هل تقع تحت ضغوط الحياة؟ هل تثقل كاهلك المسئوليات؟ هل تشعر بعدم وضوح الرؤية في تربية أولادك؟ هل ترغب في معرفة سر أسرع الطرق إلى بيت هادئ وأطفال مطيعين -ظاهريا- في أقصر وقت ممكن وبأقل مجهود؟
بعض الصوت العالي والقرارات الفورية المتسرعة غير القابلة للنقاش أو التراجع وبعدها يسود الهدوء… الذي حتما يسبق العاصفة!!
بين الحزم والاستبداد.. شعرة
إن الحزم هو الإصرار الهادئ على تنفيذ قواعد سليمة متفق عليها مسبقا وواضحة للجميع..
بينما الاستبداد هو فرض رأي شخصي بالقوة لا يشترط رضا باقي الأطراف عنه، وقد لا يراعي مصلحتهم.
الحزم لا يحتاج إلى صوت عال وعنف في تطبيقه؛ بل يحتاج إلى إصرار على الموقف بهدوء مع شرح الأسباب والمبررات، وإتاحة الفرصة للمناقشة، أما الاستبداد فلا يمكن تنفيذه دون قهر وعنف ورفض للمناقشة.
كلام غريب
هل نحن مطالبون بكل هذا القدر من الديمقراطية مع أبنائنا وفي بيوتنا؟ أولسنا أحرارا نتصرف معهم كما نشاء، ونربيهم كيفما نشاء.. فهم ملك لنا؟ أليس التفاهم والحوار والنقاش والإقناع بالرأي مع أطفالنا من الكماليات والرفاهية الزائدة؛ فما يمكن أن ينجز بالقوة وفرض الرأي في وقت قصير لماذا ينجز بالإقناع في ضعف الوقت والجهد؟!
الحقيقة: لا؛ فنحن لا نملك أطفالنا.. بل نحن مسئولون عنهم.. وبينهما الفرق كبير..
نحن مسئولون عن تربية طفل يعرف أن عليه واجبات لا بد أن يؤديها بأمانة وله حقوق لا بد أن يدافع عنها، وأن من حقه أن يقول رأيه ويتناقش، ويسأل حتى يقتنع، وأن يثق أولا في نفسه ورأيه وقدرته على اتخاذ القرار، وأن عليه احترام آراء الآخرين والاستماع لها..
أنت معذور ولكن احذر
المشكلة أننا مع ضغوط الحياة وقلة الوقت وكثرة أعباء الأطفال ومشاكلهم لا نجد الوقت والطاقة النفسية لكل ذلك، لكن هناك فرقا بين طفل يعاقَب وهو يعلم تماما أنه أخطأ، ويفهم لماذا يعاقَب رغم أنه ليس سعيدا بهذا العقاب، وطفل آخر يعاقَب وربما بنفس العقاب ولكنه لا يفهم لماذا يعاقب، ومقتنع تماما بأنه لم يخطئ.. في الحالة الأولى العقاب مفيد وصحي ويؤدي دوره المطلوب، وفي الحالة الثانية العقاب يعتبره الطفل قهرا واستبدادا ولا يستفيد منه.
حين يكون العقاب بلا قاعدة:
- يشعر الطفل أنه دائما في حالة اتهام.
- وأنه يعاقب دون أن يفهم خطأه أو تتاح له فرصة الكلام والنقاش والتعبير عن رفضه أو رأيه في حياته.
- يشعر بالقهر والظلم لأنه يعاقَب عقابا شديدا جدا مقارنة بأخطائه.
- يشعر أن العقاب انتقام، وأنه حسب الحالة النفسية وظروف الأهل.. فما هو مرفوض اليوم مسموح به غدا، والعكس.
- يعبر عن ذلك كله بالعنف والعدوانية والرغبة في التدمير ومخالفة القواعد بأي شكل كلما أتيحت له الفرصة.
- عندما يكبر يصبح مشكلة كبيرة؛ فهو لا يحترم حقوق الآخرين، ولا يحب احترام أي نظام أو قوانين، وربما يتعامل مع غيره بنفس أسلوب القهر والاستبداد الذي عانى منه صغيرا.
لنتعب قليلا..
إن وضع القواعد يعني وضع نظم ثابتة يسير عليها أفراد البيت جميعهم دون استثناء، ويفهمها ويشارك في وضعها كل أفراد البيت، هذه القواعد تساعد الأولاد والآباء على التفاهم وتأدية المهام المطلوبة بأقل قدر من الصراع والمشاكل، ولأن هذه القواعد قد تم الاتفاق عليها معهم فنحن ننفذ ما اتفقنا عليه، وليس في كل مرة نتفاوض من جديد.
قد تكون القواعد مرهقة في وضعها، لكن مع التعود ستصبح نظاما للبيت يعتاده الجميع، وبعد فترة نجد أننا نتعامل مع طفل له رغباته وأخطاؤه، لكنه يفهم حقوقه وواجباته، يتحمل نتيجة أخطائه.. والأهم من كل ذلك أنه يشعر بآدميته واحترامه لنفسه، يرفض الإهانة، ولا يشعر أبدا بالظلم والقهر والاضطهاد.. وفي المستقبل تنمو معه قيم الحق والعدل والإنصاف واحترام حقوق الآخرين..
باختصار: نقدم للمجتمع إنسانا سويا قادرا على النجاح والعطاء.
كيف نصنع القواعد ونلزم الصغار بها؟
أولا- هيئ الجو:
- تخير مناسبة جيدة تستحق أن تكافئ أطفالك فيها على حسن أدائهم مثل نجاح في الامتحانات أو سلوك جيد…
- اصنع لهم حلوى يحبونها، أو خذهم في رحلة ممتعة، واجعل جو الرحلة فيه الكثير من المرح والحب والتفاهم والاحترام لهم، وبطريقة طبيعية تحدث معهم، وأثنِ على سلوكهم الجيد الذي تكافئهم عليه.
وأخبرهم أنك تحبهم جدا، وأنهم أولاد ممتازون، وأنك تتضايق جدا عندما تختلف معهم، ويتوتر جو البيت وتحدث فيه مشاكل وصراعات.
- ناقش معهم أسباب هذه المشاكل وكيف توقفها، وأنصت لهم أولا بكل احترام حتى يتكلموا ويقولوا كل ما عندهم.
- وضح لهم أن هذا البيت هو بيتكم جميعا؛ ولذا فلا بد أن يكون مريحا ونظيفا، وأن هذا لن يحدث إلا بتعاونكم جميعا.
- اطلب منهم وضع الحلول المناسبة لكل مشاكلك معهم، وساعدهم في وضع وصياغة القواعد الجديدة التي سيسير عليها البيت، وسيلتزم بها الجميع.
ثانيا- لتكن القواعد فعالة:
1. اجعلها واضحة ومحددة ويفهمها الجميع؛ فمثلا لا تقل: "لا لعب أثناء الدراسة" فمن غير المنطقي ألا يلعب الأطفال 6 أو 7 أشهر، ولكن قل: "اللعب بعد الانتهاء من المذاكرة والواجبات اليومية"… وهكذا.
2. اجعلها منطقية وفي حدود إمكانياتهم وطاقاتهم، وراعِ أنهم أطفال فلا تقل: "لا للعب وإفساد ترتيب نظافة الغرفة"، ولكن "بعد اللعب لا بد من إعادة كل شيء".
3. اجعلها واضحة البنود.. بنود الثواب والعقاب، وتأكد من تعهد الجميع الالتزام بالتنفيذ.
4. لتكن مرنة ليست مثل الأوامر العسكرية التي تطبق بطريقة عمياء لا تراعي الظروف؛ فيشعر الأولاد أنها تخنقهم، ويختارون الفوضى التي كانوا فيها..
5. عند التنفيذ لا بد أن تكون أكثر الملتزمين بتنفيذ الاتفاق مهما كلفك احترام القواعد؛ حتى لا تفقد مصداقيتك أمامهم.
6. اعتمد دائما أسلوب التشجيع والثناء على التصرفات الجيدة، وتغاضَ عن الأخطاء الصغيرة غير المقصودة.
7. أشعرهم دائما بأن لهم الفضل في نجاح الفكرة بالتزامهم، وفضلها في تهدئة البيت وفي التفاهم والاحترام الذي صار بينك وبينهم.
