مراجعة كتاب: الرجل الذي يريد أن يكون سعيداً
إن كنت تبحث عن إجابات شافية للكثير من الأسئلة التي تمتلكها يجب أن تتعرف على داخلك أفضل وتنظر إلى نفسك بطريقة مختلفه لتحقق السلام
تابِعني
نشر الكاتب والفيلسوف الفرنسي لوران جونيل كتابه “الرجل الذي يريد أن يكون سعيدا” (L’Homme qui voulait être heureux) عام 2008 في المرة الأولى ثم عاد لطباعته مرة ثانية عام 2010، بسبب النجاح والقبول الذي حضِي به هذا النص المميز والقيّم. يهتم هذا الكتاب أساسا بدعوة القارئ إلى إعادة النظر في المفاهيم الفكرية والفلسفية المرتبطة بالسعادة وتقدير الذات. وتهتم هذه المقالة بتسليط الضوء على أهم النقاط التي ركز عليها الكتاب مع مراجعة نقدية بسيطة تعرض لما قدمه النص. لكن قبل المرور إلى المحتوى تجدر الإشارة إلى أن الكتاب موجود باللغة الفرنسية فقط حتى كتابة هذه الأسطر، وهو موجود على الشبكة بصيغة pdf لمن يجيد البحث، لاقتنائه طبعا :)
الفلسفة الخاصة بالكاتب :
يروي الكاتب قصة رجل يعاني من مرض غريب لا تظهر أعراضه جسديا، لكنه يُشعره بالقلق الدائم، لذلك يقرر البطل زيارة مقاطعة بالي باندونيسيا لزيارة شيخ حكيم طلبا للشفاء. وعند التقاء الحكيم والبطل، يقدم الكاتب جملة أفكاره وتصوراته حول الحياة والمفاهيم الميتافيزيقية على غرار السعادة والثقة بالنفس وغيرها من المفاهيم التي يختلف تعريفها بين شخص وآخر، وبين حضارة وأخرى.
تأثير البلاسيبو :
يطلب الرجل الحكيم من البطل إجراء بحث عن البلاسيبو، وهو بالمناسبة علاج وهمي يكون في العادة حبات دواء غير حقيقية أو حقنة أو شرابا ليس له أي تأثير فيزيائي فيزيولوجي على الجسم، لكنه يهدف إلى تحفيز المريض وإيهامه بأن ما كان يعاني منه قد انتهى. وفي الكتاب يشرح الكاتب تأثير الفكرة المجردة على الجسم، وكيف يمكن أن تتحول القناعات التي لا وجود لها على أرض الواقع، إلى حقيقة نعيشها.
أهمية الثقة بالنفس
طلب الحكيم من البطل أن يتخيل نفسه في وضعية محددة، تتمثل في مروره أمام مجموعة من الفتيات الأنيقات. ثم سأل الحكيم البطل عن طريقة مشيته والمواضيع التي تخطر بباله عند مروره بأشخاص يظن أنهم أفضل منه، ليصل إلى فكرة مهمة ومثيرة للاهتمام ومستلهمة من تعاليم بوذا :
“نحن ما نؤمن به”. بوذا
ويفسر الحكيم للبطل الباحث عن السعادة، أنه لن يستطيع إقناع أي شخص بأي فكرة، ما لم يقتنع بها هو قبل الجميع. فإذا كنت تريد العمل في منصب هام وبمرتب عال، يجب أن تؤمن قبل كل شيء أنك تستحقه، حتى يؤمن الآخرون أنك فعلا تستحق ما تصبو له.
واجه :
يدافع جونيل في كتابه عن فكرة مواجهة المشاكل، بدل الدوران حولها. فهو يرى أن حياتك اليوم هي نتيجة لعدد المواجهات والمعارك التي خضتها في الماضي. فإذا كانت حياتك مجرد هروب للأمام، لن تجد اليوم قاعدة لبناء حاضر أفضل. لذلك يرى الكاتب أن المواجهة ضرورة حتمية، لا يهم فيها من المنتصر، لكن عدم الهروب من الواقع.
