الثلاثاء، 27 أكتوبر 2015

حكاية أصحاب الجنة :
 يوجد نقطة ثانية -أخواننا الكرام- رائعة جداً في هذه السورة، قال:
﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ﴾
 -أناس عندهم مساكين، ولها غلات وفيرة، وقد علقوا آمالاً عريضة على جني هذه الغلات، وقبض أثمانها بالدرهم والدينار-:
﴿إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلَا يَسْتَثْنُونَ ﴾
 -أرادوا ألا يعطوا أحداً منها شيئاً، لا فقيرًا ولا قريبًا أبداً. 
 الآن يقول لك: المزرعة مرشوشة بالمبيدات.
 مرة في بعض البلاد أتلفوا كميات من البرتقال تكفي قارة حفاظاً على سعرها، كيف أتلفوها؟ وضعوها في مكان، وسوروا المكان كي تتلف بشكل طبيعي, كميات كبيرة جداً، فالفقراء والزنوج تسللوا من وراء الجدر، وبدؤوا يأكلون، في العام القادم سمموا المحصول حتى لا يأكله أحد، وفي أستراليا أعدموا عشرين مليون رأس غنم بالرصاص، ودفنت للحفاظ على السعر المرتفع، هؤلاء منعوا حق الفقير، قال تعالى-:
﴿وَلَا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ﴾
 -أخواننا المزارعون يعرفون إذا هبطت درجة الحرارة عن ست تحت الصفر لدقيقة واحدة ينتهي المحصول كله, هبطت, يكون ثمن الغلة قريبًا من خمسمئة ألف, هبطت, تصبح صفرًا، العقد يسود-.
﴿فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ﴾
 -كأنها قد صرمت، ثاني يوم متفائلون، مستبشرون، فرحون، اليوم جني الثروات، وقبض الغلات-:
﴿فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ * فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ﴾
 -سراً لئلا يأتي المسكين ليحرجهم، يريدون ألا يطعموا منها أحداً-:
﴿فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ * وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ﴾
 -وصلوا إلى المزارع-:
﴿فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ﴾
 -ليس هذا بستاننا، نحن تركناها البارحة مثقل بالثمار.
النتيجة التي نتحصدها من قصة أصحاب الجنة :
 قال تعالى-:
﴿بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ﴾
 -أوسطهم؛ أي أقربهم إلى الله، لو أنكم سبحتم ربكم، واشتققتم منه كمالاً وكرماً، ولم تمنعوا حق المسكين, لما حصل ما حصل، لذلك: لو ممنوعة في الإسلام، لو السلبية، لكن لو الإيجابية مسموحة.
 إذا قال واحد: لو لم أقترن بهذه المرأة, لكان لي حظ كبير بامرأة أخرى, واحد, هذا غلط واحد, لا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا واحد, ولكن قل: قدر الله واحد وما شاء فعل, لكن لو أكل إنسان الربا، والله عز وجل توعد آكل الربا بمحق ماله، فمحق ماله, لقال: أنا لولا أنني أكلت مالاً حراماً لما محق مالي، هذه مسموح بها، لو السلبية ممنوعة، لو الإيجابية مسموحة-:
﴿أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ * قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ ﴾
 -في التجارة إذا كان فيها أرباح, فثمة تفاهم عجيب بين الشركاء؛ مودة، ومحبة، إيثار، وولائم، فإذا بدأت الخسائر, لولا أنك استوردتها لما خسرت؛ يدققون في الدوام، يدققون بنسب الأرباح، يدققون بكل مشكلة، من السبب؟ قال تعالى-:
﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ ﴾
 -أنت السبب-:
﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ * عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْراً مِنْهَا﴾
 -هذه القصة أيها الأخوة: والله كلمتان فقط تفسران ما يجري في العالم كله، قال تعالى-:
﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ ﴾
 -يعني يا عبادي, كل أنواع العذاب الذي أسوقه إليكم من هذا النوع عذاب تأديب، هناك عذاب تأديب، وعذاب تشفٍّ، وعذاب حقد، لكن هذا العذاب الإلهي عذاب تأديب، الآن: لو أن الله ما عذبنا، لو ترك المزرعة بغلاتها الوفيرة، وهناك بخل، وحرمان للفقير، إلى أن يموت الإنسان، ما الذي يحصل؟ يذوق نار جهنم إلى أبد الآبدين، قال تعالى-:
﴿كَذَلِكَ الْعَذَاب﴾
 -وهذا العذاب أقل بكثير من العذاب الذي ينتظر الإنسان البعيد عن الله-:
﴿وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾

ليست هناك تعليقات:

نفسى

 فلنغير نظرة التشاؤم في أعيننا لما حل بنا من محن إلى نظرة حب وتفاؤل لما عاد علينا من فائدة وخير بعد مرورنا بهذه المحن. ما أحوجنا لمثل هذا ال...