أمران يرفعان شأن المؤمن :
التواضع وقضاء حوائج الناس
وأمران يدفعان البلاء عنه :
الصدقه وصلة الأرحام.
فإنَّ مُصافحة الزوجة أو تقبيلَها لا يَنْقُض الوُضوءَ ما لَم يُصاحبْه خروجُ مذْي، وهو الراجحُ من أقوال أهل العلم أنَّ مسَّ المرأة ليس حدثًا بِذَاتِه لأنَّ الأصلَ صِحَّة الطهارة وسلامتُها، فلا يُحكمُ بِبُطْلانِها إلا بدليلٍ ثابتٍ في الشَّرع، والقاعدةُ أنَّ من توضَّأ وضوءًا صحيحًا فَقَدْ تَمَّتْ طهارَتُه بيقينٍ، ولا يَنتقِل عن هذا اليقين إلا بدليلٍ صحيحٍ صريح. وقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت بِئْسَمَا عَدَلْتُمُونَا بِالْكَلْبِ وَالْحِمَارِ لقد رَأَيْتُنِي وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وأنا مُضْطَجِعَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فإذا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ غمز رِجْلَيَّ فَقَبَضْتُهُمَا. ورواهُ أحْمد وأبو داودَ والنَّسائيُّ عنها رضي الله عنها قالتْ: "إنْ كان رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لَيُصَلِّي وإنِّي لَمعترضةٌ بَيْنَ يديْهِ اعتراضَ الجِنازة حتَّى إذا أرادَ أن يُوتر مسَّنِي بِرِجْله". وأخرج مسلم في "صحيحه" عنها رضي الله عنها قالتْ: فقدتُ رسولَ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- ليلةً منَ الفِراش فالتَمَسْتُه فوقَعَتْ يَدِي على بَطْنِ قَدَمَيْهِ وهو في المَسْجِد وهُما مَنصوبتانِ، وهُو يقولُ: "اللَّهُمَّ أعوذُ بِرِضاكَ من سَخَطِكَ، وبِمُعافاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وأعوذُ بك منك، لا أحْصِي ثناءً عليك أنتَ كما أثنيْتَ على نفسِك"، وهو ظاهرٌ في أنَّه استمرَّ في صلاتِه على الرَّغم من مسِّ عائشةَ لقدَمَيْه الشَّريفتَيْنِ. قال ابنُ قُدامة في "المُغني": "ولو كان ناقضًا لِلوُضوء لم يفعله صلَّى الله عليه وسلَّم". وقد وردت بعض الأحاديث التي تقوِّي هذا الأصلَ، ولكنها معلولة؛ كقول أبي هُريْرة: "لا وُضوءَ إلا من حدث" (رواه البخاري معلَّقًا، ووَصَلَهُ إسماعيلُ القاضي كما قال الحافظ ابن حجر). ومن ذلك مارواه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عن عائشة رضي الله عنها أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم "كان يُقبِّل بعضَ نِسائِه ثُمَّ يُصَلِّي ولا يتوضَّأ". وأيضًا فإن انْتِقاضُ الوُضوء باللَّمس مِمَّا تعُمُّ به البَلْوَى، فيحتاجُ إلى بيانٍ عامٍّ وظاهرٍ كما هو مقرَّر، فلو كان ناقضًا لبيَّنه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم. وما اخترْناهُ هُو مذهَبُ الحنفيَّة وغيرِهم؛ حيثُ لا يَعدّون مسَّ المرأة حدثًا، سواءٌ كان مسُّه إيَّاها بِشَهْوة أو بدونِها، إلا أنْ يُباشِرَ مُباشَرَةً شديدةً فيُمْذِي؛ قال ابنُ نُجيم –الحنفي- في "البحر الرَّائق": "مسُّ بشرة المرأة لا ينقضُ الوضوءَ مُطلقًا، سواءٌ كان بشهوةٍ أو لا". وذَهَبَ جُمهورُ الفُقهاء من المالكيَّة والشّافعيَّة والحنابلة إلى أنَّ لَمس بشرَتَيِ الرّجل والمرأة حدثٌ يَنْقُضُ الوضوءَ في الجملة.
رابط المادة: http://iswy.co/e590l
التعصب محق بركَة الْعلم وَذَهَاب رونقه وَزَوَال مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ من الثَّوَاب كَذَلِك يَتَرَتَّب عَلَيْهِ من الْفِتَن المفضية إِلَى سفك الدِّمَاء وهتك الْحرم وتمزيق الْأَعْرَاض وَاسْتِحْلَال مَا هُوَ فِي عصمَة الشَّرْع مَا لَا يخفى على عَاقل وَقد لَا يَخْلُو عصر من العصور وَلَا قطر من الأقطار من وُقُوع ذَلِك لَا سِيمَا إِذا اجْتمع فِي الْمَدِينَة والقرية مذهبان أَو أَكثر وَقد يَقع من ذَلِك مَا يُفْضِي إِلَى إحراق الديار وَقتل النِّسَاء وَالصبيان كَمثل مَا كَانَ يَقع بَين السّنيَّة والشيعة بِبَغْدَاد فَإِنَّهُم كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي كل عَام فتنا ويهرقون الدِّمَاء ويستحلون من بَعضهم الْبَعْض مَا لَا يستحلونه من أهل الذِّمَّة بل قد لَا يستحلونه من الْكفَّار الَّذين لَا ذمَّة لَهُم وَلَا عهد
وَهَذَا يعرفهُ كل من لَهُ خبْرَة بأحوال النَّاس وَمن أَرَادَ الِاطِّلَاع على تفاصيل مَا كَانَ يَقع بَينهم فِي بَغْدَاد بخصوصها فَلْينْظر فِي مثل تَارِيخ ابْن جرير وَفِي تواريخ الذَّهَبِيّ وتاريخ ابْن كثير وَنَحْو ذَلِك فَإِنَّهُ يسجل فِي حوادث كل سنة شَيْئا من ذَلِك فِي الْغَالِب
(1/92)
وَقد تَنْتَهِي بهم التعصبات والمناقضات إِلَى مَا هُوَ من أَنْوَاع الْجُنُون والحماقات القبيحة كَمَا وَقع فِي كتب التَّارِيخ أَن أهل السّنة بِبَغْدَاد أركبوا امْرَأَة على جمل وأركبوا رجلَيْنِ آخَرين وَسموا الْمَرْأَة عَائِشَة وَالرّجلَيْنِ طَلْحَة وَالزُّبَيْر وَمَشوا مَعَهم وتحزبوا وتجمعوا فَسمع بذلك الشِّيعَة من أهل الكرخ فَأَقْبَلُوا مشرعين بِالسِّلَاحِ والكراع وقاتلوا أهل السّنة قتالا شَدِيدا وضربوا الْمَرْأَة الْمُسَمَّاة عَائِشَة والمسمى طَلْحَة وَالزُّبَيْر ضربا مبرحا
وَمن غرائب مناقضاتهم أَن الشِّيعَة لما اجْتَمعُوا لزيارة الْحُسَيْن بن عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي عَاشُورَاء اجْتمعت السّنيَّة وَخَرجُوا يزورون مُصعب بن الزبير وَجعلُوا ذَلِك عَادَة لَهُم فِي عَاشُورَاء فَانْظُر مَا فِي هَذِه المناقضة من الْجَهْل فَإِن مصعبا لَيْسَ بمستحق لذَلِك لِأَنَّهُ لم يكن مَعْرُوفا بِعلم وَلَا فضل بل أَمِير كَبِير ولى الْعرَاق من أَخِيه عبد الله بن الزبير وَسَفك من الدِّمَاء مَا لَا يَأْتِي عَلَيْهِ الْحصْر وَبَقِي كَذَلِك حَتَّى وَقع الْحَرْب بَينه وَبَين عبد الْملك بن مَرْوَان فخذله أهل الْعرَاق فَقتل فَانْظُر أَي فَضِيلَة لمصعب يسْتَحق بهَا أَن يكون للسنية كالحسين للشيعة
وَبِالْجُمْلَةِ فقد حدثت بِسَبَب الِاخْتِلَاف بَين الطَّائِفَتَيْنِ فواقر عَظِيمَة لَو لم يكن مِنْهَا إِلَّا دُخُول التتر بَغْدَاد وقتلهم الْخَلِيفَة وَالْمُسْلِمين فَإِن سَبَب ذَلِك الْوَزير الرافضي ابْن العلقمي كَانَ بَينه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق