الأربعاء، 23 سبتمبر 2009

مشكلة وحل

زوجي متدين و على خلق ودين، لكن بعد الزواج علمت أنه يدخل مواقع غير إباحية لكنها تثير شهوته، ومواقع زواج، وكان هذا مع بداية حملي، كما وجدت رسالة على هاتفه من فتاة أجنبية، فلما سألته، قال إنه عرفها عن طريق الشات، وفي يوم سمعت صوته في غرفة النوم الساعة الثانية صباحا يتكلم بصوت منخفض، دخلت عليه فجأة فأخفى التليفون تحت الغطاء، فطلبت منه التليفون فمسح الرقم الأول وأعطاني له.. أرشدوني ماذا أفعل؟

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا..

هنيئًا لكِ ابنتي الفاضلة هذا الزوج صاحب الدين والخلق، ونسأل الله عز وجل أن يبارك لكِ في مولودك القادم، وأن يجعله من الذرية الصالحة، وأن يقر عينك به، وأن يفتح عليكِ من بركاته ورحماته، "رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً".

خدمة الإنترنت ثورة العصر وحديث المجالس، ولكنها أيضا سلاح ذو حدين يستخدم للخير أو للشر. حالها في ذلك حال كثير من المصالح العامة الأخرى، فاستخداماتها تابعة لنوايا المستخدم، إن كان خيرا فخير وإن كان شرا فشر. وخدمة الإنترنت خدمة منافعها جمة وعطاؤها غزير، وهي مصدر لخير وعلم ومعرفة وهداية وصلة وتطور لأمم وأفواج. وهي في الوقت نفسه قد تكون مصدراً لشر عظيم لمن أصر على سوء استخدامها.

ولا شك أن الدخول إلى مواقع قد تثير الشهوة ما هو إلا طريق إلى الوصول إلى مشاهده المواقع الإباحية، فكل خطوة تؤدي إلى ذلك هي محرمة، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر" [النور:21]، ففي هذه الآية بيان للطريقة التي يتعامل بها الشيطان مع ضحاياه، فهو لا يهجم عليهم دفعة واحدة ليخرجهم من الإيمان إلى الكفر، ومن الطاعة إلى المعصية، بل يتدرج للوصول إلى هدفه، وينظر نقاط الضعف في الشخص، ويحاول أن يلج من خلالها، فعلينا أن نتصدى لمحاولاته هذه بكل تأن وصبر ومصابرة، وإياكِ أن ينتصر الشيطان الذي كل ما يتمناه في الدنيا هدم بيوت المسلمين أعاذنا الله منه.كما قال صلى الله عليه وسلم "إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئاً، ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه ويقول: نعم أنت (رواه مسلم.فهل ستتركين زوجك يقع فريسة سهلة لمكر الشيطان وخداعه؟ أم ستقفين إلى جوار زوجك وشريك حياتك كي يبتعد عن تلك المواقع؟

ابنتي الحبيبة إن مفاتيح قلب الرجل والمرأة بيد الله وحده، وما عند الله لا ينال إلا بطاعته واللجوء إليه، والمرأة تملك من وسائل التأثير الكثير والكثير، وأنت بلا شك أعرف الناس بنفسيات زوجك وطباعه، ولكن هناك بعض الخطوات تعينك - بإذن الله عز وجل – على إصلاحه وعلى الأخذ بيده إلى طريق الحق، فأول ذلك:

1- الاستعانة بالله واللجوء إليه وسؤاله جل وعلا الهداية، فتأملي قول الله جل وعلا: "وَالْذينَ يَقُولونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً". فهم عباد الرحمن الذين يسألون الله جل وعلا أن يرزقهم من أزواجهم وذرياتهم ما تقر به أعينهم.. إذن فلابد من الاستعانة بالله، فالجئي إلى ربك جل وعلا وادعي له بالهداية، واسأليه جل وعلا بأن يأخذ بيده إلى الحق وأن يرده إليه ردًّا جميلاً.

2 - عزيزتي الزوجة المسلمة... أحيانا نبتلى لفعلنا شيئًا يغضب الله، أو لتهاوننا في بعض الأمور التي نهانا الله عنها "نمص حواجب؛ استهتار بالحجاب؛ تأخير الصلاة؛سماع الأغاني" وغيرها من الأمور، لأن كل سيئة تصيب الإنسان من عمل يديه، قال الله تعالى: "مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا" [النساء:79]. ولهذا عزيزتي فتشي في حالك فلربما تفعلين شيئا يغضب الله وأنتِ لا تدري...

3- ابنتي الكريمة الإنسان بطبعه لا يحب من يحاسبه على كل شيء.. يراقبه.. ويملي عليه التعليمات أو يطلب منه الاعتراف.. فما بالك إن كان من تحاسبين هو رجل وإضافة إلى ذلك زوجك، ولا أقصد برجل بأنه أفضل أو لديه الصلاحية بذلك، لكن هي طبيعة جنس الرجال عموما، وخصوصاً الرجال في مجتمعاتنا العربية، توقفي عن المعاتبة والمحاسبة والمراقبة.. توقفي لبعض الوقت.. حاولي زرع الحب والسلام بتصرفاتك، بأخلاقك.. اتركيه يفعل ما يشاء من دون أن تحاسبيه.. من دون أن تشعريه أن هناك من يحاول أن يسيطر عليه.. ولتتذكري أن تمنحيه مساحة من الحرية، لا أقول اتركيه وشأنه، بل عندما تراقبينه لا تتفاعلي مع ما يقوم به من أخطاء وتواجهيه بها.

4- يأتي أيتها الزوجة الرائعة بعد ذلك الحوار الزوجي الهادف والكلام الطيب الذي يكون بين الزوج وزوجته، بكل رقة ورفق ولين ورحمة، قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب الرفق في الأمر كله" رواه البخاري، ثم تسألينه أن يقوم فيتوضأ ويصلي ركعتين بك أو يصلي بك العشاء مثلاً، ثم بعد ذلك ترفعين يديك وتدعين الله عز وجل بصوت خاشع منيب بنحو من هذا الدعاء كأن تقولي: "اللهم ألف على الخير قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، اللهم ارزقنا شكر نعمتك والثناء بها عليك واجعلنا قابليها وأتمها علينا، اللهم اشرح صدر زوجي لما تحب وترضاه، اللهم افتح لنا من بركاتك ورحماتك يا أرحم الرحمين، رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا من كل خير، واجعل الممات راحة لنا من كل شر". فبهذا الدعاء تؤثرين في نفسه، وليس من شرطه أن يكون هنالك نصيحة مباشرة، ثم بعد ذلك تتناولان طعامكما، فإن أمكن أن تتصنعي له فيحصل بينكما ما يحصل بين الزوجين فحسنٌ في مثل هذه الحالة حتى يرتبط في حسه طاعة الله جل وعلا بأجواء السعادة والفرح.

5- ثم بعد ذلك يا ابنتي إن أمكنك الجلوس معه وأن تبيني له حبك ومودتك وأنك تأملين الله جل وعلا أن يجعلكما زوجين صالحين في الدنيا، وأن يجعلكما كذلك زوجين في الجنة. ثم تذكرينه بهذه المواقع التي يقوم بمشاهدتها، وأنها تُفسد الدين والخلق وأن فيه الخير وأن فيه الغيرة أيضًا على طاعة الله، وأن هذه المواقع لا يحل للمؤمن أن ينظر إليها بحال من الأحوال. وتذكرينه برقابة ربه جل وعلا، وذكريه بحديث رسولنا الكريم، فعن ‏أبي هريرة ‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال "‏لكل بني ‏آدم ‏حظ من الزنا فالعينان تزنيان‏ وزناهما النظر، واليدان تزنيان وزناهما البطش، والرجلان يزنيان وزناهما المشي، والفم يزني وزناه القبل، والقلب ‏يهوى‏ ‏ويتمنى، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه" رواه أحمد في مسنده، فغض البصر طهارة للقلب وزكاة للنفس والعمل، أنه يمنع وصول أثر السهم المسموم؛ فإن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، تعويض من غض بصره بحلاوة الإيمان في القلب، بيني له أنك تأملين من الله أن يكون لكم الذرية الصالحة، وأنه ينبغي أن نجاهد أنفسنا وأن نبذل وسعنا في طاعة الله.. فبهذا الأسلوب يا ابنتي تنجحين بإذنِ الله وشيئًا فشيئًا تجدين أنك قد توصلت إلى إلزامه بالحق بمنٍ من الله وكرمه، طواعية من عند نفسه، ونوعي له الأساليب، فتارة بكتيب لطيف تعطينه إياه كهدية جميلة مرفقة بقلم جميل المنظر، وتارة بشريط إسلامي تضعينه في سيارته يستمع إليه عند ذهابه إلى العمل وغير ذلك من الأساليب الحسنة اللطيفة.

6– غاليتي مرض الشكوك مرض خطير، ومقيت إذا دخل الحياة الزوجية قوض أركانها وهدم بنيانها وتركها خراباً ينعق فوقها البوم!! ولأجل خطورته جاءت نصوص كثيرة في كتاب الله تعالى وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم- بالتحذير منه وبيان خطورته، ولأن الظن السيئ والشك يستميل قلب صاحبه فيدفعه إلى التحقق من ذلك، جاء بعد هذا المقطع من الآية مباشرة النهي عن التجسس بقوله تعالى: "ولا تجسسوا".وهكذا يغلق الإسلام باباً عظيماً من أبواب إبليس على الأسرة، بأن لا يلتفت الزوجان إلى الشكوك ولا يدعاها تهدم بيتهما السعيد، فعدم الثقة في زوجك والشك فيه على الدوام، هذا أمر لا ينبغي أن يقع منك لأنه سوف يحملك على كثير من التصرفات التي تجعلك تنفعلين بسرعة وتشكين في تصرفاته فتفتشين هاتفه الخاص كما فعلت، وربما متاعه وملابسه الخاصة، فحاولي أن تبيِّني له في جلسة هادئة أنك قد نسيت كل هذه الأمور، وأنك فتحت صفحة جديدة وأنه زوجك وأنه حبيبك وأنه -بإذن الله عز وجل– سيكون زوجك في الجنة بمنِّ الله وكرمه، قولي له إنني أثق بك يا زوجي الكريم، ولكن قد تتكلم مع بعض النساء في معاملات ربما قد تجر إلي أمور محظورة، فقد حرم الله جل وعلا العلاقة بين الرجال والنساء الأجنبيات إلا بالزواج، وكما أنك لا ترضى هذا لزوجتك فكذلك أنا لا أرضاه لك، فأنت فيك الخير وفيك الفضل، فينبغي إذن أن نتعاون على طاعة الله جل وعلا، وقد قال –صلوات الله وسلامه عليه-: "من ترك شيئًا لله عز وجل بدله الله ما هو خيرًا له منه"، وأنت قد منَّ الله عليك بالزوجة، وسيمنن عليك بالذرية إن شاء الله عن قريب، ومنَّ عليك كذلك بالمال والوظيفة، فينبغي إذن أن نشكر نعمة الله جل وعلا بأن نستخدم هذه النعم في طاعة الرحمن.. فذكريه يا ابنتي وعظيه بالأسلوب اللطيف وباختيار الأوقات المناسبة، فقد قال تعالى: "وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ".

7- عوديه على سماع كلام الحب وكلام المودة واستخدمي في ذلك أساليب شتى، فتارة برسالة على هاتفه، وتارة بكلام مباشر، وتارة بمكالمة هاتفية، وتارة بهدية تكتبين عليها مشاعرك وأحاسيسك، فنوعي في هذه الأساليب وفجري ينابيع الحب من قلبه، وتجنبي الجدال والخصام قدر الاستطاعة معه، فإن هذا كما تعلمين يغير القلب، وحاولي أن تتفقي معه على قدر جهدك واستطاعتك، مع التهوين على نفسك فإن الأمر يسير وينال مع الأيام والليالي بإذن الله عز وجل.

8- ابذلي جهدك في أن تجعلي زوجك يشعر دومًا بأن حياته متجددة، سواء كان ذلك في مظهرك وهيئتك وتسريحة شعرك مثلاً وأنواع الزينة التي تستخدمينها، أو كان ذلك في هيئة البيت وترتيب أثاثه.

9- أن يكون لك يا ابنتي ولزوجك علاقة بالأسر الفاضلة التي تعلمون بتواجدها في البلد التي يعمل بها زوجك، بحيث تحثينه على أن تزوروا هذه الأسر الفاضلة التي تعرفين منها أن لديها أزواجًا صالحين يمكن أن يستفيد زوجك بلقائهم وبالاختلاط بهم وبالتعامل معهم، فإن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، وقد قال –صلى الله عليه وسلم-: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) رواه أبو داود في السنن.

10- وأخيرا.... لا تنسي أن عندك السلاح الماضي القاتل والمدمر والفعال والمغيِّر: سلاح الدعاء.. سلاح الدعاء، ربنا العظيم أمرنا بالدعاء ووعدنا بالإجابة، ادعي له بالهداية، و احرصي على أوقات الإجابة مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان و الإقامة وعند نزول المطر، آخر نهار الجمعة، لأن جل شأنه أمرنا بالدعاء ووعد بالإجابة كما قال الله تعالى "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" [غافر:60]، وقال الله تعالى: "إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" [القصص:56]. حبيبك -صلى الله عليه وسلم– قال: "لا يرد القضاء إلا الدعاء"، وقال: "إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء"، وقال: "فإنه لا يهلك مع الدعاء أحد"، فأتمنى أن تكثري الدعاء له: "اللهم طهر قلبه، وحصِّن فرجه» أسأل الله أن يطهر قلوبنا جميعاً.

ليست هناك تعليقات:

نفسى

 فلنغير نظرة التشاؤم في أعيننا لما حل بنا من محن إلى نظرة حب وتفاؤل لما عاد علينا من فائدة وخير بعد مرورنا بهذه المحن. ما أحوجنا لمثل هذا ال...