8. استحضر دائما أن وضع القواعد ليس معناه أن البيت سيتحول إلى جنة هادئة أو سيخلق المدينة الفاضلة، ولكنه فقط أسلوب أفضل لإدارة البيت والتعامل مع المشاكل بأقل قدر من الصراع.
كيف تواجه مواقف انتهاك القواعد؟
رفض الطفل الانصياع للأوامر أمر وارد جدا ومتكرر.. هنا يأتي دور الحزم دون عنف:
1. أعطِ لنفسك 5 دقائق فقط قبل البدء في الكلام أو اتخاذ قرارات.
2. فكر في حجم المشكلة ونسبة التجاوز مقارنة بالعقاب أو القرار الذي سوف تتخذه.
3. حاول تخيل مبررات الطفل ودوافعه وهو يقوم بهذا العمل مع مراعاة سنه وانفعالاته وخبرته هو وليس أنت.
4. قيِّم مدى معرفة الطفل بحجم الخطأ أثناء ارتكابه.
5. فكّر في أقصى استفادة من الموقف الآن في تربية الطفل.
خلال هذه الدقائق الخمس سيهدأ انفعالنا ورغبتنا في الانتقام أو التنفيس عن غضبنا بعقاب الطفل دون وعي.
والآن 5 دقائق أخرى للشرح:
1. لا تتحدث عن الطفل بطريقة سيئة أمام إخوته، ولا تشهدهم عليه، أو تجعل من بعضهم حزبا عليه.
2. بهدوء شديد جدا تحدث مع المخطئ وحده، وركز كلامك حول المشكلة الحالية أو القاعدة محل المشكلة، ولا تخلط الأمور؛ فتبدأ معاتبته على أخطاء أخرى سابقة أو تبدأ الشكوى من أطفالك جميعا.
3. اسأل الطفل بهدوء.. هل يدرك خطأه.
4. كرر له القاعدة التي اتفقتم عليها من قبل بهدوء ودون انفعال أو إهانة.
5. ذكره بالنتائج والثواب والعقاب الذي اتفقتم عليه.
6. اشرح له جوانب الموقف وحجم الخطأ والنتائج المترتبة عليه بالنسبة له وللأسرة ولأي أطراف أخرى، بما في ذلك إغضاب الوالدين وتوتر جو البيت.
7. ناقش معه العقاب المناسب لهذا الخطأ، مع التأكيد على أن العقاب ليس انتقاما، ولكنه ضرورة ليتعلم الإنسان من أخطائه.
8. ناقش معه كيفيه إصلاح الخطأ وتجنبه في المستقبل.
9. عند رضائه بالأمر وتنفيذ القاعدة اشكر له الالتزام بنظام البيت.
10. لا مانع من مراجعة الطفل لبعض القواعد أو معاونته في تنفيذها إذا شعرت أنها أكبر من طاقتهم.
11. اختم الموقف بأنك سامحته على خطئه لاعترافه به وأثنِ عليه لتفاهمه معك بهدوء.
12. انشر جوا من التعاون والاحترام بين أبنائك، وابدأ بنفسك باحترامهم، وإياك والتجريح أو الإهانة.
وكلمة أخيرة..
في أحد الكتب التي تحدثت عن حياة هتلر النازي كان هناك فصل عن تربيته ونشأته وعلاقته بأمه وقسوتها.. ترى هل كل من قبيل الفبركة الإعلامية؟
وعلى الجانب الآخر عرف التاريخ عمر بن عبد العزيز العادل الذي كانت جدته بنت بائعة اللبن التي رفضت منذ صباها أن تغش اللبن، فتمسك بها عمر بن الخطاب زوجها لابنه..
لن يكون كل طفل قائدا أو زعيما عندما يكبر.. لكنه سيكون إنسانا مسئولا عن عمل أو أمانة في يده، وربا لأسرة مسئولا عنها، ويمكن أن يكون أحد أسباب نهضة أمته وتقدمها أو أسباب تدهورها ونكبتها..
اختر أي النموذجين تريد أن يكون طفلك، ولتستحضر دائما أن بين الحنان والعطف والتدليل المفسد شعرة دقيقة يتجاوزها كثير منا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق