
من قبل الدخول إلى عالم الإنترنت وتسليحهم بما يصح معه أن يحملوا مسئولية استخدام الإنترنت، ولا يعني كلامي هذا أن نمنعهم من استخدامها لأننا لن نستطيع، وإنما أن نعلمَهم آداب وقواعد ركوبِ البحر لمن سيركبونه شئنا أم أبينا. ابنتي : من الطبيعي بعد البلوغ أن يصبح جسدك جسد امرأةٍ، أي أنك تمرين بفترات من الإثارة والرغبة والبحث عن الجنس الآخر، وهذا شيء فسيولوجي أي وظيفي للجسم يستوي فيه كل الناس من بدْء الخليقة، فإذا أضفنا إليه كمية المغريات والمثيرات الموجودة حولنا الآن في المجتمع تصبح المقاومة، وغض البصر، والبعد عن المحرمات من المواقف الصعبة التي تحتاج إرادة وحُسْن تفكير وقوة في قيادة النفس. يا ابنتي الرغبة شعور طبيعي، ولكن محاولة تلبيتها بما حرم الله هي المشكلة، والحل يا ابنتي أن تعتقدي أولا تمام الاعتقاد أن ما تحاولين ليس فقط خيانة لثقة الأهل وخيبة لأملهم فيك، ولكنه حرام، فعليك أن تحسني توبتك إلى الله، إنك قوية العزيمة، فضعي خطة لكي يكونَ لك نشاط مثمرٌ مفيد على الإنترنت تنفعين به نفسك وأمتك الجريحة. ليس في الكون بشر لا يخطئ ولكن خير الخطائين التوابون، وعلى قدر المشقة يا ابنتي يكون الثواب، فإذا تيقنت من حرمة ما تفعلين وضرورة الامتناع عنه، فإنني أنصحك ببعض العوامل المساعدة مثل : 1- لا تدخلي على النت إلا في أضيق الحدود. 2- افتحي قائمة العناوين لديك، وامسحي عنوان هؤلاء الشباب الذين ترغبين في محادثتهم عبر الشات، من قائمتك، واعلمي أن تجنب الفتنة يكون بسد أبوابها تماما، وان ( دفع المضرة مقدم على جلب المنفعة)، وعليه فإن بقاء العنوان في بريدك يعني استخدامك له في لحظة ضعف. 3- تأكدي أنك بعد مسح العنوان بأسبوع ستشعرين بالدهشة لترددك السابق. لأن التعلق بالآخرين عبر النت سيئ وغير صادق، ولا يقدم ما يبحث عنه الشخص. اشطبيه وسرعان ما ستنسينه وتنشغلين بأمور أكثر أهمية ولن تشعري بتعذيب الضمير. 4- استعيني بالدعاء. 5- لا تكثري من الجلوس منفردة في الغرفة التي بها الجهاز، وبعض المربين يفضلون وضع الجهاز في غرفة المعيشة (الصالة)، لأن ذلك فيه نوع من الحماية للنفس من نزغ الشيطان . ولا أخفيك يا ابنتي أننا بمرور الوقت أدركنا أننا في مأزق خطير، وأننا على شفا حفرة من النار، للأسف فإننا نتحرك نحو هذه الهاوية ونحن مخدرون بلذة النشوة التي تبعث في النفس بمجرد التفكير في الدخول إليها، أو بمجرد سماع صوت توصيل الكمبيوتر بها، وأدركنا : 1- صنفأن مصطلح "شبكة عنكبوتية" يعبر أيما تعبير عن تأثير هذه الشبكة على مستخدميها؛ فلهذه الشبكة خيوط واهية رقيقة، ولكنها لزجة تحيط بفريستها بذكاء وإحكام، وتجيد نسج خيوطها حول نقاط ضعفه (ومن منا يدعي أنه بلا نقاط ضعف؟). نحن أمام متغير جديد يوشك أن يقلب حياتنا رأسا على عقب، ونحن كعادتنا دائما مغيبون ولاهون وذاهلون، كالطفل يلهو بقنبلة موقوتة وهو لا يدرك ولا يعي أن هذه القنبلة