وكأن الكاتب والفيلسوف الفرنسي لوران يريد بطريقة ما رفض مفهوم الحروب الباردة التي قد يخوضها الشخص مع عالم الداخلي وأفكاره الذاتية. فالهروب من الواقع والتجرد من مفاهيم المواجهة، يصنع فينا شخصا غير قادر على فهم واقعه أو التأثير فيه.
منبع السعادة :
يقر الكاتب على لسان الحكيم أن السعادة شعور شخصي نابع من الداخل، لذلك على البطل أن يقيم صلحاً حقيقياً مع ذاته قبل كل شيء. ثم يعرج الكاتب على ذكر أسباب السعادة والتي رآها بعيدة كل البعد عن المسببات الخارجية، لأن السعادة الحقيقية ليست متعلقة بوظيفتك، أو ماركة سيارتك.
ومن هنا يخلص الكاتب إلى أن السعادة مفهوم أسمى من أن يتم تقييمه أو إنتاجه من عوامل مادية، مهما ارتفعت قيمتها في البورصة. بل هي فكر سام ينتج عندما يبلغ الإنسان مستويات عالية من الرضى والقناعة وحب الذات، بعيداً عن سبل جلد الذات التي نقوم بها يوميا تحت عنوان “النقد البناء”.
زاوية نقد :
بعيدا عن الموضوعية، هذا الكتاب هو واحد من أجمل الكتب المؤثرة والتي يمكن إدراجها تحت عنوان كتب التحفيز الذاتي. لكن موضوعيا، يمكن ترك بعض الاستتباعات البسيطة وهي تدور حول :
تأثير البلاسيبو :
هذا التأثير حقيقة علمية لا يمكن إنكارها، بل وصل بعض الأطباء إلى إجراء عمليات جراحية وهمية، لإقناع المرضى بأنهم أصحاء. لكن هذا التأثير لا يبلغ نسب عالية، ولا يملك تأثيرا حتميا، الأمر الذي يطرح عددا من نقاط الاستفهام حول نجاعة تبني فكرة لا يمكن التنبؤ بنتائجها.
بين النظري والواقعي :
لا يمكن تصور نجاح كهل في التحول إلى لاعب كرة قدم محترف، فقط لأنه اعتقد وآمن أنه قادر على ذلك. طبعا المثال يشير إلى ضرورة إبقاء عين ثابتة على الواقع وتغيراته، لكن هذا أيضا يعني أن للمعطيات المأخوذة منه تأثير هام على تفكيرنا وطرق قبولنا لذوتنا وللآخرين.
رد ميتافيزيقي على الفكر المادي :
لا يمكن إغفال الصراع المادي الروحي في النص الذي قدمه لوران جونيل، لكن ردود الكاتب على أفكار تركز الوجود في المستوى المادي فقط، كانت شخصية أكثر منها موضوعية، كما أن تقديمه لبعض الأدلة غير القوية قد تهز ثقة القرائ العقلاني في نتائجه وتنظيره.
إسهاب في إسقاط البوذية :
استخدم الفيلسوف الفرنسي إسقاطات متكررة لبعض المفاهيم والأفكار البوذية أو ذات الأصول البوذية على غرار السلام الداخلي ومقولات بوذا، الأمر الذي حصر الكثير من المفاهيم في مجالات ضيقة كان يمكن التعامل معها بطريقة أكثر شمولية بعيدا عن التجاذبات الدينية.
حوصلة :
يمثل هذا الكتاب نافذة صغيرة تفتحها على كينونتك من وجهة نظر مختلفة، لكن أهم ما يميز الكاتب هو قدرته على التحليق بالقارئ إلى مستويات جديدة، تجعله أكثر قدرة على فهم إدراكه ووعيه الذاتي. وتجدر الإشارة إلى أن الكاتب والفيلسوف الفرنسي قد نجح وإلى حد بعيد في تبسيط العديد من المشاكل الفلسفية والوجودية عبر تفكيكها إلى مسائل بسيطة، دون إسهاب مضجر أو إهمال يمس من البعد الفكري للنص.
تابِعنيremove_red_eye36,096
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق