أركان الإسلام
أركان
الإسلام هي أسسه التي يبنى عليها ، وهي
خمسة أركان:
1-
شهادة أن لا
إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله
2-
إقامة الصلاة
3-
إيتاء الزكاة
4-
صيام رمضان
5-
حج بيت الله
الحرام
معاني
أركان الإسلام
1-
شهادة
أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله
:
معنى هذه
الشهادة الاعتقاد الجازم المعبر عنه
باللسان بأن الله هو المعبود الحق وحده
لا شريك له ، وأن محمداً هو الرسول المبلغ
عن الله.
وجعلت
هاتان الشهادتان ركناً واحداً مع تعدد
المشهود به لأن هاتين الشهادتين أساس صحة
الأعمال ؛ فلا يقبل إسلام ، ولا عمل إلا
بالإخلاص لله ، والمتابعة للرسول -
صلى الله
عليه وسلم-
.
ومعنى
ذلك ألا يعبد إلا الله وحده ، ولا يعبد
إلا بما شرعه على لسان رسوله -
صلى الله
عليه وسلم -
.
فبالإخلاص
تتحقق شهادة أن لا إله إلا الله ، و
بالمتابعة تتحقق شهادة أن محمدا رسول
الله.
وما
يمكن أن يتضح به معنى الشهادتين أن يقال
:
إن معنى لا
إله إلا الله :
هو أن ينطق
بها الإنسان معتقدا أن الله هو المعبود
الحق وحده ؛ فلا يكفي مجرد النطق بها ،
بل لا بد من العمل بمقتضاها من القبول ،
والانقياد ، والصدق ، والإخلاص ، والمحبة.
ومعنى
شهادة أن محمدا رسول الله :
طاعته فيما
أمر ، وتصديقه فيما أخبر ، واجتناب ما نهى
عنه وزجر ، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع.
هذا
وللشهادتين ثمرات عظيمة منها :
تحرير القلب
والنفس من الرق للمخلوقين ، والاتباع
لغير المرسلين.
2-
إقامة
الصلاة :
وهو التعبد
لله بفعل الصلاة على وجه الاستقامة والتمام
في أوقاتها وهيئاتها.
والصلوات
المفروضة في الإسلام خمس في اليوم والليلة
، وهي صلاة الفجر ، وصلاة الظهر ، وصلاة
العصر ’ وصلاة المغرب ، وصلاة العشاء.
ومن
ثمرات الصلاة أنها سبب لانشراح الصدر ،
وقرة العين ، وقوة العقل ، وحصول النشاط
، وطرد الكسل ، والانزجار عن الفحشاء
والمنكر ، وحصول الترابط بين المسلمين.
3-
إيتاء
الزكاة :
وهو التعبد
لله ببذل القدر الواجب من الأموال الزكوية
لمستحقيها.
بحيث
يخرج المسلم قدراً يسيراً محدوداً من
ماله ، ويدفعه إلى مستحقيه من الفقراء ،
والمساكين ، ونحوهم.
ومن
ثمرات الزكاة :
تطهير النفس
من البخل ، وزيادة المال ، ونماؤه ، وسد
حاجة المسلمين ، وشيوع المحبة بينهم ،
والتخلص من الأثرة والاستبداد ، والسلامة
من الحسد ، وحصول التواضع والرحمة ،
والشعور بالآخرين.
4-
صوم
رمضان :
وهو التعبد
لله بالإمساك عن المفطرات نهار رمضان.
وذلك
بأن يدع المسلم الطعام ، والشراب ، والجماع
، ونحوها من المفطرات من طلوع الفجر إلى
غروب الشمس طيلة شهر رمضان ؛ تعبداً لله
-
عز وجل -
.
ومن
ثمرات الصيام :
تزكية الروح
، وتهذيب النفس ، وترفعها عن الدنايا ،
وترويضها على ترك المحبوبات طلبا لمرضاة
الله ، وتعويدها على الصبر وتحمل المصاعب.
ومن
ثمراته -
أيضاً -
تنمية الإخلاص
ومراقبة الله ، ورعاية الأمانة ، والشعور
بالآخرين ، وطرد الفردية ، وحصول الصحة
العامة للبدن.
5-
حج
البيت :
وهو التعبد
لله بقصد البيت الحرام للقيام بشعائر
الحج ولو مرة واحدة في العمر لمن استطاع
إلى ذلك سبيلا.
ومن
ثمرات الحج تذكر الآخرة ، وترويض النفس
على بذل الجهد المالي والبدني ؛ تقرباً
لله .
ومن
ثمراته حصول التعارف ، والتواد بين
المسلمين .
هذه
هي أركان الإسلام ، وهذه ثمراتها على سبيل
الإجمال ، وإلا فتفاصيل ثمراتها لا تعد
ولا تحصى.
فهذه
الأركان تجعل من الأمة أمة إسلامية طاهرة
، نقية ، تدين بدين الحق ، وتعامل الخلق
بالعدل والصدق ، لأن ما سواها من شرائع
الإسلام يصلح بصلاح هذه الأسس ، و الأمة
تصلح بصلاح أمر دينها ، ويفوتها من صلاح
أحوالها بقدر ما فاتها من صلاح أمور دينها.
أسس العقيدة الإسلامية
الدين
الإسلامي عقيدة وشريعة ، وقد مر فيما سبق
الإشارة إلى شيء من شرائعه ، ومر الحديث
عن أركانه التي هي أساس لشرائعه.
أما
العقيدة الإسلامية فهي تشمل الإيمان بكل
ما جاء عن الله ، وعن رسول الله -
صلى الله
عليه وسلم -
من الأخبار
، والأحكام القطعية ، والغيبيات ، ونحو
ذلك .
وأسس
العقيدة هي أركان الإيمان الستة ، وهي :
1-
الإيمان
بالله 2-
الإيمان
بالملائكة
3-
الإيمان
بالكتب 4-
الإيمان
بالرسل
5-
الإيمان
باليوم الآخر 6-
الإيمان
بالقدر خيره وشره
وإليك
فيما يلي بعض التفصيل حول هذه الأركان :
أولاً
: الإيمان
بالله :
الإيمان
بالله -
عز وجل -
أصل الأصول
، وأهم المهمات ، وأشرف العلوم.
والإيمان
بالله هو التصديق الجازم بوجود الله ،
وبأنه رب كل شيئ ومليكه ، وأنه الخالق
وحده ، المدبر للكون كله ، وأنه هو الذي
يستحق العبادة وحده لا شريك له ، وأنه
متصف بصفات الكمال والجلال ، وأنه منزه
عن كل عيب ، ونقص ، ومماثلة للمخلوقين.
وهذا
الإيمان مستقر في فطرة كل إنسان ؛
فكل واحد من البشر مفطور على الإيمان
بخالقه من غير سبق تفكير أو تعليم ، ولا
ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلا من طرأ على
قلبه ما يصرفه عن ذلك .
قال
-
تعالى -
: { فطرة الله
التي فطر الناس عليها }
.
ومعنى
فطرة الله :
الإسلام .
ولهذا
فإن كل إنسان مفطور على اللجوء إلى ربه -
تعالى -
عند الشدائد
؛ فإذا وقع الإنسان -
أي إنسان
حتى الكافر والملحد -
في شدة أو
أحدق به خطر -
فإن الخيالات
والأوهام تتطاير من ذهنه ، ويبقى ما فطره
الله عليه ؛ فيلجأ إلى ربه ؛ ليفرج كربته
.
والمراد
بكون الإنسان يولد على الفطرة أنه يولد
مجبولاً على حب خالقه ، وإقراره بوجوده
وعبوديته ؛ فلو خلي و فطرته لم يعدُ عن
ذلك إلى غيره ؛ فكما أنه يولد مفطوراً على
ما يلائم بدنه من الأغذية والأشربة فكذا
يولد مفطوراً على ما يلائم قلبه ، وروحه
من التوجه إلى الله ، والإقرار به .
ولهذا
قال النبي -
صلى الله
عليه وسلم -
: (( كل مولود
يولد على الفطرة ؛ فأبواه يهودانه ، أو
ينصرانه ، أو يمجسانه))
أي
أن المولود يولد على الفطرة وهي الإسلام
، ولهذا لم يقل أو يسلمانه ؛ فاعتناق غير
الإسلام يعد خروجاً عن الأصلِ ، والقاعدة
بأسباب خارجة .
فالأبوان
قد يصرفان المولود عن أصل فطرته إلى
اليهودية ، أو النصرانية ، أو المجوسية
، أو غير ذلك مما يخالف الفطرة .
ثم
إن العقل السليم يؤيد الفطرة السليمة
، فالعقل يدل
أعظم الدلالة على الإيمان بالله ؛ فمن
نظر إلى هذا العالم ، وما أودع الله فيه
من المخلوقات المتنوعة من أرض ، وسماء ،
وجبال ، وبحار ، وإنسان ، وحيوان ، وجماد
، وزروع ، ونحو ذلك -
أدرك أن لهذا
الكون خالقاً وهو الله -
عز وجل -
فالقسمة
العقلية في هذا الصدد لا تخرج عن ثلاثة
أمور :
1-
إما
أن تكون هذه المخلوقات وجدت صدفة من غير
مُحْدِث ولا خالق :
وهذا محال
ممتنع يجزم العقل ببطلانه ؛ لأن كل من له
عقل يعلم أنه لا يمكن أن يوجد شيء من غير
مُحْدِث ولا موجد ، ولأن وجود هذه المخلوقات
على هذا النظام البديع المتَّسِق المتآلف
، والارتباط الملتحم بين الأسباب والمسببات
، وبين الكائنات بعضها مع بعض ـ يمنع منعاً
باتاً أن يكون وجودها صدفة .
2-
وإما
أن تكون هذه المخلوقات هي الخالقة لنفسها
:
وهذا محال
ممتنع ؛ فكل عاقل يجزم أن الشيء لا يخلق
نفسه ؛ لأنه قبل وجوده معدوم ؛ فكيف يكون
خالقاً؟
وإذا
بطل هذان القسمان تعين الثالث وهو :
3-
أن
هذه المخلوقات لها خالق خلقها ، ومحدث
أوجدها :
وهو الله
الخالق لكل شيء ، الذي لم يسبق بعدم ، ولا
ينتهي بفناء .
وقد
ذكر الله -
عز وجل -
هذا الدليل
العقلي القاطع في القرآن الكريم فقال :
{ أم خلقوا
من غير شيء أم هم الخالقون }
.
يعني
أنهم لم يخلقوا من غير خالق ، ولا هم خلقوا
أنفسهم ؛ فتعين أن يكون خالقهم هو الله ؛
فالمخلوق لا بد له من خالق ، والأثر لا بد
له من مُؤَثِّر ، والمُحْدَث لا بد له من
مُحْدِث ، والمصنوع لا بد له من صانع ،
والمفعول لا بد له من فاعل .
هذه
قضايا واضحة ، تعرف في بداهة العقول ،
ويشترك في إدراكها والعلم بها جميع العقلاء
، وهي أعظم القضايا العقلية ؛ فمن ارتاب
فيها فقد دل على اختلال عقله ، وبرهن على
سفهه ، وفساد تصوره .
وهذه
الحقائق معروفة لدى العقلاء من غير
المسلمين، ومن نظر في كتاب (الله
يتجلى في عصر العلم )
وقد كتبه
ثلاثون من علماء الفلك و الطبيعة ممن
انتهت إليهم الرياسة في هذه ـ العلوم ـ
أدرك أن العالم الحقيقي لا يكون إلا
مؤمناً، والعامي لا يكون إلاّ مؤمناً،
وأن الإلحاد والكفر إنما يبدوان من أنصاف
العلماء، وأرباع العلماء ممن تعلم قليلا،
وخسر بذلك الفطرة المؤمنة، ولم يصل إلى
الحق الذي يدعو إليه الإيمان.
وقريب
من الكتاب السابق كتاب آخر اسمه (الإنسان
لا يقوم وحده)
وترجم للعربية
بعنوان:(العلم
يدعو للإيمان).
ومؤلف
هذا الكتاب هو (كريسي
موريسون)
الرئيس
السابق لأكاديمية العلوم في نيويورك،
ورئيس المعهد الأمريكي لمدينة نيويورك،
وعضو المجلس التنفيذي لمجلس البحوث القومي
في الولايات المتحدة، والزميل في المتحف
الأمريكي للتاريخ الطبيعي، وعضو مدى
الحياة للمعهد الملكي البريطاني.
ومما
قاله (موريسون)
في كتابه
الآنف الذكر:((إن
تقدم الإنسان من الوجهة الخلقية، وشعوره
بالواجب إنما هو أثر من آثار الإيمان
بالله)).
وقال:((إن
غزارة التدين لتكشف عن روح الإنسان،
وترفعه خطوة خطوة، حتى يشعر بالاتصال
بالله، وإن دعاء الإنسان الغريزي لله بأن
يكون في عونه -
هو أمر طبيعي،
وإن أبسط صلاة تسمو به إلى مقربة من
خالقه)).
وقال:((إن
الوقار، والكرم، والنبل، والفضيلة،
والإلهام ـ لا تنبعث عن الإلحاد)).
وقال:((بدون
الإيمان كانت المدنية تفلس، وكان النظام
ينقلب فوضى، وكان كل ضابط، وكل كبح يضيع،
وكان الشر يسود العالم ؛ فعلينا أن نثبت
على اعتقادنا بوجود الله وعلى محبته)).
وقال:((وما
دامت عقولنا محدودة فإننا لا نقدر أن ندرك
ما هو غير محدود، وعلى ذلك لا نقدر إلاّ
أن نؤمن بوجود الخالق المدبر الذي خلق
الأشياء بما فيها تكوين الذرات، والكواكب،
والشمس.))
وقال:((
إن كون
الإنسان في كل مكان، ومنذ بدء الخليقة
حتى الآن قد شعر بحافز يحفزه إلى أن يستنجد
بمن هو أسمى منه، وأقوى ، وأعظم ـ يدل على
أن الدين فطري، ويجب أن يقر العلم بذلك)).
ومن
الأدلة على وحدانية الله ، والإيمان به
- دلالة
الحس ؛
والأدلة الحسية على ذلك لا تكاد تحصى ،
ومن الأمثلة الحسية الدالة على الإيمان
بالله إجابة الدعوات ؛ فكم من الداعين
الملهوفين الذين يتوجهون إلى الله بالدعاء
فيستجيب دعاءهم ، ويفرج كرباتهم ، ويدفع
عنهم السوء .
والأمثلة
على إجابة الدعوات كثيرة جداً ، بل كل
مسلم يعرف ذلك من نفسه .
قال
-
تعالى -
: { وقال ربكم
ادعوني أستجب لكم }
وقال :
{ أمن يجيب
المضطر إذا دعاه ويكشف السوء }
.
ومن
الأمثلة على ذلك ما جاء في القرآن الكريم
من ذكر لإجابة دعوات الأنبياء قال -
تعالى -
: { ونوحاً
إذ نادى من قبل فاستجبنا له }
وقال :
{ إذ تستغيثون
ربكم فاستجاب لكم }
.
وجاء
في السنة النبوية أدلة كثيرة على إجابة
دعوات الداعين ، ومن ذلك ما جاء في صحيح
البخاري عن أنس بن مالك -
رضي الله
عنه -
(( أن أعرابيا
دخل يوم الجمعة ، والنبي _
صلى الله
عليه وسلم -
يخطب ، فقال
:
يا رسول الله
، هلك المال ، وجاع العيال ؛ فادع الله
لنا ، فرفع النبي يديه ، ودعا ، فثار السحاب
أمثال الجبال ؛ فلم ينزل عن منبره حتى
رأيت المطر يتحادر من لحيته .
وفي
الجمعة الثانية قام ذلك الأعرابي أو غيره
، فقال :
يا رسول الله
تهدم البناء ، وغرق المال ، فادع الله لنا
، فرفع يديه ، وقال :
اللهم حوالينا
ولا علينا ، فما يشير بيده إلى ناحية إلا
انفرجت )).
ومن
الأدلة الحسية -
أيضاً -
آيات الأنبياء
التي تسمى المعجزات ، وهي أمور خارقة
للعادة ، خارجة عن نطاق البشر ، يجريها
الله على أيدي أنبيائه تأييداً لهم ،
وتصديقاً لما جاءوا به من الحق.
فالمعجزات
برهان قاطع على وجود من أرسلهم.
مثال
ذلك آيات موسى -
عليه السلام
-
ومنها أنه
-
عليه الصلاة
والسلام -
لما ذهب
بأتباعه المؤمنين لحق به فرعون وجنوده ،
فلما وصل موسى وأتباعه البحر قال أصحابه
:
(( إنا لمدركون
))
أي سوف يدركنا
فرعون وجنوده ، فقال موسى -
عليه السلام
-
: (( كلا إن
معي ربي سيهدين ))
فأوحى الله
إلى موسى ((
أن اضرب
بعصاك البحر ))
فلما ضرب
موسى البحر بعصاه ، صار في البحر اثنا عشر
طريقا يابساً فعبره موسى وأتباعه ، ولما
لحق به فرعون وتمكن في البحر هو وجنوده
أطبق عليهم البحر ، فنجا موسى وأتباعه ،
وأدرك فرعون وجنوده الغرق.
ومن
ذلك آية عيسى -
عليه السلام
-
حيث كان يحي
الموتى ، ويخرجهم من قبورهم بإذن الله.
وكذلك
نبع الماء بين أصابع النبي محمد -
صلى الله
عليه وسلم -
وكذلك
لما طلب كفار مكة منه -
صلى الله
عليه وسلم -
آية فأشار
إلى القمر ، فانفلق فرقتين ، فرآه الناس
؛ فهذه الآيات المحسوسة التي يجريها الله
تأييدا لرسله تدل دلالة قاطعة على وجود
من أرسلهم.
ومن
الأدلة على وحدانية الله -
عز وجل -
ووجوب الإيمان
به صدق الرسل ؛ فالرسل جاءوا بدعوى النبوة
، وتلك الدعوى لا يدعيها إلا أصدق الناس
أو أكذبهم ؛ فالأنبياء أصدق الناس ، و
مدعو النبوة أكذب الناس ؛ فالأنبياء
والرسل جاءوا بالوحي من عند الله ، فأيدهم
الله ، ونصرهم ، وأعلى شأنهم ، وأجاب
دعاءهم ، وأهلك عدوهم ؛ فلو كانوا كاذبين
لأهلكهم ، ولخذلهم ، ولجعل الدائرة عليهم
كما هي الحال مع مدعي النبوة.
فتأييد
الله للرسل دليل صدقهم ، وصدقهم دليل على
أنهم مبعوثون من عند الله الحق ، وأن
مرسلهم حق ، وعبادته حق.
ومن
الأدلة على وحدانية الله -
هداية
المخلوقات ، فهذا دليل حسي عظيم يقود إلى
الإيمان بالله -
عز وجل -
فلقد هدى
الله الحيوان ناطقه ، وبهيمه ، وطيره ،
ودوابه ، وفصيحه ، وأعجمه إلى ما فيه صلاح
معاشه وحاله.
فمن
الذي هدى الطفل ساعة ولادته إلى أن يلتقم
ثدي أمه ؟ ومن الذي أودع فيه معرفة عملية
الرضاع ، تلك العملية الشاقة التي تتطلب
انقباضات متوالية في عضلات الوجه ، واللسان
، والعنق ، وحركات متواصلة للفك الأسفل
، والتنفس من طريق الأنف ، كل ذلك يتم
بهداية تامة ، وبدون سابق علم أو تجربة ؟
فمن
الذي ألهمه ذلك؟
إنه
الله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.
ومن
الذي أعطى الإنسان القوة ، والعقل ، وعلمه
ما لم يكن يعلم ؟
إنه
الله الخالق المستحق للعبادة.
أما
هداية الطير ، والوحش ، والدواب فحدث ولا
حرج ؛ فلقد هداها الله إلى الأفعال العجيبة
التي يعجز عنها الإنسان.
وإذا
أردت الدليل فانظر إلى حياة النحل ، أو
النمل ، أو الحمام أو غيرها فسترى العجب
العجاب الذي يدعوك إلى الإيمان برب
الأرباب.
والمجال
لا يتسع للتفصيل في هذا الأمر.
ثانيا: الإيمان بالملائكة
وهذا
هو الركن الثاني من أركان الإيمان.
والملائكة
:
عالم غيبي
، مخلوقون ، عابدون لله -
تعالى -
وليس من لهم
خصائص الربوبية ، ولا الألوهية شيء ، أي
أنهم لا يخلُقون ، ولا يَرزُقُون ، ولا
يجوز يعبدوا مع الله.
وقد
منحهم الله -
عز وجل -
الانقياد
التام لأمره ، والقوة على تنفيذه.
والملائكة
عددهم كثير ولا يحصيهم إلا الله.
والإيمان
بهم يتضمن ما يلي:
1-
الإيمان
بوجودهم .
2-
الإيمان
بمن علمنا اسمه منهم باسمه كجبريل
، ومن لم نعلم اسمه نؤمن به إجمالا ، أي
نؤمن بأن لله ملائكة كثيرين ، ولا يلزم
معرفة أسمائهم.
3-
الإيمان
بما علمنا من صفاتهم
، كصفة جبريل
؛ فقد أخبر النبي -
صلى الله
عليه وسلم -
أنه رآه على
صفته التي خلقه الله عليها ، وله ستمائة
جناح قد سد الأفق.
وقد
يتحول الملك بأمر الله إلى هيئة رجل ، كما
حصل لجبريل حين أرسله الله إلى مريم أم
المسيح، فتمثل لها بشراً سوياً ، وحين
جاء إلى النبي -
صلى الله
عليه وسلم -
وهو جالس
بين أصحابه ، حيث جاء جبريل بصورة رجل
شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا
يرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه أحد من
أصحاب رسول الله ، فجلس إلى رسول الله -
صلى الله
عليه وسلم -
وأسند ركبتيه
إلى ركبته ، ووضع كفيه على فخذيه ، وسأل
النبي -
صلى الله
عليه وسلم -
عن الإسلام
، و الإيمان ، والإحسان ، والساعة ،
وأماراتها ، فأجابه النبي -
صلى الله
عليه وسلم -
ثم قال بعد
أن ولى :
(( هذا جبريل
أتاكم يعلمكم دينكم ))
وكذلك
الملائكة الذين أرسلهم الله إلى إبراهيم
ولوط على هيئة رجال.
4-
الإيمان
بما علمنا من أعمالهم
التي يقومون
بها ، كتسبيح الله ، وعبادته ليلاً ونهاراً
بدون ملل ولا فتور.
وقد
يكون لبعضهم أعمال خاصة ، كجبريل الأمين
على وحي الله يرسله الله بالوحي إلى
الأنبياء والرسل ، ومثل ميكائيل الموكل
بالقطر أي النبات ، ومثل مالك الموكل
بالنار ، ومثل الملائكة الموكلين بحفظ
بني آدم.
والإيمان
بالملائكة يثمر ثمرات جليلة منها:
1-
العلم بعظمة
الله -
تعالى -
وقوته ،
وسلطانه ؛ فإن عظمة المخلوق من عظمة الخالق
2-
شكر الله
على عنايته ببني آدم حيث وكل بهم من هؤلاء
الملائكة من يقومون بحفظهم ، وكتابة
أعمالهم وغير ذلك من مصالحهم
3-
التقرب إلى
الله بحب الملائكة على ما قاموا به من
مراضي الله.
ثالثا:
الإيمان
بالكتب
فهذا
هو الركن الثالث من أركان الإيمان ،
والمراد بالكتب :
هي الكتب
التي أنزلها الله على رسله ؛ رحمة بالخلق
، وهداية لهم ؛ ليصلوا إلى سعادة الدنيا
والآخرة.
والغاية
التي أنزلت من أجلها الكتب هي أن يُعْبَدَ
اللهُ وحده لا شريك له ، ولتكون منهج حياة
للبشر تقودهم بما فيها من هداية إلى كل
خير ، وتحيي نفوسهم ، وتنير لهم دروب
الحياة.
والإيمان
بالكتب يتضمن ما يلي:
1-
الإيمان
بأنها منزلة من عند الله حقاً.
2-
الإيمان
بما علمنا اسمه كالقرآن
الذي نزل على محمد ، والإنجيل الذي نزل
على عيسى ، والتوراة التي أنزلت على موسى
، والزبور الذي أوتيه داود.
وما
لم نعلمه نؤمن به إجمالا.
3-
تصديق
ما صح من أخبارها ،
والعمل بآخرها وهو القرآن ؛ لأنه آخرها
، ولأنه ناسخ لها.
والكتب
السماوية تتفق في أمور ، فتتفق في وحدة
المصدر ؛ فكلها من عند الله ، وتتفق في
وحدة الغاية ، وفي مسائل الاعتقاد ، وأنها
تدعوا إلى العدل ، والقسط ، ومكارم الأخلاق
، ومحاربة الظلم ، والفساد ، والانحراف
، وتتفق في كثير من التشريعات.
وتختلف
في بعض التشريعات وتفاصيلها ؛ فلكل أمة
شريعة تلائمها وتناسبها.
منزلة
القرآن الكريم من الكتب المتقدمة
القرآن
الكريم هو آخر الكتب السماوية ، وخاتمها
، وأطولها ، وأشملها ، وهو الحاكم عليها
؛ فهو مشتمل على ما اشتملت عليه الكتب
السماوية السابقة ، ويزيد عليها من المطالب
الإلهية ، والأخلاق النفسية.
والقرآن
فيه نبأ السابقين ، واللاحقين ، وفيه
الحكم ، والحكمة ، والأحكام.
والقرآن
هو الحاكم المهيمن على الكتب السابقة ؛
فما شهد له بالصدق فهو المقبول ، وما حكم
عليه بالرد فهو مردود قد دخله التحريف
والتبديل.
والقرآن
جاء في الذروة من الفصاحة والبلاغة
والإعجاز ؛ فهو معجز في لفظه ، ومعناه ،
و في فصاحته ، وإخباره عن الغيوب السابقة
واللاحقة ، وهو معجز في حكمه وأحكامه وفي
كل ما جاء به.
ولهذا
يخضع له كل متمسك بالكتب المتقدمة ؛ لأنها
دلت عليه ، وبشرت به.
فالعمل
-
إذاً -
يكون بالقرآن
، ولا يُقبل من أحد دينٌ إلا ما جاء في هذا
القرآن ؛ فهو رسالة الله الأخيرة للبشرية
، بل هو عام للجن والإنس ؛ بخلاف الكتب
السماوية الأخرى التي كانت خاصة بأقوام
معنيين ، وفترات معينة.
ثم
إن القرآن محفوظ من الزيادة ، والنقص ،
والتحريف ؛ فلقد تكفل الله -
سبحانه -
بحفظه.
قال
تعالى:
{ إنا نحن
نزلنا الذكر وإنا له لحافظون }
والذكر هو
القرآن ، والسنة النبوية.
والقرآن
له أثر عظيم في القلوب ؛ فما يسمعه أحد
وهو ملقٍ سمعه إلا يجد أن له تأثيرا عظيما
في نفسه ولو لم يفهم معانيه أو دلالاته ،
حتى و لو لم يكن يعرف اللغة العربية.
وهذا
سر من أسرار القرآن التي تبين عظمته.
ثم
إن القرآن له أبلغ الأثر في رقي الأمم
وفلاحها ؛ فهو الذي أخرج الله به من أمة
العرب أعلام الحكمة والهدى ، وجعلهم خير
أمة أخرجت للناس ، بعد أن كانوا يتخبطون
في دياجير الجهالة.
ومن
خصائص القرآن أنه لا تنقضي عجائبه ، ولا
يخلق من كثرة الرد ؛ فكلما أكثر الإنسان
من قراءته زادت حلاوته مرة بعد مرة.
ومن
خصائصه أن الله يسر تعلمه وحفظه ؛ ولهذا
فإن كثيراً من أطفال المسلمين يحفظونه
كاملاً عن ظهر قلب.
ومن
خصائصه أنه مشتمل على أعدل الأحكام ،
وأعظمها ، وأشرفها ، وأشملها ؛ فلم يغادر
صغيرة ولا كبيرة إلا وأحاط بها إجمالاً
وتفصيلاً.
ويشهد
بذلك كل منصف عاقل ، حتى ولو لم يكن مسلما.
يقول
السير وليم مور في كتابه المسمى (حياة
محمد)
:((إن القرآن
ممتلئ بأدلة من الكائنات المحسوسة والدلائل
العقلية على وجود الله تعالى، وأنه الملك
القدوس، وأنه سيجزي المرء بعمله إن خيرا
فخير، وإن شرا فشر، وإن اتباع الفضائل،
واجتناب الرذائل فرض على العالمين، وإن
الواجب على كل مكلف أن يعبد الله -تعالى-
وهي علة
سعادته)).
ويقول
جيون:((إن
أوامر القرآن ليست محصورة في الفروض
الدينية والأدبية فقط، إن القرآن عليه
مدار الأمور الأخروية والدنيوية من الفقه،
والتوحيد، والأحكام الحقوقية، والجزائية،
وما به انتظام الكون، وقمع الظالم، وصيانة
الحقوق، وذلك أمر إلهي لا مرية فيه.
وبعبارة
أخرى:
إن القرآن
المجيد هو الدستور العمومي لكل العالم
الإسلامي، وهو دستور الدين الإسلامي،
فهو نظام الكون في المعاش والمعاد، وبه
النجاة الأبدية، وحفظ الصحة البدنية،
والمصالح العمومية والشخصية، وما يترتب
على ذلك من الفضائل الأدبية، والإجراءات
الجزائية الدنيوية والأخروية، وكل ذلك
منظم في القرآن المجيد)).
وبالجملة
فالشهادات في هذا السياق كثيرة جداً ،
ولو استمر الكاتب في سردها لطال به المقام.
السنة النبوية
السنة
النبوية :
هي كل ما ورد
عن النبي -
صلى الله
عليه وسلم -
من قول ، أو
فعل ، أو وصف ، أو تقرير.
والسنة
شقيقة القرآن تفسره ، وتبينه ، وتعبر عنه
، وتدل عليه ، وتفصل مجمله ، وتدل على
أحكام سكت عنها القرآن ، فهي المصدر الثاني
من مصادر التشريع الإسلامي ، وهي من الذكر
الذي تكفل الله بحفظه .
والأحاديث
التي جاءت عن الرسول -
صلى الله
عليه وسلم -
كثيرة جدا
، ولقد اعتنى بها العلماء غاية العناية
؛ حيث ميزوا صحيحها من ضعيفها ، و نقلوها
إلينا بالأسانيد من طريق الرواة الثقاة
العدول.
ثمرات
الإيمان بالكتب:
1-
العلم
بعناية الله ،
حيث أنزل على كل قوم كتابا يهديهم
2-
العلم
بحكمة الله ؛
حيث شرع لكل قوم ما يلائمهم
3-
التحرر
من زبالات أفكار البشر
التي يدخلها
الهوى ويعتريها النقص
رابعا
:
الإيمان
بالرسل
هذا
هو الركن الرابع من أركان الإيمان ، والرسل
:
هم كل من
أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه .
وأول
الرسل نوح ، وآخرهم محمد -
عليهم الصلاة
والسلام -
.
ولم
تَخْلُ أمةٌ من الأمم من رسول ، يبعثه
الله بشريعة مستقلة إلى قومه ، أو نبي
يوحي إليه بشريعة مَنْ قبله ليجددها.
والرسل
بشر مخلوقون ، ليس لهم من خصائص الربوبية
، والألوهية شيء ، ولهذا تلحقهم خصائص
البشرية من المرض والموت ، والحاجة إلى
الطعام والشراب.
والرسالة
اصطفاء من الله ، واختيار ، ولا تأتي
بالاكتساب ، والمجاهدة.
والرسل
خير البشر ، وصفوتهم ، وخلاصتهم.
والإيمان
بالرسل يتضمن:
1-
الإيمان
بأن رسالتهم حق ؛
فمن كفر برسالة واحد منهم فقد كفر بالرسل
جميعاً ، فالذي يكذب بعيسى أو موسى أو
محمد أو غيرهم من الرسل فهو مكذب بجميع
الرسل.
وعلى
هذا فالذين يؤمنون بعيسى ، ويكذبون بمحمد
-
عليهما
السلام -
هم مكذبون
بعيسى غير متبعين له ؛ لأنه بَشَّرَ بمحمد
-
صلى الله
عليه وسلم -
و لا معنى
لبشارته لهم إلا أنه رسول إليهم ينقذهم
الله به من الضلالة ، ويهديهم إلى الصراط
المستقيم.
2-
الإيمان
بما علمنا اسمه منهم باسمه
كإبراهيم ،
وموسى ، وعيسى ، ومحمد ، وما لم نعلمه نؤمن
به إجمالاً ؛ أي نؤمن بأن لله رسلاً قد
بعثهم إلى أممهم ، ولا يلزم أن نعرفهم
بأسمائهم.
3-
تصديق
ما صح من أخبارهم.
4-
العمل
بشريعة خاتمهم الذي
أرسل إلى الناس جميعا وهو محمد -
صلى الله
عليه وسلم -
.
من
ثمرات الإيمان بالرسل:
1-
العلم
برحمة الله ،
وعنايته بعباده ؛ حيث أرسل إليهم الرسل
ليهدوهم إلى صراط الله ، ويبينوا لهم كيف
يعبدون الله ، ويسيرون على طريق مستقيمة
في هذه الحياة ؛ لأن العقل البشري لا يستقل
بمعرفة ذلك.
2-
شكر
الله على هذه النعمة.
3-
محبة
الرسل ، وتعظيمهم والثناء
عليهم بما يليق بهم ؛ لأنهم رسل الله ،
ولأنهم قاموا بعبادة الله ، وتبليغ دعوته
، والنصح لعباده ، ولأنهم خير البشر ،
وصفوتهم ، وأحسنهم أخلاقاً ، وأعظمهم
عبادة.
الإيمان باليوم الآخر
اليوم
الآخر:
هو يوم
القيامة الذي يبعث الناس فيه للحساب
والجزاء ؛ وسمي بذلك لأنه لا يوم بعده ؛
حيث يستقر أهل الجنة في منازلهم ، وأهل
النار في منازلهم.
ومعنى
الإيمان باليوم الآخر:
التصديق
الجازم بإتيانه ، والعمل بموجب ذلك.
والإيمان
باليوم الآخر يتضمن ثلاثة أمور:
1-
الإيمان
بالبعث :
وهو إحياء
الموتى ؛ حيث ينفخ في الصور ، وهو قرن ينفخ
فيه الملك الموكل بذلك ، ويقوم الناس لرب
العالمين حفاة عراة غُرْلاً أي غير
مختونين.
وهذا
البعث مقتضى الحكمة ؛ حيث تقتضي أن يجعل
الله لهذه الخليقة معاداً يجازيهم به على
ما كلفهم به على ألسنة رسله.
2-
الإيمان
بالجزاء والحساب :
فيحاسب العبد
على عمله ، ويجازى عليه ؛ فمن جاء بالحسنة
فله عشر أمثالها ، ومن جاء بالسيئة فلا
يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون .
والجزاء
والحساب مقتضى الحكمة ؛ فإن الله أنزل
الكتب ، وأرسل الرسل ، وفرض على العباد
قبول ما جاء به الرسل ، والعمل بما يجب
العمل به .
فلو
لم يكن هناك حساب ولا جزاء لكان هذا من
العبث الذي ينزه الله عنه.
ثم
إن العباد منهم البر والفاجر ، والمؤمن
والكافر ، فهل يليق بحكمة الله أن يكون
هؤلاء سواء؟
الجواب
، لا ، قال -
تعالى -
: { أفنجعل
المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون }
.
3-
الإيمان
بالجنة والنار:
وأنها المآل
الأبدي للخلق ؛ فالجنة هي دار النعيم التي
أعدها الله للمؤمنين المتقين الذين آمنوا
بما أوجب الله عليهم الإيمان به ، وقاموا
بطاعة الله ورسله ، مخلصين لله ، متبعين
لرسوله .
وفي
الجنة من أنواع النعيم ما لا عين رأت ،
ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .
والناس
في الجنة تتفاوت درجاتهم بحسب أعمالهم
الصالحة .
وأما
النار فهي دار العذاب التي أعدها الله
للكافرين الظالمين الذين كفروا به ، وعصوا
رسله .
وفيها
من أنواع النكال والعذاب ما لا يخطر على
البال .
والنار
دركات ، وأهلها يتفاوتون في العذاب بحسب
أعمالهم السيئة .
ومما
يلتحق بالإيمان باليوم الآخر الإيمان
بأشراط الساعة ، وما في القيامة من الأهوال.
ويلتحق
فيه -
أيضا -
الإيمان بكل
ما يكون بعد الموت من :
أ-
فتنة القبر
:
وهي سؤال
الميت بعد دفنه ؛ حيث تعاد له الروح ؛
فيسأل عن ربه ، ودينه ، ونبيه ؛ فيثبت الله
الذين آمنوا بالقول الثابت ، فيقول المؤمن
:
ربي الله ،
وديني الإسلام ، ونبيي محمد .
ويضل
الله الظالمين ، فيقول الكافر :
هاه ، هاه ،
لا أدري ، ويقول المنافق أو المرتاب :
لا أدري سمعت
الناس يقولون شيئا فقلته.
ب-
عذاب
القبر ونعيمه :
فأما عذاب
القبر فيكون للظالمين من المنافقين ، و
الكافرين حيث يأتيهم من حر جهنم وعذابها
ما يسوؤهم ، ويضيق عليهم قبورهم.
وأما
نعيم القبر فللمؤمنين الصادقين ، حيث
يفتح لهم باب من أبواب الجنة ، وتوسع عليهم
قبورهم ، ويأتيهم من نعيم الجنة ما تقر
به عيونهم.
ثمرات
الإيمان باليوم الآخر
1-
الرغبة في
فعل الطاعات ، والحرص عليها ؛ رجاء لثواب
ذلك اليوم.
2-
الرهبة من
فعل المعاصي ، والحذر من الرضى بها ؛ خوفا
من عقاب ذلك اليوم.
3-
تسلية المؤمن
عما يفوته في الدنيا بما يرجوه من نعيم
الآخرة وثوابها .
4-
الصبر على
الأذى ، والمصائبِ ، واحتسابُ الأجر.
إنكار
البعث بعد الموت والرد على هذا الزعم
أنكر
الكافرون البعث بعد الموت زاعمين أن ذلك
غير ممكن.
وهذا
الزعم باطل من وجوه عديدة منها :
أ-
الشرع :
قال الله
-تعالى
-
: { زعم الذين
كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن
ثم لتنبئن بما عملتم وذلك على الله يسير
}
ب-
أن الله هو
الذي بدأ الخلق ، والذي بدأه لا يعجزه
إعادته .
جـ-
الحس :
فقد أرى الله
عباده إحياء الموتى في هذه الدنيا ، ومن
ذلك أن قوم موسى -
عليه السلام
-
حين قالوا
:
{لن نؤمن حتى
نرى الله جهرة }
أماتهم الله
، ثم أحياهم.
وفي
قصة القتيل الذي اختصم فيه بنوا إسرائيل
زمن موسى -
عليه السلام
-
فأمرهم الله
أن يذبحوا بقرة ، ويضربوه ببعضها ؛ ليخبرهم
بمن قتله ، ففعلوا ذلك فأحياه الله ، وأخبر
بمن قتله ، ثم مات ، وكذلك قصة الذين خرجوا
من ديارهم وهو ألوف حذر الموت فقال لهم
الله موتوا ثم أحياهم.
وكذلك
ما أعطاه الله عيسى -
عليه السلام
-
من القدرة
على إحياء الموتى بإذن الله.
والأدلة
على ذلك كثيرة جدا.
إنكار عذاب القبر ونعيمه والرد على هذا الزعم
ينكر
بعض الناس عذاب القبر ونعيمه ؛ بحجة أنه
لو كشف عن الميت في قبره لوجد كما كان ،
والقبر لم يتغير بسعة ، ولا ضيق.
وهذا
الزعم باطل من وجوه عديدة منها :
أ-
الشرع ؛
فأدلة الكتاب والسنة بينت وقوع عذاب القبر
ونعيمه ، ولا تجوز معارضة هذه الأدلة
بالرد والتكذيب .
ب-
الحس :
ومن الأدلة
الحسية التي تقرب المعنى ، وتدل على عذاب
القبر أن النوم أخو الموت ، والنائم يرى
في منامه أنه بمكان فسيح ينعم به ، أو يرى
أنه في مكان موحش يتألم منه .
وربما
يستيقظ أحيانا مما رأى ، وهو مع ذلك على
فراشه وفي حجرته على ما هو عليه .
ثم
إن أحوال البرزخ في القبر لا يدركها الحس
، ولو كانت تدرك بالحس لفاتت فائدة الإيمان
بالغيب ، ولتساوى المؤمن بالغيب ، والجاحد
في التصديق به .
ثم
إن نعيم القبر وعذابه إنما يدركه الميت
دون غيره ، كما يرى النائم أنه في مكان
موحش أو في مكان فسيح ، وهو بالنسبة لغيره
لم تتغير حاله ، فهو يراه في منامه وبين
فراشه وغطائه.
ثم
إن إدراك الخلق محدود بما مكنهم الله من
إدراكه ، ولا يمكن أن يدركوا كل شيء ؛ فكما
أن أبصارهم وأسماعهم لها حد تقف عنده
فكذلك عقولهم ومداركهم لها حد تقف عنده.
ومما
ينبغي أن يعلم في هذه المسألة أن عذاب
القبر ونعيمه لا يختص بمن مات ووضع في
القبر ، بل يشمل كل من مات ، سواء وضع في
قبره ، أو كان في ثلاجة الموتى ، أو كان
في بطن سبع ، أو كان في صحراء لم يدفن فيها.
وإنما
قيل عذاب القبر ؛ لأن العادة جرت بدفن
الموتى.
سادسا : الإيمان بالقدر
القدر:
هو تقدير
الله للكائنات حسب ما سبق به علمه ، واقتضته
حكمته.
وهو
علم الله بالأشياء ، وكتابته ومشيئته
وخلقه لها.
و
معنى الإيمان بالقدر أن يؤمن الإنسان بأن
الله يعلم ما يكون وما كان ، وما سيكون ،
وأن ما شاء الله كان ، وما لم يشأه لا يكون
، وأن الله كتب مقادير الخلائق فلا يقع
شيء إلا بعلمه ، وكتابته ، ومشيئته وخلقه.
ويؤمن
بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه
لم يكن ليصيبه.
ويؤمن
-
مع ذلك -
بأن الله قد
أمر بطاعته ، ونهى عن معصيته ، فيفعل
الطاعة ؛ رجاء ثواب الله ، ويترك المعصية
؛ خوفا من عقلبه ؛ فإذا أحسن حمد الله ،
وإذا أساء استغفر الله.
ومن
تمام الإيمان بالقدر أن يأخذ الإنسان
بالأسباب ، ويسعى في مصالحه الدنيوية ،
ويسلك الطرق الصحيحة الموصلة إليها ،
فيضرب في الأرض ، ويسعى لطلب الرزق ؛ فإن
أتت الأمور على ما يريد حمد الله ، وإن
أتت على خلاف ما يريد تعزى بقدر الله.
والإيمان
بالقدر على هذا النحو ، يثمر سكون القلب
، وطمأنينة النفس ، وراحة البال ، وترك
التحسر على ما فات ، ويورث في الإنسان
الشجاعة ، والإقدام ، وطرد اليأس ، وقوة
الاحتمال.
ولهذا
يجد المؤمنون بالقضاء والقدر راحة ،
وطمأنينة لا يجدها غيرهم ممن لا يؤمنون
بقضاء الله وقدره.
ولهذا
يشيع الانتحار في البلاد الكافرة التي
لا يؤمن أهلها بالله وقدره ؛ فتراهم لا
يحتملون أدنى مصيبة تنزل بهم.
أما
المؤمنون بالقدر فلا تكاد توجد عندهم
أدنى نسبة للانتحار ؛ بسبب أنهم يؤمنون
بأن ما أصابهم إنما هو بقضاء الله وقدره
، ويؤمنون بأن الله لا يقدر لعبده المؤمن
إلا الخير ، حتى وإن كان القضاء مراً فإن
عاقبته حميدة للمؤمن إن رضي بقدر الله.
العبادة في الإسلام
تعريفها:
العبادة
في الإسلام هي التقرب إلى الله -
عز وجل -
بفعل ما أمر
به ، واجتناب ما نهى عنه.
وهي
شاملة لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال
والأعمال الظاهرة والباطنة.
وروح
العبادة ، ولبها ، وحقيقتها تحقيق الحب
والخضوع لله -
تعالى-
.
شرطا
العبادة:
لا
تقبل العبادة إلا إذا اجتمع فيها شرطان:
1-
الإخلاص
لله.
2-
المتابعة
لرسوله -
صلى الله
عليه وسلم -
ومعنى
ذلك أنه لا بد من العبادة خالصة لله ، وأن
تكون موافقة لما جاء به الرسول -صلى
الله عليه وسلم -.
فلا
يعبد إلا الله ، ولا يعبد إلا بما شرع.
فالصلاة
على سبيل المثال عبادة لا تصرف إلا لله ،
أي لا يصلى إلا لله ، وبهذا يتحقق الإخلاص.
ولا
يصلى إلا كما جاء عن رسول الله -
صلى الله
عليه وسلم -
من كيفية
الصلاة ، وبهذا تتحقق الموافقة والمتابعة
للرسول -
صلى الله
عليه وسلم.
ولسائل
أن يسأل :
ما الحكمة
من اشتراط هذين الشرطين لصحة العبادة؟
والجواب
عن ذلك من عدة وجوه:
1-
أن الله أمر
بإخلاص العبادة له وحده ؛ فعبادة غيره
معه شرك به -
تعالى -
.
قال
تعالى :
{ وادعوه
مخلصين له الدين }
2-
أن الله -
تعالى -
اختص نفسه
بالتشريع ؛ فهو حقه وحده ، ومن تعبد بغير
ما شرع الله فقد شارك الله في تشريعه.
3-
أن الله أكمل
لنا الدين ، فالذي يخترع عبادة من عنده
يكون مستدركاً على الدين ، متهماً له
بالنقص.
4-
أنه لو جاز
للناس أن يتعبدوا بما شاءوا كيفما شاءوا
-
لأصبح لكل
إنسان طريقته الخاصة بالعبادة ، ولأصبحت
حياة الناس جحيماً لا يطاق ؛ إذ يسود
التناحر والتنافر ؛ لاختلاف الأذواق ،
والدين إنما يأمر بالاتفاق والائتلاف.
أنواع العبادة
أنواع
العبادة كثيرة كالصلاة ، والزكاة ، والصيام
، والحج ، وبر الوالدين ، وصلة الأرحام ،
وصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، والوفاء
بالعهود ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن
المنكر ، وإماطة الأذى عن الطريق ، والإحسان
إلى الأيتام ، والمساكين وابن السبيل
والحيوان ، وغير ذلك.
ومن
أنواع العبادة :
الذكر ،
والدعاء ، والاستعاذة بالله ، والاستعانة
به ، والتوكل عليه ، والتوبة ، والاستغفار
.
ومنها
:
الصبر ،
والشكر ، والرضا ، والخوف ، والمحبة ،
والرجاء ، والحياء.
فضائل العبادة
العبادة
في الإسلام هي الغاية المحبوبة لله ،
والمرضية له ، التي خلق لأجلها الخلق ،
وأرسل الرسل ، وأنزل الكتب ، وهي التي مدح
القائمين بها ، وذم المستكبرين عنها.
والعبادة
في الإسلام لم تشرع للتضييق على الناس ،
ولا لإيقاعهم في الحرج.
وإنما
شرعت لحكم عظيمة ، ومصالح كثيرة ، لا يحاط
بعدها و حصرها.
فمن
فضائل العبادة أنها تزكي النفوس ، وتطهرها
، وتسمو بها إلى أعلى درجات الكمال
الإنساني.
ومن
فضائلها أن الإنسان محتاج إليها أعظم
الحاجة ، بل هو مضطر لها أشد الضرورة ؛
فالإنسان بطبعه ضعيف ، فقير إلى الله ،
وكما أن جسده بحاجة إلى الطعام والشراب
-
فكذا قلبه
وروحه بحاجة إلى العبادة والتوجه إلى
الله ، بل إن حاجة قلبه وروحه إلى العبادة
أعظم بكثير من حاجة جسده إلى الطعام
والشراب ؛ فإن حقيقة العبد قلبه وروحه ،
ولا صلاح لهما إلا بالتوجه إلى الله
بالعبادة ؛ فلا تطمئن النفوس في الدنيا
إلا بذكر الله وعبادته ، ولو حصل للعبد
لذات أو سرور بغير الله فلا يدوم ، وقد
يكون ذلك الذي يتلذذ به لا لذة فيه ولا
سرور أصلاً.
أما
السرور بالله والأنس به -
عز وجل -
فهو سرور لا
ينقطع ولا يزول ؛ فهو الكمال ، والجمال ،
والسرور الحقيقي ؛ فمن أراد السعادة
الأبدية فليلزم عتبة العبودية لله وحده.
ولهذا
فإن أهل العبادة الحقة هم أسعد الناس ،
وأشرحهم صدراً.
ولا
يوجد ما يسكن إليه العبد ويطمئن به ،
ويتنعم بالتوجه إليه حقاً إلا الله.
ومن
فضائل العبادة :
أنها تسهل
على العبد فعل الخيرات ، وترك المنكرات
، وتسليه عند المصائب ، وتخفف عليه المكاره
، وتهون الآلام ، فيتلقاها بصدر منشرح ،
ونفس مطمئنة.
ومن
فضائلها أن العبد يتحرر بعبوديته لربه
من رق المخلوقين ، والتعلق بهم ، وخوفهم
، ورجائهم ؛ وبهذا يكون عزيز الجانب ،
مرفوع الرأس ، عالي القدر.
مكانة المرأة في الإسلام
لقد
رفع الإسلام مكانة المرأة ، وأكرمها بما
لم يكرمها به دين سواه ؛ فالنساء في الإسلام
شقائق الرجال ، وخير الناس خيرهم لأهله
؛ فالمسلمة في طفولتها لها حق الرضاع ،
والرعاية ، وإحسان التربية ، وهي في ذلك
الوقت قرة العين ، وثمرة الفؤاد لوالديها
وإخوانها.
وإذا
كبرت فهي المعززة المكرمة ، التي يغار
عليه وليها ، ويحوطها برعايته ، فلا يرضى
أن تمتد إليها أيد بسوء ، ولا ألسنة بأذى
، ولا أعين بخيانة.
وإذا
تزوجت كان ذلك بكلمة الله ، وميثاقه الغليظ
؛ فتكون في بيت الزوج بأعز جوار ، وأمنع
ذمار ، وواجب على زوجها إكرامها ، والإحسان
إليها ، وكف الأذى عنها.
وإذا
كانت أماً كان برها مقروناً بحق الله -
تعالى -
وعقوقها
والإساءة إليها مقروناً بالشرك بالله ،
والفساد في الأرض.
وإذا
كانت أختاً فهي التي أُمر المسلم بصلتها
، وإكرامها ، والغيرة عليها.
وإذا
كانت خالة كانت بمنزلة الأم في البر
والصلة.
وإذا
كانت جدة ، أو كبيرة في السن زادت قيمتها
لدى أولادها ، وأحفادها ، وجميع أقاربها
؛ فلا يكاد يرد لها طلب ، ولا يسفه لها
رأي.
وإذا
كانت بعيدة عن الإنسان لا يدنيها قرابة
أو جوار كان لها حق الإسلام العام من كف
الأذى ، وغض البصر ونحو ذلك.
وما
زالت مجتمعات المسلمين ترعى هذه الحقوق
حق الرعاية ، مما جعل للمرأة قيمة واعتباراً
لا يوجد لها عند المجتمعات غير المسلمة.
ثم
إن للمرأة في الإسلام حق التملك ، والإجارة
، والبيع ، والشراء ، وسائر العقود.
ولها
حق التعلم ، والتعليم ، بما لا يخالف دينها
، بل إن من العلم ما هو فرض عين يأثم تاركه
ذكراً كان أم أنثى.
بل
إن لها ما للرجال إلا بما تختص به من دون
الرجال ، أو بما يختصون به دونها من الحقوق
والأحكام التي تلائم كلا منهما على نحو
ما هو مفصل في مواضعه.
ومن
إكرام الإسلام للمرأة أن أمرها بما يصونها
، ويحفظ كرامتها ، ويحميها من الألسنة
البذيئة ، والأعين الغادرة ، والأيدي
الباطشة ؛ فأمرها بالحجاب والستر ، والبعد
عن التبرج ، وعن الاختلاط بالرجال الأجانب
، وعن كل ما يؤدي إلى فتنتها.
ومن
إكرام الإسلام لها أن أمر الزوج بالإنفاق
عليها ، وإحسان معاشرتها ، والحذر من
ظلمها ، والإساءة إليها.
بل
ومن المحاسن -
أيضا -
أن أباح
للزوجين أن يفترقا إذا لم يكن بينهما وفاق
، ولم يستطيعا أن يعيشا عيشة سعيدة ؛ فأباح
للزوج طلاقها بعد أن تخفق جميع محاولا ت
الإصلاح ، وحين تصبح حياتهما جحيماً لا
يطاق.
وأباح
للزوجة أن تفارق الزوج إذا كان ظالما لها
، سيئا في معاشرتها ، فلها أن تفارقه على
عوض تتفق مع الزوج فيه ، فتدفع له شيئاً
من المال ، أو تصطلح معه على شيء معين ثم
تفارقه.
ومن
إكرام الإسلام للزوجة أن أباح للرجل أن
يعدد ، فيتزوج بأكثر من واحدة ، فأباح له
أن يتزوج اثنتين ، أو ثلاثاً ، أو أربعاً
، ولا يزيد عن أربع.
بشرط
أن يعدل بينهن في النفقة ، والكسوة ،
والمبيت.
وإن
اقتصر الزوج على واحدة فله ذلك.
هذا
وإن في التعدد حكما عظيمة ، ومصالح كثيرة
لا يدركها الذين يطعنون في الإسلام ،
ويجهلون الحكمة من تشريعاته ، ومما يبرهن
على الحكمة من مشروعية التعدد ما يلي:
1-
أن
الإسلام حرم الزنا :
وشدد في تحريمه
؛ لما فيه من المفاسد العظيمة التي تفوق
الحصر والعد ، والتي منها اختلاط الأنساب
، وقتل الحياء ، والذهاب بالشرف وكرامة
الفتاة ؛ إذ الزنا يكسوها عاراً لا يقف
حده عندها ، بل يتعداه إلى أهلها وأقاربها
.
ومن
أضرار الزنا أن فيه جناية على الجنين الذي
يأتي من الزنا ؛ حيث يعيش مقطوع النسب ،
محتقراً ذليلاً.
ومن
أضراره ما ينتج عنه من أمراض نفسية وجسدية
يصعب علاجها ، بل ربما أودت بحياة الزاني
كالسيلان ، والزهري ، والهربس ، والإيدز
، و غيرها.
والإسلام
حين حرم الزنا وشدد في تحريمه فتح باباً
مشروعاً يجد فيه الإنسان الراحة ، والسكن
، والرحمة ، والطمأنينة ألا وهو الزواج
، حيث شرع الزواج ، وأباح التعدد فيه -
كما مضى -
.
ولا
ريب أن منع التعدد ظلم للرجل وللمرأة ؛
فمنعه قد يدفع إلى الزنا ؛ لأن عدد النساء
يفوق عدد الرجال في كل زمان ومكان ، ويتجلى
ذلك في أيام الحروب ؛ فقصر الزواج على
واحدة يؤدي إلى بقاء عدد كبير من النساء
دون زواج ، وذلك يسبب لهن الحرج ، والضيق
، والتشتت ، و ربما أدى بهن إلى بيع العرض
، وانتشار الزنا ، وضياع النسل .
2-
أن
الزواج ليس متعة جسدية فحسب :
بل فيه الراحة
، والسكن ، وفيه -
أيضاً -
نعمة الولد
، والولد في الإسلام ليس كغيره في النظم
الأرضية ؛ إذ لوالديه أعظم الحق عليه ؛
فإذا رزقت المرأة أولاداً ، وقامت على
تربيتهم كانوا قرة عين لها ؛ فأيهما أحسن
للمرأة :
أن تنعم في
ظل رجل يحميها ، ويحوطها ، ويرعاها ؟ أو
أن تعيش وحيدة طريدة ترتمي هنا وهناك ؟
3-
أن
نظرة الإسلام عادلة متوازنة
:
فالإسلام
ينظر إلى النساء جميعهن بعدل ، والنظرة
العادلة تقول :
بأنه لا بد
من النظر إلى جميع النساء بعين العدل.
إذا
كان الأمر كذلك ؛ فما ذنب العوانس اللآتي
لا أزواج لهن؟ ولماذا لا ينظر بعين العطف
والشفقة إلى من مات زوجها وهي في مقتبل
عمرها ؟ ولماذا لا ينظر إلى النساء الكثيرات
اللواتي قعدن بدون زواج ؟
أيهما
أفضل للمرأة :
أن تنعم في
ظل زوج معه زوجة أخرى ، فتطمئن نفسها ،
ويهدأ بالها ، وتجد من يرعاها ، وترزق
بسببه الأولاد ، أو أن تقعد بلا زواج البتة
؟
وأيهما
أفضل للمجتمعات أن يعدد بعض الرجال فيسلم
المجتمع من تبعات العنوسة ؟ أو أن لا يعدد
أحد ، فتصطلي المجتمعات بنيران الفساد ؟
وأيهما
أفضل أن يكون للرجل زوجتان أو ثلاث أو
أربع أو أن يكون له زوجة واحدة وعشر عشيقات
، أو أكثر ، أو أقل ؟
4-
أن
التعدد ليس واجبا :
فكثير من
الأزواج المسلمين لا يعددون ؛ فطالما أن
المرأة تكفيه -
وأنه غير
قادر على العدل فلا حاجة له في التعدد.
5-
أن
طبيعة المرأة تختلف عن طبيعة الرجل
:
وذلك من حيث
استعدادها للمعاشرة ؛ فهي غير مستعدة
للمعاشرة في كل وقت ، ففي الدورة الشهرية
مانع قد يصل إلى عشرة أيام ، أو أسبوعين
كل شهر .
وفي
النفاس مانع -
أيضاً -
والغالب فيه
أنه أربعون يوماً.
والمعاشرة
في هاتين الفترتين محظورة شرعاً ؛ لما
فيهما من الأضرار التي لا تخفى.
وفي
حال الحمل قد يضعف استعداد المرأة في
معاشرة الزوج ، وهكذا.
أما
الرجل فاستعداده واحد طيلة الشهر ، والعام
؛ فبعض الرجال إذا منع من التعدد قد يؤول
به الأمر إلى الزنا.
6-
قد
تكون الزوجة عقيما لا تلد
:
فيحرم الزوج
من نعمة الولد ، فبدلاً من تطليقها يبقي
عليها ، ويتزوج بأخرى ولود.
وقد
يقال :
وإذا كان
الزوج عقيماً والزوجة ولوداً ؛ فهل للمرأة
الحق في الفراق؟
والجواب
:
نعم فلها
ذلك إن أرادت.
7-
قد
تمرض الزوجة مرضا مزمناً
:
كالشلل وغيره
، فلا تستطيع القيام على خدمة الزوج ؛
فبدلا من تطليقها يبقي عليها ، ويتزوج
بأخرى.
8-
قد
يكون سلوك الزوجة سيئاً
:
فقد تكون
شرسة ، سيئة الخلق لا ترعى حق زوجها ؛
فبدلا من تطليقها يبقي الزوج عليها ،
ويتزوج بأخرى ؛ وفاء للزوجة ، وحفظاً لحق
أهلها ، وحرصاً على مصلحة الأولاد من
الضياع إن كان له أولاد منها.
9-
أن
قدرة الرجل على الإنجاب أوسع بكثير من
قدرة المرأة :
فالرجل
يستطيع الإنجاب إلى ما بعد الستين ، بل
ربما تعدى المائة وهو في نشاطه وقدرته
على الإنجاب.
أما
المرأة فالغالب أنها تقف عن الإنجاب في
حدود الأربعين ، أو تزيد عليها قليلا.
فمنع
التعدد حرمان للأمة من النسل.
10-
أن
في الزواج من ثانية راحة للأولى
:
فالزوجة
الأولى ترتاح قليلا من أعباء الزوج ؛ إذ
يوجد من يعينها ويأخذ عنها نصيباً من
أعباء الزوج.
ولهذا
فإن بعض العاقلات إذا كبرت في السن وعجزت
عن القيام بحق الزوج أشارت عليه بالتعدد.
11-
التماس
الأجر :
فقد يتزوج
الإنسان بامرأة مسكينة لا عائل لها ، ولا
راعٍ ، فيتزوجها بِنِيَّة إعفافها ،
ورعايتها ، فينال الأجر من الله بذلك.
12-
أن
الذي أباح التعدد هو الله -
عز
وجل - :
فهو أعلم
بمصالح عباده ، وأرحم بهم من أنفسهم.
وهكذا
يتبين لنا حكمة الإسلام ، وشمول نظرته في
إباحة التعدد ، ويتبين لنا جهل من يطعنون
في تشريعاته.
ومن
إكرام الإسلام للمرأة أن جعل لها نصيباً
من الميراث ؛ فللأم نصيب معين ، و للزوجة
نصيب معين ، وللبنت وللأخت ونحوها ما هو
مفصل في موضعه.
ومن
تمام العدل أن جعل الإسلام للمرأة من
الميراث نصف ما للرجل ، وقد يظن بعض الجهلة
أن هذا من الظلم ؛ فيقولون :
كيف يكون
للرجل مثل حظ الأنثيين من الميراث ؟ ولماذا
يكون نصيب المرأة نصف نصيب الرجل ؟
والجواب
أن يقال :
إن الذي شرع
هذا هو الله الحكيم العليم بمصالح عباده.
ثم
أي ظلم في هذا ؟ إن نظام الإسلام نظام
متكامل مترابط ؛ فليس من العدل أن يؤخذ
نظام ، أو تشريع ، ثم ينظر إليه من زاوية
واحدة دون ربطه بغيره.
بل
ينظر إليه من جميع جوانبه ؛ فتتضح الصورة
، ويستقيم الحكم.
ومما
يتبين به عدل الإسلام في هذه المسألة -
أن الإسلام
جعل نفقة الزوجة واجبة على الزوج ، وجعل
مهر الزوجة واجب على الزوج -
أيضاً -
.
ولنفرض
أن رجلاً مات ، وخلف ابناً ، و بنتاً ،
وكان للابن ضعف نصيب أخته ، ثم أخذ كل
منهما نصيبه ، ثم تزوج كل منهما ؛ فالإبن
إذا تزوج فإنه مطالب بالمهر ، والسكن ،
والنفقة على زوجته وأولاده طيلة حياته.
أما
أخته فسوف تأخذ المهر من زوجها ، وليست
مطالبة بشيء من نصيبها لتصرفه على زوجها
، أو نفقة بيتها أو على أولادها ؛ فيجتمع
لها ما ورثته من أبيها ، مع مهرها من زوجها
، مع أنها لا تطالب بالنفقة على نفسها
وأولادها.
أليس
إعطاء الرجل ضعف ما للمرأة هو العدل بعينه
إذاً ؟
هذه
هي منزلة المرأة في الإسلام ؛ فأين الأنظمة
العادلة في الإسلام من نظم كثير من بقاع
الأرض؟ حيث يتبرأ الأب من ابنته حين تبلغ
سن الثامنة عشرة أو أقل ؛ لتخرج هائمة على
وجهها تبحث عن مأوى يسترها ، ولقمة تسد
جوعتها ، وربما كان ذلك على حساب الشرف ،
ونبيل الأخلاق.
وأين
إكرام الإسلام للمرأة ، وجعلها إنساناً
مكرماً من الأنظمة التي تعدها مصدر الخطيئة
، وتسلبها حقها في الملكية و المسؤولية
، وتجعلها تعيش في إذلال واحتقار ، وتعدها
مخلوقاً نجساً ؟ وأين إكرام الإسلام
للمرأة ممن يجعلون المرأة سلعة يتاجرون
بجسدها في الدعايات والإعلانات؟
وأين
إكرام الإسلام لها من الأنظمة التي تعد
الزواج صفقة مبايعةٍ تنتقل فيه الزوجة ؛
لتكون إحدى ممتلكات الزوج؟ حتى إن بعض
مجامعهم انعقدت ؛ لتنظر في حقيقة المرأة
، وروحها هل هي من البشر أو لا ؟!
وهكذا
نرى أن المرأة المسلمة تسعد في دنياها مع
أسرتها وفي كنف والديها ، ورعاية زوجها
، وبر أبنائها سواء في حال طفولتها ، أو
شبابها ، أو هرمها ، وفي حال فقرها أو
غناها ، أو صحتها أو مرضها.
وإن
كان هناك من تقصير في حق المرأة في بعض
بلاد المسلمين أو من بعض المنتسبين إلى
الإسلام -
فإنما هو
بسبب القصور والجهل ، والبعد عن تطبيق
شرائع الدين ، والوزر في ذلك على من أخطأ
-
والدين براء
من تبعة تلك النقائص.
وعلاج
ذلك الخطأ إنما يكون بالرجوع إلى هداية
الإسلام وتعاليمه ؛ لعلاج الخطأ.
هذه
هي منزلة المرأة في الإسلام على سبيل
الإجمال :
عفة ، وصيانة
، ومودة ورحمة ، ورعاية ، وتذمم إلى غير
ذلك من المعاني الجميلة السامية.
أما
الحضارة المعاصرة فلا تكاد تعرف شيئاً
من تلك المعاني ، وإنما تنظر للمرأة نظرة
مادية بحتة ، فترى أن حجابها وعفتها تخلف
ورجعية ، وأنها لا بد أن تكون دمية يعبث
بها كل ساقط ؛ فذلك سر السعادة عندهم.
وما
علموا أن تبرج المرأة وتهتكها هو سبب
شقائها وعذابها.
وإلا
فما علاقة التطور والتعليم بالتبرج وإظهار
المفاتن ، وإبداء الزينة ، وكشف الصدور
، والأفخاذ وهو أشد ؟!
وهل
من وسائل التعليم والثقافة ارتداء الملابس
الضيقة والشفافة والقصيرة ؟!
ثم
أي كرامة حين توضع صور الحسناوات في
الإعلانات والدعايات ؟
ولماذا
لا تروج عندهم إلا الحسناء الجميلة ،
فإذا استنفذت السنوات جمالها وزينتها
أهملت ورميت كأي آلة انتهت صلاحيتها ؟
وما
نصيب قليلة الجمال من هذه الحضارة ؟ وما
نصيب الأم المسنة ، والجدة ، والعجوز ؟
إن
نصيبها في أحسن الأحوال يكون في الملاجىء
، ودور العجزة والمسنين ؛ حيث لا تزار ولا
يسأل عنها.
وقد
يكون لها نصيب من راتب تقاعد ، أو نحوه ،
فتأكل منه حتى تموت ؛ فلا رحم هناك ، ولا
صلة ، ولا ولي حميم.
أما
المرأة في الإسلام فكلما تقدم السن بها
زاد احترامها ، وعظم حقها ، وتنافس أولادها
وأقاربها على برها -
كما سبق -
لأنها أدت
ما عليها ، وبقي الذي لها عند أبنائها ،
وأحفادها، وأهلها ، ومجتمعها.
أما
الزعم بأن العفاف والستر تخلف ورجعية -
فزعم باطل
، بل إن التبرج والسفور هو الشقاء والعذاب
، والتخلف بعينه ، وإذا أردت الدليل على
أن التبرج هو التخلف فانظر إلى انحطاط
خصائص الجنس البشري في الهمج العراة الذين
يعيشون في المتاهات والأدغال على حال
تقرب من البهيمية ؛ فإنهم لا يأخذون طريقهم
في مدارج الحضارة إلا بعد أن يكتسوا.
ويستطيع
المراقب لحالهم في تطورهم أن يلاحظ أنهم
كلما تقدموا في الحضارة زاد نسبة المساحة
الكاسية من أجسادهم ، كما يلاحظ أن الحضارة
الغربية في انتكاسها تعود في هذا الطريق
القهقرى درجة درجة حتى تنتهي إلى العري
الكامل في مدن العراة التي أخذت في الانتشار
بعد الحرب العالمية الأولى ، ثم استفحل
داؤها في السنوات الأخيرة.
وهكذا
تبين لنا عظم منزلة المرأة في الإسلام ،
ومدى ضياعها وتشردها إذا هي ابتعدت عن
الإسلام.
تساؤل
وبعد
أن تبين لك أيها القارىء الكريم من خلال
الصفحات الماضية عظمة دين الإسلام ،
وشموله ، وعدله ، ومدى حاجة البشرية إليه
-
قد يخطر
ببالك تساؤل فتقول:
إذا
كان الإسلام بهذه العظمة والشمول ، والعدل
-
فلماذا لا
نرى أهله في مقدمة الأمم في هذا العصر ؟
ولماذا نرى كثيراً منهم بعيدا عن الاتصاف
بما يأمر به الدين ؟ وما مدى صحة ما يقال
بأن الإسلام دين تطرف ، وإرهاب؟
والجواب
عن ذلك يسير بحمد الله ، وذلك من عدة وجوه:
1-
أن
حال المسلمين في عصورهم المتأخرة لا تمثل
حقيقة الإسلام :
فمن الظلم
وقصور النظر أن تُجْعَلَ حال المسلمين
في هذه العصور المتأخرة -
هي الصورة
التي تمثل الإسلام ، فيُظن أن الإسلام لم
يرفع عنهم الذلة ، ولا التفرق ، ولا الفقر.
فعلى
من يريد الحقيقة بعدل وإنصاف أن ينظر إلى
دين الإسلام من خلال مصادره الصحيحة من
كتاب الله ، وسنة رسوله -
صلى الله
عليه وسلم -
وما كان عليه
سلف الأمة الصالح ، وأن ينظر إلى الإسلام
من خلال الكتب التي تتحدث عنه بعدل وعلم
، فسيتبين له أن الإسلام يدعو إلى كل صلاح
ديني ودنيوي ، وأنه يحث على الاستعداد
لتعلم العلوم النافعة ، وأنه يدعو إلى
تقوية العزائم ، وجمع الكلمة.
ثم
إن انحرافات بعض المنتسبين إلى الإسلام
-
قلت أو كثرت
-
لا يجوز بحال
من الأحوال أن تحسب على الدين أو أن يعاب
بها ، بل هو براء منها ، وتبعة الانحراف
تعود على المنحرفين أنفسهم ؛ لأن الإسلام
لم يأمرهم بذلك ؛ بل نهاهم وزجرهم عن
الانحراف عما جاء به.
ثم
إن العدل يقتضي بأن يُنظر في حال القائمين
بالدين حق القيام ، والمنفذين لأوامره
وأحكامه في أنفسهم وفي غيرهم؛ فإن ذلك
يملأ القلوب إجلالا ووقارا لهذا الدين
وأهله ؛ فالإسلام لم يغادر صغيرة ولا
كبيرة من الإرشاد والتهذيب إلا حث عليها
، ولا رذيلة أو مفسدة إلا صد عن سبيلها ،
وبذلك كان المعظمون لشأنه ، المقيمون
لشعائره في أعلى طبقة من أدب النفس ،
وتربيتها على محاسن الشيم ، ومكارم الأخلاق
، يشهد لهم بذلك القريب والبعيد ، والموافق
، والمخالف.
أما
مجرد النظر إلى حال المسلمين المفرطين
في دينهم ، الناكبين عن صراطه المستقيم
-
فليس من
العدل في شيء ، بل هو الظلم بعينه.