الأربعاء، 30 سبتمبر 2009

اخدع نفسك.. من وقت لوقت نحتاجوا ان نتحايلوا على ضعفنا واستسلامنا.




2009



الحبة عملت عمايل

في يوم من الأيام، وفي بلاد اسمها ليبيا..
كنت نشتغل في صيدلية، وكانت عندي زبونة سودانية في الثلاثينات من العمر، وهي آية من آيات الله في الجمال السوداني الرهيب، يرهقه بس شوية إهمال وتعب وأمومة لستة صغار، وغير هكي، الذوق واللطافة ما شاء الله، وفي يوم جتني للصيدلية منهارة وتبكي، إن حياتها الزوجية في خطر:


-ظليت احبل يا دكتورة و أولد لحد ما طفشت الزول .
وطفش الزول.. وناقشنا الأمر: يعني أنا كيف نقدر نساعدك يا بلقيس. وبدينا في التخطيط، أول شي اهتمي بمظهرك شوية، ومن عندي من الصيدلية، شرت كريم فرد الشعر المجعد ومعاه صبغة، ومشت للمزين صبغت وفردت الشعيرات اللي ولوا مسبسبات، وزادوها جمال على جمال، وخذت مجموعة ماكياج وطلاء اظافر بألوان قاتمة جدا، وقالتي: هذا اللي يحبه الزول.
وطلعت لشارع الرشيد وبضعت شوية ملابس للحوش، وملابس نوم، وقلنا إلا ما يصير تحسن، وما ننسوش طبعا الجو السوداني الشاعري، قالت ح تعمله زلابية، يحبها شديد، وتقيد الشموع، وأكيد الحنة السودانية في اليدين والرجلين، الله الله..
ورجعتلي بعد أيام في حالة يرثى لها :
مش نافع يادكتورة الزول طفش خلاص ومافيش فايدة.
وخشت في نوبة بكاء ورثاء للذات، وجبتلها مية تشرب وبخيتها بيها، وقتلها غير اهدي وطولي بالك، وحاولت نطمنها ونطلعها من هيستيريا البكاء اللي كانت فيها، وفي لحظة سكتت وعيونها الكبار لمعوا، وشبحت فيا شبحه يبستني في مكاني، وقالت ما فيش غيرك يقدر يساعدني يا دكتورة.
- باهي انا شن نقدر ندير يا ودي، قولي وان شاء الله ما نقصرش.
قالت: صديقتي خبرتني عن الحبة الزرقا، وقالت ما فيش غيرها هي اللي ترد الزول الطافش.
اممممممممم، الحبة الزرقاء قولي من الأول تبي (فياجرا)، حاولت معاها شوية ان ما فيش داعي تفتح الباب هذا على روحها وعلى اسرتها معنويا وماديا لكن في نفس الوقت انا عارفة قداش ولت هـ(الحبة الزرقاء) موضة شائعة، وشرحتلها عليها امتى تتاخذ، امتى ماتتاخذش، وبعتلها نوعية معقولة السعر وريحت راسي من ذنب ممكن يقعد في رقبتي لو انهارت اسرتها وما ا سعفتهاش بـ(الحبة السحرية الزرقااااا)
رجعت اليوم اللي بعده متنكدة آخر نكد تشكي وتبكي:
- كان عايز يذبحني يا دكتورة، يقولي من سمحلك تشتري الحبة الزرقا، وجن جنونة عليا.. يقولي ليش انا شكيتلك والا عجزت تقومي تشتريلي الحبة الزرقاء.
ولمعوا عيونها فيا مرة تانية وشبحت فيا شبحة بديت نعرفها، وقالت:
- بس انت لو عايزة تساعديني، بتساعديني يا دكتورة.
قتلها: بلقيس طلعي اللي في بطنك ومعاش تلفي ودوري، شن تبي، شن قايلتلك صاحبتك المرة هذي.
قالت: الحبة الوردية (البودرية)..صديقتي تقول إن في حبة قوية شديد للستات.
