السبت، 27 ديسمبر 2008

تبعية سلوك الفرد

لا اعرف السبب؟
ولاكن دعونا نفكر بطريقة ابسط واحسن
هل تبعية سلوك الناس تعود الى لقد لفت الإسلام الأنظار للتدبر والتفكر والاعتبار بصيغ متعددة؛ تفيد لزوم إعمال العقل للتمييز بين الخير والشر والحق والباطل. كما ركَّز على المسؤولية والتبعية الفردية؛ إذ لا يغني عن الإنسان أن يسير مع السائرين أينما اتجهوا:{بَلِ الإنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة: 14]، {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[الإسراء: 15].
وبالمقابل رفض هذا الدين الحق التبعيةَ الفكريةَ والتقليدَ، والسيرَ مع الناس كيفما يكون المسير؛ بل لا بد من الوضوح في المنطلق والهدف، وفي الرؤية والاختيار. وفي هذا الصدد يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تكونوا إمَّعة تقولون: إن أحسن الناس أحسنَّا وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وِّطنوا أنفسكم؛ إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا»[1]. وروي عنه صلى الله عليه وسلم قوله: «من تشبـه بقـوم فهـو منهـم»[2].
وكان مما عابه الله - عز وجل - على المستضعفين أنهم عطَّلوا عقولهم، ولم يستفيدوا من حواسِّهم، ورضوا بمتابعة المستكبرين والسير على دربهم في الإفساد، فأدَّت بهم العطالة والخوف الذليل الأعمى، والاستسلام للأعراف والتقاليد الاجتماعية بدافع الشهوات والشبهات إلى مشاركة المستكبرين في العذاب المقيم.
ويصور القرآن الكريم حقيقة هذا المشهد بطرفين يتحاوران في النار، كلٌّ منهما يحاول أن يتملَّص من المسؤولية، ويلقي بالتبِعة على الآخر، ولكن بدون جدوى؛ إذ كان سلوك الطرفين اختياراً، فكلُّهم ظالمون: المستكبرون عليهم تبعة مكرهم الذي لم يكن يفتر نهاراً ولا ليلاً للصد عن سبيل الله، والتمكين للباطل، وتلبيس الحق، واستخدام النفوذ والسلطان في التضليل والإفساد. والمستضعفون أَلْغَوا عقولهم جرياً على سنَّة الآباء والأجداد، وخنوعاً ورهبة من بطش الأقوياء واستجابة لداعي الشهوات؛ فكلهم في العذاب سواء. قال - تعالى -: {هَلْ يُجْزَوْنَ إلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[سبأ: ٣٣]. وقال - تعالى -: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إذِ الظَّالِـمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ 31 قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إذْ جَاءَكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ 32 وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَـمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سبأ: 31 - ٣٣].
فهو التخلي عن التبِعة، والإقرار بالمسؤولية المشتركة في الغي والضلال والإفساد؛ إذ يحمِّل المستكبرون المستضعفين تبِعة الغواية من ذات أنفسهم: {بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ} [سبأ: 32].
فلكلٍّ جريمته وإثمه: المستكبرون عليهم وزرهم، وعليهم تبِعة إضلال الآخرين وإغوائهم. والمستضعفون عليهم وزرهم؛ فهم مسؤولون عن اتِّباعهم للملأ (النخبة المفسدة)، ولا يعفيهم من التبعة أنهم كانوا في حال الاستضعاف؛ لأن الله - عز وجل - أكرمهم بالإدراك والحرية، فعطَّلوا أدوات الإدراك فيهم، وباعوا حريتهم بأبخس الأثمان، ورضوا لأنفسهم الذلَّة والخنوع، وقبلوا أن يمتثلوا ويغيِّروا أنماط سلوكهم ومواقفهم اختياراً لتتناسب مع سلوكيات ومواقف المستكبرين، وباعوا آخرتهم بدنيا غيرهم؛ وذلك هو الخسران المبين.
إن هذا البعد النفسي تعبِّر عنه الآية الكريمة بوضوح: {تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} [البقرة: 118]؛ أي هم متشابهوا القلوب في التصور والتركيبة النفسية، ولديهم جميعاً قابلية للشرِّ والفساد.
ويعبِّر ابن تيمية - رحمه الله - عن التماثُل والتأثُّر والتأثير الحاصل بين الناس بأوضح عبارة، مبيِّناً أن الإنسان يتفاعل في محيطه بالتشابه والمشاكلة. يقول: «إن الله - تعالى - جبل بني آدم، بل سائر المخلوقات على التفاعل بين الشيئين المتشابهين. وكلما كانت المشابهة أكثر كان التفاعل في الأخلاق والصفات أتمَّ، حتى يؤولَ الأمر إلى أن لا يتميِّز أحدهما عن الآخر إلا بالعين فقط... ولأجل هذا الأصل وقع التأثُّر والتأثير في بني آدم، واكتساب بعضهم أخلاق بعض بالمشاركة والمعاشرة. وكذلك الآدمي إذا عاشر نوعاً من الحيوان اكتسب من بعض أخلاقه. ولهذا صارت الخيلاء والفخر في أهل الإبل، وصارت السكينة في أهل الغنم. وصار الجمالون والبغالون فيهم أخلاق مذمومة من أخلاق الجمال والبغال، وكذلك الكلابون؛ فالمشابهة والمشاكلة [التماثل] في الأمور الظاهرة: توجب مشابهةً ومشاكلةً في الأمور الباطنة؛ على المسارعة والتدريج الخفي. وقد رأينا اليهود والنصارى الذين عاشروا المسلمين هم أقل كفراً من غيرهم، كما رأينا المسلمين الذين أكثروا من معاشرة اليهود والنصارى هم أقل إيماناً من غيرهم ممَّن جرَّد الإسلام... ونفس الفساد الحاصل من المشابهة قد لا يظهر ولا ينضبط، وقد يتعسَّر أو يتعذَّر زواله بعد حصوله لو تُفطِّن له. وكل ما كان سبباً إلى مثل هذا الفساد، فإنَّ الشارع يحرِّمه، كما دلَّت عليه الأصول المقرَّرة»[3].
إن ظاهرة المشاكلة والمشابهة التي ذمَّها الكتاب والسُّنة، إذ تتجاوب فيها أغلبية المجتمع (المستضعفون) – لأسباب نفسية واجتماعية ومادية – مع السلطة الحاكمة (المستكبرين) في تقنينها للفساد، وتكريسها للظلم في شتى صوره، إنها تدخل ضمن ما يسميه علم النفس الاجتماعي الحديث بـ «التماثل».
والتماثل كما يعرِّفه علماء النفس الاجتماعي: هو إنتاج سلوكي مشابه لمصدر التأثير 

ليست هناك تعليقات:

نفسى

 فلنغير نظرة التشاؤم في أعيننا لما حل بنا من محن إلى نظرة حب وتفاؤل لما عاد علينا من فائدة وخير بعد مرورنا بهذه المحن. ما أحوجنا لمثل هذا ال...