغير المكلفين بأنهم بدون ذنب وغير مخطئون , عكس المسيحية التي ترى أن الجنس البشري كله شارك آدم في المعصية , ونلاحظ أن نفس الوصف " زكيا " ورد في قصة الغلام الذي قتله العبد الصالح , الذي علم موسى , قال تعالى: (فَانْطَلَقَا حَتّىَ إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نّكْراً) [الكهف: 74]. فوصف القران الكريم " الغلام " بأنه " نفس زكية" أي طاهرة من الذنوب . ويقصد بذلك أن الصغار غير مكلفين بعد , وأن الله_سبحانه_ قد رفع القلم عنهم .
ثانيا:وعندما صار المسيح كبيرا (كهل) انظر كيف وصفه الله_سبحانه_ قال تعالى: (وَيُكَلّمُ النّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصّالِحِينَ) [آل عمران: 46]. ( من الصالحين ) حرف الجر " من " للتبعيض, أي أنه مجرد " رجل صالح ", مثله مثل بقية الصالحين. بل إن المسيح_عليه السلام_ نفسه ينفي عن نفسه حتى مجرد لقب " الرجل الصالح" ويعتبر انه لا يوجد احد صالح ( كامل ) إلا الله_سبحانه_: ( وَإِذَا وَاحِدٌ تَقَدَّمَ وَقَالَ لَهُ: «أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ أَيَّ صَلاَحٍ أَعْمَلُ لِتَكُونَ لِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ؟» 17فَقَالَ لَهُ: «لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحاً؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحاً إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللَّهُ.)_متى 16:19_17
ثالثا : يؤمن جميع المسلمون أن ] كل بني آدم خطأ وخير الخطائين التوابين [_صحيح الدارمي_ وبما أن المسيح بن مريم إنسان من نسل آدم , فهو أيضا خطّاء , و لكن أخطاء الأنبياء ليست في إبلاغ الرسالة , وليست في الكبائر . فهم معصومون في هذا .
رابعا: ليس معنى أن الإسلام لم يذكر خطاء للمسيح _عليه السلام_ أن المسيح بدون أخطاء, وبأنه قدوس, فهناك الكثير من الأنبياء الذين لم يذكر الإسلام لهم أخطاء أبدا, مثل (صالح, هود , اليسع, يحيى ), فلم يقل احد يوما أنهم بدون ذنوب, أو أنهم آلهة.
خامسا: بالنسبة لعدم ذكر أخطاء المسيح عليه السلام, كما ورد في حديث الشفاعة, فان الإسلام أغفل ذكر ذلك من اجل أمور عدة :
1- احتراما لدعوة جدته: (وِإِنّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيّتَهَا مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ) [آل عمران: 36]. فإذا ذكر ذنوبه فسيقول بعض الناس: " كيف قال القران أن الله عصمه من الشيطان وهو يرتكب أخطاء ؟ " . ومن الطبيعي أن الأخطاء تأتي من طريقين: احدهما غواية الشيطان . والأخرى: النفس البشرية التي يحملها أي انسان. إلا أن الإسلام اغفل ذكر أخطاءه عموما.

2- اتهام اليهود له و لأمه_عليهما السلام_ بالفاحشة, قال تعالى: (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىَ مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً) [النساء: 156] ومراعاة هذه النقطة من روائع الأدب النبوي الجم. فإذا ذكرت ذنوب المسيح_عليه السلام_ فاليهود حينها سيقولون : هذا حاله وهو نبي , فكيف بأمه؟ أليست أقرب أن تقع في الخطيئة؟؟!! 

3- أنه_عليه السلام_هو النبي الوحيد الذي لم يكمل حياته بعد, فقد رفع إلى السماء , وسيعود ليعيش مع الناس حتى الشيخوخة, ولذلك أشار الله _سبحانه: (وَيُكَلّمُ النّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصّالِحِينَ) [آل عمران - الآية: 46] فانظر كيف وصف أثناء صغره بأنه (غلاما زكيا) أي طاهر من الذنوب على أرجح التفاسير, وكيف وصفه عندما صار كبيرا مكلّفا بأنه (من الصالحين), لذلك فقد يقع منه_عليه السلام_ ارتكاب خطاء يتميز به كسائر الأنبيـاء, ولذلك سكت عنه في الحديث.

سادسا: تميّز النبي محمد _عليه الصلاة و السلام_ عن سائر الأنبياء في هذا الموضوع , بأنه هو النبي الوحيد الذي غفرت له جميع ذنوبه مقدما في أثناء حياته , ولذلك استحق أن يكون الشفيع للناس قال تعالى: (لّيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ مَا تَقَدّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخّرَ) [الفتح : 2].

ليست هناك تعليقات:

ظلم

سرعة الانفعال تشير إلى استجابة الأفراد بشكل سريع وعاطفي لمواقف معينة، مما قد يؤدي إلى ردود فعل غير محسوبة. إليك بعض النقاط المتع...