الأحد، 28 أبريل 2024

الجسد البشرى

 يحاول هذا المقال دراسة معنى الجسد في التراث الإسلامي الجزائري من خلال الخطاب الفقهي في متون المتكلم الحنبلي ابن القائم. ولكن لماذا ابن القيم نفسه؟ لأنه في رأيي يتحدث عن الجسد غير المعلن، وعلى الرغم من دعوته كفقهي وحلبي حكيم، فقد كتب ابن القائم عن جمال الأنثى وذكر الرغبة الجنسية. إن البحث عن الجسد في هذا الخطاب يضعنا مباشرة في مواجهة القداسة التي يتم تعريفها كفاعل مهم يفرض ويتطلب في كثير من الأحيان الطاعة والولاء؛ وكل حديث يخصه يجب أن يتصف بالطهر والنبل والطهارة. مما يقتضي أن كل سؤال نقدي حول الجسد في النصوص الفقهية يجب أن يكون متعلقًا بالمقدسات؛ ما هي الإستراتيجية الخطابية التي استخدمها ابن القائم في نصه؟ فهل هو فقيه عاقل أم فقيه منفتح على بدنه؟ فهل يوجد معنى واحد للجسد في خطابه؟

الكلمات الدالة

الكلمات المفتاحية :

الجسد ، المقدس ، ابن القائم ، الفقه ، الظواهر ، الحب ، الجنس.

الكلمات الدالة:

الجسد ، القداسة ، ابن القائم ، الفقه ، الظواهر ، الحب ، الجنس.

الكلمة المفتاحية:

cuerpo ، ساجرادو ، ابن القائم ، الفقه ، الفينومينولوجيا ، الحب ، الجنسي

الفهرس حسب الكلمة الرئيسية:

الجسد , المقدس , ابن القيم , فقه , الفينومينولوجيا , الحب , الجنسانية
أعلى الصفحة

ملاحظات المحرر

ابن القيم، هو شمس الدين، أبو عبد الله، محمد بن أبي بكر، بن أيوب، بن سعد، بن حريز الزّرعي، الدمشقي، بابن القيم الجوزية، لأن أباه كان قيّما على مدرسة "الجوزية" بدمشق، فقيه حنبلي، ولد بدمشق سنة 691هـ، أشمل بثقافات متعددة، علم الحديث، علم الرجال أو الجرح والتعديل، علم الكلام، إضافة إلى الفقه والكم كانت له معرفة بالتوراة والإنجيل والمزامير، أتقن العبرية والسريانية والفارسية، لغة لابن تيمية، وأستاذ لابن كثير، غرب قدامة المقدسي. توفي بدمشق سنة 751 هـ.

نص كامل

1لماذا الجسد والمقدس في الخطاب الفقهي ؟ لأن الجسد بدأ حدث في الفلسفة اليوم، إنـه اكتشاف شكل رؤية جديدة في فهمنا لذواتنا ولغيرنا العالم. لقد كان دوما المغـمور، الغريب، المدنس والمسكوت عنه، الثاني في التراتبية الوجودية، الضار والناقص في التراتبية الحيوانية والنسبي في التراتبية الجمالية. ولكنه سيتحول من الهامش إلى مركز الفلسفة الفينومينولوجية بداية بميرلوبونتي ميرلو بونتي، إلى ذات فاعلة، سوف يعود مجرد موضوع ماديه العلوم، أو تتجاذبه الفلسفات الثنائية، بل سيتخذ دلالات متعددة، وسيخترق مختلف، فلسفية، دينية، وحقول الأدب والعلوم الإنسانية .

2بناء على هذه الرؤى الجديدة، توفيت أن دلالاته في التراث الإسلامي من خلال الخطاب الفقهي عند الفقيه الحنبلي ابن القيم الجوزية، لكن لماذا نص ابن القيم ؟ لأنه يتصور خطابا حول جسد مسكوت عنه، رغم نزعه الفقهية الحنبلية المحتاطة، وقد كتب في الجمال الأنثوي وتحدث في الحب الجنسي. إن بحث الرأس في هذا الخطاب يضعنا مباشرة أمام المقدس الذي يتم ظهر كمؤثر فاعل، فيرض نفسه، يطلب دوما الطاعة والولاء، يتوخى من كل خطاب ينسب إليه أن يسم بالطهارة والسمو والصفاء، الأمر الذي يقتضي من كل مساءلة وتشرف شخصيا في النص الفقـهي أن تبحث إشكالية وانتهى بالمقدس، وأتمنى في هذه القراءة أن يموت في السؤال التالي :

ما هي النظرية التي يعتمدها ابن القيم في دعوىه للجسد ؟ كيف تتحدث عن الجمال والحب والجنسانية ؟ هل هو حديث الفقيه المحتاط أم حديث الفقيه المنفتح على جسده؟ وهل هناك نموذج واحد لمدلول الجسد في خطابه ؟

1. الجسد : الغياب والحضور

  • تشيرباز، فرانسوا، لو كوربس ، باريس، PUF، 1 ère édition، 1968، ص. 2.
  • 2 باتو كا ، جان، الدراسات الظواهرية ، بروكسل، إصدارات Ousia، 1985، ص. 42.
  • 3. ليديريسون، سيرج وزيرنيك، إيريك، لو كوربس دي فيلسوفس ، باريس، PUF، 1 ère édition، 1993، ص.  (...)

3لم يفهم الجسد في الثنائية الكلاسيكية الدينية كانت أو فلسفية إلاّ في جدليته مع الروح، لقد كان يمثل اللاروح لو غير الروح، فأدوما الثاني في التراتبية الوجودية، السيئ في التراتبية الحيوانية والنسبي في التراتبية الجمالية، يقول فرانسوا تشيرباز في كتابه: الجسد لو كورب : " إن العلوم البيولوجية الحديثة - البيولوجيا الجزيئية - إعادة التنظيم عن عضوي لا إنسان " 1 . إن الأسئلة التي طرحت حول الجسد في الفلسفة اليونانية تكمن في الكل والأجزاء، فالجسد موضوع مادي مجزأ، إنه المكوّن المادي للنفس الذي يمثل الكل والوحدة، وفي نفس الوقت يقول باتوتشكا:" إن الجسد الذي كان يعنيه هؤلاء المفكرون – يعني مفكري اليونان – هو الجسد الموضوعي "، جسد من أجل الربح، الجسد الغريب في العمق، نظرية الجسد الثالثthéorie de la troisième personne" 2 ، هذه الرؤية هي حكمت النص الأفلاطوني حيث يسجن عدّة أشخاص للنفس، يحجزها بداخله وييقق لها الحقائق، ويجب أن يقاد بدل أن يقود، ففي كتابه –Phèdre- وهو يتحدث عن الأنفس الثلاثة من خلال مثال السائق الماهر الذي يقود عربة بفرسين: فرس أسود وفرس أبيض، يعتبر أفلاطون قائدًا ذاتيًا من العاقلة من الطبيعة السماوية فينا، في حين أن الفرسين يمثل نفسين الموتتين، أما الفرس الأبيض فهو أيموس لو ثوموس نفس. استقروا في جسد القدرة على الدفاع عن الإنسان وتضمن إرادة الحياة، وأما الفرس الأسود في مثل الإبيتوميا l'épitumia، فهي نفس العب بالجسد وشهواته الأرض السفلى، شهوات الأكل والشرب والجنس، نفس متهورة في حال انفلاتها عن العربة إليها والفقدان، إن النفس العاقلة هنا عليها أن يقود العربة حكماً حتى الوجود المتوازن في المسير الأمامي هوّر الجسد الذي يهدّد بالفناء والفقدان 3 . يرى هذا التحليل في جسد رؤية الروح في مقابل رؤية الروح الخلود، رؤية التوقف في مقابل رؤية الخلود، فالروح جوهر خالص، ولذة الحسية تحط على الإنسان نحو الأسفل، نحو التدنيس والخطيئة التي تسعى بالجسد.

  • 4. ميرلو بونتي، موريس، Phénoménologie de la إدراك ، باريس، غاليمار، 1945، ص. 173.

4سيعرف الجسد حضورا مركزيا مع الفلسفة الفينومينولوجية بداية مع كتب ميرلوبونتي ميرلو بونتي التي استطاعت تجاوز التباس الثنائي في تفسير الكينونة الإنسانية لمؤسسة واحدة لتعليم الجسد، لكن دون سقوط في مادية تقابل الممثلين، لقد قدمت تفسيرا جديدا، فلم يتواصل عن ذلك – الجسد الموضوعي – le corps objectif الذي استهدفته التأملات الفلسفية، ورفضته الرؤى مكانى المشاهير، واستنكرته للحيوانات وأرادت أن تتحكم فيه الدراسات العلمية، بل جسد ذاتيون corps subjectif عبّر عنه ميرلوبونتي. غلاف لذواتنا". 4

  • 5. ميرلو بونتي، موريس، الطبيعة ، باريس، طبعات دو سيويل، 1994، ص. 380.
  • المرجع نفسه، ص. 379.
  • سعيد، جلال الدين، فلسفة الجسد ، تونس، دراميّة للنشر، ط ، 1992 ، ص. 87 .

5النظرة إلى الجسد فينومينولوجيا تعني التفكير فيه لا كطبيعة ولكن كبنية كومي هيكلة مكونة من عمليات ذات طابع إداراكي وجودي، أي أن هناك ترابطا بين التمييز وجسد العالم باعتبار أن الوعي هو دائما وعينا، فلسفة الفينومين تنطلق من أنه، ليس هناك طبيعيتان، عقل وجسد مؤكد، بل هناك طبيعة واحدة" 5 وأن العلم – ونجزيئيا – قد بناء على بناء الجسد ليس آلة، بل هناك حياة في الجسد أي، لكن التفكير الوصفي لا يستطيع أن يستطيع أن يصبح في الحياة متخصص في البحث في المادة العلمية، لقد أصبح هذا الإنسان مشهوراً خافية عن العلم الذي لا بد من تفكير آخر، من فلسفة أن تفسّر حقيقة إيجابية الثانية في الجسد، إن الحياة بالنسبة للماديين مستقلة عن الوعي، المجمع للمثاليين مجرد موضوع للوعي أما ميرلوبونتي فيقول : " الآن الجسد جوهري، وليس وعي، يجب أن يفهم كمدرك للطبيعة من حيث أنه يعيش أيضًا" 6 . إن هذا المعنى يعد لمجرد لوحة للذات بل أصبح مكانًا لوجودنا في العالم واتصالنا به،أن يكون جسدًا معناه أن يكون مرتبطًا بعالم، إنه ليس مادة بل فضاء أحس به من الداخل قبل أن أراه من الخارج. الجسد الذاتي جسد يحيى، الباحث، بوضوح، حسّاس إحساسا مزدوجا، إنه يستخدم وينظر إليه، يمس ويمسّ، فعندما لمس يدي اليمنى بيدي مرخص، فإن يدي اليمنى تحس باللمسة كما تحسّ برخصة اللاّمسة، حتى يصبح جسدًا كاملاً ويمسموسا 7 ، إن الجسد هنا ليس موضوعا للفعل بل ذاتا فاعلة.

  • تعلم أكثر حول هاتين الوظيفتين، حصلت : سعيد جلال الدين، فلسفة الجسد، من ص 31 إلى ص 47 ، وأنظر أيضا (...)  

6الجسد ليس الجسد الذي هو لي، بل الجسد الذي هو ذاتي، هذا هو الإبعاد الفاعل للجسد الذي حضره لا جزئيًا تعميق آلي بل بشكل كلي، والفاعل هنا لا يرتبط بأجزائه بل كل منه جزء يعبّر عن الكل فيه، هذه الفاعلية تضامنها الفينولوجية في وظيفتين ، اللغة والتجربة الجنسية. 8

2. الجسد في الخطاب الفقهي : الاحتياط والانفلات

  • الزاهي، فريد، الجسد والصورة والمقدس في الإسلام ، الدار البيضاء، (المغرب)، (د-ط)، دار الشرق ، (...)
  • 10. شبل، مالك، Le corps en Islam ، باريس، PUF-Quadrige، 1 ère édition 1986، ص. 15.
  • 11 المرجع نفسه، ص. 24.

7إن التفكير في الجسد في الفكر الإسلامي يحكمه تعدد الخطاب الدين الذي يتداخل فيه الفقهي والبلاغي والتاريخي والفلسفي والصوفي، يتداخل فيه المقدس والمدنس، الحلال الحرام، الخبرات والسلطة الاجتماعية، الأمر الذي يستدعي مساءلة هذا الخطاب من مطلق أن هناك جسد دينيا بدلالات متعددة بحكم وجوده جسدا له محدده من جهة ويمثله ورموزه وتخييلاته المتنوعة تنوع الفضاء التاريخي والمكاني، إن جسدا لهذا المعنى ليس جسدا عضويا بل جسدا ثقافيا رمزي فاعل 9 حسبه والفينومينولوجي لكن محدداته لا تنفصل عن تمظهرات المقدسة، ولكن هدفا مركزيا للنص في جزء من الشعراء والجمال والجنس، فهو هو. "نقطة الانطلاق في إجلال المطلق" 10 كما يقول مالك شابال. لكن جسدا ستتعدد مفاهيمه وأهدافه تاريخيا فلم يعد جسدا من أجل تقديس العظمة الإلهية، بل أصبحت له تجليات أخرى أبرزها جسد المجون والمرح حيث سنشهد إبداعا سريعا حول اللذات جسديا وقلة الإهتمام بالمقدس ومحدداته، حتى أن ابن عربي قال يوما أن مسلم زمنه يفضلون الحدائق على المساجد. 11

  • 12 المرجع نفسه، ص. 24.
  • 13 ابن حزم، طوق الحمامة في الألفة والآلاف ،تحقيق، فرشوخ، محمد أمين، بيروت، دار الفكر العربي، ط ، 1995 ، (...)
  • 14 ابن القيم، روضة المحبين ونزهة المشتاقين ، تحقيق، سمير مصطفى رباب، بيروت، المؤسسة العصرية للطباعة والطباعة (...)
  • 15 تعرف على هذه النموذج النموذجي للجسد بتفصيل أكثر شاهد Le corps en Islam  , Malek, Chebel, وفريد ​​الزّا ( ...)   