اوكي يعني انت تبي (الفياجرا النسائية)، شوفي أولا أنا ما عنديش في الصيدلية، وثانيا ما ننصحكش بيها، وشيطت ريقي إنها تقتنع ما فيش فايدة، وراسها والف سيف تبي الحبة وبتدفع فيها أي ثمن (هي اللي ح تنقذ مستقبلي يا دكتورة).
قتلها ارجعي بكرة خليني نشوف شركة أدوية جايبتها نوصيلك عليها، وحتى فرصة ممكن تكوني غيرتي رايك.
ثاني يوم جت، مش مغيرة رايها، ابداً بل محكماته ومصكرة راسها، وبلسان سوداني رقيق تلف وادور عليا :انت يادكتورة ح تنقذي أسرتي من الضياع وترجعيلي زوجي، وأنت الوحيدة في العالم تقدر تساعدني.
وشن الواحد يقدر يقول والا يتصرف معاها، قتلها شوفي انا وصيتلك عليها، بس لو تصبري تاخذيها بالمجان.
وكيف بالمجان؟:
- اه كيف بالمجان، يا ستي في شركة أدوية دايرة عرض وبتوزع علينا عينات غالية شوية من الفياجرا النسائية وتبي تشوف تمشي في السوق وإلا لا،وبدل ما تشري وتصرفي فلوسك على حاجة مش مضمونة، جربي النوعية هذي وشوفي رايك.
عجبتها الفكرة وخشت عقلها ،فوتت عشرة ايام و ولتلي، حاولت من هنا لغادي، قاعدة مصكرة راسها تبي الحبة، قتلها بكرة الموعد تعالي بس متأخر شوية عشان تضمني إن الطلبية تكون وصلت.
وجتني في الموعد، وفعلا خذت مني ظرف كنت حاطتلها فيه مجموعة حبوب وكتبت عليهم من برا بالبيروا الاحمر(عينة فياجرا نسائية) واسم الصيدلية.
واخذت بلقيس دواها وطايرة من الفرحة ، فراشة مش سايعتها الدنيا.
لكن اللي كان في الظرف مش حبوب فياجرا، كان فيه حبوب حمض الفوليك(Folic Acid)، فرغتهم من حكتهم وحطيتلها مجموعة منهم.
وأنا ولا للحظة واحدة راودني أي شعور بالذنب إني ممكن نكون خدعتها، لأني ما خذيتش منها فلوس، وانا ما نبيهاش تخش في هلوسة الأدوية هذي وتضيع أسرتها أكثر، وهذه الفكرة مش من بنات أفكاري، في حاجة معروفة في الطب وعند الأطباء بمادة اسمها(Placebo) وهي عبارة عن حقن أو حبوب لا تحتوي مادة دوائية، ممكن تكون محلول ملحي للحقن، أو سكر أو ملح في شكل حبوب أو مشروب، تعطي للمرضى اللي يزنزنوا وما يقتنعوش الا لو خذوا دواء، وهم حالتهم ما تحتاجش، أو النوع اللي لازم يروح بشكارة دواء ويقعد يزرط فيها ساعة بيش يحس روحه تحسن وصحته أفضل.
باهي رجعت بلقيس تاني يوم ولما شفتها قعدت نزمط في ريقي، بصراحة خفت تكون شكت، لأنها مرا حملت و ولدت ست مرات ما شاء الله، يعني واخذه حبوب فوليك اسد لين طالعات من خشومها، ويا ساتر استر.
فتحت باب الصيدلية وخشت، وجايتني تمشي بالشوية بدون ما تنطق حرف، وهي من عادتها أول ما تفتح الباب: السلام(الزلام عليكم) يا دكتورة، كيف الصحة يا دكتورة.
المرة هذي ولا كلمة، أنا قلت ختمتلي ضاع أملي في الحياة، وبلقيس ناوية تجيب آخرتي، وخطوة خطوة لين وصلت فيا وخذتني بالحضن، وأي حضن قريب طقطقتلي عظامي (وانا قريييب، ما فيش داعي نقول، تعرفوا لما الواحد يتمرعش شن يصير في كلاويه...)
وقالتلي:
يا دكتورة ما عندكش فكرة الحبة ديه عملت عمايل؟؟؟!!!!!.
وأنا مسموطة في مكاني مش قادرة ننطق، وما فقت من الصدمة إلا ربع ساعة بعدها، ما قدرتش انقول فيهم آه، ولا رديت ع المرا وهي الدنيا كلها مش سادتها ووجهها مورد وفرحانة، وخلاص يا دكتورة ح يرجع الزول، (وانا نزمط في ريقي ونقوللها في سري، طيب فينا قريب قطعتيلي ضنوتي).
لما سألتني عن السعر، قتلها فكي روحك، خراب بيوت راهي غالية جداً، 35 دينار الحبة الواحدة، يعني انت الجرعة اللي خذيتيها لو بتدفعي حقها ما توفيش معاك المية دينار، بعدين هذي الجرعة كان المفروض نوزعها ع الزبائن لكني كلها اعطيت هالك، وما تنسيش مفعولها يقعد في جسمك فترة طويلة جداً والمهم ان العقدة انحلت وارجعلك(الزول)!!.
المرأة اقتنعت وقالت: انا لازم احافظ عليه دلوقتي وما اطفشه تاني.
ولما تحدد موعد زواجي وسيبت الشغل في الصيدلية، زعلت جدا وكانت تتصل بيا على كل كبيرة وصغيرة لها علاقة بالأدوية تشاورني قبل ماتشريها.
وصار انهم بيرجعوا للسودان، وأنا كنت نجهز في نفسي مسافرة لبريطانيا، وتبي تشوفني لكن ما حصلتلهاش وقت ابداً، وصلتني منها رسالة:
لا اله إلا الله، أنا مش عارفة يا دكتورة وين نلاقى في السودان حد يفهمني زيك.
في آمان الله يا بلقيس.
الموقف هذا من لما صار مأثر فيا جدا، أنا ما كنتش نبي نخدعها، كنت نبي نساعدها، والحمد لله أظن إني نجحت.. لكن خذيته درس في عمري، ابداً ما ننساه. اخدع نفسك.. من وقت لوقت نحتاجوا ان نتحايلوا على ضعفنا واستسلامنا.
من أول ما وصلت لنيوكاسل وانا نشكي ونبكي ونزن ومنكدة ع الراجل، ونتفكر في جداي، وخليت جداي ، لا رجعت لليبيا وارتحت، ولا سكتت وهنيت (الزول) وريحته، قريب طفشته حتى انا.. وبعدين خشيت دورات الكيك واللغة الانجليزية.. وقعدت نقرا في المكتبة طول النهار، ولما بنروح بنطيب لقمة ناكلوها، وفي الليل نطيح من التعب.. وهكي أيامي تفوت، لما نتصل بأهلي، نشتاق وارايف ونقعد نبكي، بطلت وماعادش نتصل ووفرت على نفسي الدموع وحق المكالمات، لحد ما أهلي شكوا في الأمر؟؟ ليش ما عاش تتصلي بينا؟؟؟.
وبأبسط من هكي.. محطة الحافلة اللي مشوار من الكلية والطريق منحدرة، في الجيان ساهلة تلقى روحك تتسلحب تسلحيب، وفي المرواح اطلع الروح، بديت كل يوم ندورلي رشيدة صغيرة ونقعد نركل فيها زي الكورة قدامي، ونلهى فيها، ونلهي روحي.. لحد لما نوصل المحطة، وبطلت الشكوى والتزنزين والنقان: لا المحطة بعيدة ولا الطريق واعرة، ويوم ورا يوم، الرشيدات نحط فيهم في تريكينة نعرفها لين ولى عندي توا كوم رشاد.
المثل الليبي يقول اكذب على رجلك تمشيك، ومن عندي، عمري ما ننسى: الحبة عملت عمايل

ليست هناك تعليقات:

نفسى

 فلنغير نظرة التشاؤم في أعيننا لما حل بنا من محن إلى نظرة حب وتفاؤل لما عاد علينا من فائدة وخير بعد مرورنا بهذه المحن. ما أحوجنا لمثل هذا ال...