الجمعة، 13 سبتمبر 2013

وسائل الثبات

وسائل الثبات للوصول إلى برٍ آمن .
- ارتباط الموضوع بالقلب ؛ الذي يقول النبي e في شأنه : ( لقلب ابن آدم أشد انقلاباً من القدر إذا اجتمعت غلياً ) رواه أحمد 6/4 والحاكم 2/289 وهو في السلسلة الصحيحة 1772 . ويضرب عليه الصلاة والسلام للقلب مثلاً آخر فيقول : ( إنما سمي القلب من تقلبه ، إنما مثل القلب كمثل ريشة في أصل شجرة يقلبها الريح طهراً لبطن ) رواه أحمد 4/408 وهو في صحيح الجامع 2361 . فسبق الحديث قول الشاعر :
وما سمي الإنسان إلا لنسيانه
ولا القلب إلا أنه يتقلب
فتثبيت هذا المتقلب برياح الشهوات والشبهات أمر خطير يحتاج لوسائل جبارة تكافئ ضخامة المهمة وصعوبتها .
وسائل الثبات
ومن رحمة الله عز وجل بنا أن بين لنا في كتابه وعلى لسان نبيه وفي سيرته e وسائل كثيرة للثبات . أستعرض معك أيها القارئ الكريم بعضاً منها :
أولاً : الإقبال على القرآن :
القرآن العظيم وسيلة الثبات الأولى ، وهو حبل الله المتين ، والنور المبين ، من تمسك به عصمه الله ، ومن اتبعه أنجاه الله ، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم .
نص الله على أن الغاية التي من أجلها أنزل هذا الكتاب منجماً مفصلاً هي التثبيت ، فقال تعالى في معرض الرد على شُبه الكفار : ( وقال الذين كفروا لولا نزّل عليه القرآن جملة واحدة ، كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً ، ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً ) الفرقان /32 .
لماذا كان القرآن مصدراً للتثبيت ؟؟
- لأنه يزرع الإيمان ويزكي النفس بالصلة بالله .
- لأن تلك الآيات تتنزل برداً وسلاماً على قلب المؤمن فلا تعصف به رياح الفتنة ، ويطمئن قلبه بذكر الله .
- لأنه يزود المسلم بالتصورات والقيم الصحيحة التي يستطيع من خلالها أن يُقوِّم الأوضاع من حوله ، وكذا الموازين التي تهيئ له الحكم على الأمور فلا يضطرب حكمه ، ولا تتناقض أقوله باختلاف الأحداث والأشخاص .
- أنه يرد على الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام من الكفار والمنافقين كالأمثلة الحية التي عاشها الصدر الأول ، وهذه نماذج :
1- ما هو أثر قول الله عز وجل : ( ما ودعك ربك وما قلى ) الضحى /3 على نفس رسول الله e ، لما قال المشركون : ( ودع محمد … ) أنظر صحيح مسلم بشرح النووي 12/156 .
2- وما هو أثر قول الله عز وجل : ( لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ) النحل /103 لما ادعى كفار قريش أن محمداً e إنما يعلمه بشر وأنه يأخذ القرآن عن نجار رومي بمكة ؟
3- وما هو أثر قول الله عز وجل : ( ألا في الفتنة سقطوا ) التوبة /49 في نفوس المؤمنين لما قال المنافق : " ائذن لي ولا تفتني " ؟
أليس تثبيتاً على تثبيت ، وربطاً على القلوب المؤمنة ، ورداً على الشبهات ، وإسكاتاً لأهل الباطل .. ؟ بلى وربي .
ومن العجب أن الله يعد المؤمنين في رجوعهم من الحديبية بغنائم كثيرة يأخذونها ( وهي غنائم خيبر ) وأنه سيعجلها لهم وأنهم سينطلقون إليها دون غيرهم وأن المنافقين سيطلبون مرافقتهم وأن المسلمين سيقولون لن تتبعونا وأنهم سيصرون يريدون أن يبدلوا كلام الله وأنهم سيقولون للمؤمنين بل تحسدوننا وأن الله أجابهم بقوله: ( بل كانوا لا يفقهون حديثاً ) ثم يحدث هذا كله أمام المؤمنين مرحلة بمرحلة وخطوة بخطوة وكلمة بكلمة .