8أطلق مالك شابال على هذه الفترة، فترة الخطابي تيريني أبعاده الرغبة والروحية، وتمثلت في كتب شعرية، الصوفية والفقهية أيضا، أي أن موضوع الحب والمرأة لم على الشاعر المقبل بل تعداه إلى الفقيه، وقد كتب عدد من الفقهاء حول أوصاف الجسد الأنثوي، والحب وأحوال أحواله، والعشق كلاركه وهواجسه، سّماهم مالك شابال بفقهاء الحب 12 les théologiens de l'amour من هؤلاء، ابن داوود الظاهري (توفي سنة 297 هجرية) وكتابه : -الزهرة-، ابن حزم (توفي سنة 456 هجرية) وكتابه:-طوقة الحمام -، إضافة إلى ابن القيم (توفي سنة 751 هجرية) كتبه:-أخبار النساء-،-روضة المحبين- و-هادي الأرواح-، بما في ذلك حضور كتابة مسكوت عنها حول الجسد في الخطاب الفقهي، لكن الفقيه يختلف في كتابه عن الشاعر كونه الشاعر ينطلق من احتياط ديني سببه مسألة "القدوة" التي تضفيها على شخصه وكتاباته، إنه سيهدف في خطابه أن يكون نموذجا لأصلها الشرعي ت أضاف إلى شرعية النص، إن الفقيه لا يستطيع إلا القدس أن تكون هناك وظيفة في ضمان تشكيل جسد اجتماعي للتواصل مع الامتياز. ولهذا السبب فإن هذا الاحتياط أكثر عندما يكتب الفقيه في موضوعات الحب والمرأة والجنسانية، وهذا ابن حزم مثلا يبرّر كتابه لطوق الحمام وحدها مجرد طلب صديق له ولولاه لما تكلّف تلك المشقة، وهي مشقة تنتج عن إحساس بالخروج عن مقتضيات "القدوة" حيث يقول في الكتاب التالي : "لو الإيجاب لك كما غفرته، فهذا من العفو والأولى بنا مع قصر أعمارنا ألاّ نصرفها إلاّ فيما أرجو به رحب المقلب وحسن المآب غدا" 13 ، تردد نفسه نجده عند ابن القيم في كتابه – روضة المحبين ونزهة المشتاقين – وهو غالبا ما يتحدث عن الحب ومراتبه وسمائه فلا يلبث أن تربط محبة النسوان بمحبة الرحمن، ليستدرك أن الله يفضل أهل محبته على السائر المحبين تفضيلا. 14 لكن هذا لا يعني أن كل كتب ابن القيم أو حزم الابن غير محترقة، ولكنها موجودة في جانب آخر خيالا واسعًا حول الجسد ولذات الجنسية. هناكان طابع يحكم لان الخطاب الفقهي في هذا المجال، الاتياط والخضوع للمقدس وطابع التخييل والانفلات من المقدس، الأمر الذي دفعنا إلى مساءلة رؤية للجسد في الخطاب الفقهي وفق رؤية فينومينولوجية تأخذ بعين الاعتبار الفاعلية جسديا، بناء على هذه الرؤية يقسم مالك شابال الجسد إلى أربعة مجالات : 15

  • جسد لو كورب : ويعني به المعطى الأول للجسم، الذي يتحملنا، إنه غلافنا، علامتنا وتوقيعنا في العالم، وهو يعتمد على مفهوم عند المتكلمة والفلاسفة المقاومة.

  • جسدي لو كوربوريل : ويعني به تعبيرية جسدية وحضوره في العالم، وهو ذلك الجسد الاجتماعي مقابل الأمطر الاجتماعي بما فيه من شبكات وعلاقات ورموز.

  • جسديلا كوربوريتيه : حظر بها كل ما يتعلق بالعالم الغريزي ذكوريا كان أنثويا، نعم ذلك الجسد الحميمي الذي لا تعبده أن الأخرى – بتعبير شابال – وتشارك بالتعاون مع كل ما يتعلق بالحب والجنسانية.

  • الجسدانية la corporalité : هي الإجراءات العليا للجسد في كل تمظهراته التأويلية، إنها التصور النظري حول الجسد.

9جربا من هذه الشبكة مفاهيم للجسد الفاعل، وتعلمي على قراءتي العديد من نصوص ابن القيم الخاصة منها: أخبار النساء، هاحي الأرواح إلى بلاد الأفراح، روضة المحبين ونزهة المشتاقين، الفوائد، الجواب البديل ابتكارني أكتشف كتابة حول جسد حضوره وفاعليته تتمحور الأساس حول مدلولي الجسدي والجسدي la Corporéité.

3. الجسدي أو الجسدي في خطاب ابن القيم

  • 16 فوكو، ميشيل، التوقيع والمعاقبة ، ترجمة، علي المقلدّ، بيروت، مركز الإنماء القومي، (د-ط)، 1990، ص. 34.

10إن – جسدي - le corporel أربعة فعل التواصل الوظيفي بالإضافة إلى الاجتماعية، سيظهر في الحديث الفقهي لابن القيم وهو يتناول العلاقات الجنسية وما يتعلق بها من التطبيقات ونظم بناء على ما يلزمه المقدس للصلاة من منع أو إباحة، والحديث عن- جسدي – في هذا المستوى يعني تحليل خطابية فقهية تشمل الجسد، ونظرية على تكيفه وتنميته من خلال السلطة المقدسة التي يستندون إليها الخطاب، فالكلام عن الخطاب هو كلام عن السلطة التي يمكن أن تتحول إلى نص موضوعه الجسد – حسب ميشال فوكو –، إن الجسد بالنسبة للخطاب في مجال إنتاج النظام وتنظم، ووطن ممارسة السلطة ومراقبتها، ولو أردنا أن نتتبع الحقيقة السلطة، فما علينا إلا تشريح الجسد ليس تشريحا عضويا بل تشريحا فضائيا ينطلق من الجسم الرئيسي المباشر في اتصال مع فضائه الاجتماعي والسياسي الاقتصادي 16 ، إنطلاقا من أجل السلطة هي الجسم الذي يعاد كتابة تاريخه لا جسما – وعيا ولكن جسما – منضبطا.

  • 17 ابن القيم، كتاب الفوائد ، تحقيق، فواز، أحمد زمرلي، بيروت، دار ابن حزم، ط1، 2002، ص. 199.

11إن الخطاب الفقهي لابن القيم يشمل نهضة للجسد بالفعل لأنه يعمل على الرغبة والغرائز الجنسية في النظام الاجتماعي الذي يحكمه المقدس بصورتيه، والإبداع بالإباحة أو الحرام والحلال، فالمطلوب منه أن يريد الحياة الجنسية وفقها ما مشرعه بقواعدها وقوانينها التي تضعها الفقيه، لأن الوظيفة جسديا وظيفة مقدسة صياد الإرادة الإلهية في منطلقاتها واياتها وطريقة لأنه، وما دون ذلك – فتنة- وفوضى بعض تهز أركان النظام للجميع، وفال الهدف هو ربط تلك الوظيفة بحدود المأمور والمنهي، المباح والمحظور أي الحدود المقدسة، سنوات القيم يعدّ الاشتغال الحدودي من أجل الأعمال وأشرفها عندما يقول في كتابه الفوائد : " فمن أشرف العلوم وأنفعها علم الحدود، ولاسيما حدود المأموريات والمنهي، فأعلم الناس وأدركهم الحدود الحدودية (...) وأعدل الناس من قاموا بحدود الأخلاق المبدعة والمشروعات معرفة وفعلا". 17

  • 18 ابن القيم، أخبار المرأة ، تحقيق، نزار رضا، بيروت، منشورات دار مكتبة الحيلة، (د-ط)، 1982 ، ص. 177 .
  • 19 ابن القيم، الجواب الكافي لمن سأل عن الطب الشافي ، بيروت، دار الفكر، (د-ط) 2002 ، ص. 115 .

12بناء على تلك الحدود، لا يعدّ كل جنس فعل مقبولا في الحياة الدينية القدسية، إلاّ إذا تقتضي نوعا ما له طقوسه الخاصة هو نظام الزواج، فأي خروج عن هذا النظام معناه الفتنة والفوضى والفساد في العلاقات الاجتماعية، بعد ذلك، وبعد ما ابن القيم سنجد هذا العقدى بارزا عندما يضع أمام كل حديث عن الحياة مخالفة من المحرمات التي تصعب بها، إذ يتوسط كتابه – أخبار النساء – بما في ذلك يهويه من حديث عن المرأة وجمالها، بابا يسميه : باب الزنا والتحذير من آلام عقابه، يورد فيه كمّا من النصوص النبوية والأخبار العربية التي تذم هذا الفعل من الجسدي وتتقنه تجاوزا للمحظور للصلاة 18 ويقول له في كتابه – الجواب الكافي - : " ولما كانت مفسدة الزنا من أعظم المفاسد، منافية لنظام العالم في حفظ الأنساب، وحماية الفروج وصيانة الحرمات، وتوقي ما يوقع أعظم العداوة والبغضاء بين الناس ( ...) وفي ذلك خراب للعالم". 19

  • 20 يقسم جورج بيتر مردوك في كتابه البنية الاجتماعية ، المجتمع إلي صنف حسب طريقتها في المراقبة (...)
  • 21 ابن القيم ، الجواب الكافي ، ص 178 .
  • 22 ابن القيم ، روضة المحبة ، ص. 74.
  • 23 ابن القيم ، البيان في مصايد الشيطان ، تحقيق، صالح أحمد الشاهي، بيروت، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى، (...)

13يتأسس ابن القيم حول المحظورات الجنسية على نظريات الاحتياطات الخارجية التي شاركت فيها جورج بيتر مردوك في تقسيمه تمكينات في التعامل معها مع الجنس 20 ، حيث يأخذ ابن القيم أجزاء معينة بعينها مستهدفا مراقبتها، فيشير إلى العين لذلك دليلا إلى "الزنا" ودافعا عنها لذا يشيد بغض النظر 21 ، إذ يجب أن تتنظم رؤية العين فلا ترى في الجسد الغريب إلاّ ما أباحت "الشريعة" النظر فيه، والقلب أيضا لا بد أن ينتظم ويراقب لأنه مركز الإيمان فلا يجب أن يفسد بالهوى ويسقط في المحظور، يورد ابن القيم في هذا السياق مناظرة بين العين والقلب يلوم كل واحد منهم حول وتولت في الخط المقدس،يقول:" لما كانت العين رائدا، والقلب باعثا تثبتا، وهذه لها لذة الرؤية، وهذا له لذة الظفر كانا في الهوى شريكي عنان، ولما وقعنا في العناء، واشتركا في بلاء، أقبل كل منهم يلوم صاحبه" 22 . كما يستهدف خطابه لعدة أعضاء طريقا قريبا إلى الاعتراف بالجنسية المحظورة، لذا يعدّ سمع ويليدا شيطانيا وفسوقا وفتنه ويقول له:"وبه ينال العاشق من معشوقه غايةالمنى 23 "، ابن القيم يأخذ في خطابه مراقبه متميزة جزئية، إذ لا يستهدف كل أعضاء الجسد بالاحتواء والاحتجاز والمراقبة بل يحذّر أجزاء ويهدها ويجرّمها بينما يرئها أجزاء أخرى، فلا يتحدد عن القدم التي تقوى الجسد إلى مكان المعشوق، ولا عن اليد التي تتلذ بلمسه، والأنف الذي يشم رائحته، والفم الذي يغامر بتقبيله والعضو الجنسي الذي ينتهي عنده كل علاقة، إن ابن قيما جسدا جزئيا ليحتوي على جسدا كليا.

  • 24 المصدر السابق، ص 183 .
  • 25 ابن القيم، الجواب الكافي ، ص.199.

14في السياق نفسه يفرق الفقيه، وهو غالبا في موضع آخر عن الحب، بين حب نافع محمود وحب ضار مذموم، يقول : " تنقسم المحبة إلى نافعة وضارة با اعتبار متعلقها ومحبوبها، فالمحبة النافعة هي التي تتضرر لصاحبها ما ينفعه من السعادة والنعيم، والمحبة الضارة هي التي " 24 ، وعندما تحدد معيار النفع والضرر، السعادة والشقاء تفضل ذلك بمدى إجلال المقدس والتوافق مع حدوده حيث يستدرك تقول : " وأعظم أنواع المحبة المذمومة، المحبة مع الله التي يسوى المحب فيها بين محبته لله ومحبته للند الذي مثاليه من دونه، وأعظم أنواعها المحمودة محبة الله منفردة ومحبّة من أحب، هذه المحبة هي السعادة الأصلية" 25 .

  • 26 إلياد، يرى مارسيا، إلياد، م. أن يحضر المقدس في التجربة الدينية أو ما يطلق عليه "بالهيروفانيا" أي (...)
  • 27. جورج بوسكيه، الأخلاق الجنسية للإسلام ، باريس، سيسكليه دو بروير، 1990، الصفحة 5.

15إن جسدي – le corporel أو خطاب الجسد عند ابن القيم هو محاولة وضع نظامية متكاملة دينية مقدسة للحب والمتعة، يكون فيها حب الذات الإلهية في نظر الأعلى والأفضل من أي حب آخر، فتتعرف على المقدس 26 أفعال الجسد إلى أفعال نافعة وضارة، مباحة ومحظورة ، إنه يتناول الحياة الجنسية لنا نينا أو ما يمكن أن يطلق بعلم الأخلاق الجنسية sexuelle 27 من خلال تواجده في النسيج للدعوة.

4. من الناحية الجسدية والإشكالية المقدسة

  • 28 هو أبو عبدالله، محمد بن عمر النفزاوي ،عالم دين عاش في تونس، كتب سنة925هجرية (القرن 15م) كتابه الشهي (...)
  • 29 الخطي، عبد، الاسم العربي الجريح ، الكبير بيروت ، دار العودة، الطبعة الأولى، 1980، ص. 101.
  • 30 بوهديبة، عبد الوهاب، الحياة الجنسية في الإسلام ، باريس، PUF – قردريج، الطبعة الخامسة 1998 ، صفحات 32-4 (...)
  • 31 أركون، محمد، الإسلام – الأخلاق والسياسة - ترجمة : هاشم صالح، بيروت، مركز الإنماء القومي، الطبعة 1، 1 (...)

16إن حضور الجسد وفاعله في خطاب ابن القيم لم يكن لها من خلال الارتباط بالمقدس المحافظ، بل و من خلال الانفلات منه أيضا، انفلات عبرت عنه خطابية مغايرة نجدها في متن الفقيه وهو يصف المرأة الحب، ويتحدث عن جسدي، والعشق الشبقي، هذا ما عنيت به عندما استخدم مصطلح – مالك شبال – جسدي la corporéité إنها تكتب حول جسد يميزني المرغوب فيه وجنساني، وأشير هنا إلى أن لسان الجسد تجد مكانها في النص القرآني، - عبد الخطيبي الكبير- يقال عن هذا الحضور عندما يقول استنادا إلى الشيخ النفزاوي 28 يقول : "القرآن كلام شعائري فاتح للشهية" 29 ، فلم يخل حديث قرآني عن الأنبياء من إشارة إلى فعال حضور الأنثى، وقد تناول -عبد الوهاب بوحديبة- هذا الموضوع بإسهاب في كتابه : la sexité en Islam ووجد أن النص القرآني لا يتحفظ في مغامرة النبوة والحب ساهم في ذلك إلى قصة يوسف وزوجة العزيز، 30 إنه يقدم تعبيرا مربكا بين المقدس والدنيوي، وأدى سبب هذا الإرباك إلى – محورية مشتركة – 31 بتعبير محمد أركون، محورية تفعيل بداية التأسيس بالبعد الروحي للقرآن والتي يؤمل من تفعيل كل خطاب وسلوك، الإرباك نفسه وجدته جليا في خطاب المرأة ابن القيم، فتارة تبدو في متنه فقيه حب ورغبة وجنسانية الأهداف تارا أخرى متشوقة، أمرا ومحذرا باقتراف المقدس من خلاله، يتبين لنا هذا العنق عند تناوله لموضوعات ثلاثة : وصف جمال، الحكي عن جنسانية الجنة والحديث عن الحب والعشق.

جمال الجسد الأنثوي : الشهوة و الخصوبة

17يكشف لنا كتاب - أخبار المرأة - لإبن القيم عن فلسفة التحول ذات صورتين :

  • 32 لفاوان : ممشوقان ومكتسيان لحما.  
  • 33 خدلجان : تنسيمان، ضخمان .
  • 34 خمصاوان : أعلى باطنهما عن الأرض لا يمسانها.
  • 35 ابن القيم، أخبار المرأة ، ص. 161.
  • 36 الزاهي، فريد، الجسد والصورة والمقدس في الإسلام ، ص. 85.

18صورة وصفت جمال المرأة، حبها، ستة، غيرتها، غدرها وحال العشاق معها، وصورة أخرى تبطلها الحديثة عن العفة والصبر أمام شهوة الأنثى وكيدها وتحذيرها من الخلوة، مما أدى إلى تسمية الإرباك الذي أشرنا إليه سابقا، لكن ما أثر هنا أن الحديث عن جمال يتجاهل غالباً تحذير، فمعظم ما جاء في الكتاب يحكي عن قصص حديثة لملوك أو شعراء أو فقهاء مع النساء، غالباً من رصد ابن القيم عن جغرافية لجمالية الجسد من الوجه إلى القدس إلى الثدي فالبطن وصولا إلى والقدم، يصف بكل ببلاغة جمالية، ومما جاء في كتابه حديثه عن وصف بن الربيع –وزير الأمين– لجارية رآها وتقديم : " ثم رفعت ثيابها حتى جاوزت نحرها، لكن هي قضيت فضة قد شيب بماء الذهب يهتز على مثل كثيب، صندوق كالورد، عليها رمانتان أو حقّان من اج يملآن اللامسة، وخصر ماتري فرانسيسكو، يهتز كفل رجراج، (...) وسرة جولة يقصر وهمي عن تقدم وصفها، تحت ذلك أرنب جاثم أو جبهة أسد غادر، فخذان لفاوان، 32 وساقان خدلجان، 33 يحرسان الخلاخيل، وقدمان خمصاوان 34 " 35 . إنه وصفي جمال وفق رؤية عمودية من الأعلى إلى الأسفل ينطلق فيه الفقيه من تشبيه طبيعي، ليبدو الوصف خطابا حول جسد رغبةوي له الإعاقة الثقافية واللغوية، إنه يعبّر كما يقول – فريد الزاهي – عن "جسد ظاهراتي (فينومينولوجي) يتم فيه جدل المرئي واللامرئي، الفيزيقي والذاتي" 36 ، لأن الواصف هنا ينطلق من الطبيعة في التشبيه، لكن بناء وعيي ذاتي بالجمال، وعي كامل تخييل بلاغي، وشهوانية وصيتنا إننا أمام جسد كلي، ذاتي وثقافي، مما يشير إلى حالة انفلات من المقدس لدى ابن القيم، ذلك أن الهدف جسد الفقهي المحتاط والمتحفظ هو جزء من جسد جزئيّ على بعض أعضاء حكام العظام من النقابة، بينما نحن في هذا الوصف أمام الجمال معممّة على جميع أعضاء الجسد عبر بلاغة اللغة.

  • 37 ابن القيم أخبار المرأة ، ص. 228 .  
  • 38 المصدر نفسه، ص. 228.
  • 39 المصدر نفسه، ص. 229-230 .

19الخروج هذه الكلانية المرأة جليّة في معظم كتاب – أخبار المرأة – إذ يتحدث فيه الفقيه، وبنفس اللغة الشعرية، الشهوانية المغايرة للغة المقدسة، عن العمل الشاق بقوة في صنفهن حسب جمالية أعضاء النساء على أخرى، ليشير إلى الرمجلة وهي ضخمة، والعيطبول وهي عبة، والغانية وهي التي اختبار الشعر بجمالها عن الزينة، والوسيمة أي ذات حسن ثابت ضدت به، والصبّاحة ذات الجلد الوضاءة والجمال في الأنف، والحلاوة في العيون، والملاحة في العيون، والظرف في الخريف، والرشاقة في القدّ، والباقة في الشميل، وكمال الحسن في 37 ثم يضع نمذجة لجمال الجسد حسب تطوّره في الزمن فتسمى "المرأة طفلة ما دامت صغيرة، ثم وليدة إذا تحركت، ثم كعب إذا كبت ثديها، ثم ناهد إذا زاد، ثم معصر إذا أدركت، ثم خود إذا توسطت الشباب" 38 ، ويتبع ذلك معجماغو إلى يا لصفات جسد المرأة بجانب الرغبوي فيتحدث عن الزجّاء والجيد والبهنكة والمملوءة والمشوقة والرقراقة والبضة والنظرة والرشوف 39 وغيرها، هل نحن في هذا الوصف أمام صورة فنية، تسجيلا من الصور الصغيرة للنساء يظهر في كل منها عضو من أعضائه باد في جماليته على غيره، من الوجه والنف والقدّ والثدي ونوه، فقط حلت اللغة محل الريشة والكلمات بدل الألوان.

  • 40 المصدر نفسه، ص. 131.
  • 41 المصدر نفسه، ص. 11.
  • 42 تتعلم أكثر حول التصور الشرقي القديم لجمال الجسد على قدسية الخصوبة والإنجاب:، الخياطة، م (...)

20و الاتصال القارئ لأخبار النساء على اهتمام خاص لابن القيم بصفة الضخامة، فتكون أول ما يبدأ به في الصفات، بل يضع بابا كاملا حول الثدي الضخم في بدايته : " ونذكر اختلافات الناس في الثدي (...) من استحسن الثدي الضخم ومن ذمّ " ذلك" 40 ليورد بعد ذلك عددا هائلا من الأبيات لشعراء يتغزلون بالثدي الضخم كنموذج مثالي لجسد أنثوي جميل، ولو عدنا إلى مقولته في بداية الكتاب حيث أفضل النساء لأمكننا اكتشاف سبب اهتمامه بالضخامة، إذ يورد على لسان أعرابي يقول : " أفضل جهدهن إذا قامت، وأعظمهن إذا قعدت (...) الولود الذي كل أمرها محمود" 41 ، هناك تراتبية مؤثرة يزاح فيها الجمال الاختصاص الخصوبة، بما في ذلك ما يدل على وضوح التصورات العربية قبل الإسلامية بل والشرقية القديمة الخاصة منها السومرية التي تجعل من الشهوة الرسمية للخصوبة 42 ، يرجع ذلك إلى إلى الحضور المقدس الذي يعطي مشروعية للجمال الرغبوي لكنه يضعه في تراتبية تجعل من أجل خصوبة أو الولادة لأن هناك فعلا يعجّل بمحاولة الإبداع لفعل الإبداع.

  • 43 الغذامي، عبد الله محمد، المرأة واللغة ، الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، ط2، 1997، ص. 71.

21إن خطاب ابن القيم يبدأ بوصف المرأة جمال –الأم الولود، وينتهي بوصف المرأة – الأم الهامة، يعتبر الثدي أو الناهد كما يسميها، وبين البداية والنهاية حديث وحديث عن – المعتمدة. تشير المرأة – الغذامي – في كتابه – المرأة واللغة – وهو يحلل حكايات “ألف ليلة وليلة” إلى فرق بين جمال المرأتين، فحسن وجمال المرأة – حرية هو جمال من أجل الغواية – في حين أن جمال – الأم أو السيدة فمن أجل ميلاد 43 ، جسد جسم النار والمتعة، وجسد الثاني جسد التبجيل والخصوصية. تبدو هذه الصورة جلية أكثر إذ تتكرر في من موضع في متن ابن القيم، فالجارية موضوع الحب مختلفة لكنها ليست موضوع الزواج والإنجاب، أورد ذلك على لسان أعرابية يسألها الأصمعي عن معنى العشق فقالت :

  • 44 ابن القيم، أخبار المرأة ، ص. 51 .

" ما الحب إلاّ قبلة .... وغمزة كف، وعضد
ما الحب إلا هكذا ... . إذا نكح الحب فسد" 44

  • 45 المصدر نفسه، ص. 51 .
  • 46 بوسكيه، جورج ، الأخلاق الجنسية للإسلام ، صفحة 4.

22وعندما ذكر لها الأصمعي أن العشق عنده أن يكون بين رجليها ويجهد نفسه، قالت : "يا ابن أخي، ما هذا عاشقا هذا الطالب ولد". 45 إن الجسد الأنثوي الجميل الذي قدمه ابن القيم يعبّر بلاجاء عن الإرباك الذي يفرضه الإمبراطور المقدس للخطاب الفقهي، إذ وجده خطابا ترغبويا جريئا وهو يتحدث عن صفات المرأة لكنه سرعان ما يزيح الجمال من أجل الشهوة والرغبة ومعى الخصوبة والإنجاب، لكن إعداد البوح والصمت هذه لا تبرران ما للجسد الأنثوي الرغبةوي من حظوة وحضور، بما في ذلك بشكل كامل عن "فقه يؤكد" يحاكي في بلاغته الشعر الجسدي، إننا أمام "إيروس ديني" 46 شهرًا أنه لم يتخل تمامًا عن البلاغة العربية قبل الجمهورية الإسلامية على التشبيه الطبيعي، والطابع البشري في وصف الجسد.

جنسانية الجنة أو الجنسانية المتخيلة

  • 47 لو بريتون، ديفيد ، L'adieu au corps ، باريس، Editions Métalié، 1999، صفحة. 161.

23كتاب ابن القيم - حدودي الأرواح إلى بلاد الأفراح –المتعلق بوصف الجنة، عصر و الكثير من قطعها تمامًا، لكن في موقع آخر، وفي زمن آخر، إنه دائمًا عن جنسانية ورغبة بعد الموت، فالأنثى لن تكون موضوع شهوة وغواية في "الهنا"، بل ستكون موضوع حب ورغبة في"الهنالك"، إنه الإنتقال من وصف الأنثى-الإغواء إلى الأنثى - الثوابت. هذا الكتاب تعدد إشكالية جنسية ضعيفة هي إشكالية والموت، قد شارك فيها David Le Breton في كتابه « L'adieu au corps » عندما انطلقت من عبارة George Bataille "الجنسانية تعني الانفعال بالموت والتأثر به" 47 محلّلا في ذلك التشابه المتبادل.

  • 48 ابن القيم، حدودي الأرواح إلى بلاد الأفراح أو وصف الجنة ، تحقيق : يوسف علي بدوي، دمشق، دار ابن كثير، (...)
  • 49 المصدر نفسه، ص. 314 .
  • 50 المصدر السابق، ص. 315-316.
  • 51 رأيت وصفه للحور العين وهو عبارة عن آيات : "أبكارا عربا أترابا" و "كواعب أترابا "، محيطي الأرواح، من ص. (...)  

24جنسانية الجنة في خطاب ابن القيم جنسانية متخيّلة، وهي مآل كل جسد مرتبك مشهورة إلى رفع همّ الإرتباك للاستماع إلى القراءة، والمسلم يعيش هذا الإرتباك لأنه يختار لممنوعات وحدود مثل يخشى تعديها، لذا كانت الجنسانية المتخيلة أمرا ملحا، ففيها ذكر لنعم مقابلا للمنع، وقد تعددت ابن وصف الجنة وملذاتها وصلت إلى إلهيا لأنها تشكل اطمئنانا لمن وضع جسده طيعّا للمنع، يقول : "وكان من فضل الله العظيم على عباده ورحمته بهم ومحبته لهم أن جل وعلا أمر الجنّة ويدعو لهم نعيمها " 48 . إن الجنة مكان آخر، في زمن آخر، تبدأ فيها الإنسان رحلة جديدة كلها قداسة لكن في منحى واحد هو المباح لأنه لن يكون هناك منع وحرم أبدا، الجنة مكان واسع جدّا -يقول ابن القيم- يحتوي على مائة درجة، بين الدرجتين كما بين السماء والأرض. ستكون مليئة بالنساء، دنيويات وأخرويفات، فأما الصنف الثاني فهو الحور العين، امرأة ذات جمال، " فالحور، جمع حوراء وهي المرأة الشابة، الحسناء، الجميلة، البيضاء، شديدة سواد العين (...) التي يحار فيها الطرف من رقّة وصفاء اللون" 49 ، ويفتح ابن استعراض باب القيم لمخيلته في أوصاف الحور بناء على اللون والطول والعرض والإاتساع والضيق فيقول : "يستحب الضيق منها في أربعة مواضع : فمها، وأخرجها، وأنفها وما هنالك، ويستحب السعة منها في أربعة مواضع : وجهها وصدرها كاهلها وهو ما بين ما يليها وجبهتها، ويستحب البياض منها في أربعة مواضع : لونها وفرقها وثغرها أوبياض عينها، ويستحب السواد منها في أربعة مواضع : عينها وحاجبها وهدبها وشعرها، ويستحب اللوز منها في أربعة : يعودها وأنقها وشعرها وبنانها، ويستحب القصر منها في أربعة وهي معنوية : لسانها، ويدها ورجلها وعينها" 50 ، جسد حورية العين في وصف ابن قيم جسد يرغبوي بامتياز مع مرور نفس أوصاف نساء الدنيا لكن بجمالية جديدة وجنسانية عالية، إنه جسد شفاف له شهوة غير منتهية، متعدد له قدرة مبتكرة على الملاعبة والمداعبة 51 ، إنه موضوع لمتعة خالدة .

  • 52 نظرية لرجل الجنة، حدود الأرواح، ص. 218-219.
  • 53 المصدر نفسه، ص. 542.

25يختلف جسد الإنسان في الجنة تمامًا عن جسد الدنيوي، في نظر ابن القيم، فهو جسد في غاية الجمال كصورة القمر، لا يبصر ولا يتغوط، يأكل في أواني من ذهب وفضة ولؤلؤ، عرقه كرائحة المسك، إنه عصر صفات شاب في مقتبل العمر، في سن الثالثة والثلاثين طوله ستون عددا، أجرد، أمرد، لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه 52 . تحيل هذه الأوصاف إلى جسد جنساني مؤهل لأن يكون موضوعا للحب من طرف نساء الجنة لذا سيقلب ابن الخير طبعا الجنسية الدنيوية، فبدل أن تكون المرأة موضوع إشتهاء، سيتحوّل الرجل إلى موضوع الرغبة، حيث يضع الفقيه بابا كاملا في كتابه يسميه :" إن الحور العين يطلبن " 53 .

  • 54 بوهديبة، عبد الوهاب، الحياة الجنسية في الإسلام ، صفحة. 103.
  • 55 ابن القيم، حدودي الأبد، ص. 452.

26ما نسعى إليه هو وصف ابن القيم للجنة بأنه وصف طبيعي، فعندما يتحدث عن اللون، والرائحة، والأبواب والبساتين، والأنهار والدرجات والمنازل والسيدات، والنساء، وخدمة كما يأتي في الكثير من أبواب وفصول – لحياتي النبي – يقدم هوية أخرى للجسد، هوية متخيّلة ويختلف لا ينفصل عن أساسها واقعي، كما يبدو أن هذا الوصف الطبيعي يحكمه بعد أن يبدأ واحد هو العين، "فالكل يبدأ بالعين وينتهي بالعين" 54 ، كما يقول عبد الوهاب بوحديبة فأول ما ينعم به رئيسه للحور العين، والاسم يدل هنا تحيل إلى العين أيضا، ثم تعترف اللذة برؤية مناظر الجنة، لينتهي الحدث بأعظم لذكرها ابن القيم، إنها لذة رؤية الذات الإلهية، "إن أهل الجنة إذا بلغ النعيم منهم كل مبلغ، وظنوا أن لا نعيم أفضل منه، تجلوا لهم الرب تبارك وتعالى، فنظروا إلى وجه الرحمن، فنسوا كل نعيم عاينوه، حين نظروا إلى وجه الرحمن" 55 . يبدو في هذا الوصف الإنسان الجسدي المتخيل حول الجنة وجيتها أنها وصفة تسعى إلى الجمال والحب والرغبة موضوعات مركزية، إنها تستمر إلى أقصى حد سيكولوجية، تحتاج لافت، مفهوم الحياة بعد الموت بكل متعتها الجنسية وبكثير من أدواتنا أمام صور حقيقية رغم اكتمال التخييلي.

الحب والعشق في خطاب ابن القيم

  • 56 أشير هنا إلى ما ذكره علي سامي النشّار، وعباس الشربيني عن تأثير المأدبة الأفلاطونية في كتب الفق (...)
  • 57 ابن القيم، روضة المحبين ونزهة المشتاقين ، ص. 16 .
  • 58 الخطيبي، عبد ، الاسم العربي الجريح ، الكبير ص. 102 .

27لقد تحدثت الفقيه الحنبلي عن الحب والعشق فيه : "روضة المحبين ونزهة المشتاقين"، لكنه ليس الحب النظري الذي أشترك فيه أفلاطون في –المأدبة- بل حب تحرير موضوعه المرأة – الجسد وليس الثورة والحقيقة، وإن أرادت الكثير من القراءات المتنوعة للحب أن التمييز. الأفلاطونية للحب على كل الكتب الفقهية من ابن داوود إلى ابن حزم وصولا إلى ابن القيم 56 . حديث ابن القيم عن الحب كحديثه عن الجمال يبدو أيضا مرتبكا برج الفقيه الذي يبرز انفصاله عن موضوعه التقليدي، برج الصراع الخفي بين المقدس والجنسانية، سيعبر عن ذلك عندما يشير في مقدمة كتابه – روضة المحبين – إلى أنه سيعقد يحدثا بين الأعضاء –المنساق إلى المقدس- والهوى المنفلت منه يقول:" فلذلك وضعنا هذا الكتاب، وضع عقد الصلح بين الهوى والعقل، وإذا نجح عقد الصلح بين الآخر سهل على العبد محاربة النفس والشيطان" 57 ، هذا الاعتراف إبداع خطابية سيعتمدها الفقيه، تقوم على اتجاهين؛ أولاً أنه سيتحدث عن الهوى، لقد قرّر أنه موضوع الحب، الحب وليس حبّا روحيا أو إلهيا، ثانياً، أن حديثه عن الهوى والحب سوف لن حرف إلى ما المعارض ي المقدس، بناء على مقتضى العقد. هذه المقدمة تحيل إلى القانون "الحمدلي" الذي شارك باسم عبد الكبير المشاركةيبي وهو يحلل متن الشيخ النفزاوي –الروض العاطر في نزهة الخاطر – ومعناه أن الافتتاح والاختام بآيات القرآن، والانتعاش السجائر الأحاديث خلال النص، يوفر ضمانا لأي هذيان أو احراف بالنص، كما يشير في الآن نفسه إلى قبول إمكانية وجود حب أو ممارسة بموافقة إلهية 58 .

  • 59 يذكر ابن القيم أن للحب ستين إسما (ص 19 ) لكنه لم يحدد إلاّ خمسين فقط .
  • 60 ابن القيم، روضة المحبين ، ص. 20.
  • 61 المصدر نفسه، من ص. 21 إلى ص 40 .

28يبدأ الفقيه بذلك مدلول الحب، فيضع له خمسين اسما 59 تحيل كلها إلى تجربة التوافق بين المحب والمحبوب، ويعزى الاختلاف بين تلك الأسماء إلى اختلافات وأشكال النسب، ولا يختلف عن ابنائك المنقسمة الذي يجمع في تعريفه للحب منطلقات فلسفية أفلاتونية ثم يناقشها بل ورفضها، في في حين أن ابن القيم منطلقات لغوية حاول أن يستخرج من مجرد مدلولات جديدة، فعندما اتصال مثلا عند السياق اللغوي لكلمة –المحبّة – كأولى أسماء الحب، يرى أن العرب اختلفت حولها "فقيل أصليها الصفاء، لأن العرب تقول لصفاء بياض السنان حبان ونضارتها،ب السنان، وقيل مطلوبة من الحباب وهو ما يعلو الماء عند المطر الشديد، كما هذا، المحبة غليان القلب وثورانه عند الاهتياج عند لقاء المحبوب" 60 ، لم يبق الفقيه عند ظهور الاشتقاق بل نقله لي التعبير عن تجربة تجارية بين الحب و الحبوب، فانتقل من ثوران ماء المطر إلى ثوران القلب واهتياجه في الحب، بإستراتيجية نفسه لمواصلة ابن القيم الاشتقاق فتعني التوافق – كإسم من أسماء الحب – التعلق بالم، ويعني هوى الميل الدائم بالقلب الهائم، والشغف هو ورقة القلب وحرارته إلى درجة الحرق، والكلف هولع والارتباط، والتتيم هو التعبّد والتذل، ويعني الشوق سفر القلب إلى المحبوب، والشجو إسم لحب أعضاءه همّ وغمّ وحزن، والدنف والوسب اسمان يتبعهما الجميع والمرض، والشلابة تعبير عن علاقة الخداع في الحب، والوهل حبّ يعتريه الروع مع رعاة ورعشة للجسد أمام هول وجمال المحبوب، واللّمم هو الحب المجنون، والخلة تعني الحب المتوحّد الذي لا يحب المشاركة، والغرام هو الحب المطلوب الولوع 61 .

  • 62 المصدر نفسه، ص. 49.
  • 63 المصدر نفسه، ص. 50.
  • 64 المصدر نفسه، ص. 50.
  • 65 ابن القيم، روضة المحبة ، ص. 50.
  • 66 ابن القيم، روضة المحبة ، ص. 50.

29تحفيزاً للحب عند ابن القيم هو الجمال، " فمتى كان المحبوب في غاية الجمال، وشعور المحّب بجماله أتمّه، والمناسبة التي بين الروحين قوية، فذلك الحب مطلوب نهائياً" 62 . لكن ما الذي يجعل المحبوب يهيم في جماله؟ هل ترى من فكرة جميلة ومثاليتها؟ هل هو جيد الروع والاحترام الذي وقفه الأعضاء – الحودي أو السائق الماهر – أمام فكرة الجميل كما جاء في أهداف le Phèdre – فيدروس -؟ ابن القيم لم يكن أفلاطونيا في إجابته عندما قال : " هناك إذا شاهد ) حسنها وجمالها كان ذلك أعلن إلى اكتساب المحبّة والألفة بخلاف" 63 فالداعي إلى الحب هو وموضوع الجمال وجسم المرأة لا فكرة في الجمال، وحتى فعالة أو مشاركة بين نفسي المحب والمحبوب ليست صحية روحية جديدة بالمعنى الأفلاطوني بل الاعترافة، الملائمة للأصل الأصلي والطباع المجبولة، إنه "تشاكل النفوس وتمازجها في المطبوعات المتنوعة" 64 ، إن الحب عند ابن القيم "واحدي" 65 اشتياق إلى المحبوب هو اشتياق إلى الذات وحبّه هو حبّها لذاتها، ترجمةتها وطبعها ، يقول في ذلك : " ستحدث فيك جوهر النفس ومشاكلها في كل أحوالها" 66 ، الأساس كان الأمثل أوالمشاكل الأعلى وأعظم المحبة الأساسية وأكثر استحكاما.

  • 67 المصدر نفسه، ص. 94.
  • 68 الحظ خوليا : يعني مرض الوسواس عند العرب.  
  • 6 المصدر نفسه، ص. 94 .
  • 69 المصدر نفسه، ص. 95.
  • 70 ابن القيم، الجواب الكافي ، ص.227.
  • 71 المصدر نفسه، ص. 221.
  • 72 المصدر نفسه، ص. 221.
  • 73 ابن القيم، روضة المحبة ، ص. 18 .
  • 74 الخطيبي عبد، الاسم العربي الجريح ، ص الكبير. 103.

30عندما يحدّد الفقيه الحنبلي إلى ماهية العشق، يضعنا أمام قسمين من الأقوال، قسم يعرّف العشق في جانب الجانب، وأما تعريفه في جانب الجانب، فأما التعريف السلبي فهو التعريف الفلسفي والطبي، حيث يستدل بتعريف أفلاطوني وأرسطي ويقول : " وقال أفلاطون : العشق حركة النفس الفارغة، (...) وقال أرسطو، العشق جهل عارض يحدث قلبا كاملا" 67 ، ثم تذكر أن هناك أسباب قد أجمعوا على أن العشق مرض وسواسي مثل ماريكخوليا 68 له أعراض نفسية كالاستحسان وأعراض بدنية كارتفاع بخار رديء إلى أكثر من منيّ محتقن، وأكثر ما يعتري العزاب وكثرة الجماع تزيله 9 . وينظر المقابل سائق للعشق، فيمن يرى فيه هياما وجنونا وتضرّعا وسحرا، يلطّف الطباع ويرفع الأخلاق، ويستند في ذلك إلى ماذكره – ثمامة بن الأشرس – أحد جلساء –المأمون- عن العشق يقرأ : "جليس ممتع، وأليف مؤنس، وصاحب ملك مسالكه" 69 ، وعندما يأتي ليتخذ موقفا من العشق بين إيجابيته وسلبيته، نفعه وضرره ، يتوسط الآراء والتدخل لسبب ما، فالعشق عنده "لابد فيه من ممارسة بين الواقع والجائز، النافع والضار، ولا يحكم عليه بالذم والإنكار ولا بالمدح والقبول من حيثما ترغب، ما يؤكد حكمه وين يكشف أمره بذكر متعلقه " 70 ، أي سببه ودواعيه، فالعشق صنفان : فاسد وعفيف، العشق، "متعلقه فعل الفاحشة بالمعشوق" 71 ، أما العشق العفيف فهوه "الرجل الظريف الذي يأبى له دينه وعفته ومروءته، أن يفسد بينه وبين الله، وبين معشوقه بالحرام" 72 ، رغم ما يبدو من إدراج ابن القيم للعشق في المجال المقدس والتمييز بين المظاهره وممارساته وفق معايير صحية ودينية، إلاّ أن ذلك لم يمنعه من فتح المجال لخياله الفسيح في الحديث عن حالات العشق وأحوال العشاق من خلال قصص الملوك وشعراء مع الجواري وذكر للكلام المتعارف عليه بين العرب حول الحب والعشق في تلك الفترة من الزمن، فتبدو الكتابة مفتوحة، منفلتة و هذيانية. وقد أدرك ابن القيم هذه الصورة الثانية في كتابه عندما سمّاها في مقدمة كتابه – روضة المحبين – "نكتا تفسيرية هدفها الترويح" 73 ، ويسمي – الخطيبي- هذه الحرية في الخطاب الفقهي حول الحب والجسد بقانون الحكائي 74 .

  • 75 المؤسسة السعداوي، نوال، المرأة والجنس ، بيروت، العربية للدراسات والنشر ، ط ، 1980 ، ص. 39 .
  • 76 مرجع نفسه، ص. 141 .

31إن كتابة المنفلتة حول الجسد أو ما سميته – تؤكد – Corporéité تبدو في متن الفقيه خطابا – جويا – اختيار في الهامش، وهذا الخطاب لا يخلو من سلطة ثانية أضيفت إلى السلطة المقدسة، اختيار اختيارة، فابن القيم وهو يستعرض تجارب العشق والحب، يستعرضها كمن يعلّم الحب، في التعريفات، ويضع الأوصاف، ويقيم علاوة، ويعرض الامتياز، ويفرق بين الضار والنافع، ويمدح ويذمّ، وهذا هو بصري للفقيه، إنه الذي يعلّم الدين فهو لا يعلّم الحبّ، في حين أن الحب تجربة بكل امتلاء وعفوية ولا يمكن أن الى الابد. إن الحبّ، يعود إلى قوة جسدية وانضباط، والحب ياند كل إرادة لقوة خارج الجسد العاشق الذي ينشطه وايقونه في إيقاعه الوجودي الخاص. كما أن خطاب ابن القيم هو خطاب الرجل عن المرأة، إن المرأة مجرد موضوع لحبه ورغبته، الوصول من جسدها مجرد دليل لا يستمد منها إلاّ من خلال اتصال بجسد الرجل، فالرغبة في قضية الرجل، والمرأة إلاّ من فعلها وأمامه، في حين أن تجربة الحب ليست تجربة ذكورية وحسب بل تجربة تقتضي التشارك 75 ، ولكن كان الرجل جسدا ذاتيا، فإن المرأة أيضا جسد ذاتي يمسّ ويمسّ، فاعله المزدوج، فالحب ليس مساهم المحبوب في المحبوب كما يريد أن يظهر ابن القيم في اشتقاقه اللغوية، بل يرغب في أن يكافئه لأن يتبادل لأن يفعل هناك تجربة أولى أثبتت وجود الذات "إن البحث عن الحب إنما هو بحث لمعرفة الذات، ورغبتنا في الحب هي ضرورية لأن علينا ألا نفعل ولكن من أجل أن نكون" 76 .

الخاتمة

32إن دراسة إشكالية الجسد والمقدس في خطاب ابن القيم، لاحظت عن ظهوره لفاعلية الجسد، على الرغم من أن كتابته حول الموضوع أحدثت ملكا حيث يتأرجح موقعه في النص بين فقيه الحب والفقيه الموجه والمحذّر من الحب، لكن مرشحة هذه الخطابية المرتبكة أفرزت معجما لغويا اضافية حول الجمال والحب والعشق، معجم تعبير عن بلاغة جديدة فقهية لا تقل في جزءها عن بلاغة شعراء، إن المرأة لم تلهم شعراء والفلاسفة فقطم بل ألهمت الفقهاء أيضا. هذه الدراسة تجعلنا نؤكد ما ذكره – علي حرب – من أن العرب القدماء كانوا أكثر انفتاحا منا في نظرهم إلى جسدهم بطريقة حيث يستمدونهم لمتعتهم وذواتهم، والدليل باسم كانوا يسمون الأشياء بأسمائها ويتحدثون عن كثير من أعضاء الجسد، قد نخجل نحن اليوم من تعريفا، وقد نعترفون عن علاقات الحب بكلام قد نسكت عنه اليوم إما بدافع الحياء أو بدافع الخوف.

أعلى الصفحة

ملحوظات

تشيرباز، فرانسوا، لو كوربس ، باريس، PUF، 1 ère édition، 1968، ص. 2.

2 باتو كا ، جان، الدراسات الظواهرية ، بروكسل، إصدارات Ousia، 1985، ص. 42.

3. ليديريسون، سيرج وزرنيك، إريك، لو كوربس دي فلسفة ، باريس، PUF، 1 ère édition، 1993، ص 52-53.

4. ميرلو بونتي، موريس، Phénoménologie de la إدراك ، باريس، غاليمار، 1945، ص. 173.

5. ميرلو بونتي، موريس، الطبيعة ، باريس، طبعات دو سيويل، 1994، ص. 380.

المرجع نفسه، ص. 379.

سعيد، جلال الدين، فلسفة الجسد ، تونس، دراميّة للنشر، ط ، 1992 ، ص. 87 .

تعلم أكثر حول هاتين الوظيفتين، حصلت : سعيد جلال الدين، فلسفة الجسد، من ص 31 إلى ص 47 ، وأنظر أيضا لو كوربس تشيرباز, ف.,  ، ص 21. 

الزاهي، فريد، الجسد والصورة والمقدس في الإسلام ، الدار البيضاء، (المغرب)، (د-ط)، دار الشرق الأوسط، 1999 ، ص 30 .

10. شبل، مالك، Le corps en Islam ، باريس، PUF-Quadrige، 1 ère édition 1986، ص. 15.

11 المرجع نفسه، ص. 24.

12 المرجع نفسه، ص. 24.

13 ابن حزم، طوق الحمامة في الألفة والآلاف ،تحقيق، فرشوخ، محمد أمين، بيروت، دار الفكر العربي، ط ، 1995 ، ص. 16 .

14 ابن القيم، روضة المحبين ونزهة المشتاقين ، تحقيق، سمير مصطفى رباب، بيروت، المؤسسة العصرية للطباعة والنشر، (د-ط)، 2001 ، ص. 10 .

15 تعلم هذه النموذج النموذجي للجسد بتفصيل أكثر مشاهدة Le corps en Islam  , Malek, Chebel, ، وفريد ​​الزاهي، الجسد والصو

نفسى

 فلنغير نظرة التشاؤم في أعيننا لما حل بنا من محن إلى نظرة حب وتفاؤل لما عاد علينا من فائدة وخير بعد مرورنا بهذه المحن. ما أحوجنا لمثل هذا ال...