السبت، 14 يونيو 2025

حرف الباء4

 المهجة: الروح، يقول: من فكر في الدنيا، وأنه مفارقها البتة أتعبه هذا الفكر؛ لما يجد في ذلك من الأسف على الدنيا، والخوف على روحه؛ ثم رأى في الوقت نفسه أن ذلك قضاء حتم لا يستطيع الفرار منه، فيرى نفسه بين حالين من التعب والعجز.

(١٩٥هذه القصيدة من المتقارب، وتقطيعها فعولن أربع مرات، دخله القصر فصار فعولن فعولن فعولن فعل، وقد ارتكب أبو الطيب فيها سناد التوجيه، وهو المخالفة في حركة ما قبل الروي المقيد، ومن الناس من لا يعده سنادًا اكتفاء باتفاق الروي.
(١٩٦سمعًا وطوعًا وابتهاجًا: ثلاثتها مصادر دلت على أفعالها؛ أي سمعت أمرك سمعًا، وطعت طاعة، وابتهجت بكتابك ابتهاجًا، والابتهاج: الفرح، يقال: بهِج بالشيء وله — بالكسر — بهاجة وابتهج: سر به وفرح. قال الشاعر:
كَانَ الشَّبَابُ رِدَاءً قَدْ بَهِجْتُ بِهِ
 
فَقَدْ تَطَايَرَ مِنْهُ لِلْبِلَى خِرَقُ
يقول: إني سامع لأمرك، مطيع له، مبتهج بكتابك بيد أن فعلي في طاعتك لا يبلغ ما يجب، إذ إنني قصرت بتخلفي عن المجيء إليك.
(١٩٧سمعًا وطوعًا وابتهاجًا: ثلاثتها مصادر دلت على أفعالها؛ أي سمعت أمرك سمعًا، وطعت طاعة، وابتهجت بكتابك ابتهاجًا، والابتهاج: الفرح، يقال: بهِج بالشيء وله — بالكسر — بهاجة وابتهج: سر به وفرح. قال الشاعر:
كَانَ الشَّبَابُ رِدَاءً قَدْ بَهِجْتُ بِهِ
 
فَقَدْ تَطَايَرَ مِنْهُ لِلْبِلَى خِرَقُ
يقول: إني سامع لأمرك، مطيع له، مبتهج بكتابك بيد أن فعلي في طاعتك لا يبلغ ما يجب، إذ إنني قصرت بتخلفي عن المجيء إليك.
(١٩٨الوشاة، جمع واشٍ، وهو النمام. يقول: لم يمنعني من النهوض إليك غير خوفي الوشاة، فإن الوشايات من طرق الكذب فلا يأمنها البريء.
(١٩٩وتكثير قوم وتقليلهم؛ أي تكثيرهم معائبنا وتقليلهم مناقبنا، والتقريب ضرب من العدو، يقال قرب الفرس: إذا رفع يديه معًا ووضعهما معًا في العدو، والخبب: السرعة، وقيل: هو أن يراوح الفرس بين يديه ورجليه في العدو، يقول: وعاقني أيضًا خوف تكثير قوم معائبي، وتقليلهم مناقبي، وسعيهم بيننا بالفساد.
(٢٠٠يقول: إنه كان يصغي إليهم ويسمع منهم، بيد أن قلبه كان على أية حال معي يعضده في ذلك شرفه، فعد إصغاءه إليهم نصرًا لهم، ونزاعه إليه نصرًا له.
(٢٠١اللجين: الفضة، والأناة: الحلم والرفق والتثبت، وبعد الأناة كناية عن كونه لا يستخف من أول وهلة، وقوله فيقلق: جواب النفي في البيت الأول، والضمير في منه يعود على المصدر المفهوم من قوله قلت؛ أي فيقلق من قولي هذا، يقول إنني لم أنقصك مما تستحق من المدح شيئًا كما ينقص البدر بتشبيهه باللجين والشمس بتشبيهها بالذهب؛ أي لم أهجك فتنكر علي ولم آتِ في حقك ما يوجب أن ينزعج له مثلك في بعد أناته وبطء غضبه.
(٢٠٢اللجين: الفضة، والأناة: الحلم والرفق والتثبت، وبعد الأناة كناية عن كونه لا يستخف من أول وهلة، وقوله فيقلق: جواب النفي في البيت الأول، والضمير في منه يعود على المصدر المفهوم من قوله قلت؛ أي فيقلق من قولي هذا، يقول إنني لم أنقصك مما تستحق من المدح شيئًا كما ينقص البدر بتشبيهه باللجين والشمس بتشبيهها بالذهب؛ أي لم أهجك فتنكر علي ولم آتِ في حقك ما يوجب أن ينزعج له مثلك في بعد أناته وبطء غضبه.
(٢٠٣لاقني: أمسكني وحبسني، يقال منه: فلان لا يليق ببلد؛ أي ما يمتسك، ولا يليقه بلد؛ أي لا يمسكه، قال الأصمعي للرشيد: ما ألاقتني أرض حتى أتيتك يا أمير المؤمنين؛ أي ما ثبت بها، ويقال فلان ما يليق بكفه درهم: أي ما يحتبس، وما يليق هو درهمًا؛ أي ما يحبسه ولا يلصق به. قال الشاعر:
كَفَاكَ كَفٌّ مَا تَلِيقُ دِرْهَمَا
 
جُودًا وَأُخْرَى تُعْطِ بِالسَّيْفِ الدَّمَا
ورب نعماي: صاحب نعمتي، ووقف على الباء من قوله رب — وهي موضع نصب — ضرورة للقافية، وخففها — وحكمها التشديد — لوقوعها رويا. يقول: ما أخذت عوضًا منكم، ولا أمسكني بلد بعدكم، ولا أعجبني، ولا لي مستقر إلا عندكم، إذ لا أصيب مثلكم، وكيف آخذ عوضًا ممن أنعم عليَّ؟ وهذا مثل قوله:
وَمَنِ اعْتَاضَ مِنْكَ إِذَا افْتَرَقْنَا
 
وَكُلُّ النَّاسِ زُورٌ مَا خَلَاكَا
(٢٠٤الأظلاف: جمع ظلف، وهو من البقرة والشاة والظبي بمنزلة القدم للإنسان والخف للبعير، والحافر للفرس والبغل والحمار، والغبب والغبغب: للبقر والديك ما تدلى تحت حنكيهما. جعل الجواد مثلًا لسيف الدولة، والثور مثلًا لمن لقي بعده من الملوك، وهذا كقول خداش بن زهير:
وَلَا أَكُونُ كَمَنْ أَلْقَى رِحَالَتَهُ
 
عَلَى الْحِمَارِ وَخَلَّى صَهْوَةَ الْفَرَسِ
قال الخطيب: ذكر الركوب هنا فيه جفاء، ولا تخاطب الملوك بمثل هذا.
(٢٠٥بمن في حلب، متعلق بقست، وقوله فدع ذكر بعض: معترضة بينهما يقول: لم أقس كل الملوك به فضلًا أن أقيس به بعضهم، ولو أنا شبهتهم به وسميتهم سيوفًا — كما يسمى هو سيف الدولة — لكانوا سيوفًا من خشب، وكان هو سيفًا من حديد: يعني أن مدحه إياه حقيقة، ومدحه إياهم مجازًا، إذا لا شبه بينهم وبينه.
(٢٠٦بمن في حلب، متعلق بقست، وقوله فدع ذكر بعض: معترضة بينهما يقول: لم أقس كل الملوك به فضلًا أن أقيس به بعضهم، ولو أنا شبهتهم به وسميتهم سيوفًا — كما يسمى هو سيف الدولة — لكانوا سيوفًا من خشب، وكان هو سيفًا من حديد: يعني أن مدحه إياه حقيقة، ومدحه إياهم مجازًا، إذا لا شبه بينهم وبينه.
(٢٠٧هذا استفهام إنكار يقول: ليس يشبهه أحد من الملوك في شيء من ذلك.
(٢٠٨مبارك الاسم؛ لأن اسمه علي، وهو مشتق من العلو، محبوب مطلوب، ولأنه سمي علي بن أبي طالب، وهو من هو؟ وأغر اللقب، لأنه سيف الدولة، وقد اشتهر هذا اللقب فهو أغر؛ أي متعالم مشهور أبلج، وكريم الجرشى: أي النفس، وشريف النسب، لأنه من ربيعة، وهم كرام أشراف، وكلمة الجرشى: من قبيح ألفاظ المتنبي.
(٢٠٩أخو الحرب؛ أي عرفت به وعرف بها فصار لها أخًا، وقناة: فاعل سبى: أي رماحه. يقول: هو أخو الحرب وصاحبها، فإذا أعطى أحدًا خادمًا فهو مما سباه بنفسه، لا مما اشتراه؛ لأن مماليكه جميعًا من سباياه، وإذا خلع على إنسان ثوبًا فهو مما سلبه من أعدائه، يريد كثرة نكايته في الأعداء.
(٢١٠فتى: فاعل حازه من باب التجريد. يقول: إذا جمع مالًا لا يسر منه بما يدخر، ولكن بما يهب، وهذا كقول البحتري:
لَا يَتَمَطَّى كَمَا احْتَجَّ الْبَخِيلُ وَلَا
 
يُحِبُّ مِنْ مَالِهِ إِلَّا الَّذِي يَهَبُ
(٢١١يقول: كلما ذكرته دعوت له بهذين، فقلت له صلى الله عليه وسقى أرضه السحاب، والصلاة من الله الرحمة، وقد جرى العرف بقصر الصلاة على الأنبياء، ولكن الشعراء ديدنهم المبالغة وتعظيم الممدوح ما وجدوا إلى ذلك سبيلا، وقد قال ابن الرقاع:
صَلَّى الْإِلَهُ عَلَى امْرِئٍ وَدَّعْتُهُ
 
وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِ وَزَادَهَا
وقال الراعي:
صَلَّى عَلَى عَزَّةَ الرَّحْمَنُ وَابْنَتِهَا
 
لَيْلَى وَصَلَّى عَلَى جَارَاتِهَا الْأُخَرِ
(٢١٢يقول: أثنى عليه بما وصل إليَّ وإلى غيري من نعمه، وأقرب منه بالموالاة والمحبة: أقربت محلته أم بعدت.
(٢١٣الغدران: جمع غدير، وهو البقية من الماء تبقى بعد السيل؛ من غادره تركه، قال الخطيب التبريزي: سمى الغدير غديرًا لمعنيين؛ أحدهما: لأن الغيث تركه، والثاني: لأنه يغدر بأهله فينضب عنهم عند الحاجة، ونضب الماء، غار في الأرض وبعد، وما: من قوله ما نضب: نافية، يقول: إذا كان بره قد انقطع عني فإن ما سبق إليَّ منه باقٍ كالغدران تبقى بعد المطر.
(٢١٤الشطب — بضم الشين والطاء، وبفتح الطاء — جمع شطبة وهي الطرائق التي في متن السيف، وسيف مشطب ومشطوب: فيه طرائق، وكذلك ثوب مشطب. يقول: لست سيفًا كسائر السيوف، فأنت سيف الله لا سيف الناس، وأنت صاحب المكارم لا سيف فيه طرائق من سيوف الحديد.
(٢١٥أبعد وأعرف وأطعن وأضرب: منصوبة على النداء المضاف، والخطية: الرماح، يقول: يا أبعد الناس همة ويا أعرف الناس برتب الرجال وطبقاتهم فتعطي كلًّا منهم المنزلة التي يستحقها، ويا أطعن من مس رمحًا، وأضرب من ضرب بسيف.
(٢١٦أبعد وأعرف وأطعن وأضرب: منصوبة على النداء المضاف، والخطية: الرماح، يقول: يا أبعد الناس همة ويا أعرف الناس برتب الرجال وطبقاتهم فتعطي كلًّا منهم المنزلة التي يستحقها، ويا أطعن من مس رمحًا، وأضرب من ضرب بسيف.
(٢١٧قوله بذا؛ أي بأطعن وأضرب، والثغور: مواضع المخافة من فروج البلدان؛ والهمام: الرءوس، والقضب: السيوف القواطع، يقول: إن أهل الثغور نادوك بقولهم يا أطعن من طعن بخطية، ويا أضرب من ضرب بحسام فأجبتهم ورءوسهم تحت سيوف الروم تكاد تطيرها.
(٢١٨غارت العين: دخلت في الرأس؛ أي من شدة العرب، والوجيب خفقان القلب. يقول: إنك أجبتهم حين نادوك وقد يئسوا من الحياة، فهم في خوف ورعب واضطراب حتى أنقذتهم.
(٢١٩الدمستق: قائد الروم، والعداة: جمع عاد بمعنى عدو، والثقيل: الشديد المرض، والوصب: المريض، يقول: إنما اجترأ الدمستق على أهل الثغور؛ لأنه اغتر بما أرجف به الأعداء من أنك مريض لا تستطيع إغاثتهم.
(٢٢٠يقول: وما كان ينبغي للدمستق أن يغتر؛ لأن سيف الدولة إذا هم بالغارة وهو عليل ركب إلى أعدائه كما تعلم خيله من عادته.
(٢٢١أتاهم؛ أي الدمستق، وبأوسع؛ أي بخيل أوسع، وطوال وقصار منصوبان على الحال، والسبيب: شعر الناصية والعرف والذنب: والعسب جمع عسيب، وهو منبت الذنب. يقول: أتاهم الدمستق بخيل موضعها من الأرض أوسع من أرض الروم؛ يصف عسكر الروم بالكثرة. ثم وصف خليهم بأنها من جياد الخيل؛ لأن طول شعر الذنب وقصر عظمه، مما يستحب في الخيل.
(٢٢٢يقول: إذا علا جيشه الشواهق — أي الجبال العالية — غطاها لكثرته فغابت فيه، وإذا تخلل جوانبها ظهرت صغارًا بالإضافة إليه وإلى سعته وانتشاره حولها.
(٢٢٣تخط — بحذف إحدى التاءين — أي تتخطى، والقنا: الرماح، يقول: لكثرة رماح هذا الجيش وتضايق ما بينها غص الهواء بها فلا تجد الريح منفذًا إلا أن تتخطى الرماح؛ أي تكون أعلى طريقًا منها أو تثب من فوقها.
(٢٢٤اللجب: كثرة الأصوات واختلاطها. يقول: أتاهم من الجيوش بما عم بلادهم فكأنها أغرقتها، وأخفى أصواتهم بأصوات جيوشه؛ لكثرتها وارتفاعها.
(٢٢٥أخبث به: صيغة تعجب؛ أي ما أخبثه في الحالين، ويروى الثاني، وأخيب به تاركًا، من الخيبة، وطالبًا وتاركًا: حالان، يقول: ما أخبثه حين يحاول قتلهم؛ لأنه استدبر في ذلك سيف الدولة خسة منه وجبنًا، وما أخيبه إذ ترك هذه المحاولة وولَّى هاربًا يطلب النجاة.
(٢٢٦يقول: لما كنت بعيدًا عن أهل الثغور أتاهم فقاتلهم بالمبارزة، فلما جئت جعل الهرب موضع القتال؛ أي حمى نفسه بالهرب، فكأنما قاتلهم به كي ينجو.
(٢٢٧يقول: إنه كان يفتخر بأن قصدهم وصمد لقتالهم، فلما ارتد عنهم هاربًا كنت عذرًا له في ارتداده؛ لأنه لا يقوم لك، ومثلك من يفر منه يعذر.
(٢٢٨يقول: إنك أدركتهم قبل أن يعصف بهم فأغثتهم قبل أن يعطبوا، وإنما ينفع الغوث إذا كان قبل العطب والهلاك، أما بعد ذلك فلا قيمة للغوث؛ وهذا المعنى ينظر إلى قول أبي تمام:
وَمَا نَفْعُ مَنْ قَدْ مَاتَ بِالْأَمْسِ ظَامِئًا
 
إِذَا مَا سَمَاءُ الْيَوْمِ طَالَ انْهِمَارُهَا
وقول البحتري:
وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْغَيْثَ لَيْسَ بِنَافِعٍ
 
لِلنَّاسِ مَا لَمْ يَأْتِ فِي إِبَّانِهِ
(٢٢٩الصلب: جمع صليب، وهو ذلك الذي يتخذه المسيحيون في بيوتهم وبيعهم على شكل المصلوب. يقول: لما أنقذتهم وفر الدمستق سجدوا لله شكرًا، ولو لم تنقذهم لسجدوا لصلبان الأعداء خوفًا منهم.
(٢٣٠يقول: كم دفعت عنهم الهلاك بإهلاكك من بغى هلاكهم؟ وكم كشفت عنهم الكرب بالكرب التي أنزلتها بأعدائهم؟
(٢٣١المعتصب؛ أي المتوج الذي يعتصب التاج برأسه. يقول: وقد زعم الروم أن الدمستق سيعود ومعه الملك الأعظم، وعبر عن مجيء الملك بالعود مع أنه لم يكن قبل ذلك قصدهم؛ للمشاكلة بين الفعلين، على أن عاد قد يراد بها الإتيان لأول مرة كما قال:
فَإِنْ تَكُنِ الْأَيَّامُ أَحْسَنَّ مَرَّةً
 
إِلَيَّ فَقَدْ عَادَتْ لَهُنَّ ذُنُوبُ
أي أتتني.
(٢٣٢يقول: إن الدمستق والملك يستنصران السيد المسيح، ويسألانه النصرة على المسلمين، وهما يعتقدان أن المسيح صلبته اليهود وقتلته.
(٢٣٣عنهما: صلة يدفع. يقول: ويطلبان أن يدفع السيد المسيح عنهما ما ناله من القتل في اعتقادهم، ثم تعجب من هذا، وقال: وكيف يستطيع أن يدفع عنهما الهلاك وهو لم يستطع الدفاع عن نفسه؟ ولام فيا للرجال: مفتوحة، لأنها للمستغاث به، ولام لهذا: لام التعجب، وهي مكسورة، أنشد سيبويه لقيس بن ذريح:
تَكَنَّفَنِي الْوُشَاةُ فَأَزْعَجُونِي
 
فَيَا للنَّاسِ لِلْوَاشِي الْمُطَاعِ
(٢٣٤يقول: أرى المسلمين قد هادنوا المشركين، واجتمعوا معهم، وتركوا قتالهم، وذلك: إما عجزًا عنهم، أو خوفًا منهم.
(٢٣٥يقول: وأنت مع الله في جانب آخر تنزل على أمره بالجهاد فلا تنام عنه، وقد جانبت غيرك من المهادنين والموادعين.
(٢٣٦يقول: كأنك وحدك الموحد لله تعالى، وسائر الناس يدينون بدين النصارى الذين يقولون بالابن والأب.
(٢٣٧ظهرت عليهم: ظفرت بهم وغلبتهم، وكئب كآبة: حزن وظهر فيه الانكسار، يقول: ليت الحاسد الذي يكتئب لظفرك بالروم يقتل بسيوفك.
(٢٣٨أراد بالشكاة: المرض الذي يشكوه، وقوله تجزي به؛ أي بالحب أو البغض، على أن الواو في قوله وحب: بمعنى أو، ولك أن ترجع الضمير إلى البغض والحب جميعًا؛ لأن كليهما من أفعال القلب، فكأنهما شيء واحد، والسبب: الوسيلة، يقول: ليت المرض الذي تشكوه في جسم الحاسد، وليتك تجزي من أبغضك ببغضه، ومن أحبك بحبه كي أنال نصيبًا من الحب، إذ لو جزيتني على حبي لك — وهو أقوى سبب، لأن حبي إياك أكثر من حب غيري — لنلت منك أقل حظ، يشكو إعراضه عنه، وأنه أقل الناس حظًا منه مع أنه أشد حبًّا له، وعبارة ابن جني: لو تناهيت في جزائك إياي على حبِّي إياك؛ لكان ضعيفًا بالإضافة إلى قوة حبي لك، قال أبو الفضل العروضي: وهذا لا يقوله مجنون لبعض نظرائه، ولمن هو دونه، فكيف ينسب المتنبي سيف الدولة إلى أنه لو احتشد وتكلف في جزائه لم يبلغ كنهه؟ وهذا الذي لاحظه العروضي لم يوفق فيه.
(٢٣٩أراد بالشكاة: المرض الذي يشكوه، وقوله تجزي به؛ أي بالحب أو البغض، على أن الواو في قوله وحب: بمعنى أو، ولك أن ترجع الضمير إلى البغض والحب جميعًا؛ لأن كليهما من أفعال القلب، فكأنهما شيء واحد، والسبب: الوسيلة، يقول: ليت المرض الذي تشكوه في جسم الحاسد، وليتك تجزي من أبغضك ببغضه، ومن أحبك بحبه كي أنال نصيبًا من الحب، إذ لو جزيتني على حبي لك — وهو أقوى سبب، لأن حبي إياك أكثر من حب غيري — لنلت منك أقل حظ، يشكو إعراضه عنه، وأنه أقل الناس حظًا منه مع أنه أشد حبًّا له، وعبارة ابن جني: لو تناهيت في جزائك إياي على حبِّي إياك؛ لكان ضعيفًا بالإضافة إلى قوة حبي لك، قال أبو الفضل العروضي: وهذا لا يقوله مجنون لبعض نظرائه، ولمن هو دونه، فكيف ينسب المتنبي سيف الدولة إلى أنه لو احتشد وتكلف في جزائه لم يبلغ كنهه؟ وهذا الذي لاحظه العروضي لم يوفق فيه.
(٢٤٠هو أبو سعيد المنبجي من بني المجيمر، قبيلة بمنبج من طيئ.
(٢٤١رائي خطأ: يروى راء خطأ، وذلك على حد قولهم: ضارب عمرو وضارب عمرًا ويروى بدل هذين:
فرب رأي أخطأ الصوابا
يقول: أبعد عني يا أبا سعيد عتابك فلا تعاتبني؛ لأنك ترى الخطأ في زيارة الملوك صوابًا، ولست على رأيك.
(٢٤٢فإنهم؛ أي الملوك.
(٢٤٣القرضاب: السيف القاطع، والذابلات: الرماح اللينة، والعراب: الخيل العربية. يقول: إنما يتوصل إلى الملوك، ويهتك الحجاب الذي أقاموه على أبوابهم بالسلاح والخروج عليهم لا بغير ذلك، وهذا بعض ما يشفُّ عن طموح المتنبي وآماله الكبار.
(٢٤٤الصافيات: جمع صافية، وهي الخمر، والأكوب جمع كوب، وهو القدح لا عروة له.
(٢٤٥أي يجودوا بالشراب.
(٢٤٦الباترات: السيوف القواطع؛ يريد: أنه لا يطرب إلا على صليل السيوف؛ وهذا أيضًا إحدى هنواته التي تدل على بعد همته، ولا سيما إذا لوحظ أنه مما قاله في صباه، مثل الأبيات التي قبلها.
(٢٤٧لما مات محمد بن إسحاق هذا رثاه المتنبي بأبياتٍ مطلعها:
إِنِّي لَأَعْلَمُ وَاللَّبِيبُ خَبِيرُ
وستأتي، ثم استزاده بنو عم الميت فقال هذه الأبيات:
غَاضَتْ أَنَامِلُهُ وَهُنَّ بُحُورُ
وستمر بك، ثم سألوه أن ينفي الثلاثة عنهم، فقال:
الْآلُ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَ مُحَمَّدٍ
 
إِلَّا حَنِينٌ دَائِمٌ وَزَفِيرُ
وتراها في قافية الراء، ثم سألوه زيادة في نفي الشماتة عنهم، فقال هذه الأبيات التي نحن بصددها.
(٢٤٨اللام في قوله لأي: حشو ورفر لتقوية العامل، على حد قوله تعالى: إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ أيْ أيَّ صروف الدهر نعاتب، والوتر: الثأر. يشكو الدهر يقول: إن صروف الدهر ورزاياه كثيرة متوافرة، فلا يمكن معاتبتها ولا طلب الثأر منها.
(٢٤٩العازب: البعيد، يقول: إنه كان في حياته إذا فقد الناس الصبر في الشدائد يعينهم ويحسن إليهم حتى يصبروا على ما ينوبهم بما ينالون منه، وقد روي يعطَى — بفتح الطاء — فيكون معناه: أنه كان يصبر في المواطن التي كان يصعب فيها الصبر.
(٢٥٠العجاجة: الغبار، والأسنة: أطراف الرماح. جعل الغبار المرتفع في الهواء سماء، وجعل الأسنة لامعة فيها كالكواكب، وهذا من قول بشار:
كَأَنَّ مُثَارَ النَّقْعِ فَوْقَ رُءُوسِنَا
 
وَأَسْيَافَنَا لَيْلٌ تَهَاوَى كَوَاكِبُهْ
وقال أيضًا:
خَلَقْنَا سَمَاءً فَوْقَنَا بِنُجُومِهَا
 
سُيُوفًا وَنَقْعًا يَقْبِضُ الطَّرْفَ أَقْتَمَا
وقال آخر:
نَسَجَتْ حَوَافِرُهَا سَمَاءً فَوْقَهَا
 
جَعَلَتْ أَسِنَّتَنَا نُجُومَ سَمَائِهَا
(٢٥١تسفر: تنجلي، ومضارب: جمع مضرب، وهو حد السيف وظبته، وانفللن: انثلمن، والضرائب: جمع ضريبة، وهي الشيء المضروب بالسيف، يقول: إن هذه العجاجة تنجلي عنه، وقد تثلمت سيوفه من كثرة الضرب حتى صارت كأنها مضروبة لا ضاربة، والعرب من عادتهم الفخر بفل سيوفها قال النابعة:
وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ
 
بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ
وفي هذا البيت — بيت النابغة — من البديع تأكيد المدح بما يشبه الذم.
(٢٥٢الهامات: الرءوس. يقول: إن سيوفه طلعت من أغمادها كالشمس في بريقها ثم غربت في رءوس المضروبين، فصارت رءوسهم مغارب لها، وهذا من قول أبي نواس في الخمر:
طَالِعَاتٌ مَعَ السُّقَاةِ عَلَيْنَا
 
فَإِذَا مَا غَرَبْنَ يَغْرُبْنَ فِينَا
(٢٥٣شتى: متفرقة، وقفتها: تبعتها. يقول: إن مصيبتنا به ليست واحدة، وإنما هي لعظمها كأنها مصائب شتى، ولم يكفنا ذلك حتى تبعتها مصائب أخرى، وهي اتهام المفسدين إيانا بأنا شامتون بموته.
(٢٥٤قوله: غير ذي رحم له؛ يروى: غير ذي رحم لنا، يقول: إن هناك أجنبيًّا لا يمت إليه أو إلينا بآصرة قرابة يظهر الأسف على فقد ابن أبينا — يريد ابن عمنا — فأبعدنا عنه باتهمامه إيانا بالشماتة ونحن أقرباؤه، فموته إنما يحزننا نحن لا غيرنا.
(٢٥٥عرض أنا شامتون؛ أي عرض في مرثيته بأنا شامتون، والتعريض الإشارة إلى الغرض من غير تصريح، والعارضان: جانبا اللحية، والقواضب السيوف القاطعة، وقال الواحدي: قوله والإ فزارت يجوز أن يكون من كلام المعرض حكى عنه ما قال كأنه قال: هم شامتون بموته، وإلا فزارتني السيوف: أي قتلت بها إن لم يكن الأمر على ما أقول فيكون هذا تأكيدًا لما ذكر من شماتتهم، ويجوز أن يكون من كلام الذين ينفون الشماتة عن أنفسهم. يقول: إن لم يكن الأمر على ما ذكر فرمى الله عارضيه بالسيوف، فيكون هذا تأكيدًا لنفي الشماتة، وأن الأمر ليس على ما ذكر.
(٢٥٦أن بين بني أب؛ أي إنه بين بني أب، فاسم إن هو ضمير الشأن، والنجل: الولد، ودبيب العقارب: كناية عن النميمة. يقول: أليس عجيبًا أن تدب عقارب يهودي بين بني أب أي إخوة فيوقع بينهم العداوة؟ يريد هذا الذي كان يمشي بينهم بالنميمة، وجعله ابن رجل يهودي مبالغة في أجنبيته عنهم، ويريد بوصفه بيهودي أنه خبيث دساس.
(٢٥٧يقول: برغم أنه كان يغلب جميع الناس لم يقدر على الامتناع من الموت، فدل ذلك على أنه ليس لله غالب، وهذا من قول أبي تمام:
كُفِّي فَقَتْلُ مُحَمَّدٍ لِيَ شَاهِد
 
أَنَّ الْعَزِيزَ مَعَ الْقَضَاءِ ذَلِيلُ
هذا، وقال العكبري — تعليقًا على قوله: أن ليس: أن هي المخففة من الثقيلة، ولا تدخل إلا على الاسم، ولا تدخل على الفعل حتى يحجز بينه وبينها حاجز؛ لدخولها على الأسماء، كقوله تعالى: ذَٰلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ تقديره: أنه لم يكن ربك مهلك القرى بظلم، وكقوله تعالى: عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَىٰ تقديره: أنه سيكون؛ فلا بد من حرف يحجز بينها وبين الفعل، وقد دخلت ها هنا على ليس — وهي فعل بلا حاجز — وذلك لضعف ليس عن الأفعال، ولأنها غير متصرفة كتصرف الأفعال، ومثله قوله تعالى: وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ.
(٢٥٨أنى؛ أي كيف، وأنى بمعنى كيف كثير. قال تعالى: أَنَّىٰ يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا، وكرب: من أفعال المقاربة، تقول: كرب أن يفعل كذا؛ أي كاد وقارب، يقول: إنه بكى في أطلال الأحبة بدمع قضى ما وجب لهم وشفاه مما ألم به من وجد، ثم رجع عن ذلك، وقال: وكيف أظن أن بكائي قضى ما يجب وشفى ما في نفسي من لوعة وهو لم يقضِ الحق ولم يشف الوجد ولا قارب أن يقضي، يريد أنه قاصر عن ذلك، وفي هذا البيت من البديع ما يسمونه الرجوع، وهو العود إلى الكلام السابق بالنقض والإبطال، وهو كثير في كلام الشعراء، ومنه قول زهير:
قِفْ بِالدِّيَارِ الَّتِي لَمْ يُعْفِهَا الْقِدَمُ
 
بَلَى وَغَيَّرَهَا الْأَرْوَاحُ وَالدِّيَمُ
(٢٥٩عاج بالمكان: وقف به، يقول: عطفنا على هذا الربع لنزوره فأذهب ما كان بقي من عقولنا بعد الفراق بتجديده ذكر الأحبة فضلًا عن أن يرد علينا ما كان قد ذهب منها لدى الفراق.
(٢٦٠يقول: سقيت هذا الربع دموعًا سوائل ظنها مطرًا من جفون ظنها سحبًا.
(٢٦١دار الملم لها طيف؛ أي هذا الربع هو دار التي ألم طيف لها، فدار: خبر مبتدأ محذوف، والألف واللام — في الملم — بمعنى التي، وطيف: فاعل ملم ولها حال مقدمة من قوله طيف. يقول: إن هذا الربع هو دار المرأة التي زارني لها طيف، أوعدني ليلًا؛ أي هددني بالهجر فما صدقت عيني؛ لأنها رأت خيالًا لأن ذلك كان رؤيا، ولا كذب الطيف في تهديده؛ لأنه هجرني بعد ذلك، إذ لم أنم بعدها.
(٢٦٢ناءيته: باعدته: ويروى أنأيته؛ أي أبعدته، ودنا: قرب، وجمشته: غازلته وداعبته، ونبا: تجافى وتباعد، وأنبيته أنا: دفعته عن نفسي، وفي المثل: الصِّدْقُ يُنْبِي عَنْكَ لَا الْوَعِيدُ؛ أي إن الصدق يدفع عنك الغائلة في الحرب دون التهديد، ونبا السيف: إذا لم يعمل في الضريبة، ونبا بصري عن الشيء ونبا به منزله: إذا لم يوافقه، وأبى: امتنع، يقول: كلما أردت من هذا الطيف شيئًا قابلني بضده، وهذا قريب من قوله:
صَدَّتْ وَعَلَّمَتِ الصُّدُودَ خَيَالَهَا
(٢٦٣الهيام: أن يذهب الرجل على وجهه لغلبة الهوى عليه، والطنب: حبل الخباء والسرادق ونحوهما، قال ابن جني، يقول: ملكت قلبي بلا كلفة ومشقة، فكانت كمن سكن بيتًا لم يتعب في إقامته ولا مد أطنابه، وقال الواحدي: وأحسن من هذا أن يُقال: اتخذت بيتًا من قلبي فنزلته، والقلب بيت بلا أطناب ولا أوتاد.
(٢٦٤يقول: هي مظلومة القد — إذا شبه بالغصن، لأنه أحسن منه — وهي مظلومة الريق — إذا شبه بالعسل لأنه أحلى منه، والضرب — وهو العسل الأبيض الغليظ — يذكَّر ويؤنث؛ قال أبو ذؤيب الهذلي في تأنيثه:
وَمَا ضَرَبٌ بَيْضَاءُ يَأْوِي مَلِيكُهَا
 
إِلَى طُنُفٍ أَعْيَا بِرَاقٍ وَنَازِلِ
بِأَطْيَبَ مِنْ فِيهَا إِذَا جِئْتَ طَارِقًا
 
وَأَشْهَى إِذَا نَامَتْ كِلَابُ الْأَسَافِلِ
(يأوي مليكها؛ أي يعسوبها، ويعسوب النحل: أميره، والطنف: حيد يندر من الجبل قد أعيا بمن يرقى ومن ينزل، وقوله كلاب الأسافل: يريد أسافل الحي؛ لأن مواشيهم لا تبيت معهم؛ فرعاتها وأصحابها لا ينامون إلا آخر من ينام لاشتغالهم بحلبها.)
(٢٦٥الحلة: الثوب، ومطلوبًا: منصوب على الحال أو التمييز، يقول؛ إنها لأنسها ولين حديثها تطمع العاشق في نفسها، فإذا حاول ذلك محاول عز عليه مطلبه لعفتها وصيانتها، ومثل هذا قول بعضهم:
يُحْسَبْنَ مِنْ لِينِ الْحَدِيثِ دَوَانِيَا
 
وَبِهِنَّ عَنْ رَفَثِ الرِّجَالِ نِفَارُ
(٢٦٦يعيي: يعجز، والضمير في قابضه للشعاع، وشعاعها: فاعل يعيي، والطرف: النظر، ومقتربًا: حال، شبهها بشعاع الشمس في قربه من الطرف وبعده عن القبض عليه، وهذا كما يقول ابن عيينة:
وَقُلْتُ لِأَصْحَابِي هِيَ الشَّمْسُ ضَوْءُهَا
 
قَرِيبٌ وَلَكِنْ فِي تَنَاوُلِهَا بُعْدُ
ويقول الطرماح:
هِيَ الشَّمْسُ لَمَّا أَنْ تَغَيَّبَ لَيْلُهَا
 
وَغَارَتْ فَمَا تَبْدُو لِعَيْنٍ نُجُومُهَا
تَرَاهَا عُيُونُ النَّاظِرِينَ إِذَا بَدَتْ
 
قَرِيبًا وَلَا يَسْطِيعُهَا مَنْ يَرُومُهَا
وأجمل من هذا قول العباس بن الأحنف:
هِيَ الشَّمْسُ مَسْكَنُهَا فِي السَّمَاءِ
 
فَعَزِّ الْفُؤَادَ عَزَاءً جَمِيلا
فَلَنْ تَسْتَطِيعَ إِلَيْهَا الصُّعُودَ
 
وَلَنْ تَسْتَطِيعَ إِلَيكَ النُّزُولَا
(٢٦٧الترب: المساوي لغيره في العمر، ويقال اللدة، والشادن: من الظباء الذي قوي وترعرع واستغنى عن أمه؛ يريد به المحبوبة، واستضحك: بمعنى ضحك، والمغيث: اسم الممدوح، وكالمغيث؛ أي أَنا كالمغيث، والليث: الأسد، والشرى: موضع تكثر في الأسود، وعجل: قبيلة الممدوح. يقول: مرت بنا بين تربيها فقلت لها: أنت من الظباء وترباك من العرب، فكيف اتفقت هذه المجانسة بينك وبينهما؟ فضحكت ثم قالت: لا تعجب من ذلك فإني كالمغيث: تراه من الأسود، وهو مع ذلك من عجل، وكذلك أنا: تراني من الظباء وأنا عربية، وفي هذين البيتين من البديع ما يسمونه حسن التخلص، وهو الخروج مما ابتدئ به الكلام من نسيب أو غيره إلى المقصود مع رعاية الملاءمة بينهما.
(٢٦٨الترب: المساوي لغيره في العمر، ويقال اللدة، والشادن: من الظباء الذي قوي وترعرع واستغنى عن أمه؛ يريد به المحبوبة، واستضحك: بمعنى ضحك، والمغيث: اسم الممدوح، وكالمغيث؛ أي أَنا كالمغيث، والليث: الأسد، والشرى: موضع تكثر في الأسود، وعجل: قبيلة الممدوح. يقول: مرت بنا بين تربيها فقلت لها: أنت من الظباء وترباك من العرب، فكيف اتفقت هذه المجانسة بينك وبينهما؟ فضحكت ثم قالت: لا تعجب من ذلك فإني كالمغيث: تراه من الأسود، وهو مع ذلك من عجل، وكذلك أنا: تراني من الظباء وأنا عربية، وفي هذين البيتين من البديع ما يسمونه حسن التخلص، وهو الخروج مما ابتدئ به الكلام من نسيب أو غيره إلى المقصود مع رعاية الملاءمة بينهما.
(٢٦٩أي جارت هذه المحبوبة بذكر رجل هذه أوصافه، وقيل جاءت هذه القبيلة التي هي عجل بمن هذه أوصافه.
(٢٧٠يقول: إن خاطره لتوقده لو كان في زمن (الزمن ذو الزمانة؛ أي العاهة، وهو هنا في معنى المقعد) لمشى، أو في جاهل لصحا من جهله وصار عالمًا، أو في أخرس لقدر على النطق.
(٢٧١يقول في الشطر الأول: إذا ظهر للناس حجبت هيبته عيونهم عن النظر إليه لشدة هيبته، وهذا كقول الفرزدق:
يُغْضِي حَيَاءً وَيُغْضَى مِنْ مَهَابَتِهِ
 
فَمَا يُكَلَّمُ إِلَّا حِينَ يَبْتَسِمُ
وقوله أيضًا:
وَإِذَا الرِّجَالُ رَأَوْا يَزِيدَ رَأَيْتَهُمْ
 
خُضُعَ الرِّقَابِ نَوَاكِسَ الْأَبْصَارِ
(خضع: جمع خضوع أي خاضع، ونواكس جمع شاذ ويروى منكسي: نواكسي أي مطأطئي رءوسهم منكسي أبصارهم إجلالًا له وهيبة وللنحويين في نواكس كلام طريف فانظره.) ويقول أبو نواس:
إِنَّ الْعُيُونَ حُجِبْنَ عَنْكَ لِهَيْبَةٍ
 
فَإِذَا بَدَوْتَ لَهُنَّ نُكِّسَ نَاظِرُ
ويقول في الشطر الثاني: إذا احتجب وراء الستور ظهر نور وجهه من ورائها فلم تستطع حجبه، وهذا كقول القائل:
أَصْبَحْتَ تَأْمُرُ بِالْحِجَابِ لِخَلْوَةٍ
 
هَيْهَاتَ لَسْتَ عَلَى الْحِجَابِ بِقَادِرِ
وقال ابن جني: هذا يحتمل تأويلين؛ أحدهما: أن حجابه قريب لما فيه من التواضع فليس يقصر أحد أراده دونه وإن كان محتجبًا، والآخر: أنه وإن احتجب فهو كلا محتجب؛ لشدة يقظته ومراعاته الأمور، وعبارة الخطيب: الذي أراده المتنبي أن حسنه وبهاءه لا يحجبه شيء، والبيت الذي يليه يشهد له.
(٢٧٢الحالك: الشديد السواد، والمخشلب: خرز أبيض يشبه الدار، والعرب تسميه الخضض؛ أما المخشلب فهي كلمة نبطية. يقول: إن نور وجهه يغلب نور الشمس حتى ترى إذا قابلها كأنها سوداء، وأن لفظه أحسن من الدر حتى يرى الدر إذا نطق كأنه خرز.
(٢٧٣هبته: مضاؤه، والغرار: الحد، والتأمور: دم القلب. قال أوس بن حجر:
أُنْبِئْتُ أَنَّ بَنِي سُحَيْمٍ أَوْلَجُوا
 
أَبْيَاتَهُمْ تَأْمُورَ نَفْسَ الْمُنْذِرِ
«أي مهجة نفسه وكانوا قتلوه.»
يقول المتنبي: إن مضاء عزمه يصير السيف رطب الحد من دم الأعداء.
(٢٧٤الرهج: الغبار، وأرهج الغبار: أثاره، يقول: إذا لقي عدوه في غبار الحرب قصر عمره حتى يكون أقصر من عمر المال عنده إذا أخذ في العطاء.
وقال ابن القطاع: يريد أن عمر العدو حين يلاقيه قريب، كما أن عمر المال عنده قريب حين يدخل إليه فلا يكاد حتى يهبه، وليس يريد أن عمر العدو أقل من عمر المال، وإنما يريد المساواة والمقارنة وأنهما لا يبقيان، وقوله إذ وهبا؛ أي إذا أراد أن يهب.
(٢٧٥تبلوه: أراد أن تبلوه، فحذف أن وبقي عملها. قال العكبري: تبلوه: انتصب بإضمار أن، وهو على مذهبنا، فإن أهل الكوفة نصبوا بها مقدرة، وأبى ذلك البصريون، وحجتنا ما قرأ به عبد الله بن مسعود: «وإذا أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدوا إلا الله» فأعمل أن مقدرة، وحجتنا أيضًا قول عامر بن الطفيل:
وَنَهْنَهت نَفْسِي بَعْدَمَا كِدْتُ أَفْعَلَهُ
فنصب أفعله بأن المقدرة، والنشب: المال، يقول: احذره ولا تحم حوله بالعداء، فإن أردت اختباره فكن عدوه أو مالًا في يده حتى ترى ما يحل بك من الإبادة والإفناء، وفي معنى هذا البيت قول مسلم بن الوليد:
تَظَلَّمَ الْمَالُ وَالْأَعْدَاءُ مِنْ يَدِهِ
 
لَا زَالَ لِلْمَالِ وَالْأَعْدَاءِ ظَلَّامَا
وما أحلى قول أبي نواس:
لَيْتَ مَنْ كَانَ عَدُوِّي
 
كَانَ لِإِبْرَاهِيمَ مَالَا
(٢٧٦حالت: تغيرت، وجعل المذاقة مما يقطر اتساعًا، يقول: هو عذب الأخلاق فإذا غضب تغيرت فآضت مرة فلو أمكن أن يمزج الماء بها لم يطق أحد شربه؛ يعني أن فيه حلاوة لأوليائه ومرارة لأعدائه، وفي الماء يروى في البحر قال العكبري: وأراد بالبحر ها هنا العذب، قال الله تعالى: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يريد الملح والعذب، وأهل مصر والصعيد كلهم يسمون النيل: البحر، هذا وفي البيت تصريع، وهو مما يحسن استعماله للخروج من قصة إلى قصة كما أسلفنا.
(٢٧٧الغبطة والحسد: كلاهما بمعنى التمني، بيد أن الغبطة أن تتمنى مثل حال المغبوط من غير أن تريد زوالها ولا أن تتحول عنه، والحسد أن تتمنى مثل نعمته على أن تتحول عنه؛ فالغبطة أخف، تقول منه غبطته بما نال أغبطه غبطًا وغبطة فاغتبط هو كقولك منعته فامتنع، وحبسته فاحتبس، قال حريث بن جبلة العذري:
وَبَيْنَمَا الْمَرْءُ فِي الْأَحْيَاءِ مُغْتَبِطٌ
 
إِذَا هُوَ الرَّمْسُ تَعْفُوهُ الْأَعَاصِيرُ
وغبطت الكبش أغبطه غبطًا: إذا جسست أليته لتنظر أبه طرق أم لا (الطرق: الشحم أو السمن) وغبط الشاة والناقة: جسهما لينظر سمنهما من هزالهما. قال رجل من بني عمرو بن عامر يهجو قومًا من سليم:
إِذَا تَجَلَّيْتَ غَلَّاقًا لِتَعْرِفَهَا
 
لَاحَتْ مِنَ اللُّؤْمِ فِي أَعْنَاقِهَا الْكُتُبُ
إِنِّي وَأَتْيي ابْنَ غَلَّاقٍ لِيَقْرِيَنِي
 
كَغَابِطِ الْكَلْبِ يَبْغِي الطِّرْقَ فِي الذَّنَبِ
(غلاق: كشداد رجل أبو حي.)
وقد سئل سيدنا رسول الله : هل يضر الغبط؟ قال: «لا، إلا كما يضر العضاة الخبط» أراد صلوات الله عليه أن الغبط لا يضر ضرر الحسد، وأن ما يلحق الغابط من الضرر الراجع إلى نقصان الثواب دون الإحباط بقدر ما يلحق العضاه من خبط ورقها الذي هو دون قطعها واستئصالها، ولأنه يعود بعد الخبط ورقها، فهو وإن كان فيه طرف من الحسد فهو دونه في الإثم، وأصل الحسد: القشر، وأصل الغبط الجس، والشجر إذا قشر عنها لحاؤها يبست، وإذا خبط ورقها استخلف دون يبس الأصل، وضمير منها: للأرض، وضمير به: لحيث حل الذي يقع مفعولًا به لتغبط، وضمير منها الثانية: للخيل، وأيها: مفعول تحسد، يقول: إن الأرض يغبط بعضها البعض الذي يحل فيه، والخيل يحسد بعضها البعض الذي يركبه. قال ابن جني: وجعل الغبطة للأرض؛ لأنها وإن كثرت بقاعها فهي كالمكان الواحد لاتصال بعضها ببعض، والخيل ليست كذلك؛ لأنها متفرقة فاستعمل لها الحسد، والبيت مأخوذ من قول أبي تمام:
مَضَى طَاهِرَ الْأَثْوَابِ لَمْ تَبْقَ بُقْعَة
 
غَدَاةَ ثَوَى إِلَّا اشْتَهَتْ أَنَّها قَبْرُ
(٢٧٨الجحفل: الجيش العظيم، واللجب: المختلط الأصوات، يقول: إنه جواد شجاع لا يستطيع أن يرد سائله، ولكنه يرد وحده الجيش العظيم.
(٢٧٩قوله من قبل يصطحبا: أراد من قبل أن يصطحبا، فحذف أن وأبقى عملها، يقول: إذا التقى الديناران لديه تفرقا قبل اصطحابهما، فهما يلتقيان مجتازين لا مصطحبين، وقال الواحدي: يجوز نصب الدينار وصاحبه، ويكون معناه كلما لقي الممدوح الدينار مصاحبًا له، وما أجمل ما يقول النضر بن جؤية بن النضر في هذا المعنى:
قَالَتْ طَرِيفَةُ مَا تُبْقِي دَرَاهِمُنَا
 
وَمَا بِنَا سَرَفٌ فِيهَا وَلَا خُرُقُ
إِنَّا إِذَا اجْتَمَعَتْ يَوْمًا دَرَاهِمُنَا
 
ظَلَّتْ إِلَى طُرُقِ الْمَعْرُوفِ تَسْتَبِقُ
لا يألفُ الدِّرْهَمُ المَضْرُوبُ صُرَّتَنَا
 
لكِن يمُرُّ عَليها وَهْوَ مُنطلِقُ
حَتَّى يَصِيرَ إِلَى نَذْلٍ يُخَلِّدُهُ
 
يَكَادُ مِنْ صَرِّهِ إِيَّاهُ يَنْمَزِقُ
(٢٨٠المجتدي: السائل، ونعيب الغراب: صياحه، والبين: الفراق. يقول: هذا المال كأن غراب البين يرقبه، فكلما جاء مجتد صاح فيه فتفرق شمله، وعبارة الواحدي: إن ماله يرقبه غراب البين، فإذا جاء السائل فرق الممدوح ماله، فكأن غراب البين نعب في مال الممدوح بالتفريق، وما ذكر من رقبة الغراب ونعيبه بيان ومثال لتفريقه المال عند مجيء السائل، والأصل في هذا أن العرب تقول: غراب البين إذا صاح في ديار قوم تفرقوا، أما ما قاله ابن جني من أن المعنى: كما أن غراب البين لا يفتر عن الصياح، كذلك هذا لا يفتر عن العطاء: فهو بعيد، ومن الذي قال إن الغراب لا يفتر عن الصياح؟ هذا، وقالوا: إنما حسنت الإضافة في غراب البين؛ لأنه اسم مشترك يقع على أشياء، فمنها غراب الفأس؛ أي حدها، قال الشماخ يصف رجلًا قطع نبعة:
فَأَنْحَى عَلَيْهَا ذَاتَ حَدٍّ غُرَابُهَا
 
عَدُوٌّ لِأَوْسَاطِ الْعِضَاهِ مُشَارِزُ
أي أمال على النبعة فأسًا ذات حد، غرابها؛ أي حدها، مشارز؛ أي معاد أو سيئ الخلق، والمشارزة هي المشارسة. ومنها الغراب: قذال الرأس، يقال شاب غرابه؛ أي شعر قذاله، والغرابان من الفرس والبعير حرفا الوركين الأيسر والأيمن اللذان فوق الذنب حيث التقى رأسا الورك اليمنى واليسرى، قال الراجز:
يَا عَجَبًا لِلْعَجَبِ الْعُجَابِ
 
خَمْسَةُ غِرْبَانٍ عَلَى غُرَابِ
(٢٨١السمر: المسامرة، وهو حديث الليل، وأصله أنهم كانوا يسمرون في ظل القمر، وأصل السمر: ظل القمر، والسمرة مأخوذة من هذا، وسمر يسمر سمرًا وسمورًا لم ينم: وهو سامر، وهم السمار، والسامر أيضًا السمار، وهم القوم يسمرون. قال الأزهري: وقد جاءت حروف على لفظ فاعل وهي جمع، فمنها الحامل والسامر والباقر والحاضر، والحامل للإبل ويكون فيها الذكور والإناث، والسامر: الجماعة من الحي يسمرون ليلًا، والحاضر: الحي النزول على الماء، والباقر: البقر فيها الفحول والإناث، قالوا: والسامر أيضًا: الموضع الذي يجتمعون للسمر فيه، وأنشدوا:
وَسَامِرٌ طَالَ فِيهِ اللَّهْوُ وَالسَّمَرُ
ابنا سمير الليل والنهار؛ لأنه يسمر فيهما. يقول: هو بحر له عجائب في باب الفضل والشجاعة لا تحاكيها عجائب البحار ولا ما يتحدث به السمار، إذ هي بالقياس إليها كالشيء المألوف؛ لغرابة ما يبدو منه ويتحدث عنه، وعبارة ابني جني: تشاغل الناس بالتعجب من فضائل هذا الرجل عن عجائب الأسمار والبحار.
(٢٨٢محاولها؛ أي طالبها، وأصله طلب الشيء بالحيلة، يقول: لا يقنع الممدوح أن ينال المنزلة العظيمة التي يشكو طالبها قصوره عنها وتعبه في تحصيلها، إذ هو دائمًا يطمح إلى ما يعجز عنه الطالبون.
(٢٨٣اللواء: الراية، وبنو عجل: قبيلة الممدوح، يقول: حركوا اللواء باسمه — أي جعلوه سيدهم وقائدهم — فإذا حركوا رايتهم حركوها باسمه، فصار سيدهم، وصاروا هم به سادة الناس، فهو رأس بني عجل فصاروا بذلك سادة الناس، وصار الناس أذنابًا لهم وتبعًا.
(٢٨٤نصب التاركين على المدح بإضمار أعني أو أمدح. يقول: إنهم — لبعد همتهم — يتركون ما هان من الأمور وسهل وجوده، ويرومون الصعب الشاق منها، وفي هذا يقول الطهوي:
وَلَا يَرْعَوْنَ أَكْنَافَ الْهُوَيْنَى
 
إِذَا حَلُّوا وَلَا رَوْضَ الْهُدُونِ
(الهدون: الدعة والسكون.)
(٢٨٥البيض: السيوف، والهام: الرءوس، والكماة: الأبطال المدججون في السلاح، والعذب: جمع عذبة وهي الريش المعلق في طرف الرمح. يقول: إن سيوفهم تحول دون خيلهم أن يصل إليها أحد بطعن أو ضرب؛ إما لمنازلتهم دونها، أو لحذقهم بالضرب، فتكون لها بمنزلة البراقع، والمعنى أنهم يحمونها بالسيوف لا بالبراقع والتجافيف، وعبارة أبي الفضل العروضي: أن سيوفهم مكان البراقع لخيلهم فلا يصل العدو إلى فرسانهم، وقوله متخذي هام الكماة: معناه أنهم يأخذون رءوس الأبطال بأطراف رماحهم، فتكون مع شعورها بمنزلة العذب التي تعلق بالرماح، وقال جرير في هذا المعنى:
كَأَنَّ رُءُوسَ الْقَوْمِ فَوْقَ رِمَاحِنَا
 
غَدَاةَ الْوَغَى تِيجَانُ كِسْرَى وَقَيْصَرَا
وقال مسلم بن الوليد:
يَكْسُو السُّيُوفَ نُفُوسَ النَّاكِثِينَ بِهِ
 
وَيَجْعَلُ الْهَامَ تِيجَانَ الْقَنَا الذُّبُلِ
وقال أبو تمام:
أَبْدَلْتَ أَرْؤُسَهُمْ يَوْمَ الْكَرِيهَةِ مِنْ
 
قَنَا الظُّهُورِ قَنَا الْخطِّيِّ مُدَّعِمَا
مِنْ كُلِّ ذِي لِمَّةٍ غَطَّتْ ضَفَائِرُهَا
 
صَدْرَ الْقَنَاةِ فَقَدْ كَادَتْ تُرَى عَلَمَا
(٢٨٦الخرقاء: الحمقاء، مؤنث الأخرق، يقول: لو لاقتهم المنية يوم الوغى للبطت بالأرض خوفًا وفزعًا لا يتجه لها رأي في السلامة فهي تتهم الإقدام وتتهم الهرب خشية الإدراك؛ أي تقدر أنها إن هربت أدركت. قال أبو تمام:
مِنْ كُلِّ أَرْوَعَ تَرْتَاعُ الْمنُونُ لَهُ
 
إِذَا تَجَرَّدَ لَا نِكْسٌ وَلَا حَذِرُ
وقال أيضًا:
شُوسٌ إِذَا خَفَقَتْ عُقَابُ لِوَائِهِمُ
 
ظَلَّتْ قُلُوبُ الْمَوْتِ مِنْهَا تَخْفِقُ
(٢٨٧الشهب: الكواكب. يقول: إن لهم مراتب عالية علت في السماء فصارت أعلى من الكواكب؛ لأن الفكر الذي يتبعها جاز الكواكب ولم يلحقها.
(٢٨٨نزفت: استنفدت، وآل: عاد ورجع، ونضب: جف. قال الواحدي: جعل اقتضاء المحامد أن تنظم بالشعر نزفًا، وجعل الشعر — لكونه مقتضى — منزوفًا. يقول: لم تمتلئ هذه المحامد من شعري؛ أي لم تبلغ الغاية التي تستحقها من شعري، ولا شعري فَنِيَ، فأنا أبدًا أمدحهم، وبيان ذلك أن لهم محامد استخرجت شعري؛ لينظم تلك المحامد كلها فلم تنحصر بالشعر، ولم يَفْنَ الشعر، يريد كثرة محامدهم وكثرة مدائحه لهم يعني أنه سيعود إلى استيفاء مديحهم، وجعل الشعر كالماء ينزف، واستغراق محامدهم في الشعر كملئها بالماء، ولما جعل الشعر كالماء جعل فناءه نضوبًا.
(٢٨٩يقول: لك مكارم سبقت بها العالمين فليس في مكنة أحد إدراكها ومن يستطيع إدراك أمر فائت؟
(٢٩٠اختلفت: ترددت وجاءت مرة بعد أخرى، والمراد بالركبان: القصاد الذين صمدوا إلى الممدوح فآبوا بالهبات والعطايا، ولا ألوي: لا أعرج، يقول: لما أقمت بإنطاكية جاءتني ركبان العفاة — الذين قصدوا إليك وأنا في حلب — فما عتمت أن سرت نحوك لا أعرج في سيري ولا أقف، حتى وصلت إليك محمولًا على راحلتين من فقري الذي يحفزني إلى بابك طلبًا لجدواك وأدبي الذي تسببت به إليك.
(٢٩١اختلفت: ترددت وجاءت مرة بعد أخرى، والمراد بالركبان: القصاد الذين صمدوا إلى الممدوح فآبوا بالهبات والعطايا، ولا ألوي: لا أعرج، يقول: لما أقمت بإنطاكية جاءتني ركبان العفاة — الذين قصدوا إليك وأنا في حلب — فما عتمت أن سرت نحوك لا أعرج في سيري ولا أقف، حتى وصلت إليك محمولًا على راحلتين من فقري الذي يحفزني إلى بابك طلبًا لجدواك وأدبي الذي تسببت به إليك.
(٢٩٢شرقت: غصصت، وضمير ذاقها: للزمن، وقوله ما عاش؛ أي ما بقي وامتد، والانتحاب: رفع الصوت وتردده بالبكاء. يقول: أذاقني الدهر من الفقر والغربة شيئًا لو ذاقه هو لبكى وانتحب مدة حياته، ولم يستطع عليه صبرًا؛ لأنه الغاية في الشدة، فكيف أصبر أنا عليه؟
(٢٩٣عمرت: عشت، والسمهري: الرمح، والمشرفي: السيف، كنى بهذه القرابات عن ملازمة هذه المذكورات. يقول: إن عشت وتنفس بي العمر لازمت الحرب حتى أدرك طلبتي. هذا، ويقال عمِر الرجل بكسر الميم يعمر عمرًا وعمارة وعمرًا، وعمَر — بالفتح — يعمر، ويعمر؛ أي عاش وبقي زمانًا طويلًا، ومنه قولهم: أطال الله عمرك وعمرك، وهما وإن كانا مصدرين بمعنى، إلا أنه استعمل في القسم أحدهما وهو المفتوح.
(٢٩٤الأشعث: المغبر من طول السفر ولقاء الحروب، والقح: الخالص؛ أي العربي الخالص النسب، وقح: نعت لأشعث، والمرح: النشاط، يقول: للازمت الحرب بكل رجل قد طال تمرسه بالحروب والأسفار حتى تراه يرمي بنفسه في التهلكة كأن القتل حاجة له يبتغيها ويتهالك عليها، وإذا هو سمع صهيل الخيل استخفه ذلك حتى يكاد يطرحه عن السرج لما يجد من النشاط والطرب، وروى ابن جني بدل صهيل الخيل صهيل الجرد — جمع أجرد وهو الفرس القصير الشعر — وذلك مما يحمد في الخيل، ويروى بدل مرحا بالغزو: مرحا بالعز، ومن جيد ما قيل في معنى البيت الأول قول أبي تمام:
مُسْتَرْسِلِينَ إِلَى الْحُتُوفِ كَأَنَّمَا
 
بَيْنَ الْحُتُوفِ وَبَيْنَهُمْ أَرْحَامُ
وقول البحتري:
مُتَسَرِّعِينَ إِلَى الْحُتُوفِ كَأَنَّهَا
 
وَفْرٌ بِأَرْضِ عَدُوِّهِمْ يُتَنَهَّبُ
(٢٩٥الأشعث: المغبر من طول السفر ولقاء الحروب، والقح: الخالص؛ أي العربي الخالص النسب، وقح: نعت لأشعث، والمرح: النشاط، يقول: للازمت الحرب بكل رجل قد طال تمرسه بالحروب والأسفار حتى تراه يرمي بنفسه في التهلكة كأن القتل حاجة له يبتغيها ويتهالك عليها، وإذا هو سمع صهيل الخيل استخفه ذلك حتى يكاد يطرحه عن السرج لما يجد من النشاط والطرب، وروى ابن جني بدل صهيل الخيل صهيل الجرد — جمع أجرد وهو الفرس القصير الشعر — وذلك مما يحمد في الخيل، ويروى بدل مرحا بالغزو: مرحا بالعز، ومن جيد ما قيل في معنى البيت الأول قول أبي تمام:
مُسْتَرْسِلِينَ إِلَى الْحُتُوفِ كَأَنَّمَا
 
بَيْنَ الْحُتُوفِ وَبَيْنَهُمْ أَرْحَامُ
وقول البحتري:
مُتَسَرِّعِينَ إِلَى الْحُتُوفِ كَأَنَّهَا
 
وَفْرٌ بِأَرْضِ عَدُوِّهِمْ يُتَنَهَّبُ
(٢٩٦يقول: الموت أعذر لي من أن أعيش ذليلًا، فإذا قتلت في طلب المعالي قام الموت بعذري، والصبر أجمل؛ لأن الجزع عادة اللئام، والبر أوسع لي من بلد يضيق بي رزقه فأنا أسافر وأضطرب في مناكب الأرض، والدنيا لمن غلب وزاحم لا لمن لزم عقر داره، قال العكبري: وهذه الأبيات التي أتى بها في آخر القصيدة خارجة عما هو فيه؛ لأنه يمدح رجلًا، ويذكر أنه قد قصده، وأن الزمان قد أذاقه بلوى وشدة، وقد جاء يستجدي منه ثم يذكر الشجاعة منه وطلب الملوك وأخذ البلاد … وأين أبو الطيب والملوك؟ رحم الله امرأ عرف قدره … ولقد أحسن ابن دريد فيما قال:
مَنْ لَمْ يَقِفْ عِنْدَ انْتِهَاءِ قَدْرِهِ
 
تَقَاصَرَتْ عَنْهُ فَسِيحَاتُ الْخُطَى
وقد غاب عن العكبري — رحمه الله — خلائق المتنبي، وأنه لا يمدح الناس إلا ليمدح نفسه، وينوه بما تنطوي عليه من المطامع والآمال الكبار والنزاع إلى الطعن والنزال.
(٢٩٧قيل: إنه لم يجزه على هذه القصيدة إلا دينارًا واحدًا، ولذلك سميت بالدينارية.
(٢٩٨الباء للتفدية، والشموس: إمَّا مرفوعة على أنها مبتدأ محذوف الخبر، والتقدير: الشموس مفديات بأبي، وإما منصوبة على أنها مفعول فعل محذوف والتقدير: أفدي الشموس بأبي، والجانحات: المائلات، والجلابب: جمع جلباب، وهو ما يلتحف به من الثياب، وأصله جلابيب: قال تعالى: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ فحذف الياء ضرورة، كنى بالشموس عن النساء، وبغروبهن عن بعدهن، وعبارة الواحدي: لما سماهن شموسًا كنى عن بعدهن بالغروب؛ لأن بعد الشموس عن العيون لا يكون إلا بالغروب، وقد بيَّن في آخر البيت أن الشموس: النِّساء الحسان؛ إذ قال: اللابسات … إلخ. وقال ابن جني: غبن عنك في الخدور.
(٢٩٩المنهبات: اسم فاعل، ووجناتهن: مفعول أول، وقلوبنا: مفعول ثانٍ، وعقولنا: عطف عليه، والناهبات: صفة لوجناتهن، ولك أن ترفع وجناتهن على أنها فاعل المنهبات؛ أي اللاتي أنهبت وجناتهن قلوبنا، فيكون قد اقتصر على مفعول واحد، ويقال: أنهبته الشيء إذا جعلته نهبًا له. يقول: اللواتي جعلن قلوبنا وعقولنا نهبًا لوجناتهن يسبينها بحسنهن، ثم وصف الوجنات بأنها تنهب الناهب؛ أي الرجل الشجاع المغوار الذي ينهب الناس بعد أن أبلى البلاء الحسن في الحرب، وهذا من قول أبي تمام:
سَلَبْنَ غِطَاءَ الْحُسْنِ عَنْ حُرِّ أَوْجُهٍ
 
تَظَلُّ لِلُبِّ السَّالِبِيهَا سَوَالِبَا
(٣٠٠الناعمات؛ أي اللينات المفاصل، والقاتلات؛ أي بهجرهن، والمحييات: بوصلهن، والمبديات؛ أي المظهرات من الدلال عجائب، والدلال: جرأة المرأة على الرجل في تكسر وتغنج.
(٣٠١الترائب: موضع القلادة من الصدر. يقول: حاولن أن يقلن لي نفديك بأنفسنا فوضعن أيديهن على صدورهن إشارة إلى ذلك خوف الرقيب، وقال ابن جني: أشرن إلي من بعيد ولم يجهرن بالسلام والتحية خوف الرقباء والوشاة، جعل ابن جني هذه الإشارة تحية وتسليمًا، وقال الواحدي: طلبن أن يقلن نفديك بأنفسنا وخفن الرقيب، فنقلن التفدية من القول إلى الإشارة؛ أي أنفسنا تفديك، وهذا أولى من قول ابن جني لذكر التفدية في البيت، ولم يقل حاولن تسليمي؛ لأن الإشارة بالسلام لا تكون بوضع اليد على الصدر، وقال ابن فورجه: وضع اليد على الصدر لا يكون إشارة بالسلام، وإنما أراد وضع أيديهن فوق ترائبهن تسكينا للقلوب من الوجيب. قال الواحدي: وليس كما قال — ابن فورجه — وصدر البيت ينقض ما قاله. هذا، وبديع قول بعضهم ينظر إلى هذا المعنى:
أَضْحَى يُجَانِبُنِي مُجَانَبَة الْعِدَا
 
وَيَبِيتُ وَهْوَ إِلَى الصَّبَاحِ نَدِيمُ
وَيَمُرُّ بِي خَوْفَ الْوُشَاةِ وَلَفْظِهِ
 
شَتْمٌ وَحَشْوُ لِحَاظِهِ تَسْلِيمُ
(٣٠٢أراد بالبرد: أسنانهن التي تشبه البرد في نقائها، وقوله خشيت أذيبه: أي أَنْ أذيبه، يقول: إني كنت أخاف على ثغورهن أن تذوب من حرارة أنفاسي، فلما رحلن ذبت أنا من شوقي إليهن، ومن هذا الباب قول الصنوبري:
وَضَاحِكٍ عَنْ بَرَدٍ مُشْرِقٍ
 
أَبَاحَنِيهِ دُونَ جُلَّاسِي
فَكُلَّمَا قَبَّلْتُهُ خِفْتُ أَنْ
 
يَذُوبَ مِنْ نِيرَانِ أَنْفَاسِي
وقول بعضهم:
وَمِنَ الْعَجَائِبِ أَنْ يُذِيبَ مَفَاصِلِي
 
مَنْ لَوْ جَرَى نَفَسِي عَلَيْهِ لَذَابَا
(٣٠٣المتحملون: المرتحلون، والمراد بالغزالة إما الشمس وإما الحيوان المعروف، والكاعب: التي بدا ثديها للنهود. يقول: قبلت غزالة في صورة كاعب من النساء.
(٣٠٤الخطوب: الأمور الثقال، وتخلصًا: مفعول الرجاء، أعمله مع اقترانه بأل وهو ضعيف، أنشد سيبويه:
ضَعِيفُ النِّكَايَةِ أَعْدَاءَهُ
 
يَخَالُ الْفِرَارَ يُرَاخِي الْأَجَلْ
(يهجو رجلًا يقول: هو ضعيف عن أن ينكي أعداءه، وجبان عن أن يثبت لقرنه، ولكنه يلجأ إلى الفرار، ويخاله مؤخرًا لأجله.) وأنشبن: علقن، والمخالب: جمع المخلب — بكسر الميم — وهو للسباع وجوارح الطير بمنزلة الظفر للإنسان، يقول: كيف أرجو التخلص من الخطوب بعد أن نالت مني ونفد فيَّ حكمها؟
(٣٠٥أوحدنني؛ أي الخطوب — أي صيرنني واحدًا. يقول: تركتني الخطوب وحيدًا بعد أن فرقت بيني وبين الأحبة، وجعلت صاحبي بعدهم ما أجده من الحزن المتناهي الذي هو واحد الأحزان، وهو حزن الفراق.
(٣٠٦الغرض: الهدف يرمى بالسهام، ومضاربًا: تمييز جمع مضرب — بفتح الراء وكسرها — حدُّ السيف. يقول: إن الخطوب نصبته هدفًا للمحن.
(٣٠٧أظمتني من الظمأ: العطش، فأصلها أظمأتني، فأبدل الهمزة ألفًا ثم حذفها. يقول: كان حظي من الدنيا الحرمان. فلما التمست عطاءها أفرغت علي المصائب.
(٣٠٨قوله من خوص الركاب؛ أي بدلًا من خوص الركاب، والخوص جمع الخوصاء، وهي الناقة الغائرة العينين من الجهد والإعياء، والركاب: الإبل، والدارش: ضرب من السختيان، وهو جلد أسود. يقول أعطيت عوضًا من الإبل خفًّا أسود، فأنا راكب ماشٍ.
(٣٠٩حال: خبر مبتدأ محذوف؛ أي هذه حال، ويروى حالًا — بالنصب — على إضمار عاملٍ محذوف؛ أي أشكو أو أذم. يقول: إن حالي هذه لو علم بها ابن منصور تلافاها بإحسانه وحال دون إساءة الزمان، فيكون إحسانه بمنزلة توبة الزمان إلي، ومثل هذا لأبي تمام قال:
كَثُرَتْ خَطَايَا الدَّهْرِ فِيَّ وَقَدْ يُرَى
 
بِنَدَاكَ وَهْوَ إِلَيَّ مِنْهَا تَائِبُ
وقال أيضًا:
عَضْبٌ إِذَا هَزَّهُ فِي وَجْهِ نَائِبَةٍ
 
جَاءَتْ إِلَيْهِ صُرُوفُ الدَّهْرِ تَعْتَذِرُ
(٣١٠السنان: نصل الرمح، والبنان في الأصل: أطراف الأصابع، والمراد بها هنا الكف، ويتباريان: يفعل كل منهما ما يعارض به صاحبه، ودمًا: تمييز أو منصوب على نزع الخافض؛ أي في دم، والعرف: المعروف والمراد به الجود، والساكب: المنسكب. يقول: إن سنان رمحه يقطر دمًا من الأعداء، وكفه تسكب جودًا على الأولياء، وهذا من قول البحتري:
تَلْقَاهُ يَقْطُرُ سَيْفُهُ وَسِنَانُهُ
 
وَبَنَانُ رَاحَتِهِ دَمًا وَنَجِيعَا
(٣١١الخطر: الأمر الخطير؛ أي العظيم. يقول: إنه يستصغر الشيء العظيم لمن يقصده وينتجع إليه لكرمه، ويظن — لكثرة عطائه — أن نهر دجلة — ذلك النهر العظيم — ليس يكفي شاربًا، ومثل هذا قول أبي تمام وزاد الشكر:
فَرَأَيْتَ أَكْثَرَ مَا حَبَوْتَ مِنَ اللُّهَا
 
نَزْرًا وَأَصْغَرَ مَا شَكَرْتُ جَزِيلَا
(٣١٢كرمًا: مفعول مطلق؛ أي كرم كرما، أو مفعول له عامله يظن في البيت قبله، يقول: لو حدثته بما يصنع من الأفعال الجسام لظنك كاذبًا؛ لخروج تلك الأفعال عن طوق المقدرة، قال الواحدي — ناقدًا: وقد أساء في هذا؛ لأنه جعله يستعظم فعله وبضده يمدح، وإنما يحسن أن يستعظم غيره ما فعل كما قال أبو تمام:
تَجَاوَزَ غَايَاتِ الْعُقُولِ رَغَائِبٌ
 
تَكَادُ بِهَا لَوْلَا الْعِيَانُ تُكَذِّبُ
وقال البحتري:
وَحَدِيث مَجْدٍ عَنْكَ أَفْرَطَ حُسْنُهُ
 
حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ مَوْضُوعُ
(٣١٣حذار: اسم فعل بمعنى احذر، ومسالمًا ومحاربًا: حالان. يقول: سل عن شجاعته؛ لتعرفها بالخبر، ولا تحاول أن تعرفها بالمشاهدة والتمرس بها وإلا هلكت؛ أي لا تحاول أن تعرفها بالقتال، فإنك إن قاتلته قتلت، وقد ضرب البيت التالي مثلًا لذلك.
(٣١٤يقول: فإن الموت يعرف بالوصف لا بالتجربة؛ إذ لم نجد مخلوقًا مات ثم رجع فيخبرنا عن حقيقة الموت، وإذن فالموت إن عرف بالمشاهدة أهلك البتة، وكذلك شجاعة الممدوح، وقوله خلقًا؛ أي مخلوقًا، مفعول أول لتلق، وآيبًا: مفعول ثانٍ.
(٣١٥القسطل هنا: غبار الحرب، وهو القسطل، والقسطال والقسطول والقسطلان والقصطل — بالصاد — كله؛ الغبار الساطع، وقال الجوهري: القسطال لغة فيه كأنه ممدود منه مع قلة فعلال في غير المضاعف، وأنشد أبو مالك لأوس بن حجر يرثي رجلًا:
وَلَنِعْمَ رِفْدُ الْقَوْمِ يَنْتَظِرُونَهُ
 
وَلَنِعْمَ حَشْوُ الدِّرْعِ وَالسِّرْبَالِ
وَلَنِعْمَ مَأْوَى الْمُسْتَضِيفِ إِذَا دَعَا
 
وَالْخَيْلُ خَارِجَةٌ مِنَ الْقِسْطَالِ
وقال آخر:
كَأَنَّهُ قِسْطَالُ رِيحٍ ذِي رَهَجْ
الجحفل: الجيش العظيم. يقول: إنه لا ينفك عن هذه الأشياء.
(٣١٦تبيين لأحوال الناس معه. يقول: فلا ترى إلا هاربًا من جيشه، أو طالبًا رفده، أو راغبًا في إحسانه، أو راهبًا من بأسه، أو هالكًا بسيفه، أو نادبًا على قتيل له من الأسرى الذين أسرهم، وقال الواحدي: ويجوز أن تكون هذه أحوال الممدوح؛ أي تلقاه هاربًا من الدنايا، وطالبًا للعلى، وراغبًا في المكارم، وراهبًا من الله تعالى، وهالكًا؛ أي مهلكًا، كما قال العجاج:
وَمَهْمَهٍ هَالِكِ مَنْ تَعَرَّجَا
(تمامه: هائلة أهواله من أدلجا. قال في اللسان: هالك بمعنى مهلك لغة تميم كما يقال: ليل غاض أي مغض، وقال الأصمعي في قوله: هالك من تعرجا؛ أي هالك المتعرجين إن لم يهذبوا في السير؛ أي من تعرض فيه هلك.)
ونادبًا: من يبارزه من الندب، وهذا تعسف من الواحدي كما ترى.
(٣١٧العواسل: الرماح، والقواضب: السيوف، والجنائب: جمع الجنيبة، وهي التي تقاد إلى جنب الفارس. يقول: عمت جنوده السهل والجبل، فإذا نظرت إلى الجبال رأيتها رماحًا وسيوفًا، وإذا نظرت إلى السهول رأيتها فوارس وجنائب؛ أي غصت بهما.
(٣١٨العواسل: الرماح، والقواضب: السيوف، والجنائب: جمع الجنيبة، وهي التي تقاد إلى جنب الفارس. يقول: عمت جنوده السهل والجبل، فإذا نظرت إلى الجبال رأيتها رماحًا وسيوفًا، وإذا نظرت إلى السهول رأيتها فوارس وجنائب؛ أي غصت بهما.
(٣١٩وعجاجة بالنصب عطف على ما تقدم؛ أي ورأيت عجاجة، أو بالجر على إضمار رب، والعجاجة: الغبار، وتبسم — بحذف إحدى التاءين — أي تتبسم، والقذال: جماع مؤخر الرأس من الإنسان والفرس فوق فأس القفا، وقال ابن الأعرابي: القذال: ما دون القمحدوة إلى قصاص الشعر، قال الأزهري: القمحدوة ما أشرف على القفا من عظم الرأس، والهامة فوقها، والقذال دونها مما يلي المقذ، ويقال: القذالان ما اكتنف فأس القفا عن يمين وشمال، والزنج — بفتح الزاي وكسرها — جيل من السودان، وهم الزنوج، يقول: إن بريق الأسلحة في سواد الغبار يشبه تبسم الزنج أو شيب القذال، ولمحمود الوراق:
حَتَى تَبَدَّى الصُّبْحُ يَتْلُو الدُّجَى
 
كَالْحَبَشِيِّ افْتَرَّ لِلضَّحِك
ولأبي نواس:
لَمَا تَبَدَّى الصُّبْحُ مِنْ حِجَابِهِ
 
كَطَلْعَةِ الْأَشْمَطِ مِنْ جِلْبَابِهِ
وهذا التشبيه متداول كثير في الشعر.
(٣٢٠شبه بياض الحديد في ظلمة العجاجة بكواكب في ليل. يقول: كأن النهار ألبس بتلك العجاجة ظملة ليل، وكأن الرماح أطلعت من أسنتها كواكب، أو أطلعت هي كواكب في تلك الظلمة، فقوله: أطلعت إما قرأتها بصيغة المعلوم على أنه من فعل الرماح، وإما بصيغة المجهول لمشاكلة قوله كُسي، وهذا المعنى من قول صريع الغواني:
فِي عَسْكَرٍ شَرِقَ الْأَرْضُ الْفَضَاءُ بِهِ
 
كَاللَّيْلِ أَنْجُمُهُ الْقُضْبَانُ وَالْأَسَلُ
وقول بشار:
كَأَنَّ مُثَارَ النَّقْعِ فَوْقَ رُءُوسِنَا
 
وَأَسْيَافَنَا لَيْلٌ تَهَاوَى كَوَاكِبُه
(٣٢١عسكرت: تجمعت، وتكتبت: تجمعت كتائب، والكتائب: جمع كتيبة — الفرقة من الجيش — وعسكرًا وكتائب: حالان. يقول: إن المصائب تجمعت مع تلك العجاجة كأنها عسكر تقع بالعدو، وتكاثرت فيها رجال الممدوح حتى صارت كتائب.
(٣٢٢هذا مثل قول ابن الرومي:
كَأَنَّ أَبَاهُ حِينَ سَمَّاهُ صَاعِدًا
 
دَرَى كَيْفَ يَرْقَى فِي الْمَعَالِي وَيَصْعَدُ
وقوله علي: أراد عليًّا، فاضطره الوزن إلى حذف التنوين، وسوغ له ذلك سكونه وسكون اللام في الحاجب: ومثله كثير، وذلك كقراءة من قرأ: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ بغير تنوين، حذفه لالتقاء الساكنين.
(٣٢٣النضار: الذهب، ومواهبًا وما بعده: تمييز. يقول: إنه أفنى الذهب بالعطاء، والأعداء بالقتل، والزمان بالتجارب؛ أي إنه حصل له من التجارِب ما يعرف به ما يأتي فيما يستقبل من الزمان، فكأنه أفنى الزمان؛ لأنه لا يحدث عليه شيئًا لا يعرفه.
(٣٢٤ومخيب: عطف على «هذا الذي أفنى» في البيت قبله، وذكر الكف — وإن كان الأفصح تأنيثها — على معنى العضو، أو على إرادة السائل؛ أي لا يرد سائلًا، أو المراد خائبًا صاحبها، وبعد: فإن أكثر ما استعمل العرب الكف مؤنثة على أنها بمعنى اليد، فهم يقولون هذه كف واحدة، وقال بشر بن أبي خازم:
لَهُ كَفَّانِ كَفٌّ كَفُّ ضُرٍّ
 
وَكَفُّ فَوَاضِلٍ خَضِلٌ نَدَاهَا
وقال الأعشى:
يَدَاكَ يَدَا صِدْقٍ فَكَفُّ مُفِيدَةٍ
 
وَأُخْرَى إِذَا مَا ضُنَّ بِالْمَالِ تُنْفِقُ
وقالت الخنساء:
فَمَا بَلَغَتْ كَفُّ امْرِئٍ مُتَنَاوِلٍ
 
بِهَا الْمَجْدَ إِلَّا حَيْثُ مَا نِلْتَ أَطْوَلُ
وَمَا بَلَغَ



مجمعات

 أسئلة محرجة للبنات … لعبة أسئلة للبنات أسئلة محرجة للبنات … لعبة أسئلة للبنات ما رأيك بالتعرف إلى أقوى وأصعب مجموعة أسئلة محرجة للبنات للعب...