الثلاثاء، 11 فبراير 2014

مواقف بومدين


كما قال الله سبحانه وتعالى "فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً" صدق الله العظيم. جاءت هزيمة1967 لتضع العرب حكاماً وشعوباً أمام مسئولياتهم. فبعد أن كان الواقع العربي هو التشتت والانقسام.. ودول رجعية ودول تقدمية، وخديعة وتآمر بين الأشقاء. انقلب الحال بين لحظة وضحاها فسارع الملوك والرؤساء العرب إلى تقديم التأييد والدعم لمصر كل بما يملك. وكل بما يتصور. وإن اختلفت وجهات النظر لكن الجميع كان متفق على أن تظل مصر صامدة حتى تبقى الأمة العربية كلها صامدة.

وبدءً من الأسبوع الأول من شهر يوليو67 وصل إلى القاهرة رؤساء وملوك كل من سوريا والعراق والجزائر والأردن.. تم عقد جلسات ثنائية وثلاثية ودارت فيها حوارات كثيرة، كان أبرز ما فيها هو تشكك الرئيس الجزائري هواري بومدين في موقف الملك حسين، وأيضاً تشكك الملك حسين في موقف سوريا أثناء الحرب.. لكن الرئيس عبد الناصر استطاع تهدئة هذه الشكوك وطالب الملك حسين بشدة أن يسارع باسترجاع الضفة الغربية بكل الطرق السياسية وأن عليه أن يحاول مع أمريكا بكل الوسائل لإرجاع الضفة الغربية، لأن إسرائيل يمكن أن تلتهمها لو طال الوقت، عكس سيناء التي يمكن أن تنتظر حتى نستعد ونستردها بالقوة.

ثم طرح على مائدة الحوار الموقف السوفيتي وحاجتنا إليه خصوصاً أن إسرائيل لن تتراجع إلا بالقوة ولهذا نحتاج إلى دعم كبير بالأسلحة السوفيتية حتى نجهز للحرب. لكن كان واضحاً أمام الرؤساء وقد اتفقوا جميعاً على أن روسيا حريصة بشدة ولا تريد التورط أمام أمريكا وفى نفس الوقت لا تريد التخلي عن مصالحها في الشرق الأوسط. وانتهت المناقشات باقتراح أن يتوجه الرئيس بومدين ومعه الرئيس العراقي عبد الرحمن عارف إلى موسكو لمقابلة الزعماء السوفيت وشرح وجهة النظر العربية خاصة وأن يونيو67 جعل الأحداث أكثر سخونة عما قبل بكثير.

وتوجه الرئيسان على طائرة واحدة في 17 يوليو إلى موسكو، وفى الطريق التقيا بالرئيس اليوغسلافي تيتو. وفى مساء 18 يوليو عادا إلى القاهرة والتقيا بالرئيس عبد الناصر لإبلاغه بما تم. فقال بومدين : "إن الرئيس تيتو نصحنا بأن نتكلم بشدة مع القيادة السوفيتية دون أن نيأس من ردود فعلهم المباشرة. فهم سوف يدرسون ما نقوله لهم ويبحثون مع رفاقهم بعد أن نمشى، وسوف يتفهمون ما قلناه ولكن ببطء، وهذه عادتهم. ثم قال لنا تيتو أنه لا ينبغي لنا أن ننسى أن الروس لم يدخلوا منذ قرون معارك بالمبادأة، وأنه تاريخياً لم تدخل روسيا إلا حروباً دفاعية".

وقال الرئيس بومدين إنه والرئيس عارف بدءا اجتماعهما مع بريجنيف بأن قالا له إنهم يريدان مناقشة صريحة بحيث يتمكن الطرف العربي المصمم على تحرير أراضيه من بناء موقفه السياسي والعسكري، وهم لا يتحدثون عن الموقف العسكري لمجرد الحرب، وإنما هم يعتقدون أن الموقف العسكري مقدمه لا يمكن تجاوزها لبناء موقف سياسي.. ثم قال بومدين إنه بعد هذه المقدمة وجه لبريجنيف سؤالاً قال فيه إنه "يريد أن يسأل الرفيق بريجنيف عن الطرف الذي هُزم في 5 يونيو" وتردد بريجنيف في الإجابة والغالب أنه احتار. قلت له : إنني سأجاوب عنه هذا السؤال وقلت له : نحن هُزمنا بالجملة. هزمنا هزيمة جماعية نحن وأنتم معا. لا تقل لي إننـا نحن المسئولون، لا أريد أن أسمع هذا الكلام. وأود أن أطرح عليك فرضية أخرى لو أن إسرائيل كانت هي في موقف العرب الآن بعد المعركة، هل تعتقد أن أمريكا كانت ستتصرف كما تتصرف روسيا الآن ؟. هل تتصور أنهم كانوا سيذهبون إلى الأمم المتحدة ويخطبوا في الجمعية العامة وفى مجلس الأمن ويشغلوا أنفسهم بصياغة قرارات ؟ أم أنهم كانوا سيتصرفون على نحو آخر ؟

ثم قال بومدين : أنا التفت إلى جريتشكو وهو جالس بملابسه العسكرية وكوم من النياشين فوقها، وقلت له يا رفيقنا المارشال حدثنا عن تأثير معركة سيناء على البحر الأبيض المتوسط. نحن أخطأنا، أنتم أخطأتم هذه مسألة للتاريخ. الآن البحر الأبيض في خطر. إذا كان الأسطول الأمريكي السادس يستطيع أن يفعل ما فعل في مصر فما الذي يمنعه أن يكرر نفس الشيء باكر أو بعد باكر مع الجزائر ؟ أنا لست في حاجة إلى أن الفت نظرك إلى أن الذي يملك البحر الأبيض بمفرده اليوم سوف ينفرد غدا بالسيادة على أوروبا والشرق الأوسط كله وآسيا وأفريقيا أيضاً. وفى هذا الموضع دخل كوسيجين على الخط وقال عبارة فيها اسم إسرائيل، ولم انتظر الترجمة وإنما قلت له : لا تذكر اسم إسرائيل فإسرائيل دورها ثانوي في كل ما حدث، وسوف أقول لك التعبير الذي جاءني مكتوباً من الجنرال ديجول رئيس

ليست هناك تعليقات:

نفسى

 فلنغير نظرة التشاؤم في أعيننا لما حل بنا من محن إلى نظرة حب وتفاؤل لما عاد علينا من فائدة وخير بعد مرورنا بهذه المحن. ما أحوجنا لمثل هذا ال...