أكثر جواب نسمعه هو " انس و لا تفكر في الأمر و دع الأمور تمشي كما ترغب هي ، فأنت ستتغير مع الأيام و ستعرف الغث من الثمين و سيوجّهك الله – بإذنه – إلى التصرف الصحيح . " و السؤال الأخير الذي يطرح نفسه هو : هل الفعل الصحيح هو رمي المشكلة على القدر و انتظار تغير الأمور بنفسها – و طبعاً هذا ما يريدنا الاستعمار أن نقوم به ليصبح أقوى منّا و يتفوق علينا – أم نندفع لبناء مجتمع خالٍ من الأمراض و المشاكل النفسية مهما سخفت و صغرت لنعيش بسعادة و منطق ؟
و اآن نأتي إلى السؤال الجوهري :
ما هو الوعي ؟ ما هو اللاوعي ؟ و كيف يمكننا أن نتحكم في سير حياتنا - طبعاً في الأمور المتعلقة بنا و التي نحددها بأنفسنا - كما نريد و بمنطق دون التخبط بالتأثيرات المختلفة ؟
الحمد لله الذي رضي لنا الإسلام ديناً، ونصب لنا الدلالة على صحته برهاناً مبيناً، وأوضح السبيل إلى معرفته واعتقاده حقاً يقيناً، ووعد من قام بأحكامه وحفظ حدوده أجراً جسيماً، وذخر لمن وافاه به ثوابا جزيلا وفوزاً عظيماً، وحكم سبحانه بأنه أحسن الأديان،
ولا أحسن من حكمه ولا أصدق منه قيلاً فقال :
( ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليل ).
أما بعد
هل تبادر إلى أذهاننا يوماً ما، ما هو الفرق بين كلمة القلب و الفؤاد ؟؟؟
لا أظن ذلك فالناس غالباً لا تدرك معاني الألفاظ .
قال الله تعالى ((أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)) الحج 46 ،
والآن كل واحد منا يسأل نفسه هل وظيفة القلب أن يعقل الأشياء أم أنها وظيفة العقل؟؟؟؟؟
الجواب قال الله تعالى"كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبرو اياته وليتذكر اولو الالباب) ص (29 )
والألباب هنا تعني الأمخاخ وهذا رد على أن القرآن لا يتكلم عن المخ
والآ ن لنتدبر إذن هذا القرآن المعجزة الربانية لنصل إلى الحقيقة وإلى هنا لم نجب على السؤال إنما هذه مقدمة الإجابة على السؤال .
والجواب القلب في القرآن الكريم يشير إلى العقل، و الفؤاد يشير إلى مركز الأحاسيس فينا، و إليكم الأدلة، و أرجوا من الجميع أن يضعوا كلمة القلب بمعنى العقل في أذهانهم و سترون الاختلاف
الدليل الأول: ((أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا ))
الدليل الثاني: ((وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ )) القصص 10،
الفؤاد هنا مركز المشاعر فأم موسى أنفطر فؤادها على وليدها الصغير وكان الربط وظيفة القلب بمعنى العقل الذي ضبط المشاعر والأفعال لأنها كانت ستذهب إليه، ونحن نعلم دقة القرآن الكريم في استخدام الألفاظ و الدلالات اللغوية .
الدليل الثالث: ((وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)) الكهف 22،
وغفلة القلب هي غفلة العقل وعندما يغفل العقل تنشط الشهوات بغير رقيب و لا حسيب و الله أولاً و أخراً عُرف بالعقل .
الدليل الرابع: ((رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ)) النور 37،
عندما تقوم الساعة ستتغير الأفكار التي كانت متبناة في العقول من قبل الكافرين الذين رفضوا فكرة الحساب و الجزاء يوم القيامة .
الدليل الخامس: ((يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ )) الشعراء 89،
سلم عقله من كل الأفكار المنحرفة التي تنادي بإنكار البعث أو عبادة الأصنام أو عبادة الطغاة و التعلق بهم وظن أن العزة لديهم، وسيدنا إبراهيم عليه السلام أتى الله بقلب سليم أي عقل سليم فلقد رفض أن يعبد حجارة لا تضر و لا تنفع، و القرآن الكريم مليء بالحوارات التي كان يناقش بها سيدنا إبراهيم عليه السلام الكافرين .
الدليل القرآني السادس و الأخير: ((يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا )) الأحزاب 32
عقله مريض يبحث عن شهوة كما كثير من الشباب اليوم الذين مرضت عقولهم، فمجرد ابتسامة من فتاة له تعني في عقله أنها لا تطيق العيش بعيدة عنه، ولو تكلمت معه فيا لطيف، فبمجرد الكلام أضحت تريده، أصلحهم و أصلحنا الله .
و أخيرا حديث عن الرسول (صلى الله عليه وسلم ): حدثنا سليمان بن حرب عن وابصة بن معبد الأسدي أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال: (( لوابصة جئت تسأل عن البر و الإثم قال قلتُ نعم، قال فجمع أصابعه فضرب بها صدره وقال استفت نفسك استفت قلبك يا وابصة ثلاثاً، البر ما اطمأنت إليه النفس و اطمأن إليه القلب، و الإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر و إن أفتاك الناس و أفتوك )) سنن الدارامي 2421،
فالقلب بمعنى العقل هو الحاكم الأول و الأخير على ما يعرض على الإنسان من أفعال يجب عليه القيام بها من شر و خير،
قال الله تعالى "((أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)) الحج 46
هذه الآية دلالة قاطعة على إعجاز القرآن الكريم فالمقصود بالقلب الأول هو العقل كما هو موجود في كل القرآن الكريم من أوله إلا آخره .
ولكن هل المقصود في القول الثاني هو العقل؟