قد تنفجر فيه في أي لحظة، وهو كذلك لا يدرك أن لهذه القنبلة استخدامات أخرى نافعة ومفيدة غير اللهو واللعب. وأقول لك يا ابنتي أن الناس من حيث الإنترنت أصناف ألقى بنفسه كلية وبدون تفكير في هذا البحر المتلاطم الأمواج، وسمح لأمواجه أن تلعب به وتتقاذفه كيفما تشاء، تسحبه دواماته وتشده إلى القاع؛ تارة للمواقع الإباحية والشات الجنسي، وتارة أخرى لإهدار الطاقات فيما لا يفيد، ولكنه يستهلك جهد وطاقة مستخدمه، ويؤثر سلبا على علاقاته وحياته الاجتماعية. 2- وصنف رفع شعار "السلامة لا يعدلها شيء" بسذاجة ولتذهب الإنترنت بكل ما فيها إلى الجحيم؛ فنحن لا نريد لا إيجابياته ولا سلبياته. 3- وصنف ثالث كان على وعي بالمخاطر؛ فوقف مترددا يقدم رِجلا ويؤخر أخرى، يتقدم أحيانا ويدبر أحيانا أخرى، يحاول أن يتلمس مواقع أقدامه، ويحاول أن يتجنب السقوط في فخاخ الشبكة؛ ولأن هذه الصنف من أكثر الأصناف وعيا وحرصا، ولكن للشبكة ومستخدميها المحترفين أساليب وطرقا يتمكنون بها من اصطياد فرائسهم وإحكام السيطرة عليهم. وأعود فأقول لك : نحن في محنة حقيقية؛ لأننا نتعامل مع أداة جديدة لم ندرك أبعاد تأثيراتها بعد، وأصبح من الأمانة والنصح لهذه الأمة أن تتواصى فيما بينها بسبل جلب منافعها وطرق استثمارها في الخير، وكذلك بأساليب مواجهة أضرارها، وعدم التورط في فخاخها، وهي كثيرة. فلقد آوان الأوان لنفهم الإنترنت كظاهرة هامة وخطيرة وغير مسبوقة، وأن ننتقل من الفرجة عليه، وعلى عالمه المسحور الجذاب إلى استكشاف آفاق استخدامه فيما يفيدنا من معرفة واتصال نحتاجها في كثير من نواحي حياتنا، وآن لنا أن نفهم جميعا، وبخاصة الآباء والأمهات والمربين، والشباب والبنات من مستخدمي الشبكة، أن نفهم ما هي الإنترنت، وما هي آفاق استخدامها لخدمة أهدافنا كأفراد وجماعات وأمة لها قضاياها، آن أن نتغير فيكون لنا أهداف واضحة، وتكون لدينا معرفة عميقة بثقافتنا وشخصيتنا وأمراضنا الاجتماعية والسياسية وأن نكون دينا معرفة حقيقية بالعالم من حولنا، وقدرة على التواصل معه، لأننا نخوض اليوم معركة لم نكن مستعدين لها، معركة ليست بالسلاح التقليدي من صواريخ وطائرات بقدر ما هي معركة بالثقافة والوعي والإبداع والتحضر، وهي مفردات عشنا عقودا لا نتداولها أو نتعاطى معها إلا في أبراج المثقفين العاجية، بينما هي اليوم صلب التحدي المفروض علينا جميعا، فماذا نحن فاعلون؟!! هل يمكن أن ننتقل من مقعد الضحية إلى موقف الفاعل النشيط؟! وأقول لك يا ابنتي أن الإنترنت له شقان، شق إيجابي وآخر سلبي، فلنستفد من إيجابياته ولنبتعد عن دخول
دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا) أخرجه مسلم في صحيحه. وأيضًا فقد قال - صلوات الله وسلامه عليه -: (من دل على خير فله أجر مثل أجر فاعله) أخرجه البخاري في صحيحه، وأخرج مسلم في صحيحه أيضًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء).
فهذه نيةٌ صالحة من فتاة الإسلام، من بناتنا اللاتي نود أن يحرصن على هذه المعاني العظيمة، وأن يكنَّ داعيات إلى الله جل وعلا، وأن يكنَّ قدوة صالحة منذ نعومة أظافرهنَّ، وقد شرحت صدرنا بهذا السؤال الكريم الذي يدل على حرصك وعلى عزيمتك القوية في نشر دين الله عز وجل والذَّب عنه، وإرشاد الناس إلى طريق الخير وطريق الرشاد، ونسأل الله لك المثوبة والأجر العظيم، وأن يجعلك من أئمة الهدى؛ فإن هذه النية الصالحة تدل على الهمة العالية؛ ولذلك قال - صلوات الله وسلامه عليه-: (إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها) أي يكره المحقرات منها. والحديث رواه الطبراني في المعجم. أن الله جل وعلا قد شرع لعباده الخيرات وحثهم ليس فقط على تحصيلها بل حث على استباقها، قال جل وعلا: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} وقال تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} وقال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} فالخيرات يُستبق إليها، ولكن لابد في جميع الأحوال من اتباع السبيل المشروع لتحصيلها؛ فمثلاً لو فرض أن رجلاً أراد أن يدعو الناس إلى الله جل وعلا فدعا من تيسر له، ودخل في دعوة النساء حتى صار يحادثهنَّ ويكلمهنَّ ويتبادل معهنَّ الأحاديث، ثم بعد ذلك نظر فإذا به يجد نفسه قد دخل في أمر يتعلق بأمر المحادثة مع النساء الأجنبيات فلربما قاده ذلك إلى العلاقات المحرمة كما لا يخفى على نظرك الكريم، وهاهي الشواهد قائمة والأسئلة الواردة والوقائع التي لا تحصى، والتي يكون مبدؤها بكلام في الدين والأخلاق والدعوة إلى الله، ثم تنقلب إلى علاقة حميمة حتى يصير حبًّا مستحكمًا وعشقًا مذمومًا، فخرجا بذلك من طاعة الرحمن إلى معصيته.. وهذه هي خطوات الشيطان التي قال تعالى فيها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
فثبت بهذا أن السبيل إلى تحصيل الخيرات لابد أن يكون سبيلاً مشروعًا، وأفضل السبل في ذلك هو التوقي والتحرز وتحصيل المصلحة، فبهذا ينتظم لك خيران اثنان: خير الحفاظ على نفسك وخير تحصيل الدعوة إلى الله وفضيلة ذلك عنده وأجره الذي ادخره للداعين إلى رضوانه، وهذا لا يتم لك إلا بأن تجعلي دعوتك محصورة في المجال النسائي، في مجال أخواتك المؤمنات؛ بحيث تكونين لفتياتك اللاتي في سنك أختًا ناصحة، وتكونين للنساء الكبيرات بنتًا بارة فتقدمين الخير للجميع للكبير والصغير، وبهذا يحصل لك الأمان من جهتين: من جهة الحفاظ على نفسك وعدم تمكينها من أسباب الشر، ومن جهة رعاية حدود
الله جل وعلا والبعد عن المخاطر المحتملة في هذا.
فإن قلت: فأنا أضمن نفسي ولا يمكن أن أتعرض إلى مثل هذه العلاقات المحرمة؟ فالجواب: أن المؤمن إنما يُعامل الفتن والمحرمات بطريق التوقي ولا يعاملها بطريق أن يقدم على أسبابها ويقول أنا ضامن نفسي، فالمؤمن يتوقى أسباب الحرام بألا يحوم حول الحمى، أي لا يقترب من الأسباب التي قد تؤدي إلى الحرام؛ فكيف بالحرام نفسه؟ وهذا المعنى قد بينه - صلوات الله وسلامه عليه – بقوله: (إن الحلال بَيِّن وإن الحرام بَيِّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) متفق على صحته. - صلوات الله وسلامه عليه – أن الحفاظ على حمى الله جل وعلا يؤدي إلى البعد عن محارمه، وهذا هو المطلوب في حقك بأن تبتعدي عن أي شبهة تقربك إلى الحرام؛ لأن الإنسان لا يضمن نفسه، ولأن القلب متقلبًا ولذلك سمي القلب قلبًا أي لكثرة تقلبه، ولذلك كان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم- وهو رسول الله: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) رواه الترمذي في سننه.. وكان من دعائه العظيم - صلوات الله وسلامه عليه: (يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك) أخرجه مسلم في صحيحه.. لاسيما وأن مجال النساء مجال رحيب وواسع، وفيه السبيل العظيم للدعوة إلى الله، بل هو أشد افتقارًا إلى الداعيات الناصحات من المجال الذي فيه الرجال والذكور، فإن الدعاة من الرجال كثر بحمد الله عز وجل، مع الحاجة الماسة أيضًا إلى ذلك، ولكن المجال النسائي هو أشد حاجة إلى هذا المعنى مع رعاية حدود الله جل وعلا التي أشرنا إليها، وهي عدم إقامة أي علاقة أو محادثة مع أي رجل ولو كان ذلك باسم الدعوة أو باسم الأخوة في الله أو باسم دلالة الناس على الخير.. فاعرفي هذا واحرصي عليه، فإن الخير لا يُنال إلا بما شرع الله ولا ينال إلا بالاحتياط والبعد عن محارم الله، فها هو المجال النسائي أمامك مفتوحًا رحبًا واسعًا يدعوك لتكوني داعية إلى الله جل وعلا وتكوني لَبِنَة من اللبنات التي يؤسس عليها الخير والرشاد ويقام عليها هذا الدين العظيم.
ونود أن تحرصي على الاطلاع على الكتب النافعة التي تجعلك داعية إلى الله جل وعلا حتى تدعي إلى الله على بصيرة؛ قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وقد أشرنا في بعض الأجوبة التي تحض على هذا المعنى فارجعي إليها فإن فيها نفعًا لك بإذن الله، والله يتولاك برحمته ويرعاك بكرمه، ونسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يشرح صدرك، وأن ييسر أمرك، وأن يجعلك ممن قال فيهم جل وعلا: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين}.
أن المسلم يستطيع أن يخدم دينه بما يلي:-
1- التمسك بالإسلام وتحويله إلى منهاج لحياته ليكون قدوة لغيره ودعاية لإسلامه بحسن سمته وكمال أخلاقه.
2- الاهتمام بإظهار جوانب الإشراق والجمال في شريعة الكبير المتعال.
3- بذل الأموال والطاقات في نصر ونشر شريعة رب الأرض والسموات.
4- إخلاص الدعاء لإخوانك المسلمين، والتضرع من أجل هداية العاصين.
5- نشر العلم الشرعي وذلك بتوزيع المطويات والكتيبات والأشرطة النافعة.
6- إبلاغ الإسلام للعمالة الوافدة لديار الإسلام بلطف وأدب واحترام.
7- إنشاء موقع على الإنترنت يقوم بتوفير الخدمات العلمية والدعوية، ويبرز فتاوى العلماء ويجمع ما تفرق في المواقع الأخرى.
8- التنبيه على المواقع المفيدة وتحذير الناس من المواقع السيئة.
9- استخدام مجال تخصصك ومواهبك في خدمة الإسلام.
دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا) أخرجه مسلم في صحيحه. وأيضًا فقد قال - صلوات الله وسلامه عليه -: (من دل على خير فله أجر مثل أجر فاعله) أخرجه البخاري في صحيحه، وأخرج مسلم في صحيحه أيضًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء).
فهذه نيةٌ صالحة من فتاة الإسلام، من بناتنا اللاتي نود أن يحرصن على هذه المعاني العظيمة، وأن يكنَّ داعيات إلى الله جل وعلا، وأن يكنَّ قدوة صالحة منذ نعومة أظافرهنَّ، وقد شرحت صدرنا بهذا السؤال الكريم الذي يدل على حرصك وعلى عزيمتك القوية في نشر دين الله عز وجل والذَّب عنه، وإرشاد الناس إلى طريق الخير وطريق الرشاد، ونسأل الله لك المثوبة والأجر العظيم، وأن يجعلك من أئمة الهدى؛ فإن هذه النية الصالحة تدل على الهمة العالية؛ ولذلك قال - صلوات الله وسلامه عليه-: (إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها) أي يكره المحقرات منها. والحديث رواه الطبراني في المعجم. أن الله جل وعلا قد شرع لعباده الخيرات وحثهم ليس فقط على تحصيلها بل حث على استباقها، قال جل وعلا: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} وقال تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} وقال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} فالخيرات يُستبق إليها، ولكن لابد في جميع الأحوال من اتباع السبيل المشروع لتحصيلها؛ فمثلاً لو فرض أن رجلاً أراد أن يدعو الناس إلى الله جل وعلا فدعا من تيسر له، ودخل في دعوة النساء حتى صار يحادثهنَّ ويكلمهنَّ ويتبادل معهنَّ الأحاديث، ثم بعد ذلك نظر فإذا به يجد نفسه قد دخل في أمر يتعلق بأمر المحادثة مع النساء الأجنبيات فلربما قاده ذلك إلى العلاقات المحرمة كما لا يخفى على نظرك الكريم، وهاهي الشواهد قائمة والأسئلة الواردة والوقائع التي لا تحصى، والتي يكون مبدؤها بكلام في الدين والأخلاق والدعوة إلى الله، ثم تنقلب إلى علاقة حميمة حتى يصير حبًّا مستحكمًا وعشقًا مذمومًا، فخرجا بذلك من طاعة الرحمن إلى معصيته.. وهذه هي خطوات الشيطان التي قال تعالى فيها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
فثبت بهذا أن السبيل إلى تحصيل الخيرات لابد أن يكون سبيلاً مشروعًا، وأفضل السبل في ذلك هو التوقي والتحرز وتحصيل المصلحة، فبهذا ينتظم لك خيران اثنان: خير الحفاظ على نفسك وخير تحصيل الدعوة إلى الله وفضيلة ذلك عنده وأجره الذي ادخره للداعين إلى رضوانه، وهذا لا يتم لك إلا بأن تجعلي دعوتك محصورة في المجال النسائي، في مجال أخواتك المؤمنات؛ بحيث تكونين لفتياتك اللاتي في سنك أختًا ناصحة، وتكونين للنساء الكبيرات بنتًا بارة فتقدمين الخير للجميع للكبير والصغير، وبهذا يحصل لك الأمان من جهتين: من جهة الحفاظ على نفسك وعدم تمكينها من أسباب الشر، ومن جهة رعاية حدود
الله جل وعلا والبعد عن المخاطر المحتملة في هذا.
فإن قلت: فأنا أضمن نفسي ولا يمكن أن أتعرض إلى مثل هذه العلاقات المحرمة؟ فالجواب: أن المؤمن إنما يُعامل الفتن والمحرمات بطريق التوقي ولا يعاملها بطريق أن يقدم على أسبابها ويقول أنا ضامن نفسي، فالمؤمن يتوقى أسباب الحرام بألا يحوم حول الحمى، أي لا يقترب من الأسباب التي قد تؤدي إلى الحرام؛ فكيف بالحرام نفسه؟ وهذا المعنى قد بينه - صلوات الله وسلامه عليه – بقوله: (إن الحلال بَيِّن وإن الحرام بَيِّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) متفق على صحته. - صلوات الله وسلامه عليه – أن الحفاظ على حمى الله جل وعلا يؤدي إلى البعد عن محارمه، وهذا هو المطلوب في حقك بأن تبتعدي عن أي شبهة تقربك إلى الحرام؛ لأن الإنسان لا يضمن نفسه، ولأن القلب متقلبًا ولذلك سمي القلب قلبًا أي لكثرة تقلبه، ولذلك كان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم- وهو رسول الله: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) رواه الترمذي في سننه.. وكان من دعائه العظيم - صلوات الله وسلامه عليه: (يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك) أخرجه مسلم في صحيحه.. لاسيما وأن مجال النساء مجال رحيب وواسع، وفيه السبيل العظيم للدعوة إلى الله، بل هو أشد افتقارًا إلى الداعيات الناصحات من المجال الذي فيه الرجال والذكور، فإن الدعاة من الرجال كثر بحمد الله عز وجل، مع الحاجة الماسة أيضًا إلى ذلك، ولكن المجال النسائي هو أشد حاجة إلى هذا المعنى مع رعاية حدود الله جل وعلا التي أشرنا إليها، وهي عدم إقامة أي علاقة أو محادثة مع أي رجل ولو كان ذلك باسم الدعوة أو باسم الأخوة في الله أو باسم دلالة الناس على الخير.. فاعرفي هذا واحرصي عليه، فإن الخير لا يُنال إلا بما شرع الله ولا ينال إلا بالاحتياط والبعد عن محارم الله، فها هو المجال النسائي أمامك مفتوحًا رحبًا واسعًا يدعوك لتكوني داعية إلى الله جل وعلا وتكوني لَبِنَة من اللبنات التي يؤسس عليها الخير والرشاد ويقام عليها هذا الدين العظيم.
ونود أن تحرصي على الاطلاع على الكتب النافعة التي تجعلك داعية إلى الله جل وعلا حتى تدعي إلى الله على بصيرة؛ قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وقد أشرنا في بعض الأجوبة التي تحض على هذا المعنى فارجعي إليها فإن فيها نفعًا لك بإذن الله، والله يتولاك برحمته ويرعاك بكرمه، ونسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يشرح صدرك، وأن ييسر أمرك، وأن يجعلك ممن قال فيهم جل وعلا: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين}.
أن المسلم يستطيع أن يخدم دينه بما يلي:-
1- التمسك بالإسلام وتحويله إلى منهاج لحياته ليكون قدوة لغيره ودعاية لإسلامه بحسن سمته وكمال أخلاقه.
2- الاهتمام بإظهار جوانب الإشراق والجمال في شريعة الكبير المتعال.
3- بذل الأموال والطاقات في نصر ونشر شريعة رب الأرض والسموات.
4- إخلاص الدعاء لإخوانك المسلمين، والتضرع من أجل هداية العاصين.
5- نشر العلم الشرعي وذلك بتوزيع المطويات والكتيبات والأشرطة النافعة.
6- إبلاغ الإسلام للعمالة الوافدة لديار الإسلام بلطف وأدب واحترام.
7- إنشاء موقع على الإنترنت يقوم بتوفير الخدمات العلمية والدعوية، ويبرز فتاوى العلماء ويجمع ما تفرق في المواقع الأخرى.
8- التنبيه على المواقع المفيدة وتحذير الناس من المواقع السيئة.
9- استخدام مجال تخصصك ومواهبك في خدمة الإسلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق