إن الحرب إذن بين وسائل الإعلام
المتنوعة والوسائل المعرفية المعتمدة على المكتوب والمقروء تعني في نهاية الأمر
حرب بين وسائل أداتها في الإغراء المحسوس بشكله وحركته وصوته، وبين وسائل اداتها
التفكير الشكلي والدقة في التصور والتأمل العقلي.
إن
الخطورة في هذه المسألة بالنسبة للتلميذ تكمن- كما يلاحظ ذلك"وايلن Ouillon" و"ورجليا Origlia"- أن لغة الوسائل السمعية البصرية، هي أنسب اللغات **
لسيكولوجيا المراهق، وذلك بالنظر إلى سيطرة الجانب العاطفي والوجداني على سلوكه
وتصرفاته، فالجانب الوجداني لشخصية المراهق تجعله في هذه المرحلة منفتحا على
الرموز وعلى كل ما يثير الخيال، وهو فضلا
عن ذلك، منغمس بكليته في الحاضر الآني، ويجد ** بواسطة الصورة على اتصال تام
بالعالم. وهذه اللغة المحسوسة تسمح له بتعبير أفضل ** بلغة الشفرات الرمزية التي
تكونها الحروف التي لا تتلاءم مع حساسيته الظرفية قبل أن ** ويتقدم في مرحلة
المراهقة ويكتسب أسلوب التفكير الشكلي او الإفتراضي، الإستنباطي، يسميه
"بياجيه".
بيد
أن اعتماد التلميذ على هذه اللغة التواصلية الحسية قد تعرقل لديه نمو القدرة
العقلية التي ينبغي أن تصل إلى اكتمال نضج أجهزتها وأدواتها خلال هذه الفترة من
العمر. إن التطرق في الإعتماد على لغة الملموس والمحسوس قد يقتل لديه الرغبة في
التعلم ** الدائم إلى الإعتماد في اكتساب
الخبرات على كل ما جاهز. وهذا بالضبط ما يهدد ** المدرسي، وهو جوهر المشكل الذي
نعرضه، ذلك أن اللغة العقلية التي تعتبر اداة التواصل المدرسي لم تعد أمام زخم
وسائل الإعلام المرئية والمسموعة- تثير لديه أي رغبة في علوم الماضي والإطلاع على
الإرث الحضاري للإنسانية، وهي لإحدى المهام الرئيسية التي ** بها المدرسة.
هذا
فضلا عن أن المعارف المدرسية، بشكلها المنفر، ما تزال هي التي تمنح الشهادة
والألقاب العلمية، لذلك فالتلاميذ اليوم يوجدون في موقف لا يحسدون عليه. فهم على
وعي بأهمية اكتساب هذه الألقاب العلمية والحصول على هذه الشهادات التي تمنحها
المدارس والمعاهد، من اجل ضمان مستقبلهم. غير أنهم في الوقت ذاته لا يطيقون بذل
الجهد ** الذي يتطلبه التعلم المدرسي، الذي لا يمنح هذه الأقلاب وهذه الشهادات دون
** والأستسلام لنظامه الصارم وإيقاعه الرتيب والممل. والذي عمل على شحن الذهن
بمعارف الماضي، هذا في الوقت الذي يشهد فيه العالم تطورا صناعيا وتقدما تكنولوجيا
هائلا ** بموجبها مختلف الكواكب وأرسل إليها الأقمار ونتيجة ذلك إن التلميذ */*
يستقبل اكتساب وتعلم قوانين الفيزياء فكرة، فكرة، ومشتتة، دونما رابطة حية تجمع
بينهما، يثقل على ذهنه ولا يطيق فكره الذي يتوق إلى العيش في الحاضر والتطلع إلى
المستقبل، وكفى. لذلك فإنه يفضل قراءة الحضارة الإنسانية بدء من نهايتها،
والإقتصار إن امكن على الإهتمام بما يتعلق بحاضرها، وهذا على عكس ما يفرضه التعليم
المدرسي الذي يحرص على نقل وترجمة الحضارة الإنسانية منذ بدايتها الأولى ().
وهكذا
ظهر لدى تلاميذة اليوم نفور واضح وشديد من المدرسة ومن كل رموزها. وظهرت مفاهيم
عديدة تعبر عن هذا الطلاق الذي تم عن سوء فهم المطالب الطرفين، مطالب المراهق
وحاجاته من التعليم والتربية المدرسية بنظامها وقوانينها وأسلوبها التقليدي في
التعلم. فهناك من عبر عن سوء الفهم هذا بعبارة "سوء التوافق الدراسي"،
وهناك من أطلق عليه عبارة "الفشل الدراسي"، وهناك من أطلق عليه
"الإنقطاع الدراسي"، وهناك من عبر عنه "بالتسرب المدرسي"،
وهناك وهناك... إلخ. المهم انها عبارات مهما اختلفت معانيها ونوع المداخيل التي
سلكتها لدراسة الظاهرة وتشخيصها، فهي كلها تعبر عن ظاهرة معيشة تجتازها المدرسة
المغربية كغيرها من العديد من المدارس في العالم.