- ومن هنا نستطيع أن ندرك الفرق بين الذين ربطوا حياتهم بالقرآن وأقبلوا عليه تلاوة وحفظاً وتفسيراً وتدبراً ، ومنه ينطلقون ، وإليه يفيئون ، وبين من جعلوا كلام البشر جل همهم وشغلهم الشاغل .
- ويا ليت الذين يطلبون العلم يجعلون للقرآن وتفسيره نصيباً كبيراً من طلبهم .
ثانياً : التزام شرع الله والعمل الصالح :
قال الله تعالى : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ) إبراهيم /27 .
قال قتادة : " أما الحياة الدنيا فيثبتهم بالخير والعمل الصالح ، وفي الآخرة في القبر " . وكذا روي عن غير واحد من السلف تفسير القرآن العظيم لابن كثير 3/421 . وقال سبحانه : ( ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً ) النساء /66 . أي على الحق .
وهذا بيّن ، وإلا فهل نتوقع ثباتاً من الكسالى القاعدين عن الأعمال الصالحة إذا أطلت الفتنة برأسها وادلهم الخطب ؟! ولكن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم صراطاً مستقيماُ . ولذلك كان e يثابر على الأعمال الصالحة ، وكان أحب العمل إليه أدومه وإن قل . وكان أصحابه إذا عملوا عملاً أثبتوه . وكانت عائشة رضي الله عنها إذا عملت العمل لزمته .
وكان e يقول : ( من ثابر على اثنتي عشرة ركعة وجبت له الجنة ) سنن الترمذي 2/273 وقال : الحديث حسن أو صحيح . وهو في صحيح النسائي 1/388 وصحيح الترمذي 1/131 . أي السنن الرواتب . وفي الحديث القدسي : ( ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ) رواه البخاري ، انظر فتح الباري 11/340 .
ثالثاً : تدبر قصص الأنبياء ودراستها للتأسي والعمل :
والدليل على ذلك قوله تعالى : ( وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين) هود /120 .
فما نزلت تلك الآيات على عهد رسول الله e للتلهي والتفكه ، وإنما لغرض عظيم هو تثبيت فؤاد رسول الله e وأفئدة المؤمنين معه .
- فلو تأملت يا أخي قول الله عز وجل : ( قالوا حرقوه وأنصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ، قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين ) الأنبياء /68-70 قال ابن عباس: " كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في النار : حسبي الله ونعم الوكيل" الفتح 8/22
ألا تشعر بمعنى من معاني الثبات أمام الطغيان والعذاب يدخل نفسك وأنت تتأمل هذه القصة ؟
- لو تدبرت قول الله عز وجل في قصة موسى : ( فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون ، قال كلا إن معي ربي سيهدين ) الشعراء /61-62 .
ألا تحس بمعنى آخر من معاني الثبات عند ملاحقة الطالبين ، والثبات في لحظات الشدة وسط صرخات اليائسين وأنت تتدبر هذه القصة ؟ .
- لو استعرضت قصة سحرة فرعون ، ذلك المثل العجيب للثلة التي ثبتت على الحق بعدما تبين .
ألا ترى أن معنى عظيماً من معاني الثبات يستقر في النفس أمام تهديدات الظالم وهو يقول : ( آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر ، فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النجل ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى ) طه /71

ثبات القلة المؤمنة الذي لا يشوبه أدنى تراجع وهم يقولون : ( لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا ، فاقض ما أنت قاضٍ ، إنما تقضي هذه الحياة الدنيا ) طه /72 . 

ليست هناك تعليقات:

قوة المراءة

أنت على حق، القوة العاطفية والحدسية هي من أهم مصادر القوة الفريدة للمرأة التي يمكن الاستفادة منها في المواقف الصعبة. دعني أوضح أكثر: 1. القو...