إن
على المدارس اليوم إذن، أن تعيد النظر في برامجها ومقرراتها وطرائقها البيداغوجية
ووسائلها الديداكتيكية، حتى تتوفق في إثارة اهتمام المتعلمين وتعيد إليهم الثقة
بأهميتها كمؤسسة اجتماعية، تهدف إلى الإدماج الإجتماعي.
وبغير
إعادة النظر هذه وتجديد أثاث هذا البيت العتيق وإعادة ترتيب محتوياته وترشيد أسلوب
معاملة العاملين فيه، فإن هذا البيت يهدد بفناء نفسه بنفسه، ففي بحث عن تمثل La représentation التلاميذ للمؤسسة ودروها في حياتهم، بينت نتائج الدراسة الميدانية
التي قام بها مصطفى حدية ()، عن
خيبة امل التلاميذ في الدور الذي تلعبه المدرسة في عالم اليوم، ذلك ان 65,29% من افراد العينة المبحوثة صرحت بأن التمدرس قد تقهقر ولم يعد له
أي قيمة** كانت له في الماضي، كما صرح 14,53% من أفراد العينة أن التمدرس لم
تعد له فائدة ولا يحقق أي هدف، في حين أن نسبة 14,92% لم تعد تر في المدرسة سوى وسيلة
للحصول على الثقافة.
كما
بين ما نسبته 11,56% أن المدرسة وتعليمها لا يحقق
العمل للخريجين. كما أكدت نسبة 20,89% على وجود صراع قائم بين
المدرسين والتلاميذ، في حين أشارت فقط نسبة 41,41% من التلاميذ إلى اهمية المدرسة
وقيمتها في المجتمع، وبعلل هؤلاء سبب ** اهمنية المدرسة في نظرهم بعدم جدوى
المعارف التي تقدمها وعدم ارتباطها المباشر ** الحياة المجتمعية الواقعية، أو على
حد تعبير احدهم "لا تقوى سوى دروسا لاجتياز الإمتحان".
إن
هذا الإتجاه السلبي الذي نجده لدى عينة هذا البحث نحو المدرسة ونحو ** برامجها
ومقرراتها الدراسية يتفق مع النتائج التي وصلنا إليها في بحث سابق حول المراهقين
المتمدرسين نحو بعض الموضوعات، ومن جملتها اتجاههم نحو المدرسة ** فالتلاميذ على
وعي كبير بواقعهم وحاجاتهم وهم ليسوا غير مبالين او متخاذلين وإنما ** قيمة
المعرفة العلمية وحاجاتهم إليها، لتطوير مجتمعهم وتحقيق الشروط الضرورية ووجودهم،
في عالم اقتصادي مستهلك لا يرحم.
لذلك
فرفض التلاميذ للمردسة ولبرامجها ومقرراتهاليس رفضا لذاته، وعنما * لتعليم يفني فيه هؤلاء الشباب زهرة شبابهم، ومع
ذلك لا يتيح لهم في نهاية المطاف الإندماج في الحياة المجتمعية والإقتصادية
لبلادهم. إن التعليم النظري التجريدي الذي ** مدارسنا على مدى عدة سنوات أثبت فشله
في تحقيق غايات الفرد وغايات المجتمع ** فنحن "بحاجة إلى مدارس ذات تعليم
يجمع بين النظر والتطبيق، مدارس يحيا فيها ويعمل ليحس بوجوده في العمل وبقيمته في
الإنتاج ... عن تعليمنا لم يعد مناسبا لهذا العصر واوضاعه الجديدة، لهذا نجد أن
الشباب والمراهقين غير راضين عنه، لأنهم ** تعليما كهذا تعليم عقيم".
9-المراهق والأدقاء وزملاء
الدراسة:
لقد
ألهمت علاقة الصداقة التي تتم بين المراهقين العديد من الشعراء الذين تغنوا
بجمالها وروعتها، كما أن العديد من كتاب القصص والروايات اتخذ منها موضوعا للوصف
والتحليل الدقيق. وذلك قبل مجيء علم النفس لتحليل هذه العلاقة والإهتمام بها من
الوجهة العلمية.
إن
الصداقة بين المراهقين تلعب دروا هاما في حياتهم ونموهم ونضجهم النفسي والإجتماعي،
فهذه العلاقة تتيح للمراهق رؤية ذاته من خلال منظار الغير وفي ذلك تلاحظ
"بياكنازازو" B.Zazzo "أن الوعي بالذات يتم التعبير عنه ببذل جهد للتمييز عن
الأقران" فالإحساس بالذات والوعي بها يتبلور أكثر ويكتسب مختلف أبعاده عن
طريق علاقة المراهق بغيره.
ويلاحظ
ان المراهقين والمراهقات يعطون أهمية بالغة للصداقة خلال هذه الفترة من حياتهم.
وكثيرا ما تمتد علاقات صداقاتهم بالغير في هذه الفترة إلى سن الرشد وما بعده.
فالمراهق لا يفهمه إلى مراهق مثله، يعاني ما يعانيه. لهذا فإنه عندما يشتد اليأس
بأحدهم وتسود الدنيا في عينيه، فكثيرا ما لا يلجأ سوى إلى صديق حميم يفهمه
ويواسيه، وكثيرا ما نسمع بقصص تكاد تكون خيالية يتحمل فيها المراهقون الكثير من
الشدائد والتضحيات من اجل مساعدة أحدهم، وإذا كان علم النفس يعتبر ربط الصداقة
بالغير حاجة من الحاجات الأساسية لنضج الشخصية وسواءها، فإن هذه الحاجة تشتد وتقوى
خلال فترة المراهقة، فالمراهفون يولون أهمية قصوى لكسب صداقة أقرانهم، لما تلعبه
هذه الصداقة من ادوار في حياتهم، وفضلا عن الوظائف التي تقوم بها هذه الصداقة خلال
تبادل المعلومات وطلب المشورة والنصيحة والسند في أوقات عسيرة، فإن المراهق لا
يستغني عن ما يقوم به الصديق من عكس المكانة وتحديد الصورة وقيمة الشخصية.
ومما
يلاحظ، أن المراهقين عادة شديدي الولاء، والمحبة والتقدير لبعضهم البعض، أن الواحد
منهم سرعان ما يتأثر بالآخر، والتقدير والولاء لجماعة الأقران بهذه الكيفية
الشديدة جعلت بعض الباحثين يذهبون إلى
القول بأن المجتمع المعاصر يشهد انتقال السلطة من الآباء إلى جماعات المراهقين.
ففي هذه الجماعة أصبح المراهقون يكتسبون العديد من القيم والإتجاهات وأساليب
التفكير ومقاييس الحكم على مختلف الموضوعات. ولشدة وقوة هذه الجماعات ومكانتها في
نفسية المراهقين، فإننا نشهد أحيانا مواجهة بعض المراهقين لآبائهم بالرفض لبعض
المسائل في حين لا يجرؤون على مواجهة أفراد جماعتهم بمثل ذلك.
وخطورة
تأثير جماعة الأقران في أفرادها مسألة ذات اهمية، في الحالة التي يكون معظم أفراد
هذه الجماعة أو تلك لا يتوفرون على
المعلومات العلمية أو السليمة عن مختلف الموضوعات التي تتم مناقشتها فيما بينهم،
إذ من شان الأخذ بأفكار غير صحيحة أن يؤثر بالسلب على شخصية المراهق، وتتغلب معظم
المجتمعات المتقدمة على الوجه السلبي لجماعة الأقران بتخصيص نوادي ودور للثقافة
لإيواء الشباب والمراهقين تحت تأطير مربين دورهم المساعدة على التنشيط التربوي.
وبذلك يجنبون المراهقين الإختلاط المشبوه السلبي المتبادل فيما بينهم.
أما
عن اختيار الصديق في مرحلة المراهقة، فإنه لا يتم بنفس المعايير التي يتم رفيق
اللعب في الطفولة أو اختيار رفيق الطريق، فالذي يبحث عنه الرماهق احيانا هو الصديق
الذي يصدقه القول أو النصيحة ويبرز محاسنه ومساوئه. وقد يكون المراهق أحيانا **
بأنه من الصعب اكتساب شخص مخلص، خارج أفراد الأسرة، بيد أن ولاء ** استنفذ منه
جهدا كبيرا ورغبته وطموحه في الإستقلال عن الاسرة، يجعله يحاول فك كل القيود التي
ربطته ردحا من الزمان بالأسرة. باحثا عن مجالات جديدة وأشخاص ** خارج أفراد
الأسرة، كمصدر من مصادر الوشائج العاطفية الجديدة.
وفيما
يتعلق بصفات الصديق الحق لدى الجنسين من المراهقين قام و"ادلسون" Douvant et Adelson بدراسة استطلاعية في هذا الموضوع استخدم فيها المراهقين في
المجتمع الأمريكي تتراوح أعمارهم ما بين 14 و16 سنة. وقد دلت ** على وجود
اختلافات. فالمراهقون بتأكيد الذات وتدعيم النزعة إلى الإستقلال.
أما
المراهقات فإنهن يحتجن إلى عدد قليل من الصديقات الحميميات ممن يمكن بهن في بعض
الأمور المستعصية والتغلب على المعاناة وحل بعض المشاكل ذات *-*الجنسية، كما يتخذن
وسيلة لضبط وإشباع بعض البواعث والدوافع.
كما
أكدت نتائج هذه الدراسة أيضا أن المراهقات يرغبن أن تتخلى صديقاتهن: والصدق وأن
يكن جديرات بالثقة ويشكلن مصدرا من المصادر التي يمكن الإعتماد *** الحاجة إلى
السند والدعم. أما المراهقون فهم بحاجة إلى جماعة ليشكلوا في مجموعة وقوة، وعن
طريق هذه الجبهة والتكتل يستطيع المراهق أن يحل العديد من مشاكل